الحركة الطلابية المسيرة والمسار - الجزء الثالث

بقلم المناضل الأستاذ: عمر جابر عمر - ملبورن، استراليا

الدائرة الثانية - إريتريا:

(1) كرن: كانت مدينة (كرن) القلب النابض للحركة الوطنية الإريترية - بعد الحرب العالمية الثانية،

شهدت ميلاد (الرابطة الإسلامية) وأصبحت مركزاً للقيادات الحركة الوطنية ومقراً لنشر رسالة (الاستقلال الوطني) ورفض المشاريع الإثيوبية لابتلاع إريتريا والمشاريع البريطانية لتقسيم البلاد.

في ذلك المناخ السياسي نشأ جيل جديد بدأ خطواته الأولى وهو يسمع ويشاهد ويتابع والتحق بالمدارس وأصبح يلتقي ويناقش. وبعد فشل المشروع الوطني وتطبيق القرار الفيدرالي عام 1952م بدأت إثيوبيا تعمل تدريجياً علي الغاء القرار الفيدرالي فقرة بعد أخرى وبدأ الزعماء الوطنيون احتجاجاتهم ألغت إثيوبيا (شارات السيادة الإريترية) في أجهزة الدولة (الشرطة - الجمارك - المرور الخ ثم قامت بالانقلاب علي رئيس البرلمان السيد/ إدريس محمد أدم، والذي رفض الموافقة علي مخططاتها بإنزال العلم الإريتري وإلغاء اللغة العربية.

في بداية عام 1958م بدأ الطلاب في مدارس كرن اجتماعاتهم ومشاوراتهم - كانوا يتابعون الأحداث وكانوا شباباً لا يتجاوزون السابعة عشر يحركهم حماس وطني وتدفعهم روح المقاومة ضد الهيمنة الإثيوبية.

لم يكونوا جزءا من حزب أو حركة سياسية بل كانوا (أفراداً) ارتبطوا بترابهم وقضيتهم ووطنهم.

صحيح أن أنظار إثيوبيا لم تكن تتجه إليهم فلم يكن قد صدر عنهم بعد ما يشكل خطراً علي إثيوبيا ولكن بعد أن صدر عنهم البيان الأول) والذي يدعوا الشعب الإريتري إلي اليقظة والدفاع عن الوطن بدأت إثيوبيا تتابع باهتمام ما يقوم به هؤلاء الفتية.

كانت حركتهم يومية - وسط المواطنين - في الأسواق وفي المنازل - في الشوارع والملاعب كانوا يطاردون (العملاء) ويحرجونهم مثلا:

* كان أحدهم ينتعل حذاءين (وليس حذاءا واحد) مرة واحدة علي أن يكون الحذاء الأسفل ملون بلون العلم الإثيوبي ويرمز إلي العملاء)

* وكان أخر يحمل العلم الإريتري في جيبه وعندما يرى أحد العملاء يخرجه ويخاطب العميل دون أن ينظر إليه: هل أبيعك يا علمي الحبيب!؟.

* وكان ثالث يضع الشارات التي ألغتها إثيوبيا ويحاول تذكير الناس بها. أو يحمل الدستور الإريتري وكلما قابل عميلا سأله عن مادة من مواده وهكذا كان نشاطهم اليومي مركزاً علي القضية الوطنية ولا شئ غيرها.

ولكن في الشهر الخامس قرر الطلبة تصعيد الموقف وتغيير أسلوب التعبير وخرجوا في أول تظاهرة طافت شوارع مدينة كرن وضمت جميع الطلاب بما فيهم أولئك الذين أتوا من خارج (كرن) كانت مظاهرة فريدة وجريئة شارك فيها المئات من الطلاب بالإضافة إلي بعض (أبناء السوق) الذين أردوا التعبير عن تضامنهم مع الطلاب ولم تتردد السلطات الإثيوبية في استخدام كل وسائل القمع والإرهاب واعتقلت أكثر من خمسين طالباً وضعتهم في السجون بصورة غير إنسانية حيث كان أكثر من عشرين شخص يوضعون في غرفة واحدة!

والغريب أن الجنرال (تدلا عقبيت) عندما جاء لتفقد الأحوال في اليوم الثاني ووجد تلك الصورة أمر بترحيلهم وتوزيعهم علي مناطق أخرى قائلاً: نريد تأديبهم وليس قتلهم!

وأصبحت قضية الطلبة محور الحركة والتحرك في المدينة. كانت السلطات الإثيوبية تريد (اختيار) بعض القيادات الطلابية ومحاكمتهم بالسجن لسنوات ليكونوا عبرة للآخرين، وكان سكان المدينة يريدون حماية أبنائهم بآي ثمن. كان المطلوب رقم (1) هو الطالب (محمد سعيد عمر أنططا) وكانت التهمة هي التحريض والتآمر والإساءة إلي الدولة!.

