لابد من قول الحقيقة حتى إن لم تعجب البعض منا - الحلقة الثانية

بقلم الأستاذ: سليمان صالح - أبو صالح

كنت قد وعدت القارئ الكريم في الحلقة الماضية للإجابة على ماهية الحلول الممكنة من الورطة التي نعيشها

منذ أربعينيات القرن الماضي ولكن خطر ببالي أنني لم أكمل قصة المتسببين فيها من المسيحيين وعلاقتهم مع الأثيوبيين وكيف أن الأثيوبيين لفظوهم عندما انتهت صلاحيتهم وبالأحرى عندما جاء النظام العسكري عن طريق الانقلاب في عام 1974م ولكن مما قلت في الحلقة الماضية المسحيين التحقوا بالثورة بشكل فردي في بدايات العام 1970م أما طلائعهم الأولى كانت قد التحقت في منتصف الستينيات من أمثال الرئيس أفورقي، والغريب في الأمر أن أفورقي ومن كان معه عندما التحق بالثورة كان له برنامج حزبي متكامل أتى به معه من أديس البابا على حسب شهادة هيلي دروع كما ورد في مقالات الأستاذ عبد الفتاح ود الخليفة في مقالاته التاريخية والحقيقة أود أن أتقدم بالشكر إلى الأخ الأستاذ عبد الفتاح الذي يتتبع ملفات الماضي الذي فيه الكثير من العبر وأنا على يقين إن ما يقوم به ليس أمراً سهلاً وهو يتتبع هذه المعلومات الدقيقة والمتناثرة بهذه الدقة والموضوعية.

عودة إلى الثوريين من المسيحيين الذين التحقوا بالثورة ولهم أجندتهم والسؤال الأساسي هو لماذا لم يلتحقوا المسيحيين الارتريين بالثورة مثل المسلمين من بدايتها؟ وما الذي أخرهم عنها ولماذا؟ - لكي نجيب على هذا السؤال المركزي لابد من الرجوع إلى الخلف إلى ما أوردت ذكره في الحلقة الماضية حيث قلت: أن المسيحيين لم يكن من أولوياتهم أو في بالهم شيء اسمه استقلال ارتريا عن الاستعمار الغربي ما لم تكن مرتبطة بأثيوبيا، والسبب على ما أعتقد البعد الديني والثقافي وحتى النفسي باعتبار أن المسيحيين الكبساويين في أصولهم من جذور أثيوبية وهذا أمر عادي أن يكون جزء من أفراد أي قبيلة من القبائل الارترية ينحدر من الأقطار المجاورة مثل أي دولة في العالم ولكن المسيحيين الارتريين الكبساويين أردوا أن تعود ارتريا إلى أثيوبيا التي هم منها وهي منهم دون مراعاة بقية المجتمع الارتري الذي ليس بالضرورة أن ينطبق عليه ما ينطبق عليهم في كل شي.

وهنا أود أن أذكر شيء في غاية الأهمية وهو أن القيادة الثورية التي قادت الجبهة من بدايتها كانت حريصة كل الحرص إلى إشراك المسيحيين في الثورة وبأي وسيلة حتى تقطع على العدو الحجة القائلة أن جبهة التحرير الارترية ما هي إلا حركة إسلامية جهادية عربية وسوف يكون مصير المسيحيين معهم في خطر مستقبلاً وهذه الدعاية كانت من أفكار حزب الوحدة الذي ذكرته أكثر من مرة في المقدمة ومنهم من يستخدم هذه الدعاية حتى بعد أن سيطروا على مقاليد الحكم مثل: (ومن يقرأ سلسلة مقالات من 1-17 لأحد الغلاة من المسيحيين في موقع دقبات إريترا تحت عنوان غريب يعلم بأن هؤلاء القوم مازال فيهم من أصيب بإسلام فوبيا لأن عنوان مقالاته هو - إسلاماوي جهادوي كوينات أب إيرترا - ومعناها حرب إسلامية جهادية في إرتريا).

