الأحباش مابين إنقلابين

بقلم الأستاذإبراهيم عمر

المقصود بالإنقلاب الأول هنا هو الذي قاده الجنرال منقستو هيلي ماريام وعلي اثره تقلد الجنرال أمان عندوم

السلطة علي حساب الهالك الإمبراطور هيلي سلاسي (قوة الثالوث) بتاريخ ١٩٧٤/٩/١٢ اما الإنقلاب الثاني هو الذي اعقبه في اقل من شهرين وكان بقيادة منقستو هيلي ماريام علي الجنرال أمان عندوم ذي الأصول الأرترية بتاريخ ١٩٧٤/١١/٧.

الإنقلاب في حد ذاته غير الخارطة السياسية في تاريخ اثيوبيا بعد ان قضي علي النظام الاقطاعي بعد مجزرة مروعة انتهت باعدام الامبراطور وحاشيته. وكخطوة مكملة للإنقلاب قام ضباط الأمهرا بقيادة منقستو بحرب شرسة من خلال تصفيات واعتقالات واسعة في اوساط الجيش والوزراء واسرة الأمبراطور بلغ عددهم ٦٠ شخصية بارزة وعلي رأسهم اخليلو مستشار الامبراطور ذي الاصول الارترية (١) وايضا الجنرال أمان عندوم القائد الصوري للدرق والذي رفض التسليم بعد محاصرته في منزله (٢) بالأضافة الي طرد الأرترين والتجراي (أبناء شمال اثيوبيا) من مؤسسات الدولة (٣)، وبذلك طويت صفحة وبداءت اثيوبيا عهدا جديد اشدا فتكا ودموية بقيادة منقستو هيلي ماريام رئيسا للمجلس العسكري (الدرق) وحاكم اثيوبيا.

الإنقلاب الثاني كان له الأثر الأكبر علي مجريات الأحداث في الساحة الارتري سواء علي المدي القريب او البعيد وما زالت اثاره ماثلة علي الساحة الأرترية الي يومنا هذا. فالتصفية التي قام بها المجلس العسكري تبعها تدفق ابناء التجرنية بأعداد كبيرة للإلتحاق بالثورة الارترية من المرتفعات الإرترية وخاصة من مديريات الهضبة (كبسا) الثلاثة حماسين وسرايا وأكلي قوزاي (٤) ومن الخارج من مختلف عواصم الدنيا وبشكل ملحوظ من اديس اببا عاصمة اثيوبيا بعد ان خسرو الامتيازات التي حصلو عليها من الإمبراطور المخلوع المتمثلة في فرص استثمارية و اكاديمية ومناصب وما الي ذلك وعلي اثرها اصبحو خدام في بلاط الإمبراطور يسبحون بحمده ويقدسون مقابل تأيديهم المطلق لضم ارتريا الي اثيوبيا عن طريق واجهتهم السياسية المتمثلة في حزب الوحدة مع اثيوبيا (إندنت) بقيادة (رأس كدانى ماريام قبرى مسقل) من (عرّزا) فى إقليم (سراى) بينما يعتبر (دقّيات بيّنى براخى) من ( أربعة أسمرا) هو الرئيس الفعلي للحزب (٥).

هذه الأحداث التي جرت رافقتها احداث مماثلة ولكن هذه المرة في ارتريا قلب الحدث حيث تمكن ثوار جيش التحرير الارتري من دك المؤسسات و معسكرات الجيش التابعة للعدو في أسمرا بصواريخ الكاتوشا التي أحدثت رعباً هائلاً في صفوفه ، وإطلاق سراح السجناء بعد تنفيذ عمليات ناجحة اطلق علي اثرها الاف المعتقلين من الثوار والقادة السياسين وعامة الشعب (٦).

بسبب هذه الأحداث المتسارعة و المتمثلة في المجازر والخسائر التي لحقت بهم اضطر ابناء التجرنية من التحويل في طريقة العمل من اجل الوصول الي الهدف. فقامو بتوجيه بوصلتهم نحو العمل الثوري واتجهو الي الخيار الثاني وهو خيار الثورة والعودة للحكم عبر الطريق الصعب وهو خيار الحرب.

