منهج التزوير في خطابات اسياس وثقافة الشعبية

بقلم المناضل الأستاذ: عثمان صالح - كاتب ومفكر سياسي

ماطالعنا وثيقة تنسب الى اسياس افورقي منشئا كان او مشرفا عليها،

الا وكان تزوير الوقائع - بما فيها ذلك الذي يعتبر بمثابة حقائق - ابرز ركائزها. لدرجة ان هذا التزوير صار منهجا وثقافة ثابتة لايخلو منه أي مستند رسمي ابتداء من خطابات الرئيس ومحاضراته شخصيا ونزولا الى اصغر وحدة في الدولة. هذا التزوير تجاوز التاريخ البعيد ليتناول من الماضي اقرب فصوله ثم الحاضر ايضا بل وحتى المستقبل لم يسلم من تزوير هذا المريض النفساني الفريد المستوفي لكل العقد السياسية والاجتماعية والعقدية.

اولا - ملاحظات عامة على الخطاب:

• اول ما يلفت الانتباه في كلمة اسياس لهذا العام ان كل ماتبقى من الجبهة الشعبية هو الشعار الفرملة (النصر للجماهير).

• الملاحظة الاخرى هي خلو كلمة هذا العام من العنتريات وركونها بشكل كبير الى الشكوى واستشعار الخطر الذي جره الى نظامه وبلده والاقرار الصريح بعجزه عن الدفاع عن الاستقلال والسيادة الا عبر الحضن الاجنبي وأبحر كثيرا في التبرير لرحلة الهروب الى المحاور ووضع البلاد أداة في خدمة الصراع المحتدم بين اقطاب التنافس الدولي في المنطقة.

• ومن الملاحظات العامة على خطاب هذا العام خلوه من المفردة المعهودة خلال ثلاثة عقود (الوياني) على الرغم من حضورهم العملي في مفردات الحياة اليومية للنظام ولعموم الارتريين وما يمثلونه من شغل شاغل وخطر عاجل.. / يلاحظ ان خطاب هذا العام هو خطاب طوارئ وأزمة وفقدان توازن وعدم ثقة في القدرة على مواجهة المعطيات باسلوب الغطرسة المعهود.

• الخطاب حفل بمصطلحات مبهمة ومفردات متضاربة من قبيل استخدام (الشعب) و(الأمة) و(الوطن) للاشارة الى شيء واحد رغم ما بينها من بون شاسع. ومثل تعبير (نظام القيم الراسخ عندنا) اذ لا النظام معروف ولا رسوخه مؤكد. والمطالبة بـ(التوزيع العالمي العادل للثروة والدخل) بينما هوفي بلده وعبر ثلاثين عاما لم يحقق من وجوه العدالة شيئ لا في توزيع ثروة ولا في سلطة ولا حتى قانون يقر ذلك اخلاقيا.

• (الدعوة الى مكافحة التحديات بعزم وحكمة). ان صدق فهذا يمثل انقلابا على منهجه الدائم في رعاية الفوضي والتخريب والمؤأمرات وعليه فان امامه مهمة اطفاء العديد من النيران التي اشعلها في المنطقة ووقف التخريب الذي ظل يمارسه. واول ما يقتضي المعالجة بالحكمة هي اوضاع ارتريا الداخلية (استعادة ركائز الوحدة الوطنية / وقبول الآخر / واحترام حقوق الانسان الارتري / وحق الارتريين في الحياة الطبيعية في وطنهم / وعودة اللاجئين / واطلاق سراح المعتقلين والمغيبين / ودولة القانون والمؤسسات.)

ثانيا - عبارات وجمل التزوير:

التزوير في اول جملة:-

• قال في خطابه في 2022/5/24م بالحرف: {اسمحوا لي اولا ان اعبر عن احر التهاني للشعب الارتري في الداخل والخارج بالذكرى ال(31) للاستقلال}.. ان هذا التعبير هو اول (مصطلح تزوير) للحقيقة المعلومة ارترياً و الموثقة عالميا وغير القابلة للتزوير. ان المسئول ليس مجبرا على قول كل ما يعرف ولا يلام على ما اختزن مما يعرف لكن العيب كل العيب على المسئول ان يكذب.

