الحركة الطلابية المسيرة والمسار - الجزء الرابع

بقلم المناضل الأستاذ: عمر جابر عمر - ملبورن، استراليا

أسمرا (2)

المرحلة الثانية بدأت في أغسطس 1965م عندما وصل إلي أسمرا مناضلان أرسلتهما قيادة جبهة التحرير الإريترية

لتكوين خلايا وتنظيم العمل الجماهيري. وصل كل من سيوم عقبا ميكائيل وولدويت تمسقن - وكانا أصلاً من طلبة مدرسة الأمير مكنن وكانا أصلاً من طلبة مدرسة الأمير مكنن لي أسمرا وقاما بعقد سلسلة من الاجتماعات لمناقشة كيفية العمل التعبوي وتنظيم الطلاب والمدرسين والوطنيين بصفة عامة.

كذلك وصل مناضل أخر من الجبهة (سراج إبراهيم) للقيام بنفس المهمة. ولكن تم اعتقال كل من (سيوم وولد داويت) سريعاً بعد أن سلم أحد أعضاء القيادة الثورية نفسه للسلطات الإثيوبية وكشف مهمتهما.

في عام 1966م وصل مندوب أخر من الجبهة (قيلاي قرماي) والذي كلف لجنة مدرسة الأمير مكنن بالعمل علي تجميع جميع اللجان في المدارس الأخرى. ووفقاً لذلك التنظيم تكونت خلايا لجبهة التحرير في كل مدرسة علي أن ترسل كل مدرسة مندوبها إلي لجنة مدرسة الأمير مكنن والتي كانت بدورها ترفع تقاريرها إلي القيادة الثورية للجبهة في (كسلا - السودان).

وقامت إدارة ذلك التنظيم بتكوين فروع في المحافظات الإريترية الأخرى - كما تم تجنيد السائقين (بصات وشحنات) لنقل الرسائل والمنشورات وتم إعطاء أسم (الاتحاد العام لطلبة إريتريا) لتلك الحركة.

كان نشاط ذلك الاتحاد يشمل توزيع المنشورات - جمع المعلومات التي تطلبها الجبهة والقيام بعمل تعبوي يومي كان أحد نتائجه إفشال احتفال الدولة باليوبيل الفضي لعودة الإمبراطور (هيلاسلاسي) إلي العرش.

كما قام الاتحاد بتأجير ثلاثة منازل لإيواء الفدائيين من الجبهة للقيام بمهام محددة. بعد عام 1967م غادر بعض لجنة الاتحاد البلاد والتحق بالجبهة أو تم اعتقالهم والبعض الأخر التحق بجامعة (أديس أبابا) واستمر نشاطهم وتنظيمهم للخلايا هناك كان لدور الحركة الطلابية (أسمرا) دوراً هاماً في بلورة الروح الوطنية ورفع شعار (الاستقلال الوطني) في منطقة (المرتفعات) بحكم تركيبتها الاجتماعية والثقافية والدينية، كانت تعتبر (قاعدة (للمشروع الإثيوبي) بعد الحرب العالمية الثانية.

ولكن الجيل الجديد وبحكم وعيه وممارسات إثيوبيا ضد كل الإريتريين أصبح في موقع أخر ومختلف عن ذلك الموقف الذي أتخذه آباؤه.

تلك كانت بداية الالتحاق بالمسيرة المسلحة التي قادها حامد عواتى وذلك كان المسار الذي أتجه إليه أبناء الهضبة الإريترية.

ولكن هل كانت الصورة (وردية) دائماً والاتفاق والوفاق يسود علاقات القيادات الطلابية ؟

ليس من الموضوعية أن نقول ذلك فهناك دائماً (عقول) وميول) تلعب دوراً يبدوا للوهلة الأولى بأنه (اجتهاد) خاطئ ولكن أثبتت الأيام فان ذلك كان توجها مؤسسا وممارسة تنطلق من فكر مختلف ومخالف لما كان سائد ومشتركاً بين رفاق المسيرة.

يقول (ولد يسوس عمار) في استرجاعه لأحداث تلك الفترة:

كنت رئيساً للمجموعة ولكني فوجئت ذات يوم بدعوة إلي اجتماع طارئ يحضره من لم يكونوا أعضاء معنا - وعندما سئلت عن الاجتماع من بعض الأعضاء: أجبت لا علم لي به ولا يمكن لاجتماع أن يعقد بدون علم أو موافقة الرئيس.

