أوراق مطويّة عن الثّورة الإرترية - الحلقة السابعة والأخيرة

Samadit.com سماديت كوم

حوار مع المناضل: سليمان أحمد هندي - قائد سلاح الهندسة السابق في الجبهة الشعبية حاوره الأستاذ: عبدالقادر بكري حمدان - صوت إرتريا

في لقاء مع الشهيد ابراهيم عافا في منتصف عام 1980م في (اراق) منطقة الساحل...

سليمان أحمد هندى قال لي مندهشا بأن هناك شئ غريب لا بد ان تعرفه قريبا.. وسألته عن اي شئ يتحدث.. صمت قليلاً.. وقال دعنا من هذا.. وعندما أخبرته أن بطرس سلمون و عقبا ابراهيم التقيا في منتصف الطريق بين منطقة حليبة وبدهو.. رد الشهيد عافا قائلاً أنهم يلتقون من ورائنا لترتيب شئ ما في الخفاء... وقال مؤكداً: فعلا هناك شيئا يتم تدبيره في الخفاء.. ولكن لاحظت أنه لا يريد فتح هذا الموضوع معي لاعتبارات كثيرة.. منها وجود الرقابة الشديدة علينا.. لذلك لم اتعمق معه في الحديث عن ما يقلق الشهيد من لقاء الاثنين.. وعلمت بعد بحث طويل والاستفسار عن بعض الاشخاص ممن أثق فيهم.. لأن لقائي المفاجئ بالشهيد ابراهيم عافا في تلك المنطقة التي اتيت إليها في مهمة كان بعد غياب عامين لم يتم خلالها بيني وبينه أي إتصال وعلمت بعد ذلك بأن هناك خلافا بين أعضاء اللجنة المركزية في الجبهة الشعبية والتي كان الشهيد ابراهيم عافا عضواً فيها.. حيث كانت اللجنة منقسمة إلى كتلتين:-

الكتلة الأولى: بقيادة ابراهيم عافا ومعه أحمد القيسي وشريفو وعلي السيد عبدالله وحقوس وكوادرهم...

والكتلة الثانية: بقيادة هيلي درع وبطرس سلمون وسبحت افريم وعقبا ابرها وكوادرهم... وكان اسياس افورقي وقتها يلوح بالصداقة والانتماء للكتلتين.. ولكنه استراتيجيا كان يخطط ويعمل في الخفاء مع مجموعة هيلي درع وبطرس سلمون وسبحت افريم.. وحين سئل اسياس في أحد اجتماعات الكوادر فيما إذا كان هناك خلافات بين أعضاء اللجنة المركزية، أجاب بنعم ولكنه قال سيتم مناقشتها وذكرها في الوقت المناسب.. وبعد هذا اللقاء وعندما اكتشف افورقي بأن هذه القضية لا تحتمل التأجيل... قام بدعم الجناح الذي كان يتعاطف معه في الخفاء مستخدما سلطاته بتحجيم قيادة الشهيد ابراهيم عافا للجيش الشعبي وذلك من خلال تقسيم اللجان العسكرية الى جبهات متعددة... فاسندت جبهة نقفا لبطرس سلمون وشمال ساحل لعقبا ابرها... وكان نصيب الشهيد ابراهيم عافا في ذلك التقسيم الاشراف على هيئة التدريب مما جعل دوره محصوراً على التدريب فقط، بعد أن تم تقسيم الجيش على هؤلاء المذكورة أسمائهم آنفا.ً. ومنذ تعيينه كمسؤول في هيئة التدريب لم يقوم الشهيد ابراهيم عافا بأي نشاط عسكري كبير يذكر.. فبعد أن تم تحجيمه من قبل افورقي والكوادر الملتفه حوله، لم يلتقي بأسياس ولا بغيره من أعضاء اللجنة المركزية إلا في الحالات النادرة... وفي تلك اللقاءات كانت تحصل مشادات وخلافات بين الشهيد ابراهيم وهؤلاء الاشخاص ...وفي أحد اجتماعات الحزب السرية تشاجر اسياس افورقي مع الشهيد ابراهيم عافا حيث انفعل الشهيد لدرجة ضرب الخيمة بيده ولكن سرعان ما تدخل المجتمعون وقاموا بتهدئة الشيهد عافا وانفض الاجتماع بعد ذلك دون التوصل إلى أي نتيجة بخصوص تصفية الاجواء بين افورقي و الشهيد عافا...ولم نلتقي بعد ذلك إلا في أحد زيارات اعضاء المكتب السياسي ابراهيم عافا وبطرس سلمون في منطقة (اراق) ساحل لجهاز الهندسة.. حيث قمت بتوجيه دعوة لهما بمناسبة عقد قران أحد المناضلين التابع لجهاز النهدسة.. ولكن اتضح لي بأن الجو كان لا يزال متوتراً بين الشهيد عافا وبطرس سلمون...