وبتالي كان على قيادة الجبهة المسؤولية الكبرى من أجل إشراكهم في المسيرة النضالية مع إخوانهم المسلمين وكانت تستعين بالوطنيين القلائل الذين لا يزيد عددهم عن أصابع اليد وعندما أرسلت أول دفعة لتلقي العلوم العسكرية إلى الصين كان هم قيادة الجبهة أن ترسل أكبر عدد من المسيحيين في أي دورة خارجية وبتالي فقد أرسل أفورقي ولم يمضي على التحاقه بالثورة سنة والتي عاد منها متمرداً على الثورة وقيادتها ثم تلتها دفعة ثانية وكان فيها ثلاث من المسيحيين وأعتقد أن العدد لم يزد عن20 أو 12 لست متأكداً لعل ود الخليفة يفيدني بهذا في المقالة القادمة إن شاء الله، فما الذي حدث في الدورة العسكرية الثانية التي كانوا فيها الإخوة المسيحيين الثلاث والتي كانت بعد الدفعة الأولى التي جاء منها أفورقي متمرداً وهرب إلى جبال المنسع ومنها إلى كبسا ليؤسس حركته المعروفة بسلفي ناطنت، والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل سلفي ناطنت هي الوجه الثاني لحزب أندنت أي أن اسياس لم يلتحق بالثورة إلا بناء على برنامج معد من الداخل؟ الجواب: احتمال وارد بل أقرب للتصديق، وكيف ذلك؟ لأن المسيحيين الكبساويين لم يكونوا يريدون استقلال ارتريا كما أصلفت وهذه حقائق تاريخية موجودة ومعروفة في ارتريا ولا أريد أن أعود لما أوردت من قبل حتى لا يكون التكرار مملاً ولكن بإيجاز شديد أقول: عندما رفضوا المسيحيين الاستقلال عن أثيوبيا كانت لهم رؤية واضحة وهي أنهم فضلوا الارتباط بإثيوبيا لأن معركتهم مع المسلمين كانت والاستقلاليين وعلى هذا الأساس أوصدت كل الطرق السلمية والمطالبات أمام المسلمين ففجروا الثورة المسلحة التي تضرب قوات العدو بيد من حديد وهنا جنا جنون الاتحاديين وأيقنوا أن الأمر لا تنفع معه الدسائس السياسية التي كانوا دأبوا عليها بمساعدة الأثيوبيين وبسبب إخلاصهم كانوا يتمتعون بإمكنيات في الدولة الأثيوبية فكان منهم الوزراء والمحافظين والقضاة في الحكومة الأثيوبية المحتلة لارتريا.

فاندلاع الثورة لم يكون من مصلحتهم وبتالي قاموا بمحاربتها بالتشكيك فيها وبأنها ثورة المسلمين وأنها قامت ضد المسيحيين وعندما لم تفلح عملية التشكيك ولجو إلى العمل العسكري والذي يعرف بالقرى المسلحة أي المليشيات الهائلة والتي عانت منها الثورة في البدء، ليس هذا فحسب بل أرسلوا الجواسيس والعملاء ولم يفلحوا في ذلك أيضاً وبدأ عود الثورة يشتد والقيادة تبحث عن وسيلة تكسب بها ثقة المسيحيين لكي يلتحقوا بالثورة،فأصدرت قيادة الثورة تعليماتها للأعضاء الناشطين داخل المدن الارترية المحتلة وكذلك المدن الأثيوبية بما فيها العاصمة أديس أبابا وكان أبناء المسئولين في حزب الوحدة مع أثيوبيا يدرسون في الجامعات الأثيوبية بأعداد كبيرة جداً فحينما بدأت خلايا الجبهة بتجنيد الارتريين بصفة عامة والمسيحيين بصفة خاصة في بداية العام 1965 تقريباً وكان وقتها عمل سري خاص للطلاب المسيحيين ولم يكن معهم أحد من المسلمين.