وعندما استفسرت عن الجهة التي تقف وراء الدعوة كانت الإجابة: أسياس أفورقي!!.

قد يكون (ولد يسوس) في نظر المسلمين مسيحياً - وهو كذلك - ولكن في نظر المسيحيين من أبناء المرتفعات فهو من ثقافة أخرى وقومية مختلفة (بلين) وهو ثالثا من المنخفضات (كرن)! وشخص بتلك المواصفات لا يحق له أن يقود أبناء المرتفعات من المسيحيين!

تلك الفكرة كانت مؤشراً مبكراً علي تكوين العقلية الشوفينية والتي أدت إلي إنشاء الجبهة الشعبية ومن بعدها دولة الفئة الواحدة.

ذلك الخلاف (الطلابي) الذي بدأ في مدرسة الأمير مكنن تواصل وتصاعد في جامعة (أديس أبابا) وبعد ذلك في إطار الثورة - لم يتوقف أسياس أو يتراجع عن تصميمه عن تصفية هؤلاء الخصوم - فبعد أن أصبحت له اليد العليا في مرحلة الثورة قام بتصفية (ولد داويت تمسقن) وفي مرحلة الدولة قام باعتقال (هيلى درع) ومازال يطارد الآخرين.

إنها كانت صفحة مجيدة من نضالات الحركة الطلابية أثرت وتأثرت بما كان يجري في الخارج والذي كان جزءا من صورة شاملة رسمت ملامح الحركة الطلابية وحددت مسيرتها ومسارها.
الحلقة الثامنة

أوربا بدأ التواجد الطلابي الإريتري في أوربا منذ بداية الستينات عن طريقين:

* البعثات الإثيوبية الرسمية إلي بعض دول أوربا.

* الهجرة الفردية للطلاب خاصة من الشرق الأوسط.

وبحكم المناخ الديمقراطي في أوربا (الغربية) وسهولة التحرك بين الدول الأوربية (قطارات - سيارات) كان الاتصال بين الطلاب الإريتريين في أوربا متواصلاً خاصة في مواسم الصيف.

كانت هناك مجموعات متفرقة هنا وهناك.

1- السويد - حروي بايرو - سلمون قشي - إدريس بادمى.

2- إيطاليا - يحي جابر - خليفة عثمان - يوسف برهانو

3- يوغسلافيا - أرقاي هبتو - فصوم قبرسلاس.

4- بولندا - هبتى تسفا ماريام - أمباي تولدى.

5- موسكو - نايزقي كفلو

وبعد سنوات من التواصل والحوار تم تكوين (اتحاد طلبة إريتريا في أوربا) وأصبح مقره (بولندا) كان الهدف الأساسي للاتحاد هو نشر القضية الإريترية و إثبات الهوية الإريترية ولكن مع بدء الانشقاق في جبهة التحرير بدأ الخلاف يبرز بين الطلاب الإريتريين في أوربا. وفي عام 1971م شاركت بالصدفة في مؤتمر اتحاد طلبة أوربا في (ميونخ) في ألمانيا الغربية، كنت في إجازة الصيف قادماً من بغداد للعمل خلال العطلة الصيفية. وكانت تجربة جديدة بالنسبة لي ومؤلمة في الوقت ذاته. شاهدت الشوفينية في ابشع صورها ورأين صورة التعصب الطائفي ونفي الأخر بوقاحة ودون خجل أو تستر. ظهر الانقسام منذ اليوم الأول - مجموعة أعدت نفسها للهجوم علي قيادة الاتحاد (مجموعة (بولندا) واتهامها بالانحياز و(العمالة) للقيادة العامة لجبهة التحرير الإريترية. لم أكن عضواً في المؤتمر ولكني كنت مراقباً، بدأ المعارضون قراءة (لائحة) الاتهام - وقامت قيادة الاتحاد بالرد عليها ولكن كان واضحاً غياب لغة الحوار الموضوعي وعدم وجود أرضية مشتركة بين الطرفين.

