الحركة الطلابية المسيرة والمسار - الجزء السادس والأخير

بقلم المناضل الأستاذ: عمر جابر عمر - ملبورن، استراليا

صراعات الحركة الطلابية

الانشقاق الذي حدث داخل جبهة التحرير الإريترية أنعكس ذلك علي الحركة الطلابية

خاصة بعد المؤتمر الوطني الأول للجبهة واندلاع الحرب الأهلية.

قام المؤيدون لقوات التحرير الشعبية من الطلاب بإنشاء اتحاد جديد (الاتحاد العام لطلبة إريتريا) وأصبح مقره القاهرة.

لم يكن لذلك الاتحاد الانتشار الجغرافي الذي كان للاتحاد العام لطلبة إريتريا - بغداد ولا كان يملك علاقات وعضوية منظمات عالمية.

ولكنه في نهاية الأمر كان جزءا من الحركة الطلابية وكان نشطاً في الشرق الأوسط - ومن المظاهر السلبية التي بدأت تظهر التنافس في حضور المؤتمرات العربية وتصادم وفود كل من الاتحاديين في تلك المناسبات، كان ذلك مفهوماً وأن لم يكن مقبولاً واضعف قدرة الحركة الطلابية بصفة عامة علي التأثير علي مجرى الأحداث داخلياً (في الثورة الإريترية) وخارجياً.

وكلما أشتد الصراع السياسي كلما كان ذلك يلقى بتأثيره المباشر علي علاقة الاتحاديين. وقد تطور ذلك الصراع بسبب الخلفية السياسية المعروفة وظهرت أساليب ووسائل تهدف إلي الأضرار بالأخر أكثر منها ذات فائدة للطرف الذي يمارسها.

ويمكن رصد بعض تلك المظاهر فيما يلي.

1. الصراع بين جبهة التحرير الإريترية - المجلس الثوري وجبهة التحرير - قوات التحرير الشعبية أدى إلي تمحور أخذ أبعاداً اجتماعية وجغرافية وأصبح الاصطفاف السياسي مطبوعاً بتلك الولاءات والتشكيلات، أنسحب ذلك علي عضوية الحركة الطلابية وانضمامها إلي هذا الاتحاد أو ذلك وفقاً لذلك الانتماء.

أذكر أن المرحوم (احمد سعد) شارك في اجتماعات الاتحاد العام لطلبة إريتريا في بغداد ولكنه عندما عاد إلي القاهرة واجه حملة شديدة تقول: كيف تذهب الي هؤلاء ؟ أنهم ليس من قومك ؟.

ووجد ذلك الشاعر المرهف الإحساس نفسه في بيئة لا يفهمها ولا تفهمه فكان أن غادر المنطقة وذهب إلي ليبيا ووافته المنية هناك أثر حادث سيارة.

2. وأكثر الأساليب و (الأسلحة) التي استخدمت ضد الاتحاد العام لطلبة إريتريا - بغداد كان سلاح معاداة العروبة!!

كان اتحاد القاهرة يستخدم ذلك السلاح لإقناع قيادة حزب البعث في العراق بأنهم - أي اتحاد القاهرة - هم العروبيون وأن اتحاد بغداد يضم من هم من أصول غير عربية!! وقد واجهت شخصياً ذلك الموقف مرتين خاصة بعد أن أنضم اتحاد البعثيين الإريتريين في بغداد إلي الحملة وبدأ التنسيق مع اتحاد القاهرة.

* المرة الأولى كانت في لقاء مع الاتحاد الوطني لكلبة العراق (بعثي) وممثل عن اتحاد الطلبة البعثيين الإريتريين في بغداد (إدريس محمد إبراهيم - المعروف بإدريس طويل).

كان هدف اللقاء هو البحث عن قواسم مشتركة بين فصائل الحركة الطلابية الإريترية وعدم جعل الخلافات السياسية في الساحة الإريترية سببا لانقسامات الحركة الطلابية. ولكنني اكتشفت بعد دقائق من الحديث بأن المندوب العراقي مشبع بفكرة مسبقة تقول بأنني ليس من الاتجاه العربي وأن الممثل الأخر (طويل) يمثل الاتجاه العربي وعليه ليس هناك لقاء نقاط لقاء!.

واقتنعت بأن النقاش الموضوعي قد أنتهي وقررت تصعيد الموقف إلي مستويات أخرى لم ألجأ إليها في السابق ولم أقتنع بإثارتها أصلا.

التفت إلي (إدريس طويل) وقلت له:

هل أنت أكثر عروبة مني ؟؟

وفوجئ مندوب العراقي بالسؤال ولكن مفاجأته تضاعفت حين سمع إجابة البعثي الإريتري الذي قال:

لا… ولكنك تغرد خارج سربك! ولم أشأ أن تضيع الفرصة وقلت: أسراب الطيور أنواع - الجزء الأكبر والأساس يسير معاً باتجاه يؤمن له الحماية والوصول إلي غايته بسرعة - والنوع الأخر ينفصل عن الجمع ويحاول أن يوهم نفسه بأنه قادر علي اختصار المسافة والتحرر من أعباء الجماعة - والنتيجة أنه لا يحقق هذا ولا ذاك.

