أيام لاتنسى من ذكريات المناضل محمد علي إدريس ابو رجيلا - الحلقة الثانية

إعداد: جبهة التحرير الإرترية

كما ذكرت في الحلقة السابقة دخل الطليان مدينة كسلا ومكثوا فيها لمطلع العام التالي وقد بدأت نذر المجاعة تدق أبواب المنطقة،

 محمدعلي إدريس أبو رجيلة

فانتقلنا الى هداليا وزرعنا فوفر لنا الحصاد بعض النقود كان الانجليز ينتشرون في غابات شمال وجنوب أروما التي طالهم فيها القصف المدفعي فاشتبهوا بالارتريين واعتقلوا العديد منهم بتهمة العمل لصالح الطليان.

في يوم 1941/4/14م دخلت مدينة كسلا والتحقت بقوة دفاع السودان ونقلنا الى القضارف التي بدأ فيها التدريب وفور انتهائه غادرنا عبر الخرطوم الى حلفا التي كانت آية في الجمال قبل أن تغمرها مياه السد العالي، ومنها لمدينة أسوان وبواسطة القطار وصلنا مدينة بني سويف التي كانت تعج معسكراتها بمختلف الجنسيات عرب وأفارقة وأسيويون واروبيون انتقلنا الى السلوم التي شعرنا فيها حقا بالحرب إذ كنا نسمع دوى المدافع وهدير الطائرات ونشاهد ارتال الآليات الزاحفة لجبهات القتال كانت السماء ترعد وتبرق لكنها سماء بلا غيوم ولامطر، انكسر الهجوم الألماني على الجبهة الروسية ونجح الانزال في النورماندي فتحركت قواتنا لبرج العرب يوليو 1942م وهناك سمعنا باسم ثعلب الصحراء والذي علمنا بانه القائد الالماني رومل، حركت قواتنا للتموية على اتجاه الهجوم الرئيسي في العلمين الذي كانت تدور معركته بين الجيشين الثامن الانجليزي بقيادة مونتقمري والفيلق الأفريقي الالماني بقيادة رومل، وكانت الصحراء الغربية تفيض بالجيوش وسماؤها تحجبها الطائرات، وكان الماء شحيحا وقمصان الجنود أشبه بالجلود الجافة وكان انين الجرحى يصم الأذن ورغم جراح البعض العميقة كانوا يتحلون بالصبروالجلد فكانوا محل إعجاب واكبار كان الاسرى الطليان باعداد كبيرة عكس الالمان الذين كانوا ذوي أنفة وكبرياء لاحدود له وكانوا لايتوانون لحظة واحدة عن قتل حراسهم وكثيرا ما حصلت مواجهات مميتة معهم لهذا كانوا يتشددونفي التقيد بمسافة الأمان بين الأسرى والحراس تقدمت قواتنا وتسارعت خطاه بعد الانتصار الداوي في العلمين دخلنا برج العرب وواصلنا الزحف حتى دخلنا طبرق كان الخوف شديدا من الألغام فاستمر تقدمنا بطيئا لمدة ستة أشهر بين طبرق ودرنه التي مكثنا شهرين انتقلنا بعدها الى بنغازي ومنها الى طرابلس واستمر زحفنا حتى الحدود التونسية التي استقرت فيها قواتنا لنصف عام عادت بعدها لطرابلس التي وزعنا فيها بين البوليس والأمن وطرالس مدينة ساحلية جميلة تتشابك فيها المباني الحديثة بالمباني التاريخية القديمة ولكن تبقى بنغازي الأكثر روعة، في مدينة طرابلس مكثنا مدة عام وكان معسكرنا بالقرب من الكنيسة، في طرابلس قابلت أخ من أهلنا الرقبات آل ابو حواء وكان هذا الأمر مفاجئا لي وكان متزوجا من ليبية وأب لأطفال وقد دعانا لمنزله الذي إنتظرنا فيه العديد من أصدقائه الليبيين وكانت فرحته لاتوصف كان عددنا حوالي الثلاثين أذكر منهم الإخوه سليمان عوض وأحمد محمدنوروعبد القادر محمد علي عبدالله شريف وعلى أكد وشاويش أسمرا أنقدا وادريس عمر وصالح همد و بابكر محمد دين بعد أيام من تلك العزومة أمرنا بالرحيل فاخذ كل منا يجهز نفسه على وجه السرعة ونحن نتساءل الى أين ؟