وعندئذ لم أحاول اثارة الموضوع.. حيث طلبت من بطرس سلمون من باب المجاملة أن أقوم بزيارته في مكتبه.. وقال لي انه يستحسن أن اتصل به قبل الزيارة عبر الهاتف.. الا انني استغربت بأن يقول لي هذا الكلام علما ان خيمته لم تكن بعيدة من مكان تواجدي.. وتأكدت من كلامه انه لا يريد أن يزوره أحد في تلك الليلة لانشغاله مع بعض الجنود الذين عادوا من مهمة سرية.. كانت في تلك الفترة الساحة الاريترية مليئة بالمشاكل وخصوصا بعد انسحاب الجبهة الشعبية من المدن عامة إلى منطقة الساحل.. وكان الخلاف يدور بين أعضاء اللجنة المركزية حول قضية التوحيد بين جبهة التحرير والجبهة الشعبية.. وكان اللقاء في كرن بين القيادتين والذي تم فيه الاتفاق للتنسيق في عملية ضرب معسكر بارنتو.. وكانت الأمور تسير جيداً في الظاهر...

ولكن القيادة العسكرية الجديدة للجبهة الشعبية كانت كما يبدو منهمكة في قضايا أخرى لا يعرفها أحد سوى مجموعة اسياس افورقي وكوادره أمثال بطرس سلمون وهيلي درع الذي تصدوا لأي تنسيق مع قوات الجبهة في أي عمل عسكري.. حتى لا تكون قوات الجبهة شريكة لهم في تحرير أي مدينة والأسباب كانت معروفة حتى لا يقود ذلك العمل العسكري الموحد إلى توحيد الفصائل الاريترية المقاتلة.. من أجل ذلك أصدرت قيادة الجبهة الشعبية أمر الانسحاب من المدن الاريترية المحررة والتي كانت تشكل 3 ارباع المدن في اريتريا لإجبار قوات جبهة التحرير الاريترية وقوات التحرير الشعبية للانسحاب ايضا من المدن التي كانت تحت قبضتها...

في هذه الاثناء كان جهاز الهندسة الذي كنت اشرف عليه تراجع مع القوات المنسحبة إلى منطقة الساحل حيث اتيحت لنا فرصة اللقاء بزملاء النضال بعد غياب طال أكثر من عامين انشغلنا خلالها بتحرير المدن.. فوجدت من كنت اعرفهم في السابق ومعظمهم من رفاق قوات التحرير الشعبية... وكنا وقتها نتحدث بالعربية والتقري ولكن وجدتهم بدون استثناء يتحدثون بالتجرينية مما جعلني استغرب... مع زحمة اللقاءات بزملاء النضال ومهرجان الزواج في مقر سلاح الهندسة نسيت ضيوفي الشهيد عافا وبطرس سلمون.. وحاولت أن انقذ الموقف في وقت متأخر من الليل..