وهنا لا بد من ذكر شيء في غاية الأهمية وهو يقال أن الاتحاديين أيقنوا بأن الثورة قد قطعت عليهم حيلهم الدنيئة وأن لا مفر لهم إلا الانخراط في صفوف الثورة ومراقبتها عن كثب والسيطرة عليها إن أمكن، وكان الغرض من هذا أمرين أساسيين 1) إفشال الثورة من الداخل وبعثرتها والعودة بها إلى الوطن الأم أثيوبيا وقبض المكافأة منها وحجز مكانة في السجل الوطني الأثيوبي ونيل رضا الإمبراطور هيلي سلاسي الذي كانو يعتبرونه من الآلهة. 2) اذا ما استعصت على التدمير والتشتيت تقسيمها وإشعال الحرائق أينما وجدت داخلها ونؤسس تنظيمنا الخاص بنا وهذا ما حدث تماماً! ولذلك كانت قيادة الجبهة تبحث عن طريقة تنال بها رضاء المسيحيين المغشوشين من قبل الخونة، ولابد من الاعتراف بأن قيادة الثورة الارترية لم تكن لها تجربة ثورية ولا حتى خلفية سياسية تنطلق من معرفة الساسة المسيحيين في إرتريا الذين يقدسون أثيوبيا لدرج التعصب وكانت جل قيادات الثورة في جبهة التحرير الإرترية من فئة الشباب الوطنيين المخلصين تنقصهم الخبرة والحنكة السياسية وبالذات جوانبها الإدارية والأمنية والاستخباراتية ولكنهم كانوا وطنيين همهم إشراك المسيحيين وكانوا يتعقدون أن استمرارية الثورة في خطر ما لم يشترك فيها كل الارتريين وبالذات المسيحيين، ولذلك كان إرسال المناضل المسيحي من أولوياتهم في أي دورة عسكرية ولكن كل من أبتعثوا إلى الصين في بداية الأمر لم يعد منهم إلا وهو متمرد على الثورة وبطريقة مكشوفة لم ينتبه لها للأسف المسولين خشية أن يقال عنهم ما كان يقال من قبل العملاء على أنهم جهاديين ويقتلون المسيحيين وهذا ما كان يقوله اسياس أفورقي في بداية انشقاقه عن الجبهة.

عندما عاد من الدورة العسكرية في الصين والدورة التي تلت دورته لم تكن أفضل منه والناظر لطريقة الشكاوي التي تقدم بها الثلاث الذين ذكر قصتهم الأستاذ عبد الفتاح الخليفة التي جاء فيها ما نصه: الحلقة (7) فى الحلقة الفائتة كنّا قد تعرّضنا بشكل عفوى الى حالات التّململ المسيحى فى العمل الوطنى و (جبهة تحرير إرتريا) خاصة آخذين المناضل (تكوء يحدقّو) وكتباته نموزجا، وتعرّضنا لسيرة مقاتل آخر هو (أبرهام تولدى) وفى هذه الحلقة نواصل بما تيسّر فى قصّة التململ المسيحى فى الجبهة آخذين نمازجا وحالات أخرى…

