الحركة الطلابية المسيرة والمسار - الجزء الاول

بقلم المناضل الأستاذ: عمر جابر عمر - ملبورن، استراليا

تقديم: منذ فترة ليست بالقصيرة وبعض الأصدقاء يلحون علي أن أكتب عن الحركة الطلابية الإريترية - ولم أفعل لسببين:-

1. الوضع السياسي الراهن في إريتريا، وما يفرضه من متابعة واسهام في جهود المعارضة الإريترية ضد الدكتاتورية.

2. بعض قيادات الحركة الطلابية تحتل اليوم مواقع قيادية في منظمات المعارضة الإريترية والحديث عن الحركة الطلابية ربما يتناول تلك القيادات سلباً أو إيجاباً وبالتالي قد يتسبب في إثارة ردود فعل جانبية كنت أعتقد إننا في غنى عنها في مرحلة (توحيد الجهود) وتصويب كل (الأسلحة) باتجاه الدكتاتورية.

ولكن منذ أيام التقيت بصديق عزيز جمعتنا تجربة الجبهة وافترقنا سنوات والتقينا مرة أخرى في موقف المواجهة ضد الدكتاتورية.

قال الصديق: علينا مسئولية كبيرة لتمليك الحقائق للأجيال القادمة - أن العمر يمضي وذاكرتنا لن تحتفظ طويلاً بالوقائع الأساسية ناهيك عن التفاصيل. ثم أن ذكر ما حدث لا يجب أن يغضب أحداً خاصة ونحن في مرحلة الأعداد لما بعد سقوط الدكتاتورية وبدء عهد الديمقراطية والتي يجب أن نمارسها منذ الآن. وممارسة الديمقراطية تتطلب الاستماع إلي وجهة النظر الأخرى حتى لو لم نتفق معها - خاصة إذا كانت بأسلوب حضاري بعيداً عن المجابهة الشخصية فاقتنعت برأي الصديق !

لذا أبدأ كتابة سلسلة من المقالات عن الحركة الطلابية الإريترية وعدت في ذلك !

تجربتي الشخصية - رئيساً لاتحاد الطلبة في العراق - رئيساً لفدرالية الشرق الأوسط للطلبة الإريتريين - ورئيساً للاتحاد العام لطلبة إريتريا (1971-1976م).

حوارات أجريتها مع عدد من الأصدقاء ومع الذين شاركوا في تلك التجربة - وعلي رأسهم الصديق الذي أشرت إليه وهو مرجع في الحركة الطلابية في الداخل وسيرد أسمه عند الحديث عن تلك المرحلة.

أن الهدف الأساسي من كتابة هذه السلسلة من الحلقات هو تمليك الحقائق للأجيال القادمة - أنه تسجيل للوقائع كما حدثت وتوضيح لما كان مبهماً وتفسير لمواقف وعلاقات كان لها تأثيرها المباشر علي مجرى الأحداث. أنها مساهمة أرجو أن تكون إضافة لما كتبه غيري واستمرار لجهود البحث والتوثيق لتاريخنا المعاصر.

البداية:

من أجل أن تكون هناك (حركة طلابية) لابد من وجود طلاب - لابد من وجود معاهد وجامعات ومدارس ! التعريف لعضوية أي اتحاد طلابي كما ورد في الدساتير واللوائح للاتحادات الطلابية الإريترية كان (أن يكون في المرحلة الجامعية أو المعاهد العليا أو المرحلة الثانوية العليا) بعبارة أخرى أن يكون العضو ما فوق السادسة عشر من العمر وما دون ذلك فله عضوية مراقب.

والحركة الطلابية في العالم النامي - وفي إريتريا بصفة خاصة كانت محكومة في حركتها ومحتواها و أهدافها بما كان عليه الحال في البلاد - سياسياً واجتماعياً.

الحركة الطلابية لها أهداف نقابية لخدمة أعضائها والمطالبة بحقوقهم الأكاديمية والثقافية - ولكن الوضع السياسي أخذ الأولوية بسبب تأثيره المباشر علي إمكانية تحقيق المطالب النقابية الأخرى وبسبب تهديده المباشر لحرية التنظيم وحركة الطلاب وفوق ذلك كله تهديد للهوية الوطنية وتغييرها إلي هوية إثيوبية.

تلك كانت البداية - الوعي بالقضية الوطنية وضرورة الدفاع عن الهوية ومقاومة الاحتلال الإثيوبي.

ذلك كان الإطار - ولكن شكل ومحتوى التحرك حددته عوامل جغرافية واجتماعية وسياسية.

لهذا سأتناول دوائر ثلاث شهدت تحركا طلابياً ظاهرياً بمعزل عم بعضها البعض ولكن في أهدافها وحركتها كانت تلتقي حول قواسم مشتركة وحدت فيما بينها فيما بعد خاصة في الخارج.

