عثمان صالح سبي ومنظمة العقاب

بقلم المناضل الأستاذمحمد سعيد ناود - روائي كاتب ومؤرخ ومؤسس وقائد حركة التحرير الإرترية - أسمرا

قامت الثورة الإرترية بتكوين منظمة (العقاب) للخروج من حالة التعتيم والعزلة التي تم فرضها عليها،

وتولى مسؤوليتها وقيادتها الشهيد عثمان صالح سبي بنفسه. وتخصصت هذه المنظمة في متابعة واختطاف وتفجيرات طائرات الخطوط الجوية الإثيوبية، وكان يبرر لي ذلك قائلاً: "أنها كانت الوسيلة الوحيدة للخروج من التعتيم الإعلامي المضروب على الثورة الإرترية، ورفع صوت الشعب الإرتري وثورته وإيصاله لأسماع العالم".

ولهذه الغاية كان قد جند عددا من الشباب، وتمكن من تدريسهم لدى المنظمات الفلسطينية وبشكل سري للغاية. ثم شرعت منظمة (العقاب) في نشاطها.

وكانت أول عملية لمنظمة (العقاب) قد جرت في مطار فرانكفورت بألمانيا الغربية وذلك في يوم 1969/3/11م عندما تحطمت طائرة ركاب إثيوبية من طراز بوينج 707 بانشطارها إلى جزأين بفضل القنابل الموقوتة التي دفعها فدائي (العقاب) تحت المقاعد عند مغادرتهم للطائرة مع باقي ركابها.

وهناك عملية مطار (مدريد) والتي استشهد فيها كل من علي محمد عمرو و حامد إدريس سعيد شنين، أما ثالثهم والذي كان معهم لم يستشهد معهم في تلك العملية ولكنه استشهد لاحقا في الميدان في صفوف قوات التحرير الشعبية بالميدان وهو الشهيد محمود سليمان.

أيضاً قامت منظمة (العقاب) بعمليات أخرى لخطف الطائرات من داخل إثيوبيا. كما قامت بعملية نسف قطار في خط السكة الحديد بين جيبوتي وأديس أبابا. إلا أن أهم وابرز عمليات منظمة (العقاب) كان قد قادها ونفذها الشهيد/ علي سيد عبدالله وزير الخارجية السابق ومعه الشهيد/ فسهاي ابرهة فكاك و محمد إدريس طلول أطال الله في عمره، وذلك من حيث مردودها الإعلامي والصدى الواسع الذي تركته، فقد تناولتها وكالات الإنباء العالمية باعتبارها عملية غير مسبوقة، ومن خلالها تم تناول الحدث باعتباره عملية فدائية عسكرية تقوم بها الثورة الإرترية ضد الحكومة الإثيوبية.

وكان كل ذلك وارداً في البيان الذي كان يحمله الفدائيون وقاموا بتوزيعه عل كل من صادفوه داخل مطار كراتشي بعد تنفيذ عمليتهم الفدائية.

وهذه العملية مهد لها الشهيد عثمان سبي بنفسه فقد كان يحمل آنذاك جواز سفر دبلوماسي صومالي، وعليه فقد حمل الأسلحة التي استعملت في العملية الفدائية بنفسه وتوجه جوا من القاهرة إلى كراتشي وبعده وصول قائد العملية علي سيد عبد الله ورفيقاه محمد إدريس طلول وفسهاي ابرها فكاك.

وبوصولهم لكراتشي قام عثمان سبي بتسليمهم للأسلحة ثم غادر كراتشي أما هم فقد شرعوا في دراسة المطار ومخارجه ومداخله وكيفية التسلل إليه. وبتاريخ 1969/9/8م وصلت إلى مطار كراتشي طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية من طراز بوينج 720 قادمة من القاهرة في طريقها إلى نيو دلهي بالهند.

وعندما فتحت أبواب الطائرة وبدأ الركاب بالنزول قام الفدائيون الثلاثة بالدخول لأرض المطار حسب الخطة التي رسموها، وهم يشهرون أسلحتهم وصعدوا إلى الطائرة وقاموا بتدميرها بالقنابل والرشاشات وأصابع الديناميت بصواعقها، وعندما أنجزوا عمليتهم بنجاح قاموا بتوزيع البيانات التي كانوا يحملونها، ثم سلموا أسلحتهم وأنفسهم للسلطات الباكستانية في ارض المطار والتي قامت باعتقالهم، وبما إن الخبر بثته في الحال كل وكالات الأنباء ففي الحال بعثت إثيوبيا بموظفي أمنها إلى باكستان وطالبت بتسليم الفدائيين المذكورين إليها دون أن تفلح في ذلك وفي نفس الوقت حدث تحرك من جمهورية الصومال من قبل مجموعة من أعضاء البرلمان الصومالي الذين اتصلوا بالحكومة الباكستانية مطالبين بالإفراج عن هؤلاء الفدائيين باعتبارهم طلاب حرية ويدافعون عن قضيتهم العادلة.