حالات أخرى من التّـململ: التململ وفقدان الثقة من أبناء الهضبة الإرترية المسيحيين و(جبهة التّحرير الإرترية) كان قد وصل الى مداه فقد إستفحل الظنّ والشّك وعدم الثقة بين حملة السلاح وأبناء الثورة وكانت تظهر أكثر حدّة بين المقاتل المسلم والمقاتل المسيحى وتلك القصّة نستطيع إستخلاصها من قصص وتجارب كثير من المناضلين وليس (تكّوء وحده) مثلا: المناضل (كدانى كفلو) كلّ رسائله الى الأمريكى (جاك كرامر) (1) توحى بأنه كان غير راضى عن الوضع فى الجبهة ولا قياداتها.. ولذالك تحدّث عن وجوب التّغيير.. وكان جزءا من (التململ المسيحى) ولكنّ هل كان على إستعداد للإنفصال من الجبهة لجلب التّغيير المنشود فتلك فيها الشّك والكثير من الرّوايات سوف نتطرّق لها فى الحلقات القادمة ولكن ما وجب تثبيته هنا هو أنّ المناضل (كدانى كفلو) وزميله (ولداى قدى) كانا جزء من التّململ المسيحى الذى كان يرفض كثير من المعطيات فى الجبهة.

ثمّ هناك نموزج أخر للتململ وهو: فى عام1968… ذهبت المجموعة الثانية من المقاتلين الى دولة الصين للتدريب وكان عددهم (21) (2)… ولكن عند العودة الى الميدان رفض ثلاث من متلقّى التدريب العودة، والثلاث من (كبسا) ومسيحيين... وكان القصد أن يتحرّكو ليصلو الى الى إرتريا عبراليمن الجنوبى (عدن). ولكن الثلاث رفضو العودة وحضروا الى دمشق فى سوريا فالتقاهم الأمين العام للجبهة حينها (المناضل عثمان صالح سبّى) وتقدّم الثلاث برسائل هى أشبه بشكاوى سلموها الى الأمين العام للجبهة نورد الجزء المهم منها... (هنا يظهر أنّ الصين كانت مصدر آخر لكوارثنا حيث ذكر (هيلى درّع) فى مقابلته مع الكاتب الأمريكى (دان كونيلل) مارس 2000 أن أسياس أفورقى كان يعانى من رفاقه الثلاث واللذين أرسل معهم للتدريب هناك فى عام 1967 (3) ويمكن قد يكون قد إطّلع عليه الكثيرون ولكن لا بأس من إعادة قراءتها فى هذا الصّياغ مختصرة وملخّصة: أولا رسالة المناضل (برخت إيّوب...)“ إنّ مطلبنا هو ما لخّص فى رسالتكم ولكنى لا أدرى ما إذا كان طلبنا قبل أم أهمل أم أعتبر حقيقة أم زيف… تلحّ علينا بأنّك تضمن سلامتى الشّخصية فى المستقبل عندما نعود الى الجبال الإرترية. ولكن فى إعتقادى إنّ قائد جيش التحرير الإرترى له حرّية التصرّف فى أرواح الأشخاص الذين هم مثلى وكما رأيت فى الماضى أنّ القائد عندما يقتل شخصا مثلى يلفّق له تهمة ليظهره مجرم مهما كان بريئا” وتمضى الرّسالة لتقول... ”وبالنّظر الى التجربة التى مررت بها فقد خلّفت فى نفسى طريقة غير سليمة فى التفكير وفى النظر الى الأمور. إنّ (حشال) وشريكه فى المؤامرة (عثمان تيناى) قد زرعو فى نفسى الرّعب بكلماتهم الرّهيبة.. فذات مرّة بينما كنت أسير فى الخلاء بصحبة (تيناى) وجّه الىّ رشاش (سنوبال) بينما أصبعه على الزّناد وتحدّث الىّ بكلمات كانت رعبا كاملا ومع أنه لم يقتلنى جسديا الاّ أنّنى متّ معنويّا عندئذ ولا أزال ميتا معنويّا حتى الآن“

ويقول أيضا ”وبالنسبة لشخصى فإنّنى أفضّل الموت كجندى خالف الأوامر بدلا من أن يعيّر بى بعد موتى كأن يقال عنّى أنّه كان جاسوسا وكان ينوى الهرب وقبضنا عليه فى منتصف الطّريق إنّنى أقول بصوت عالى أفضل أن أموت بمشاعرى الثّورية الرّومانسية كعاصى صريح بدلا من طرق الموت الأخرى المشار اليها آنفا.