تحركنا الى الشاطئ الذي كان يفيض بالجنود صعدنا الى سفينة ركاب مدنية وقد تحركت بنا تحت حماية 32 طراد وفي يوم 1944/8/2م وصلنا جزيرة كريت التي خاطبنا فيها النقيب محمد ادريس عبدالله قائلا: إن سكان هذه الجزيرة قاتلوا الفاشست قتالا بطوليا لامثيل له وتشجيعا لهذه الرجولة أطلب منكم التبرع لهم وبالفعل تبرعنا لهم بسخاء ومن جزيرة كريت أبحرنا الى جزيرة مالطا ثم قبرص ومنها الى اللاذقية ومنها الى الاسكندرية التي استرحنا فيها عشرة أيام عدنا بعدها بذات طريقة القدوم الى حلفا القديمة يوم 24/ 8 / 1944م والتي استقبلنا أهلها بالتهليل والتكبير والضرب على الدفوف والزغاريد والأغاني الحماسية وكانت كالعروس في زينتها، ذهبنا الى محطة السكة حديد ركبنا القطار الذي إنطلق بنا بمحاذات النيل وكلما وصلنا محطة أو مدينة نلوح لأهلها بالأعلام والصفافير وكان الاستقبال في المحطات على أروع ما يكون حتى دخلنا الخرطوم التي إستقبلنا أهلها بالأغاني الحماسية والتي كانت تصدح بها مكبرات الصوت في المحطة وخاصة أغنية الليلة عايدين للفلاتية، مكثنا يومين في معسكر جوار المحطة غادرنا بعدها لمركزنا في القضارف والتي استقبلنا أهلها بالتهليل والأهزيج الشعبية والذبائح، كنت أقول لنفسي الى اين سوف تذهب يا محمد علي وبينما أنا سارح في هذا قطع أفكاري زميلي صالح همد الذي أصر أن نذهب معا الى دارهم في ديم النور وبعد شد وجذب وافقت فسرنا معا الى الحي الذي استقبلنا أهله بالزغاريد التي كانت تختلط بدموع الفرح مما حرك في الأشواق الى أهلي وكنت أردد داخليا ما أروع طعم اللقاء بعد النصر بالنسبة للمحاربين، أخيرا إنطلقت الى أهلي في بركة حيث وجدت أبي واقفا خارج المنزل فارتمت في حضنه ولكنه لم يتعرف علي أذ منع إبنة عمي من العلال فايقنت أنه لم يعرفن فارتمت على صدره مرة أخرى قائلا أنا محمد على ألم تعرفني ياأبي فاقرورقت عيناه بالدموع وراح يضمني الى صدره بقوة وهو يقول لم أعرفك لأنني لم أتوقعك يا ولدي،

إنقلبت بعدها القرية الى عرس حقيقي بعد شهر عدت واستدعينا للشرق الأوسط لحسم تمرد وقع وسط قوات المستعمرات ولكنه انتهى فعدنا بعد ثلاثة أشهر من طبرق الى منطقة جبيت العسكرية عبر القضارف والتي أشرفنا فيها على نقل الأسرى الطليان الى بلادهم وفي نهاية 1946م نقلت قواتنا الى مدينة بارنتو الارترية التي قضينا فيها كامل سنة 1947م عدنا بعدها لمقر الفرقة وقضينا فيها عام 1949م الذي بدأت فيه إرهاصات تمرد الجنوب فنقلت قواتنا جوا للجنوب الذي قضنا فيه عاميين عدنا بعده الى مدينة القضارف حيث بدأنا نهتم بالسياسة وإنتسبت لحزب الأشقاء وقمنا في أرطة العرب الشرقية برفض إستلام المرتبات إحتجا جا على بقاء المستعمر وعدم إيفائه بالتزاماته وعهوده بالاستقلال، وإزداد وعينا بفضل المحاضرات التعبوية وخاصة محاضرات حسين فضل التي كان يؤكد فيها على قرب إستقلال السودان وفي مرة قلت له وماذا بشأن ارتريا ؟