وكان التعاطف والعواطف التي كان يحملها الباكستانيون نحو إرتريا قد أفادت، حيث كانت الباكستان عضواً في لجنة تقرير المصير عندما كانت قضية إرتريا تناقش في أروقة الأمم المتحدة في الأعوام (1949ـ1952) وكانت الباكستان تقف إلى جانب استقلال إرتريا ومواقفها آنذاك وعلى لسان وزير خارجيتها السيد (ظفر الله خان) معروفة ومسجلة في التاريخ ولهذه الأسباب فقد حدث تحرك جماهيري لصالح القضية الإرترية، ولصالح الفدائيين الذين نفذوا عملية مطار كراتشي.

وهذا التحرك تمثل في قيام الطلاب الباكستانيين بموكب يدافع عن هؤلاء الفدائيين مطالبا بالإفراج عنهم واعتمد في دفاعه عنهم بأنهم ليسوا مجرمين بل هم طلاب حرية.

بدليل أنهم لم يقتلوا أحدا من ركاب الطائرة أو طاقمها، وأنهم وبعد ان قاموا بعمليتهم ضد الطائرة المملوكة للحكومة الإثيوبية التي تستعمر بلادهم، وبعد ان وزعوا بيانهم الذي يشرح قضيتهم فقد قاموا بتسليم الأسلحة التي كانوا يحملونها لسلطات الأمن الباكستانية ودون ان يحاولوا مقاومتها وكان في مقدمة هؤلاء الطلاب الذين آزروا ودافعوا عن الفدائيين، الطالبة آنذاك بيناظير بوتو والتي أصبحت فيما بعد رئيسة وزراء باكستان. ولذا تطوع نقيب المحامين الباكستانيين بالدفاع عن الفدائيين الثلاثة أمام المحكمة والتي قضت بسجنهم عامين.

وبمناسبة ذكر الطالبة بناظير بوتو التي دافعت عن الفدائيين الارتريين ضمن الموكب الطلابي الباكستاني فهي من مواليد 1953/6/21م بالعاصمة كراتشي وتنتمي لأسرة عريقة في السياسة الباكستانية فهي ابنة رئيس وزراء الباكستان (ذو الفقار علي بوتو) والذي تم إعدامه شنقاً بواسطة الحكومة العسكرية والتي كان رأسها الجنرال (ضياء الحق) وذلك في عام 1979م وكانت بناظير بوتو آنذاك قد أكملت دراستها الجامعية في أكسفورد ببريطانيا ومنذ هذا الحدث المفجع في حياتها بإعدام والدها، ظلت تناضل من أجل عودة الديمقراطية وأخيرا وعبر انتخابات ديمقراطية جرت في عام 1988م بعد سقوط النظام العسكري، وبينما كانت في الخامسة والثلاثين من عمرها أصبحت رئيسة لوزراء باكستان، وزعيمة لحزب الشعب الباكستاني كأصغر رئيسة وزراء في العالم وكأول امرأة تتولى منصب رئاسة الوزراء في العالم الإسلامي ولا تزال حتى اليوم تمثل احد الرموز السياسية الهامة في الباكستان وداعية للديمقراطية، وكون هذه السيدة المرموقة وقفت إلى جانب الحق الإرتري فهذا حدث يجب عدم تجاوزه بل من الضروري تسجيله في تاريخ النضال الإرتري من اجل الاستقلال إلى جانب اسم ظفر الله خان وزير خارجية الباكستان عندما كانت قضية إرتريا تناقش في الأمم المتحدة في أعوام 1949ـ1952م.

بعد صدور الحكم بسجن الفدائيين الثلاثة، وبينما كانوا في سجنهم فان السيد خليل الوزير (أبو جهاد) وهو من قيادات حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وعندما كان عائدا من زيارة إلى الصين فقد توقف في كراتشي وطلب من الحكومة الباكستانية الإفراج عنهم، كما كلف ممثل (فتح) في الباكستان ليتولى متابعة هؤلاء الفدائيين وان يقدم لهم كل ما يلزمهم وما يحتاجون إليه من مصروف إلى ان أفرج عنهم.