ثم طالب المعارضون من المؤتمر الاستماع إلي رسالة مسجلة بصوت (ولدأب ولد مريام) موجهة إلي المؤتمر. كانت الرسالة عبارة عن اتهام ملئ بالسموم والأحقاد ضد جبهة التحرير الإريترية واتهامها بما ليس فيها وبما لم تفعله. وفي ختام الرسالة يبشر ولدأب ولد ماريام، بطهور تنظيم جديد سينقذ الشعب الإريتري هو قوات التحرير الشعبية)! ولكنه في حقيقة الأمر من تحليله ولغته وإشاراته كان يبشر بشي أخر لم يذكره هو تنظيم واتجاه أخر ظهر علي السطح فيما بعد هو (الجبهة الشعبية)!؟.

ولتلخيص الصورة عن مؤتمر (ميونخ) أذكر حادثتين:-

1- عندما أراد (إدريس بادمى) عضو المؤتمر من السويد الحديث باللغة العربية منع من ذلك! ولكن (بادمي) قال لهم لا أعرف لغة أخرى ولغة الأم (كوناما) لا يعرفها أحد منكم ؟ قالوا له: تحدث بالكوناما! وأنسحب بادمي من الجلسة!.

2- كان هناك عضو في المؤتمر من برلين الشرقية أسمه (بيطروس كدانى) وكنت أعرف موقفه فهو مؤيد للجبهة وجاء مؤخراً من السودان بعد أن كان متفرغاً لفترة وفوجئت بأحد المعارضين يقف ويطلب من رئاسة المؤتمر إعطاء الكلمة لبيطروس كداني!!.

ظننت في بادئ الأمر بأن الرجل قد لا يعرف (بيطروس) وقلت في نفسي ربما كانت (لحظة يقظة) للضمير واقتناعاً بالرأي الأخر!؟.

ولكنني كنت واهماً وعلي خطأ كبير.

تقدم (بيطروس) إلي المنصة وقال ما عنده وكان كما توقعت: دفاعاً عن الجبهة وشرحا لمواقفها.

وبعد أن انتهى تقدم نفس ذلك الشخص الذي طلب له الكلمة إلي المنصة، وظننت مرة ثالثة ربما كانت لديه أسئلة واستفسارات وهذا من حقه ولكن حدثت المفاجأة الصدمة! أخرج ذلك الشخص ورقة من جيبه وقرأ منها أسئلة موجهة إلي بيطروس.

• أسمك بالكامل
• مكان الميلاد
• القبيلة

وبعدها ألقى بقنبلته:

بما أنك تنتمي إلي قبيلة (البلين) التي قتلت أخوتنا (ولداي كداني) فأننا قررنا اعتقالك ومحاكمتك ثاراً لأخوتنا)!؟

كان يشير إلي قيام القيادة العام لجبهة التحرير باختطاف وإعدام الشخصين المذكورين في إطار الصراع الذي كان يدور بين فصائل الثورة!

لم أكن أتوقع أن يعبر شخص عن تلك الأفكار وهو يعيش في أوربا بلد الحرية والديمقراطية!

ولكن بعد أكثر من عقدين من الزمان رأينا كيف أن هؤلاء الذين يعيشون في أمريكا وأوربا وقفوا إلي جانب الدكتاتورية لمجرد أن النظام يعبر عن ثقافتهم ويمثل هويتهم وطموحاتهم، أنهم يعيشون في حالة انفصام يومي - يتعاملون مع مجتمع ديمقراطي ويدفعون عن الديمقراطية في أوربا وأمريكا ولكنهم يزيحون ذلك القناع عندما يتحدثون عن إريتريا!

أنتهي مؤتمر (ميونخ) إلي الفشل التام وذهب كل إلي حاله واستطعنا (تهريب) بيطروس ليلا عبر الحدود ليعود إلي ألمانيا الشرقية سالماً (توفى بعد سنوات) من تلك الحادثة أثر مرض).

تفرق الجمع وذهب من كان يؤيد جبهة التحرير والتحق بها ووصل بعضهم إلي مواقع قيادية فيها (دكتور هبتى تسفاماريام) وذهب آخرون إلي الاتجاه الأخر.

وكانت المرحلة التالية هي الاتصال والتواصل بين الطلاب أوربا والشرق الأوسط وتأسيس (الاتحاد العام لطلبة إريتريا.

إلى اللقاء... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click