هنا في اول جملة في خطابه قدم اكبر كذبة (حتة واحدة)، تزوير كامل شامل لحدث لايزال ماثلا. ربما كانت محاولة لتغبيش ذاكرة الاجيال من عمر الثلاثين عاما أو ممن لم يتبينوا بعد الحدث جيدا، او ربما كانت ضربة تدشين لعملية غسيل دماغ اراد ان يضيفها الى الحلقات المهمة في تاريخنا الوطني التي زورها عبر (اعلام الغرض) والهتافيين السطحيين الذين لا يفقهون مدلول الالفاظ والكلمات التي يرددونها بدون وعي.. طبعا في خطابات اسياس بغض النظر عمن يكتبها فانه لامجال فيها لزلة قلم او هفوة غير مقصودة وبما ان كل الذي يرد فيه مقصود فقد اراد ان يزور هذا الحدث الكبير الذي عليه شهود كثر من غير الارتريين.

كيف يكون يوم 2022/5/24م هو الذكرى الـ(31) للاستقلال؟ أليس هذا تزويرا للتاريخ؟. ان المفردات والمصطلحات لها دلالات خاصة، فكما ان (للحرية) دلالتها فكذلك (للاستقلال) دلالته ولذلك درجنا في ثقافتنا السياسية النضالية على ربط المصطلحين معا (الحرية والاستقلال) تفاديا لامكانية ان يتحقق احدهما ويغيب أو يغيب الآخر. وهذا الترابط هو الذي فكفكته الجبهة الشعبية (سياسيا) بالغاء شعار (لابديل للاستقلال التام) الذي رفعته جبهة التحرير الارترية وابداله بمشروع (تقرير المصير) وطبقت تفكيك هذا الترابط (عمليا) في الرابع والعشرين من مايو عام 1991م عند تمام عملية التحرير (وتعليق) الاستقلال على نتيجة الاستفتاء.

وسواء كان بالاتفاق السياسي الذي ابرمه او بالإلزام السياسي الذي رضخ له (لايهم أيهما كانت الحقيقة) الا ان الذي تحقق على الارض في الرابع والعشرين من مايو عام1991م هو (التحرير) وتم تأجيل (الاستقلال) بالبيان الرسمي الصادر باسم الجبهة الشعبية الى حين الاستفتاء الذي تقرر ان يكون بعد عامين من (التحرير). والامر لم يكن سرا فقد شهد العالم عبر كيانه الممثل (الامم المتحدة) على تأجيل الاستقلال اولا وربطه بالاستفتاء ثانيا وكان حضورا في مراقبة الاستفتاء ثالثا وادلى سمير صنبر ممثل الامين العام للامم المتحدة بشهادته في ختام عملية الاستفتاء في 1993/5/24م ولا احد يجادل في ان اعلان استقلال ارتريا كان في 1993/5/24م بناء على نتيجة هذا الاستفتاء. فكيف يكون الرابع والعشرين من مايو (2022م) هو الذكرى الـ(31) للاستقلال؟. اذن بالوثائق ليس صحيحا ان يقال ان يوم (2022/5/24م) يصادف الذكرى الحادية والثلاثين للاستقلال بل الصحيح انه يصادف الذكرى التاسعة والعشرين للاستقلال والذكرى الحادية والثلاثين للتحرير. لقد عملت الشعبية على التفريق بين التحرير والاستقلال (سياسيا وقانونيا)، هذا هو الترتيب الذي ارادته الشعبية او قبلت به فلماذا يتم تزويره؟.

لا اظن ان في المسألة غباء في الرياضيات ولكن يبدو ان وراء هذا التزوير اهدافا سياسية نشير منها الى:-

اولها: اراد ان يتخلص من ارث الجبهة الشعبية الذي الغت بموجبه الشعار المركزي للكفاح المسلح (لابديل للاستقلال التام لارتريا) واستبدلته (بتقرير المصير) وواضح من صريح عبارة البديل انه يقبل (الاستقلال ودونه).