* المرة الثانية - كانت علي مائدة غداء دعت إليها القيادة القومية لحزب البعث في العراق لقيادات الحركة الطلابية الإريترية، كنت جالساً بالقرب من أثنين من أعضاء القيادة وكان يجلس أمامي (محمد عثمان أبو بكر)

رئيس الاتحاد في القاهرة. وفجأة سمعت عضو القيادة القومية يتحدث إلي أحد الضيوف العراقيين ويشير إلي محمد (محمد عثمان أبو بكر) قائلاً: الرفيق محمد عثمان من (البحر الأحمر) في إريتريا - الاتجاه العروبي!! ورفعت نظري إليه وفي نفس اللحظة أدرك محمد عثمان أبو بكر) بذكائه الفطري بأن الأمر قد يتطور إلي ما لا تحمد عقباه فقال لعضو القيادة القومية: الأخ عمر جابر أيضاً من البحر الأحمر!.

ومرة أخرى حاولت أن أرسل رسالة لعل عضو القيادة القومية يفهم محتواها - قلت بالمناسبة البحر الحمر لونه ليس (أحمرا) وأنما ذلك اللون نتيجة لانعكاس أشعة الشمس علي الشعب المرجانية الموجودة في قاع البحر. بمعنى أخر فأن الجذور (القاع) وما هو علي الأرض هو الأصل وهو الهوية!.

وقد ذهبت تلك الحملات إلى مستويات أخرى - كان اتحاد - بغداد متهماً في العراق [نه معاد للعروبة وفي القاهرة متهم بأنه بعثي! وقد دفعت شخصياً ثمن ذلك حين منعت من دخول القاهرة لمدة عامين بتهمة الانتماء إلي حزب البعث.

ولكن كل ذلك وغيره يبقى محتملاً طالما كان في إطار صراع بين أطراف متنازعة - ولكن ما لم يكن مفهوماً ولا مقبولاً أن تأتي (الضربة) من (الداخل) أي من جبهة التحرير الإريترية.

بعد جهود متواصلة ومكثفة واقتناع لدي القواعد بضرورة توحيد الحركة الطلابية تم عقد المؤتمر التوحيدي في بغداد عام 1976م وخرج الاتحاد الموحد الذي جمع بين قواعد الاتحاديين بقيادة موحدة كان علي رئسها (عثمان عمر) وهو من طلاب القاهرة ثم ليبيا.

وأستبشر الطلاب بهذا الإنجاز الذي حفظ الصورة الموحدة للحركة الطلابية في الخارج مع احتفاظ كل طالب بقناعاته السياسية وانتمائه للتنظيم السياسي الذي يريد.

ولكن تلك التجربة لم تفهم من قبل قيادة جبهة التحرير الإريترية فكان أن أنشأت (الاتحاد العام لطلبة إريتريا) ورفضت الاعتراف بالاتحاد الموحد وأطلق عليه وصف (الطبعة الخاصة) للأسباب التالية!

1. لم يكن القرار نابعاً من رغبة طلابية ولا كان تعبيراً عن رفض طلابي للوحدة الطلابية.

2. كانت قيادة جبهة التحرير الإريترية بعد المؤتمر الوطني الثاني (اللجنة التنفيذية) تسيطر علي كل مفاصل التنظيم وكان كل رئيس مكتب في اللجنة التنفيذية يعمل علي تقوية مكتبه حتى لو كان علي حساب المكاتب الأخرى. وكان رئيس المكتب السياسي (إبراهيم توتيل) مشرفاً علي (المنظمات الجماهيرية) وبعد الوحدة الطلابية يبدو أنه رأي في تلك الوحدة (تقليصاً لنفوذه.

3. لم يكن هناك قرارا مركزياً من اللجنة التنفيذية للجبهة بعدم الاعتراف باتحاد الطلابي الموحد، بل كان ذلك القرار صادر عن المكتب السياسي.

وأذكر أنني تحدثت مطولاً مع (إبراهيم توتيل) من (دمشق) عبر جهاز الإرسال وكان معي المرحوم (صالح إياي) والذي كان يؤيد وحدة الحركة الطلابية.

قلت له:

* أن وحدة الحركة الطلابية تعبيراً عن رؤية مستقبلية تتيح من جهة العمل المشترك بين الطلاب ومن جهة العمل المشترك ومن جهة أخرى تزيل الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي تعيشه الساحة الإريترية.

* الوحدة الطلابية ليست موجهة ضد أي تنظيم ولا هي خسارة لأحد - أنها خطوة تعمل علي (تجميل الصورة) العامة إمام الآخرين وتخلق أرضية مشتركة للعمل المستقبلي علي مستوى التنظيمات السياسية.