فردعلي قائلا: إن ارتريا الغربية والشرقية متشابهة من حيث العادات والتقاليد والدين مع السودان وكل سكانها من المسلمين والسودان يقبل إنضمامهم اليه إلا أن ارتريو تلك المناطق لايقبلون هكذا إقتراح لأنهم يحلمون بكيان ارتري وهذا دونه الدماء وهذا ماحدث بالضبط بعد ذلك وكان الضابط حسين فضل يحب الجنود الارترين لشجاعتهم واقدامهم وكان بعيد النظر، كنت أقضي إجازتي في بلادي كغيري من الزملاء لهذا كنا نحس بعدم رضى الشعب الارتري وبما جرى من قرار فيدرالي غيب ارادته ولم يعتبر رأيه رغم أن الأمر يتعلق بمصيره ومستقبله وكان حجم المرارة تجاه الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية كبيرا جدا، وأخذ الاحساس بالظلم يتنامى في نفوس الارتريين إلا ان حكومة أثيوبيا الامبراطورية أخذت تأكل بنود الفيدرالية تدريجيا بتشجيع وتاطؤ من حزب الاتحاد (الاندنت) ودون أن تلتفت لبقية الشعب الارتري وحتى أنزلت العلم الارتري مما دفع شعبنا للقيام بالمظاهرات ورفع المذكرات للأ مم المتحدة دون أن تجد حتى إلتفاتة وغُلب البرلمان الارتري على أمره إذ إتخذ قرار الضم تحت تهديد القوة ودخل السلاح مهددا قاعة البرلمان وأعلن أسفها ولدي ميكائيل رئيس الحكومة الارترية عن موافقة البرلمان وانتهت الجلسة بتصفيق حاد من أنصار الوحدة مع إثيوبيا في هذه الظروف بدأنا نحن منتسبي قوة دفاع السودان باجراء الاتصالات المتبادلة وترتيب صفوفنا وتشكيل حلقات لنقاش ما جرى وما يجب عمله وكان على رأس هذا التحرك الأخ المناضل محمد سعدآدم رئيس القيادة الثورية لاحقا في تلك الفترة الصعبة ولدت حركة تحرير إرتريا بخلاياها التي لم تكن الخلية فيها تعرف أكثر من أعضائها وهذا الشكل من التنظيم كان يناسب ظروف القمع التي كانت سائدة ولكن تنظيم الحركة في الخارج وخاصة في السودان كان يبالغ في السرية وقد انتسبت أنا وبعض الزملاء للحركة التي بدأت تطرح فكرة الاعداد لانقلاب بواسطة قوات البوليس الذين سيساندهم الشعب والذي إعتبره الكثيرون مغامرة ستفضي حتما لمذبحة للبوليس والشعب لهذا طرحنا عليهم فكرة تشكيل قوات في الريف لتكون ملاذا وسندا للبوليس عندما يفشل الانقلاب ولكن الفكرة لم تجد القبول من قيادة الحركة لذا ملنا لفكرة بقاء جنود قوة دفاع السودان إطارا مستقلا ينسق عمله الإخوة الشهداء:-

• محمد سعد آدم،
• محمد إدريس حاج،
• طاهر سالم،
• عمر إزاز،
• بابكر محمد إدريس.

