تحديات في مواجهة الحكومة الملكية في اسمرا - الحلقة الثانية

بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر فريتاي - كاتب ومفكر سياسي

مدخل:

في نقاش مع بعض الأخوة ولا اود ذكر اسماء، ابدوا لي ضجراً ذو ازيزٍ،

ونفثت صدورهم كلاماً أحسبه دخان غضب على المعارضة الإرترية التي اسدلوا عليها كما عبروا ستار الإغلاق وعزموا على مغادرة حلبتها، وربما ألمحوا لي كما فهمت ان العمل من الداخل هو الأجدى وعلى الجميع ان ينبري لهذا الدور المستقبلي المضمون ...الخ، وتكرر ذلك مرات، ثم سمعت صدى هذه الدعوة (تتغنج للمستبد) في وَجَلْ على صفحات الفيسبوك ولكنها كانت (تتردم) من ابناء واخوة المنفيبن من الحياة عنوة والمهجورين وراء الزنازين بلا جريرة او قانون سوى غضبة النظام.

والحال ان جزء من اخوتنا في المعارضة يظنون ان التغيير سيكون على يدهم ويعتقدون ان رسالتهم هي دخول ارتريا بجيوشهم ودك حصون النظام ...الخ، وهذا الإعتقاد في ظني يعد خللاً في والوعي وخلطاً في استيعاب الدور والمهام المنوطة بأي حزب او تنظيم في المعارضة - فالتنظيمات في العادة لا تقدم حل سحري وناجز لتغيير الواقع ولكنها تجتهد في تحليل ودراسة الأزمات الوطنية وتضعها كمنهاج عمل وتحريك واستقطاب للجماهير لصف المقاومة، واحسب ان هذا الخلل قد انسكب في وعينا الباطني ابان فترة الكفاح المسلح والتحرير وقبل ان تولد الدولة الإرترية، وواقع الحال انه في مرحلة الثورة فكل تنظيم كانت له رؤية وآلة مواجهة يقارع بها المستعمر وكان المسار بينه وبين الشعب مفتوحاً فهم زاده وادواته، وكان بمقدور كل تنظيم وحزب ان يتحدث الى الشعب برؤيته ويكون مسؤلاً عن النهوض به وحمايته ...الخ، اما في المرحلة بعد اعلان الإستقلال مطلوب ان يعي الجميع أن هناك دولة وهي المسؤولة عن تحمل أي تردى او ضعف او صراعات بينية او تصدع في اركان الوحدة الوطنية بمعناها الواسع والشامل، الدولة مسئولة عن الجوع والفقر والتعليم والصحة وتشريد الشباب في كل بقاع الدنيا ...الخ، ومجموع هذه الإنكسارات والمعاناة تشكل مادة هذه التنظيمات والأحزاب لتقوم بعملية واسعة من التوعية والإستنهاض وتمليك المعارف وتحديد منهج المواجهة لبؤرة الخلل الرئيسية ومن ثم يقوم الشعب بمسؤليته وينهض بعبئ التغيير والمواجهة مع النظام المستبد، بهذا الفهم اعتقد لا مجال ليقول احدنا انه يئس من هذا الطريق وسيعمل على تغييره لمسار آخر، والمسار الآخر بحسب ما يروج من البعض هو ان نعمل من الداخل، وكأن الداخل يكفل حق التعبير وحرية الرأي وينعم بالحرية التامة، و(احتار) كيف عَمِشت عيون هؤلاء ليختاروا طريقاً غيهباً لا يتيح لهم البوح بسطر من برنامجهم، وليس هذا فحسب بل انا على يقين انك لن تجمع اثنين تحت سقف واحد لتحدثهم عن تغيير النظام ولأسباب يعلمها كثيرون، وازيدكم فرصة لتسألوا من خبروا النظام خبرة عليم مطلع، وأما ممارسة الدور النضالي عبر المنابر المتاحة لك الآن في أي دولة أومساحة، وإمكانية ان تؤدي مهمتك في التوعية والتنمية الفكرية والسياسية للشباب عبر تأطيرهم من خلال الندوات ومختلف الفعاليات هو الذي سيمكنك من بناء (قاعدة الأساس) وهذه القاعدة هي التي ستنهض بصوت التغيير وهي المسؤولة عن نقل صوتها للداخل بالكيفية المتاحة أمامها، وحسبنا القياس هنا بما قام به رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم وهو المؤيد من الله (القوى القهار) حينما خرج من مكة الى المدينة، فليس عيباً او سوءً ان تغادر البلد الذي يؤذيك حكامه، ويا جماعة (الكذب في السياسة برضو حرام)، وصعب عليّ فعلاً ان اتعاطا مع من يقول لي نعمل (جوّه مع النظام) وهو للاسف لا يملك قطميراً من اسناد، كما استعصى على فهمي ان يحكم احدٌ يقف في زاوية وركن محدود ليسقط حكمه كمُسَلّمة على الواقع كله.