وإقتراحى الأخير هو إنّنى لا يجب توفيرى وأعتقد إن هذا مناسب بدلا من الإختفاظ برجل مثل البندقية المكسورة هذا ما أقوله للمجلس الأعلى وقد توصّلت اليه بعد بحث عميق وبذالك أختتم رسالتى.

دمشق فى 06-08-1968

المخلص (برخت إيّوب) ولتشابه الرّسائل إختصر رسالة المناضل (جبرى مكّئيل ولدى جبرئيل) إختصارا غير مخلّ بروح الرّسالة والموجّهة الى الأمين العام لجبهة التحرير الإرترية.

عزيزى عثمان صالح سبّى

هذه الرّسالة هى رد على المحادثات التى جرت بينى وبين (جبهة التّحرير الإرترية) أودّ أن أوضّح لك مشكلتى بإعتبارى ثائر حقيقى تحت قيادة جبهة التّحرير الإرترية… إنّ النّزاع الذى حدث بينى وبين(المجموعة التى تتحدّث اللغة العربية) لم يبدأ فى الصّين ولكنه بدأ فى إرتريا عندما هدّدت كعدو. فالذين جاءو يشاركون فى الثّورة من المنطقة الخامسة كانو يضّهدون أمام عينى، وكنت فى فصيلتى محروسا بجنديين وكانو يهدّدوننى ويتّهموننى بالتّجسّس  ويقولون لى لو سرت قدما واحدة بعيدا عنّا سوف نطلق عليك النّار وكنت لا أستطيع أن أنحنى لتصليح حذائى خشية إطلاق النّار علىّ دون أن أعلم بجريمتى ولهذا لا أستطيع العودة الآن الى صفووف الجناح المسلّح حتى يتبيّن لى خطأى ) ويقول المناضل (قبرى مكئيل)” إنّنى أسالكم السّماح لى بالبقاء فى دمشق حتى يعقد مؤتمر الجبهة وتعالج المشاكل.

المخلص: (جبرى مكّئيل ولدى جبرئيل)... دمشق فى 05-08-1968

وهذه هى الرّسالة الثالثة والتى وقّعها (تسفاى جبرى ماريام) الى قيادة الجبهة… وأختصرها أيضا لنأخذ منها لبّ الموضوع الذى يساعد على فهم الوضع حينها ..يقول تسفاى...).

عزيزى عثمان صالح سبّى

هذه الرّسالة كتبت ردّا على الرسالة التى إستلمتها منك اليوم إثر المحادثات العديدة التى جرت بينى وبين جبهة التحرير الإرترية وفى صياغة رسمية.

مع إنّنى قبلت الرّسالة كما هى ولكنى أودّ أن تسمح لى بالإشارة الى نقاط معيّنة لم أستطيع قبولها كلّها:

1- إنّ مشكلتى لا تبدو إنّها ظهرت الى السطح بينما كنت أتدرب فى فى الصين..

2- لم أسيئ الى الثّورة أبدا.

3- لم أهاجم جبهة التحرير الإرترية ولا قيادتها.

بينما كنت فى الصين وجّهت نقدا الى المجموعة المتحدثة باللغة العربية بصفتى عضوا فى الجبهة فى نطاق تجربتى الثورية ودراستى... آخذا فى الإعتبار إنّ النّقد هو واجب ثورى فقد حاولت أن أتفق وأتّحد مع المجموعة المتحدثة باللغة العربية بوسائل شتى ولكن لسوء الحظ ظلّو يحتكرون الجبهة لأشخاصهم فقط.. وتجاهلو حديثى وفشلو أن يدركو أن الغرض الأساسى من النّقد هو إبراز الأخطاء السياسية.