وكان هدفنا تماسك المقاتلين والتعارف بينهم ومتابعة أحداث بلادنا في هذه الفترة قدم الينا الأخ القائد إدريس محمد آدم الذي كانت تربطنا به علاقات طيبة إذ كنا قد ساعدنا على خروجه والزعيم الراحل ابراهيم سلطان علي من ارتريا الى جمهورية مصر كلاجئين سياسين، تبادلنا معه الأفكار وأكدنا له بان خدمة بعضنا ستنتهي وعندها سنتفرق إلي حيث تأمين قوت أولادنا ولن نجتمع بهذا العدد الذي يمكن أن يقود ثورة عمالقة، كان ادريس يستمع الينا دون أن يعلق وآخيرا تحدث عن الثورات التحررية في أنغولا، الجزائر، كينيا،فيتنام، وقال يمكننا أن نكافح بعد توفير الشروط الملائمة ويمكن أن نتخذ الريف قاعدة للانطلاق وقال مستدركا ولكن عمل كهذا يحتاج الي تمويل وسلاح وإعداد كما يمكن أن نسمي تلك الثورة جبهة التحرير أوغيرها من الاسماء المعبرة عن أهدافنا وفي الختام طلب منا عدم التعجل بالخروج الي الميدان قبل أن نوفر مايلزم من عتاد وقبل أن نتصل معا مرة أخري ثم عاد للقاهرة وفي يوليو 1960م وصلنا بيان تأسيس جبهة التحرير الارترية وكانت فرحتنا به لاتوصف وأيقنا أن ساعة الانطلاق قد دنت فانطلقنا إلي ارتريا نبحث عن أسلحة من مخلفات الحرب العالمية الثانية كما كنا نقوم بتكوين التشكيلات التنظيمية داخل البلاد بهدف خلق جناح مدني مساند وكان هذا العمل يجري بإشراف من الاخوة محمد سعد والشهيدين محمد ادريس حاج والطاهر سالم، كان محمد سعد مسؤولا عن الشؤون الادارية في قوة دفاع السودان حامية كسلا وكان يقوم بترتيب الاجازات للجنود مع بلوك أمناء الفصائل ورتبت تلك الاجازات بحيث لاتخلو أرتريا منا في أي وقت وكانت مهمتنا جمع المعلومات والتعرف علي الطرقات ومساقط المياه وجمع السلاح وتكوين الخلايا وكان القادة يدخلون بأنفسهم وخاصة الاخوين محمد سعد ومحمد أدريس في سنة 1960م انتهت خدمة مجموعة منا وكان من بينهم محمد ادريس حاج الذي أخذ يجوب المنطقة مابين كرن وأوقارو وكان غطاؤه التجارة كما كان الشهيد عمر حامد إزاز يعمل في البرشوت ويتردد علي مدينة بارنتو وما حولها أما أنا فكنت أسكن مدينة تكمبيا واستطلع مناطق القاش العليا والسفلي وكنا علي إرتباط دائم ونرفع تقارير ملاحظاتنا للمركز، وبالفعل تحصل الشهيد محمد ادريس علي بعض الاسلحة بلغت عدد 30 قنبلة إيطاليه و2 قنبلة قرنيت عثر عليها في ريفي كرن واغردات وقد أدخلها الاخوين محمد صالح عمار ومحمد شهابي إلي أغردات واستلمها الاخوين صالح عمر دابيلاي وادريس صالح وتوجها بها الي منطقة داسي موقع كمينه آدم محمد آدم شقيق المناضل ادريس واستلمت انا المهمة وتحركنا جميعا إلي تكمبيا حيث ذهب صالح عمر الي منزله وتوجهت أنا وادريس إلي داري وفي الصباح الباكر غادرنا الي منزل المناضل الحاج موسي واخبرته عن وصول الامانه سالمه فحمد الله ثم طلبت منه وسيلة نقل فاعطاني حمارة فنقلت عتادنا إلي قرية سيدنا حامد همد حيث سلمناه ماعندنا لحفظه، في هذه الاثناء كان الشيخ محمد داؤد سيدنا مصطفي يطوف الريف مبشرا بقرب قدوم الثورة المنقذه وكان هذا الشيخ والشيخ سليمان محمد الامين من بين الاباء الروحيين للثورة وقد تبرع لها بعشرين رآسا من الإبل من حر ماله وكانتس لهما آيادي بيضاء علي ثورة الشعب الأرتري وهما من بين الذين لهما الفضل في توطيد أركان الثورة، في قرية سيدنا حامد همد كان لنا موعدا أنا والاخوة محمد ادريس حاج وابوطيارة وعمر دامر انكشف مخطط سري للاستخبارات الاثيوبية يستهدف القائد حامد ادريس عواتي في مقره بقرية قرست فخرج علي جناح السرعة مع رفاقه للاحتماء بادغال الريف وسار برجاله حتي خاض معركته الأولي في جبل أدال يييوم 1961/9/1م معلنا ميلاد جبهة التحرير، أما الاثيوبين فقد ساقوا أمامهم أفراد أسرته واعتقلوهم في مدينة تسني وصادروا كل مايملك من بهائم، في هذه الظروف وصلنا زملائنا حسب الموعد والتقينا مع سيدنا حامد همد وشرحنا له رغبتنا في الإلتحاق بحامد وصحبه فرحب بنا ثم دنا من أحد أتباعه وهمس في أذنه فجاء ومعه آخرون بأسلحة وذخائر بلغت عدد 5 بندقية أبوخمسة و3 بندقية أبو سته وواحدة أبوطلقة وصندوقين من الذخائر واقترح علينا أن نذهب جميعا إلي مدينة أغردات حاضرة المديرية الغربية ونهاجم مركزها ونأخذ سلاحه ونغادر نحن أما هو فيبقي بعد تعليق العلم الأرتري علي سارية المركز حتي يسقط شهيدا وقال بهذا نحدث دويا هائلا وسط المدينة وحدثا تتناقله الألسن لكل أرجاء أرتريا مما سيدفع الشباب اللالتحاق بالثورة واسناد جهود حامد عواتي وبعد جهد كبير اقنعناه بالعدول عن رأيه.

تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click