الدائرة الأولى - كانت إريتريا: حيث أصبحت الحركة الطلابية في مواجهة مباشرة ويومية مع سلطات الاحتلال الأثيوبي.

الدائرة الثانية - القاهرة: حيث بدأ العمل الدبلوماسي والإعلامي المبكر لنشر القضية الإريترية.

الدائرة الثالثة - الشرق الأوسط وأوربا: حيث أخذت الحركة الطلابية بعدها العالمي وأصبحت (سفيراً) للوطن في مناطق كانت مقفلة علي الثورة الإريترية، ولا يسمح فيها بالحديث عن القضية الإريترية.

هذا الترتيب لا يتفق مع البداية وظهور حركة الطلاب ولكن ذكرته لإعطاء الأهمية للداخل - فهو الأصل والمنبع وما حدث في الخارج كان متجهاً في مجمله لخدمة ذلك (الداخل) والدفاع عنه ولكن لاعتبارات التسلسل التاريخي سأبدأ بالدائرة الأولى القاهرة.

روافد الحركة الطلابية كانت عديدة ومنتشرة في جميع أنحاء العالم - أينما وجد طلاب إريتريين كان ذلك إضافة للحركة الطلابية وتوسعاً في حركتها وعلاقاتها.

ولكن مراكز الإشعاع ومواقع صناعة الأحداث كانت محددة وهي وفقاً للترتيب الزمني كانت كما يلي:-

1. القاهرة،

2. إريتريا،

3. بغداد،

4. أوربا.

القاهرة: بعد الحرب العالمية الثانية بدأت الحركة الوطنية في إريتريا تحركها - نشأت الأحزاب وصدرت الصحف وهي الفترة التي أطلق عليها (فترة تقرير المصير 1946-1952م) كانت تلك الفترة هي التي نشأ فيها الجيل الجديد وتشرب من شعارات ومواقف الحركة الوطنية والرسالة الرئيسية التي حملها ذلك الجيل كانت: مقاومة الاحتلال الإثيوبي والنضال من أجل استقلال إريتريا. ولما كانت الأوضاع داخل إريتريا لا تسمح بنمو واستمرار ذلك التوجه وبما أن التعليم (أداة النضال الأساسية) كان محرماً أو غير متيسر في إريتريا فان الهجرة إلي الخارج لاكتساب العلم كانت هي الخيار إمام ذلك الجيل. بدأت الهجرة منذ عام 1946م عن طريق السودان سيراً علي الأقدام حتى الحدود الشمالية للسودان وصولاً إلي مصر! لماذا مصر؟

كانت هناك منارة للعلم يقصدها كل المسلمين في العالم - الأزهر الشريف - وكان الدافع وجود الوعي الأولي بالارتباط الثقافي بين إريتريا ومصر - تاريخياً وحضارياً.

لم تكن تلك (الرحلة) سهلة - فالمهاجرين لم تكن لديهم وثائق سفر ولا إمكانيات مادية تساعدهم علي مواجهة التحديات لذا فقد كان البعض يتوقف في منتصف الطريق - وسط وشمال السودان - أما ليلتحق بخلاوي القرآن أو للعمل للحصول علي زاد الطريق. بدأ وصولا الإريتريين إلي القاهرة وكان المقر (الأزهر) وبصفة خاصة (رواق الجبرته).

الانتقال من مجتمعات ريفية في إريتريا إلي مدينة كبيرة مثل القاهرة شكل تحدياً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً علي القادمين الجدد - ولكن إرادة الصمود والرغبة الشديدة في الحصول علي العلم جعلتهم يواصلون ويوجهون التحدي.

كانت الهجرة متواصلة وأن بصورة متقطعة وعلي شكل موجات صغيرة ولكنها لم تنقطع أبداً.

وبعد ثورة يوليو 1952م في مصر وجد الطلاب الإريتريين مناخاً ملائماً للاستقرار والتحرك خاصة وأن ثورة يوليو كانت ترفع شعارات التحرر من الاستعمار وتنادي شعوب أفريقيا للنضال من أجل الاستقلال. وإثيوبيا لم تكن بعيدة - فقد رأت في وجود تجمع طلابي إريتري في القاهرة خطراً يهدد محاولاتها لطمس الهوية الإريترية خاصة وأن الطلاب الإريتريين في القاهرة بدءوا في التحرك الإعلامي بالتعاون مع قيادات الحركة الوطنية الإريترية. ولدأب ولد ماريام في إذاعة إريتريا بالتجرنية ومن بعد مع القيادات الأخرى. يذكر أن السيد/ محمد فائق وزير الإعلام والدولة للشئون الخارجية الأسبق وأمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان في رسالة وجهها بمناسبة مرور خمسين عاماً علي تأسيس اتحاد الطلبة في القاهرة:

(طلب الإمبراطور هيلا سلاسي من الرئيس جمال عبد الناصر أن يكون استقدام أي طالب إريتري لتلقي العلم في مصر عن طريق الحكومة الإثيوبية ، ولكن عبد الناصر أعتذر بان هناك معاهد ودور علم في مصر لا تخضع لسلطة الحكومة ويصعب أن نطلب منها ذلك)!.