وبعد: بالعودة - لموضوعنا - التحديات التي تقف ازاء مملكة (عدي هالو) هو فشلها الذريع في تأسيس كيان دولة محترمة ومتكاملة الأركان، إذ ان من اولى مهام كيان الدولة هو : تأسيس واقامة النظام الدستوري وترسيخ وجود مؤسسات الدولة بأركانها الأساسية (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وبدون هذه المؤسسات يكون من العبث الحديث عن (الديمقراطية والعدالة) كما هو نص اسم مملكة (عدي هالو)، وغياب هذا الركن الجوهري في بنية الدولة سيؤدي بالضرورة طال الزمن او قصر الى تصدع المملكة وانهيارها من الداخل، لماذا : لأن غياب الدولة المؤسسية وغياب القانون يعني بالضرورة سريان قانون الغاب واحكام قبضة النظام بقوة البطش والتنكيل، وحتمية التاريخ هي ان كل يدٍ قابضة وجائرة وظالمة لا بد لها من تراخي وضعف في يوم ما، يقابلها تنامي الغضب والرفض الجماهيري، فالشعوب يمكن ان تُقمع ويُبطش بها ولكنها حتماً ستنهض وتثور، هذا هو منطق التاريخ وسيرورته وهذه هي فطرة خلق الله سبحانه، فحتى المخلوقات غير الإنسانية لا تتحمل القهر والإذلال، ولسوء طالع فرعون (عدي هالو) انه اتخذ من (الجمل) شعاراً وأظنه لا يعرف انتقام الجمال.

وهنا يبرز امامي تساؤل: هل يدري افورقي مقدار التركة الثقيلة والمؤذية التي خلفها حكمه على اعوانه وعسسه الذين يحرسون بيته العائم؟؟ وهل يدرى مقدار التشويه الذي بذره في البنية الوطنية ثقافياً وحضارياً والتسطيح الذي تقوم به ادواته الخانعة عبر مختلف النغمات التي تأتينا عبر الراديو والتلفزيون؟ وهل يدري ما هي تبعات التغيير الديمغرافي، وتشويه الوعي الوطني وازدراء مسيرة النضال الوطني وغمط استحقاقات الوطنيين الذين تتعالى اصواتهم من بين اقبية السجون. كل ذلك سيشكل تراكم من الغضب في مواجهة هذه العصابة التي سيزول ذكرها مع لحظة سقوطها الحتمي.

يضاف لذلك سلوك هذا الرجل الغائب عن الوعي، واغلب ظني ان اسياس افورقي يعيش في (غيبوبة حلم) فالرجل وعبر احاديثه المكرورة في مناسباته الفقيرة يتحدث وكأنه العارف بكل شيئ، والمصيبة لا ينطق ببنت شفه عن واقع الشعب والإقتصاد والتعليم ...الخ، والمصيبة ليس له من المنجزات على صعيد البناء والتنمية حائط يتفاخر به، والاغرب انه يتفاخر بنضال الشعب الإرتري الذي حرر ارضه ولكنه يخونه ويقهره ويذل مناضليه، فهل من مرض نفسي اعمق من هذا؟

وبعد ذلك هل استطاعت مملكة (عدي هالو) أن تحقق الإندماج الوطني الشامل للشعب الواحد؟

بنظرة سريعة لصورة حكومته نقول هو ابعد من تحقيق الوحدة الوطنية والإندماج الوطني بمسافة واسعة، اقول ذلك وانا اعرف كيف تدار هذه المملكة ومن ترعى ومن هم الأولى بعطائها؟ ولكن مع ذلك شعب ارتريا الذي توحد في ثورته واندمجت في بوتقتها كل المكونات الوطنية وكل الأديان والطوائف لن تنصاع لمخلفات هذه المملكة، ومهما اعتراها وتراكم على سطحها الغبار فإنها ستنفضه وتعود لتقاوم، وساعتها لا عزاء لمن طبّل للمستبد أو ظن فيه خيراً.

نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click