علاوة على ذالك تحول التناقض الى عداء وأعلنو قائلين إنكم معشر المسيحيين تتسمون بعادة الهرب الى الأعداء ومن الآن فصاعدا فأنتم تحت رحمة الجبهة وإن البندقية فى أيدينا وسوف نأمركم ونستعمركم الى الأبد.. ويمضى (تسفاى فى رسالته ليقول ”فأنا لا أستطيع العودة الآن بالرّغم من أنظمة الجبهة وأوامرها ولذا علىّ أن أساعد الجبهة مؤقّتا بحلّ آخر ويقول ايضا “أحبُّ أن أبلغّك بأنّنى سـأعود الى الميدان متى حان اليوم الذى أتمكّن فيه من العمل هناك. وهو بدلا من المساهمة فى ميدان القتال أن أقدّم معونة إقتصادية، وأينما رحلت سـأظلّ عضوا فى الجبهة ولن أسيئ الى الجبهة.

ويقول ”ولن أنسى الوطن الأم ولن أنسى شعب إرتريا المضّهد فأنا من الشّعب وسوف أموت عاجلا أو آجلا من أجل الشّـعب. دمشق05-08-1968... المخلص: (تسفاى جبرى ماريام.

شي غريب ومدهش جداً؟ انظروا إلى الطريقة التي تقدموا بها كما لو كان كل واحد منهم طرف تنظيمي قائم بذاته مثل قولهم مشكلتي مع الجبهة هي كذا وكذا على كل حال ما علينا.

تعالوا الآن لتحليل الرسائل المشار إليها من المذكورين الثلاث: أولا كما قلت الثورة الارترية بدأت على أكتاف المسلمين وهم الذين قاموا بها دون غيرهم، الأمر الثاني الذين قاموا بها كانوا أناس بسطاء وطنين لا يعرفون شيء عن الإدارة والتنظيم وبتالي هذه النقطة كانت البوابة التي تسلل منها اسياس أفورقي ومن بعده الآخرين المذكورين في الرسائل المشار إليها.

ومن هنا يتضح أن حجم المؤامرة على الثورة ركز على قلت المعرفة التي كانت تعاني منها قيادة الثورة الارترية من ناحية والبراءة الوطنية وحرس القيادة الشديد على إشراك المسيحيين الكبساويين بأي شكل من الأشكال في الثورة.

والمسيحيين الكبساويين استغلوا هذا الأمر بمهارة وساعدهم في ذلك خلفيتهم التي أتوا منها فهم في غالبيتهم كانوا طلاب في مراحل مختلفة في المدارس التي لم تكن متاحة للمسلمين وخلفية آبائهم وبيئتهم الأثيوبية التي جاءوا منها، وهناك أمر آخر لا يقل أهمة عن الذي ذكرت وهو الخلاف الذي كان بين قادة الثورة الأستاذ عثمان سبى ومن معه من جهة وبين بقية أعضاء المجلس الأعلى وهم كانوا يعرفون هذا الأمر جيداً ولهذا كانت الشكاوي إلى السيد عثمان سبى دون غيره! وقد استغلوا سبى في بادئ الأمر حتى يتمكنون ثم بعدما جلب لهم المساعدات وانشق عن الجبهة وأسس معهم التحالف الذي عُرف بقوات التحرير الشعبية 1 وسلفي ناطنت قوات التحرير الشعبة 2 لاحقاً وكيفية وما ترتب على هذا الأمر من سفك للدماء والقتل في الحروب الأهلية المقيتة وكانوا هم وراء ذلك والمستفيدون، وهذا ليس لشيء إلا لأن لديهم رغبة الهيمنة على قيادة الثورة أولاً ثم قيادة الدولة مستقبلاً وهذا الذي حدث! والاعتقاد السائد عندهم بأن المسلمين أكثرية يجب عدم إعطائهم الفرصة لكي يسيطروا على مقاليد الأمور.