واتجهت مشيا بتجاه خيمة بطرس سلمون.. دون سابق انذار.. ودخلت عليه دون استئذان.. فلاحظت في وجهة على غير عادته علامات الارتباك.. وفي يده مسدس كاتم الصوت كان يقوم بتنظيفه.. وشعرت في تلك اللحظة برعشة شديدة معتقداً بأن هذا المسدس ربما قتل به ابراهيم عافا أو يعده لذلك.. وسألته على الفور عن الاسباب التي تجعله يقوم بتنظيف المسدس في هذا الوقت... وقال مبتسما.ً. ان هذا المسدس عادوا به الجنود من مهمة سرية.. ولم أواصل معه النقاش بعد ذلك.. بل انطلقت مسرعا للاطمئنان على ابراهيم عافا في خيمته... وبعد التأكد من تواجده في مقره..

عدت باتجاه الخيمة الذي كان يعسكر حولها بعض الجنود الذين اعرفهم وتحدثت معهم بالنهار وذكروا لي بأنهم عادوا من السودان... وسألت أحدهم مباشرة.. هل كانت المهمة التي تحدث عنها بطرس سلمون داخل اريتريا أم في الخارج... ورد أحدهم (...) بأننا نفذنا حكم الاعدام على عثمان عجيب بأمر من قائدنا بطرس سلمون.. وقلت لها ماهي الضمانات ان تبقيك جماعة بطرس سلمون على قيد الحياة وأنت تعرف هذا السر.. قال انني مجرد جندي على أن انفذ الأوامر العسكرية.. وصمت متأثراً بعتابي له... وسرعان ما دخل في خيمة بطرس سلمون وطلب إجازة مرضية.. وبعد ثلاثة أشهر من هذه الحادثة في النصف الأخير من عام 1980م اختفى هذا الجندي وسمعنا بعدها أنه استشهد.. كما سمعنا باستشهاد القائد الميداني البطل ابراهيم عافا في ظروف غامضة..

الهدف من العملية.. كان من أجل ربك الساحة الاريترية وتمييع عملية الوحدة.. وعلى الفور أشاعت أجهزة أمن الجبهة الشعبية في الداخل والخارج.. بأن جبهة التحرير الاريترية قتلت عثمان حسن عجيب.. الذي كان مع خلاف معها.. كما بادرت قوات التحرير الشعبية بصدار بين حول الجريمة البشعة التي راح ضحيتها المناضل عثمان حسن عجيب واحد المواطنين الاريتريين متهمة جهاز المخابرات الاثيوبية...

ان اسلوب الارهاب والاغتيالات لم يكن جديداً في تنظيم الجبهة الشعبية والقائمة تطول لذكر وحصر المناضلين الذين اغتالتهم عصابات الجبهة الشعبية بدءاً من المناضل ابراهام تولدي وسلمون ولدي ماريام و مروراً بالشهيد عافا وعثمان عجيب وعشرات المناضلين مسلمين ومسيحيين في داخل اريتريا وخارجها.. سيأتي يوم الحساب التي ستمثل فيه تلك العصابات أمام محكمة الشعب.. ان يد الغدر التي طالت الشهيد ابراهيم عافا والشهيد عثمان عجيب أيا كانت هويتها كانت تحركها الاصابع الاثيوبية بهدف تلطيخ سمعة الثورة الاريترية واشعال نار الفتنة بين فصائلها وتلك العصابات كشف أمرها بعد أن تحقق حلمها وهو السيطرة الكاملة على اريتريا..

وسنوات حكمها الستة كانت كفيلة بأن تكشف عن نواياها وحقدها ضد القدماء.. وهي اليوم ليست بحاجة أن ترسل الجنود في جنح الظلام للقيام بعمليات الاغتيالات فلها ما يكفيها من القوات الخاصة والسلطة التامة بأن تنفذ عمليات التصفية باسم القانون التي تخرجت من مدرسته (قانون الاغتيالات والتصفيات الجسدية).

Top
X

Right Click

No Right Click