فكان التقارب والعمل المشترك بين الشعبيتين (الجبهة الشعبية لتحرير تجراي والجهة الشعبية لتحرير ارتريا) ثمرة هذه الظروف الصعبة التى مرو بها (٧). وفي الأخير توج نضالهم بالسيطرة علي ارتريا واثيوبيا بعد ان سرقوا نضال ومجهودات الشعبين الإرتري والاثيوبي وكرسوها لتحقيق حلمهم الوهمي.

اما العمل النضالي المشترك بين الشعبيتين فقد ادي في النهاية الي دخول أبناء تجراي بقيادة الهالك ملس زيناوي الي اديس أببا بمساعدة الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا وفي الجانب الأخر وصلت الجبهة الشعبية بقيادة إسياس الذي يمثل جناح أبناء التجرنية (سلفى ناظنت) داخل تنظيم الجبهة الشعبية الي اسمرا ومعهم مجموعة من القادة المسلمين الحالمين الذين لا وزن لهم في قيادة الحزب ويعتبر إسياس القائد الفعلي للتنظيم منذ عام ١٩٨٧ بعد ان تمكن من تصفية خصومه وعلي رأسهم القائد الميداني (رئيس اللجنة العسكرية ١٩٧٧-١٩٨٧) القائد المحنك الشهيد ابراهيم عافي الذي كان يخشاه إسياس والذي اعلن عن استشهاده في المؤتمر الثاني للحزب وذلك في عام ١٩٨٧ اي بعد عامين من تاريخ استشهاده ١٩٨٥ الحقيقي و بطريقة غامضة.

معظم ابناء التجرنية من المسيحين التحقو بالثورة كاجراء اضطراري اي كخطة بديلة للتحكم بالثورة حتي لا يخرجو من المولد بدون حمص وهذا ماتم بالفعل وليس بدافع الوطنية والتحرر من الإحتلال. لقد نجحو في السيطرة علي مفاصل الثورة والمناصب القيادية الرفيعة نتيجة لمؤهلاتهم العلمية (٨) مما مكنهم من قيادة دفة السفينة الي وجهتهم المفضلة. هذا التدفق في هذا التوقيت بالذات لم يكن من باب الصدفة او نتيجة لحسهم الوطني الذي دفعهم كما يدعون بل نتيجة لأسباب اهمها:

١. إنقلاب منقستو هيلي ماريام علي الجنرال أمان عندوم وسيطرة الضباط من ابناء الامهراء علي مقاليد السلطة في اديس.

٢. إضهاد ابناء التجراي والتجرنية من قبل المؤسسة العسكرية التي يديرها تجمع الدرق.

٣. الإنجازات العسكرية التي تحققت والتي برهنت ان التحرير قادم لا محالة.

والنتيجة دولة قومية عرقية تتحكم فيها مجموعة واحدة هي قومية التجرنية (مسيحي المرتفعات الأرترية) و لها مشروع مشترك مع ابناء تجراي (ابناء عمومتهم) من الجانب الاحتلال.

لم تمضي ٣٠ عام علي وصول أحفاد يوهنس أديس أببا واسمرا علي التوالي حتي أنهار احد اركان المشروع المتمثل في خسارة التجراي للحكم بعد ان فقدو السلطة لصالح تحالف الأرمو والأمهرا الد منافسيهم التاريخين علي عرش الحبشة. اما في إرتريا مازالت المسرحية مستمرة بقيادة ود مدهن براد (إسياس افورقي) واعوانه لتحقيق الحلم دولة تجراي تجرنية المزعومة.

١. FikreSelassie Wogderess on Aman Andom and 60 officials February 1, 2014

٢. نفس المصدر السابق...

٣. الحرب الأرتـرية - الأثيـوبية، خلفـياتها و إنعكسـاتها عـلى الأمن القومي السوداني وآفاق الحلول الجـذرية.

٤. نفس المصدر السابق...

٥. عبدالفتّـاح ودّ الخليفة منعطفات ارترية وعشم إبليس فى سريّة أدّيس الحلقة الثانية /13-10-2012

٦. أيام لا تنسي من ذكريات المناضل محمد علي إدريس أبو رجيلا - الحلقة السابعة عشر.

٧. الحرب الأرترية الاثيوبية.. ابو القاسم مصدر سابق.

٨. أيام لا تنسي من ذكريات المناضل محمد علي إدريس أبو رجيلا - مصدر سابق.

Top
X

Right Click

No Right Click