وثانيها: اراد عبر هذا التمرير الخاطئ للمعلومة ان يتخلص من العبء الثقيل والخطأ الفادح الذي ارتكبه بمفرده او بموافقة قيادة الشعبية بوضع تضحيات الشعب الارتري وقواه المناضلة عبر سلسلة الصراع الذي اعقب نهاية الحرب العالمية الثانية مرورا بحركة التحرير ثم جبهة التحرير والجبهة الشعبية بمئات آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين وملايين اللاجئين والمشردين في مهب الريح (سياسيا) ووضعها على قدم المساواة (بصندوق) الاستفتاء (قانونا) وهي مساواة غير منطقية وغير سياسية وغير اخلاقية.

وثالثها: اراد ان يوحي للاجيال ان الاستفتاء كان تحصيل حاصل وهذا ايضا تزوير فلو كان الامر كذلك لتم اعلان الاستقلال مباشرة كنتيجة للتحرير عام 1991م ومن ثم يأتي الاستفتاء على قبوله او رفضه ولحافظت الجبهة الشعبية بهكذا قرار على انحيازها السياسي والاخلاقي لاسس ومبادئ النضال الوطني الارتري.

رابعها: لقد اجتهدت الشعبية واعلامها وسياسيوها في تسويق موضوعة ان الذهاب الى الاستفتاء كان بهدف اضفاء شرعية قانونية دولية على الاستقلال. فاذا كان الامر كذلك فلماذا يتم تجاهله الآن (باحتساب سني الاستقلال قبله بعامين) أم ياترى بدأ يتولد احساس بأنه يمثل عيبا في حصيلة النضال الارتري؟.

وخامسها: ان الاستفتاء لم يكن في غالب الاحوال طريقا لا خيار غيره في الاستقلال الذي ينتزع (عنوة واقتدارا) كما هو الحال عندنا، فكل الشعوب والامم التي انتزعت استقلالها (عنوة) من المستعمر لم يتطلب الامر استفتاء لان المسألة قد حسمت.

سادسا: ان التعبير الشائع:- (انفصلت ارتريا عن اثيوبيا) تعبير مضلل لان العلاقة لم تكن في أي مرحلة من المراحل علاقة جزء من كل، ولم يكونا وحدة اقليمية وسياسية واحدة عدا العلاقة التي نشأت بينهما في عام ١٩٥٠م وهي علاقة قانونية منشأؤها غير ارتري من ناحية وكانت على نقيض اختيار الشعب الارتري من ناحية اخرى وان اريد إبطالها أو الغاؤها فذلك من خلال ذات المنبر الذي انشأها (الجمعة العامة) وليس عبر الشعب الارتري الذي لم تكن له يد في انشائها. اما العلاقة منذ العام ١٩٦٢م فكانت علاقة مستعمر (بكسر الميم) بمستعمر (بفتح الميم) هي بالضبط من نمط العلاقة التي كانت قائمة بين ارتريا (وايطاليا/وبريطانيا)، ومن نمط علاقة الاحتلال التي كانت قائمة نتيجة التنافس الاستعماري كعلاقة بريطانيا وفرنسا وسائر دول الاستعمار الغربي بمستعمراتها في افريقيا وآسيا ودول العالم الثالث. وكل تلك الدول نالت استقلالها من المستعمر دون المرور بالاستفتاء ولم ينقص ذلك من قيمة استقلالها السياسي ولا من شرعيته القانونية وكلها اعضاء في الامم المتحدة.

• ومن محاولات التزوير انه اتهم ما سماها بالقوى المهيمنة بتدمير القاعدة (الاقتصادية لارتريا وبنيتها التحتية). عبر (إثارة النزاعات والصراعات الحدودية التي لا اساس لها). ومتى اسس هو ونظامه قاعدة اقتصادية وبنية تحتية يتهم الآخرين بتدميرها؟! اما الامر الاكثر مدعاة للحيرة ان يتهم الآخرين باثارة النزاعات والصراعات الحدودية بينما كان هو اول من حول هذه الخلافات الى صراعات وصدامات عسكرية مع كل الدول المحاددة كلفت البلاد عشرات ان لم يكن مئات الآلاف من الضحايا ثم يعود ويصفها الآن بعد كل تلك التضحيات والاضرار بانها (نزاعات لا اساس لها).. هكذا.