وكان علي السكان اللجوء إلي وسائلهم الخاصة للدفاع - ذهبوا لأخذ (فتوى) من الشيخ إمام الجامع حول الإفادة الغير صحيحة لإنقاذ مسلم!؟.

وكانت الإجابة: نعم لإنقاذ روح مسلم برئ يمكن تضليل السلطة!!.

وشهد شهود بأن الطالب المتهم كان معهم وتحت أنظارهم ولم يفعل أكثر من غيره! وحكم علي الطالب (محمد سعيد أنططا ستة أشهر قضاها في السجن. كانت لجنة الطلاب التي نظمت وقادت وحرضت تتكون من:-

1. محمد سعيد أنططا

2. محمد عمر يحي

3. أدم محمد علي أكتى

4. عافة عثمان ضرار

5. جامع عبد الرحمن

6. هاشم مهري

7. علي محمد صالح

8. عبد الرحمن سكاب

9. عثمان زرؤم

تلك كانت الشرارة الأولى ومنها انطلقت إلى مدن أخرى - ومع تصاعد المقاومة الوطنية ضد التجاوزات الإثيوبية كانت الحركة الطلابية تتصدر تلك المقاومة في كافة المدن الإريترية.

دائرة إريتريا:

2. أسمرا: كانت (كرن) مركز نشاط الحركة الوطنية الإريترية وكما ذكرنا في الحلقة السابقة فأن تأثير علي الطلاب كان مباشراً وبشكل يومي. لم يكن الحال في العاصمة (اسمرا) كذلك - كانت هناك قوى الانضمام (أندنت) والقوى الأساسية للشرطة والأمن وأجهزة الدولة ومئات الموظفين الذين كانوا يطمحون في حياة جديدة مع الفدرالية. لم يحقق المشروع الوطني (الاستقلال) أهدافه ولكن بالمقابل لم تقتنع إثيوبيا بالقرار الفدرالي فعملت علي تفكيكه وإلغائه خطوة خطوة للوصول إلى ضم إريتريا نهائياً في نوفمبر 1962م.

كان في (أسمرا) البرلمان والصحف - وكانت القوى الوطنية خاصة الكتلة الاستقلالية والكتاب والصحفيون يخاطبون أعضاء البرلمان ويناشدونهم للتمسك بالقرار الفدرالي والتصدي لمحاولات إثيوبيا الرامية إلي إلغائه. ولكن تركيبة البرلمان كانت في معظمها أما موالية لإثيوبيا أو عناصر تبحث عن المغانم والحياة المريحة.

و كان أحد الكتاب يكتب باستمرار لإقناع أعضاء البرلمان لاتخاذ موقف وطني ولكنه وصل إلي مرحلة اليأس منهم وختم مناشدته لهم ببيت من الشعر قال فيه:

* إذا كان شعري شعيراً لاستحسنته الحمير.

* ولكن شعري شعور فكيف تفهمه الحمير؟.

في ذلك المناخ تم افتتاح مدرسة (هيلا سلاسى) ومدرسة (الأمير مكنن) 1956-1957م كذلك تم افتتاح معهد المعلمين عام 1958م وكان للأخير دوراً هاماً في تعبئة الطلاب وتوجيههم للاعتصام والإضراب.

* ففي عام 1958 شارك طلاب معهد المعلمين ومعهم جميع الطلاب في إضراب العمال تضامناً معهم في مطالبهم.

* في عام 1959م - بعد إنزال العلم الإريتري قام طلاب معهد المعلمين باعتصام في داخل الكلية خلعوا فيه ملابسهم احتجاجاً علي إنزال العلم وتم إلقاء الخطب والكلمات من قبل المعلمين والطلاب ومن هؤلاء:-

1. قبر لؤول ولد صيون - الناظر

2. عمر موسى حاج - من المعلمين

3. محمود تركاي.

ولكن الحركة الطلابية في (اسمرا) أخذت شكلها ومحتواها منذ عام 1961- 1965م في تلك الفترة نظم الطلاب المظاهرات والإضرابات ضد الوجود الإثيوبي. وكان مركز تلك الحركة في.

1. مدرسة الأمير مكنن الثانوية وكانت خلية العمل والتوجيه تضم - ولد يسوس عمار - ميكائيل قابر - سيوم عقبا ميكئيل - أسياس أفورقي ولد داويت تمسقن - هيلى ولد تنسئ (درع) قرزقهير تولدى وأخرون.

2. مدرسة هيلا سلاسى الثانوية، وكان من ضمن خلية الطلبة هناك أحمد محمد ناصر (رئيس الجبهة لا حقاً).

كانت الأوضاع السياسية والاقتصادية تزداد سوءا يوماً بعد يوم - وما زاد الأمر سوءاً التخلف التعليمي الذي كانت تعيش فيه إثيوبيا مقارنة بالدول الأفريقية المجاورة.