ويقول السيد محمد فائق في نفس الرسالة (خلال فترة الخمسينات والستينيات كنت أعطى تعليمات مستديمة علي الحدود المصرية بالا يرد إريتري جاء طلباً للعلم).

كانت الهوية الإريترية موجودة في عقل وضمير هؤلاء الطلبة ولكن ثورة يوليو المصرية أعطتهم أملاً في تحقيق تلك الهوية علي أرض الواقع ومنحتهم زاداً للكفاح وبيئة سياسية يتحركون فيها.

ومن أجل تحقيق ذلك الهدف كان لابد للطلبة الإريتريين من اللقاء والتعاون والاتفاق - وهكذا التقت المجموعة الأولى في يناير 1952م وأنشأت (نادي الطلبة الإريتريين) وكان مقره في (شارع البنات - شارع بور سعيد حالياً) ثم أنتقل إلي شارع شريف عام 1958م وما يزال هناك حتى الآن.

وقد ساهم الإريتريون - من غير الطلبة - بتبرعاتهم في تأسيس ذلك النادي - كذلك بعض الهيئات المصرية ورجال العمل الخيري.

كان الهدف هو نشر الوعي والتحصيل العلمي من خلال الندوات ودعوة رجالات الفكر والأدب والسياسة في مصر. بالإضافة إلي الاتصال بالقيادات الوطنية الإريترية والعمل معها علي نشر القضية الإريترية. في تلك المرحلة التأسيسية كان عدد الطلاب في القاهرة يتراوح ما بين 75-80 طالباً جميعهم كانوا أما في المعاهد الدينية أو الثانوية أو المرحلة الابتدائية.

وكانت لجنة الإدارة بعد التأسيس تتكون من !

1. عبدالله خيار،

2. الأمين عثمان الأمين،

3. عثمان إبراهيم بشير،

4. محمد برهان نور حسين،

5. علي محمود جاسر،

6. بشير صالح،

7. محمد شريف صالح،

8. إدريس عبدالعليم،

9. عبدالقادر حقوس،

10. محمد زين حسن،

11. يسرى بشير إبراهيم،

12. عبدالله عبدالرحمن.

وكان هؤلاء الأعضاء يلجئون إلي رجالات المجتمع الإريتري لمساعدتهم في مواجهة تكاليف تأجير المقر والقيام بأنشطة اجتماعية وثقافية ورياضية. ومن هؤلاء الذين قدموا مساعدات للنادي في مراحله الأولى:-

1. كوليري عبدالله قنافر،

2. أخوان قسم الله،

3. عبدالقادر كحساي،

4. حسن الحاج عبده،

5. إبراهيم محمد حسن،

6. أحمد باحبيش،

7. أخوان أبرا،

8. أحمد هلال،

9. جمال عبدالقادر كبيري.

وكانت للنادي أنشطة متعددة - رياضية (فريق كرة القدم)

* ثقافة مكتبة ونشرة أسمها (الأمل)

* اجتماعية - خدمة الأعضاء وتسهيل التحاقهم بالدراسة واستقبال الوافدين الجدد ورعايتهم.

* سياسياً - الاتصال بالقيادات الوطنية وإقامة ندوات وتوزيع منشورات عن القضية.

تواصل تدفق الطلبة الإريتريين وكانت تلك المرحلة 1951- 1958م هي مرحلة التأسيس ورسم ملامح الحركة الطلابية ودورها المستقبلي.

وكان أهم حدث في القاهرة - زيارة ممثل مجلس قيادة الثورة المصرية أنور السادات لمقر اتحاد الطلبة الإريتريين وتشجيعهم علي مواصلة نضالهم من أجل حريتهم.

وكان أبرز حدث في إريتريا - إنزال العلم الإريتري والإجراءات الأخرى التي أنهت وجود هوية إريترية - الأمر الذي جعل من نادي الطلبة الإريتريين في القاهرة مركزا للمقاومة الوطنية وحركة سياسية ضد الاحتلال الإثيوبي حيث بدأت الحركة الطلابية في القاهرة مرحلتها الثانية.

إلى اللقاء... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click