• ومن صور التزوير قال (ان المسيرة الطويلة للنضال المسلح اتسمت باعمال تخريب لا تعد ولا تحصى ومثيرة للانقسام من قبل قوى خارجية وداخلية من اجل غرس الانقسامات الداخلية..) هكذا جريمة كبيرة بحق الشعب والوطن والمسيرة من غير فاعل معروف.. طبعا هو لايجهل انه اول من شق الصف الوطني على ارضية طائفية (بمنفستو نحن واهدافنا) وايضا لا يجهل انه الوحيد الذي استعان بالاجنبي وورطهم في تعميق أزمة الخلافات الارترية دفعنا ولانزال بسببها ثمنا غاليا على مدى اكثر من اربعين عاما..

• قال: (من اجل الحفاظ على استقلالنا وسيادتنا وحمايتهما يتعين علينا اجراء تقييم شامل لمساراتنا الماضية والحاضرة والمستقبلية) لا شك ان الاستقلال والسيادة الوطنية قد تضررا ولا احد مسئول عن هذا الا اسياس افورقي الذي تصرف فيهما منذ العام ١٩٩١م على انهما ملكية خاصة له، وعلى العموم ليس الكلام هو المهم في الامر وانما الفعل والممارسة. مع ملاحظة انه من المتصور ان يخضع الماضي والحاضر للتقييم باعتبار ان ما يخضع للتقييم في الاصل هو ما تم من عمل لكن كيف يمكن اخضاع المستقبل الذي لم يأت بعد للتقييم؟.

• قال (تحتاج الدول الافريقية الى تشكيل مؤسسات اقليمية وشبه اقليمية تتجاوز حماية استقلالها وسيادتها.. على قاعدة الضرورة وليس الاختيار) الواضح ان خطاب هذا العام هو خطاب طوارئ بكل مكوناته ومن ضمن الطوارئ هذا المشروع الجديد للاقليم بالدرجة الاساس. ما ذا تعني مؤسسات تتجاوز حماية استقلال الدول وسيادتها؟ لمصلحة من تعمل إذن؟!. المعروف ان كل تعاون بين الدول هدفه الحفاظ على سيادة الدول ومصالحها. ان كان في هذا مؤشر فهو التقليل من قيمة واهمية السيادة والاستقلال امام التحالفات المأمولة بل هو مؤشر واضح على استحداث وضع قانوني على مستوى الاقليم يضعف او يقلل او يغير من الوضع القانوني للدولة..

• (الاستقلال كان مشبعا بالسيادة القانونية) ما معنى (السيادة القانونية)؟. مفهوم معنى الحماية القانونية. ومفهوم معنى الاعتراف القانوني ومفهوم معنى الحقوق القانونية.. اما مفهوم السيادة القانونية هو الاحتكام الى قواعد واحكام القانون في ادارة الدولة او الانصياع الى قواعد القانون الدولي وسوابقه القضائية في فض ما ينشأ من منازعات بين الدول. فهل من هذا في مسيرة نظام اسياس افورقي شيء؟. يبدو ان تعبير (السيادة القانونية) الغريب هذا استدعته روح الطوارئ التي صيغ بها الخطاب وكذلك فان عبارة (مشبعا) اقحمت اقحاما لا معنى له إلا في لغة الكيمياء.. واذا جاز لنا ان نبسط هذا المفهوم يمكننا القول اننا حصلنا على استقلال (شبعان قانون تب) واذا اردنا الزيادة نقول (وكمان سكران قانون)..

ملحوظة: اعتمدت في مطالعة الخطاب على الترجمة المنشورة في الفيس بوك.

Top
X

Right Click

No Right Click