ففي عام 1960 كانت نسبة الطلاب الذين هم في سن الدراسة في المدارس الكينية تبلغ 62% في حين أن تلك النسبة في إثيوبيا لم تتجاوز 7%!!.

وينقسم نشاط الحركة الطلابية في (أسمرا) إلي مرحلتين الأولى 1958- 1965م وهي مرحلة العفوية والحماس.

الثانية: 1965- 1967م وهي مرحلة التنظيم والتنسيق بين مختلف المدارس بل والمدن ومن أهم أحداث المرحلة الأولى:

* إضراب المدرسة الإسلامية في اسمرا في النصف الثاني من الخمسينات.

* إضراب مدرسة (هيلى سلاسى) والذي وأن لم يكن لأسباب سياسية واضحة بل كان تحت شعار إصلاح إداري ورفض اللغة الأمهرية إلا أنه أدى إلي تحطيم المعدات وواجهات المدرسة وأدى إلي اعتقال العشرات وردود الفعل كانت ذات أبعاد سياسية أكثر منها إدارية.

* عام 1961م - بلغ عدد الطلاب في مدرسة (هيلاسلاسي) أكثر من 350 - وكذلك تضاعف عدد الطلاب في مدرسة الأمير مكنن - الأمر الذي زاد من الأنشطة العفوية وتمرد الطلاب.

*عام 1962م بعد اندلاع الكفاح المسلح لم تكن أخبار الثورة معروفة علي نطاق واسع في أسمرا - ولكن الشرطة هي التي كانت تتهم الطلاب بالارتباط بالثورة كلما خرجوا في مظاهرة أو قاموا بإضراب وقد سمع الطلاب لأول مرة بأسم (حامد عواتى) من الشرطة أثناء التحقيقات وأدركوا بأنهم ليسو وحدهم!.

وفي عام 1962م جاء قائد الشرطة (تدلا عقبيت) إلي مدرسة الأمير مكنن لتحذير الطلاب من الانخراط في أنشطة سياسية، ولكنه فوجئ بشعار مكتوب بخط عريض علي بوابة المدرسة يقول:

(عاش حامد عواتى).

* في مايو 1962م نظم طلاب مدرسة الأمير مكنن إضراباً عاماً وقرروا الاتصال بالمدرس والطلاب الآخرين للخروج معهم للتظاهر إمام البرلمان الذي كان منعقد لمناقشة الميزانية.

ورغم تردد طلاب مدرسة هيلاسلاسي آلا أنهم انضموا إلي التظاهرة وخرج جميع الطلاب باتجاه البرلمان. ولكن الشرطة كان لديها علماً بذلك فأقفلت الطرقات ولكن بعض الطلاب كسروا حاجز الشرطة وإمام البرلمان هتفوا:

نريد الحرية - ساعدونا!

وقد قام البوليس بضرب واعتقال العشرات من الطلاب، الأمر الذي خلق وضعاً متوتراً وأكتسب الطلاب تعاطف الأباء وحتى المواطنين العاديين.

استمرت تلك الإضرابات لمدة أسبوع وأنضم إليها جميع الطلاب حتى في المدن الإريترية الأخرى الذين قاطعوا الدراسة مطالبين بالإفراج عن زملائهم.

* في مارس 8/12/1965م تم تنظيم حملة طلابية من خلال اجتماع دعت إليه القيادة الطلابية في مدرسة الأمير (مكنن) وحضره ممثلون عن مدرسة (هيلى سلاسي) و المدرسة الفنية للنقطة الرابعة (مساعدة أمريكية) وكانت مطالب الاجتماع كما يلي:-

1. أن تتدخل الأمم المتحدة وتدين ضم إثيوبيا لإريتريا وأن تقوم بإجراء استفتاء حول مستقبل إريتريا.

2. إغلاق القاعدة الأمريكية في أسمرا.

3. طرد العناصر الإسرائيلية العسكرية من إريتريا.

4. أن تتوقف إثيوبيا عن قفل المدارس والمؤسسات الصناعية في إريتريا.

كان ذلك تحدياً كبيراً للسلطات الإثيوبية التي أدركت أن محاولاتها لتقسيم الشعب الإريتري علي أسس طائفية قد فشلت. إثيوبيا كانت تتهم جبهة التحرير الإريترية بأنها (إسلامية) وإنها تتلقى الدعم من الدول العربية والإسلامية - أمال المسيحيون فهم (الأبناء المخلصون)!

ولكن فجأة قام هؤلاء (الأبناء) بمظاهرة داخل العاصمة (أسمرا) وطالبوا بأمور تتفق مع برنامج وسياسة جبهة التحرير الإريترية! ومنذ ذلك التاريخ دخلت الحركة الطلابية الإريترية في (اسمرا) المرحلة الثانية - مرحلة التنظيم والارتباط بجبهة التحرير الإريترية.

إلى اللقاء... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click