من المتعارف عليه في ارتريا قديماً وحديثاً إن المسيحيين كل الذي يشغل بالهم هو عدم تمكين المسلمين من أي امتياز سياسي أو رئاسي في عهد الثورة والدولة وهذه حقائق من يقول غيرها عليه أن يثبت عكسها لي ولغيري.

وقبل الختام في هذه الجزئية لابد من ذكر التململ الذي ذكره الأخ ود الخليفة والذي لم ينته تأسس للمسيحيين تنظيمهم الخاص بهم كما كان يريد السيد ولدآب ولدي ماريام.

وهنا أود أن أعود بالقارئ الكريم إلى موضوع التشتيت الذي اعتمدته الجبهة الشعبية منذ تأسيسها في العام1971م وهو زرع الفتن بين مكونات الشعب الارتري فعلى سبيل المثال في العام1981م وبعد دخول الجبهة مدفوعة بالتحالف الغير مقدس بين الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا والجبهة الشعبية لتحرير شعب تقراي (وياني) جمعت الجبهة الشعبية بعد أن خلى لها الميدان شعب منطقة المنسع في كل من مديني (قلب ومحلاب) وطلبت منهم ان يأتوا بمن يعرف أو يُعرف بالمنسع الأصلين ومن هم وإلى من ينتسبون؟! فهنا من الطبيعي أن نتذكر بأنني قلت في المقدمة كيف أن الجبهة الشعبية هندسوا الفتن بين شعوب المنطقة من السمهر والمنسع وقلت إن السمهر الذين أعنيهم هم الذين يعيشون مع المنسع في شعب وقدقد وليس أحبابنا من سكان الميناء في مصوع وحرقيقو بطبيعة الحال والمنسع وأهل السمهر والأفلندة في شعب وقدقد هم أهل وأحباء قبل مجيء الشعبية في الماضي وهقدف الحالية.

على كل حال كان موضوع الاجتماع الذي طلبته الشعبية من المنسع الهدف من التعرف على من هو المنسعاوي الأصلي! وللقارئ أن يستحضر طبيعة الناس وقلت المعرفة بما تريده منهم الشعبية وحبهم للتفاخر الجاهلي المتخلف وكانت النتيجة كما أرادات الشعبية بخبثها من إثارة الفتنة النائمة.

فقام نفر من الناس الذين يمثلون المنسع وقال نحن أولاد فلان بن فلان إلى أن دخل إلى البيوت القرشية وتحديداً البيت الأموي والناس يستمعون وعندما سئل عن البقية من القبائل التي تنتمي إلى المنسع وتعيش في مناطقهم ؟ قال أسألوهم! ومن يومها حدث شيء اسمه منسعاوي وغير منسعاوي،والشعبية استثمرت الأمر كالعادة وأصبح الناس يشيرون على بعضهم بأصابع الاتهام ومن طرف خفي ورأينا إحياء الفتنة التي كانت غائبة بل لم يكن لها وجود أصلاً في الماضي، وكما قلت في المنسع لم تكن مشكلة الشماقلي والتقري مستشرية كما في بقية القبائل الارترية، فالمنسع ليس بينهم أي تمايز يذكر على احد علمي أنا، ولكن الشعبية أبت نفسها إلا أن توجد من يروج لها من أبناء المنسع مع الأسف ووصلت الأمور إلى أكثر من فتنة بسيطة بل تعدته إلى درجة وجود حواجز نفسية والانتقام الخفي.