• ثم أنه يمكن إنشاء (مكتب طلابي) ضمن قسم المنظمات الجماهيرية في المكتب السياسي يقوم بتأمين الاتصال والتواصل بين الجبهة وعضويتها الطلابية في إطار الاتحاد الموحد ولكن رئيس المكتب السياسي رفض كل الحجج وقرر المضي في برنامجه.

• يقول عبد القادر هبتيس) في شهادته: (قام رئيس المكتب السياسي) باستدعائنا وطلب منا إصدار بيان بسحب الثقة من الاتحاد الموحد!).

• ثم قام بتشكيل لجنة تحضيرية برئاسة (بشير إسحاق) والتي عقدت مؤتمر أسمته (المؤتمر الرابع) كاستمرارية لمؤتمرات الاتحاد العام لطبلة إريتريا - بغداد وعدم الاعتراف بالوحدة الطلابية. أنعقد المؤتمر في مدينة (أغردات) المحررة عام 1977م وجاء (بشير إسحاق) رئيساً - وأصبح الاتحاد خاص بجبهة التحرير وتحت الأشراف المباشر والتوجيه الدائم للمكتب السياسي!

تسببت تلك الخطوة في الأضرار بالحركة الطلابية بصفة عامة ولم تعد بالفائدة علي طلاب جبهة التحرير بصفة خاصة.

أصبح الاتحاد الجديد يدور في فلك المكتب السياسي الذي حاول استخدامه في صراعه مع مكاتب جبهة التحرير الأخرى. فقد حرية المبادرة والقدرة علي التعبير عن هموم ومصالح الطلاب.

واستمر الحال كذلك حتى حمل أثقاله مع من حمل من أجهزة المكتب السياسي ودخل إلي السودان أثناء (الهروب الكبير) ليصبح جزءا من القطع المتناثرة التي تلت الانشطار الذي حدث داخل التنظيم.

مستقبل الحركة الطلابية.

بعد التحرير أنتقل مركز الثقل الطلابي إلي داخل إريتريا (جامعة أسمرا) وفي ظل النظام الدكتاتوري فأن حركة الطلاب لم تقتصر علي المطالب الأكاديمية بل شملت الأوضاع العامة خاصة (الخدمة الوطنية) والتي أصبحت سيفاً مسلطاً علي الطلاب يستخدمه النظام كلما رأي تحركاً ضده.

والمركز الثاني للطلاب أصبح في السودان خاصة بعد فتح أبواب الجامعات والمعاهد السودانية إمام الطلاب الإريتريين. الفرق بين الموقعين أن الحركة الطلابية الإريترية في السودان تتمتع بحرية التنظيم والحركة وهي في مجملها بعيدة عن قبضة النظام في اسمرا ومعظم منتسبيها معارضون له.

تنقسم الحركة الطلابية في السودان إلي ثلاثة.

1. التنظيم الطلابي للحزب الإسلامي للعدالة والتنمية (الخلاص سابقاً)

2. التنظيم الطلابي للمؤتمر الشعبي (الجهاد سابقاً)

3. الاتحاد العام لطلبة إريتريا (اتحاد مستقل)

الأمر المؤسف أنه لا وجود لتنسيق أو تعاون بين تلك المنظمات - والخلافات السياسية تلقى بظلالها علي علاقات القيادات الطلابية.

المطلوب تحقيق الحد الأدنى من الوحدة (مجلس طلابي للتنسيق - هيئة عليا للأشراف والعمل المشترك) المهم الاحتفاظ بصوت موحد عند مخاطبة الخارج وبموقف مترابط عند مواجهة الداخل (النظام الدكتاتوري). وفق الله كل من أراد خيراً لشعبه وعمل من أجله وجعل الحركة الطلابية الإريترية دائماً تسير علي خط مستقيم لخدمة شعبها وتحقيق أهدافه.

وأقدم اعتذاري إذا كنت قد نسيت اسما من الأسماء التي ساهمت في مسيرة الحركة الطلابية الإريترية أو لم أذكر موقفاً يرى فيه الآخرون أهمية خاصة.

المراجع:

أولا - الوثائق:

1. رسالة الأجيال - عبدالقادر حقوس، صدر في القاهرة بمناسبة مرور خمسين عاماً علي تأسيس اتحاد طلبة القاهرة باللغة العربية (2002).

2. دور طلبة أسمرا في الحركة الوطنية الإريترية 1968-1958م ولد يسوس عمار باللغة الإنجليزية 1997م

ثانيا - إفادات شخصية:

1. محمد سعيد عمر أنططا - مقيم في استراليا

2. إبراهيم محمد نور (هيقت) مقيم في استراليا

3. الأستاذ عبدالرحيم محمود - من معهد المعلمين في أسمرا مقيم في استراليا

4. عبدالوهاب جمع - موقع (عونا) مقيم في استراليا.

5. عبدالقادر هبتيس - من قيادات الحركة الطلابية في السودان مقيم في استراليا.

Top
X

Right Click

No Right Click