وبعدها فقد توقفت عمليات منظمة (العقاب) بعد تأسيس قوات التحرير الشعبية، وبعد ان تصاعدت العمليات العسكرية بداخل الميدان ضد جيش الاحتلال الإثيوبي وبذا أصبح صوت إرتريا وثورتها مسموعا في جميع أنحاء العالم.

ومن الأعمال البارزة الأخرى للشهيد عثمان صالح سبي متمثل في العلاقة الوطيدة مع الجمهورية العربية السورية وكذلك مع الساحة الفلسطينية عموما ومع حركة (فتح) بصفة خاصة والتي بدأها قبل غيره في وقت مبكر ثم أصبحت بعد ذلك مجالا تتحرك فيه الثورة الإرترية بشكل عام وكما أسلفت القول.

وقبلها كان سباقاً في خلق علاقة متينة مع سوريا ولذا فمن المعروف عن الجمهورية العربية السورية كانت في مقدمة الدول العربية بل وفي مقدمة العالم عندما أعلنت اعترافها بالثورة الإرترية كما أعلنت عن تأييدها الكامل للقضية الإرترية العادلة وهذا التأييد وهذا الاعتراف تم تنفيذه وترجمته عمليا عندما افتتحت مكتبا لها في دمشق ثم شرعت بعد ذلك في استقبال الكوادر العسكرية وتدريبهم في مختلف التخصصات العسكرية وإعادتهم بعد ذلك إلى إرتريا، بل وان أول دعم عسكري بالسلاح يدخل للساحة الإرترية وبالذات الكلاشنكوف فقد قدمته سوريا، وفي مجال الدراسة فقد فتحت أبواب مدارسها ومعاهدها وجامعاتها للطلاب الإرتريين ونلمس ذلك اليوم في عدد لابأس به من الأطباء الإرتريين الذين يعملون في وزارة الصحة الإرترية والذين تخرجوا من الجامعات السورية، وكذلك أعداد من الموظفين من معلمين وخلافهم من خريجي الجامعات السورية يعملون في مفاصل الدولة الإرترية.

أثناء ذلك وعندما كانت تربط عثمان سبي علاقة وطيدة بالجمهورية العربية السورية فقد كانت حركة (فتح) الفلسطينية تنظيما سرياً غير معروف وغير معترف به من الحكومات العربية عندئذ شرع سبي في خلق علاقة مع (فتح)، بل وبدأ في مساعدتها وكان ينقل لهم مطبوعاتهم ورسائلهم بواسطة الحقيبة الدبلوماسية السورية وقد حكى لي ذلك بنفسه وعندما ظهرت (فتح) إلى العلنية واعترفت بها الحكومات العربية فان سبي وطد علاقته مع قائدها ياسر عرفات (أبو عمار) والاخرين من رجالات الصف الأول مثل خليل الوزير(أبو جهاد) وفاروق القدومي (أبو اللطف) ومحمود عباس (أبو مازن) الرئيس الفلسطيني الحالي ومنظمة فتح لم تنس له هذا الجميل.

وبالتالي بدأت بدعم قوات التحرير الشعبية أولا بتخصيص ميزانية مالية لمكتبي دمشق وبيروت، ثم بالسلاح بإرساله لنا عن طريق عدن ومنها لجزيرة (كمران) وبعده يتم نقله للميدان بالسنابيك الخشبية إلى الشواطىء الإرترية كما سخرت مكاتبها وكذلك أجهزتها اللاسلكية لاستعمالها بواسطتنا وشخصيا عشت هذه التجربة في الخرطوم عندما كنت ممثلا لتنظيم قوات التحرير الشعبية وعندما حظرت حكومة جعفر نميري في السودان كل أنشطتنا بل وكانت قد وضعتني في الإقامة الإجبارية بالخرطوم، فقد عملت سريا بداخل مكتبها (فتح) بالخرطوم والذي كان يحمل الصفة الدبلوماسية، وكنت من هذا المكتب السري أباشر النشاطات من اتصالات ولقاءات ومكاتبات وحفظ الأوراق والوثائق كما إنني كنت اتصل عبر أجهزة (فتح) اللاسلكية بمكتبنا في بيروت ودمشق وبدوريهما كانا يبعثان لي بتقارير هما بنفس الوتيرة.

Top
X

Right Click

No Right Click