وتقوم حكومة هقدف حالياً وزادت على ما تقدم بأمر خطير وهوا الستمرار على نفس الخط ويتعاون معهم بعضد من أبناء المنسع حتى يكملوا أركان الفتنة التي أسأل الله يبصر الناس بها ويتجنبوا ويلاتها، وطالما وجدوا من يعمل معهم في هذا الدرب النتن العفن والذي أبرأ منه إلى الله واسأل الله أن يهدي المسلمين وأهلي في ارتريا منه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

عودة إلى الشكاوي التي تقدم بها الإخوة المسيحيين الثلاث وقبلهم أسياس أفورقي الذي قال عن الجبهة بأنه تنظيم جهادي إسلامي وقتل من أبناء المسيحيين 500 شخص! والثورة عددها في تلك الأيام لم يصل إلى هذا العدد الكبير ناهيكم أن يكون عدد أبناء المسيحيين في الثورة بهذا العدد الضخم وهو غير صحيح وكذب مفضوح لا يصمد أمام ذلك الواقع الذي نعرفه!

والأمر الثاني الشكوى التي تقدم بها الإخوة الثلاث وبالطريقة التي رأينا في صياغة الرسائل الثلاث غير معقولة وغير مقبولة لأن الثورة بكل بساطة لم تبتعث إنسان لا تثق فيه لتلقي الدورات العسكرية المتقدمة وهذا أمر معروف.

وكان هذا أسلوب اسياس الذي كان قبلهم في الصين،والغريب في الأمر أن اسياس الذي يقال انه لم يكن على وفاق مع من كانوا معه في الدورة وأنا أشك في ذلك بل على العكس من هذا يقال ان اسياس لم يبني علاقته وصداقته مع رمضان محمد نور إلا في تلكم الدورة ويقال كانت له صداقة أيضاً مع المناضل محمود إبراهيم (شكيني) وبتالي أمر المسيحيين الكبساويين الذين التحقوا بالثورة وكانوا غير أمينين لها في الشكاوي التي تقدموا بها ضد الجبهة وقياداتها لم أرها إلا مكيدة من أبناء الزعماء السياسيين الذين لم تكن لهم رغبة في تحرير ارتريا من المستعمر الأثيوبي ويعرفون كيف تحبك المصالح والمؤامرات وساعدهم في ذلك وجود أناس وطنيين على نياتهم لا يعرفون شيء اسمه المكائد السياسية والمؤامرات فكانت النتيجة كما رأينا وسمعنا في تاريخ الثورة الارترية، فماذا حدث بعده في الدولة ؟اعتقد الأمر لا يحتاج أن أقول شيء فيه لأن القارئ الكريم يعي ما حدث بعد تحرير في إرتريا من العام1991م حتى اليوم؟

وهنا أريد أن أنبه على شيء اعتقد أنه في غاية الأهمية وهو إنني لم اكتب عن هذا الملف الأسود الذي لا يشرف أحد من الوطنيين إلا من أجل أن نتعلم ولو لمرة واحدة ونستفيد من الماضي حتى لا نقع فيه مرة ثانية، خاصة وأن المسيحيين في صفوف المعارضة أراهم لم يتحرروا منه حتى اليوم وسوف أتطرق إلى ذلك في الحلقات القادمة إن شاء الله.

وما دفعني لذكر وتناول هذا الأمر وبشكل خاص ما كان يمارس ويمارسه اليوم المعارضون للنظام من المسيحيين الكبساويين يتبع نفس الطريقة القديمة، وهذا ليس سراً أفشيه لأن مواقف بعض المعارضين المسيحيين وموقفهم المؤيد لقرانلوس وقولهم إن ما قاله هو رأيه وبتالي الأمر لا يحتاج إلى فصله ومعارضته ومن حقه أن يقول عن القائد المؤسس حامد إدريس عواتي ما قال هكذا وبكل وقاحة وكأن الثورة الارترية وقائدها أبو الثورة مزرعة ترعى فيها البهائم دون رقيب ولا حسيب!

وأن الذي قيل بحق عواتى لو قيل بحق أحد المسيحيين الكبساويين من المناضلين العاديين كان سيختلف الأمر بكل تأكيد!.

في الحلقة القادمة إن شاء الله نواصل... وأرجو أن تعطوني فرصة حتى تكتملة الفكرة.

Top
X

Right Click

No Right Click