الزعيم الوطني الثائر والإنسان الشهيد عثمان صالح سبي

بقلم المناضل الأستاذ: إبراهيم قبيل - الامين العام لجبهة الثوابت الوطنية الارترية

طلب مني الأخ/ محمود ناود إن أساهم بكلمات عن الزعيم الوطني سبي في ذكرى وفاته

الثالثة والعشرون كان يخيل لي إنني قادر على إن اخط كلمات تفي الرجل حقه بسهوله لذا أجبته بسرعة فالموضوع محبب إلى نفسي ولكن ما أن شرعت بالكتابة حتى توقف قلمي عن الكتابة لأنني احترت من أين ابدأ هل ابدأ من سبي الثائر الذي عرفناه؟ أم سبي الإنسان عايشناه؟

وظللت على حيرتي أياما قبل أن أكمل مقالي مما حدا بي أن استعين بالذاكرة وأعود إلى الوراء سنوات إلى مرحلة الكفاح المسلح وما تحمله من شجون كثيرة لعلي أجد من بين تفاصيلها ما يبدد حيرتي تلك وفعلا وجدت من بين ثناياها إجابة معقولة لأسئلتي المحيرة وهي إن سبي الثائر هو سبي الإنسان أيضا لا يمكن الفصل بينهما عندما تتحدث عن سيرته.

فهو كان يجمع بين المعنيين في آن واحد قلما تجد في سبي شخصية الثائر تطغى بعنفوانها وقوتها وصرامتها وحزمها واندفاعها وإقدامها وحماسها على سبي الإنسان بطيبته وعفويته وسماحته وابتسامته التي لا تفارق شفتيه هاشا باشا في وجه من يلقاه كبيرا كان أو صغيرا قائدا أو جنديا عاديا كريما لا يترد في تلبية حاجة خاصة لمناضل طلبها دون منا عليه ولا أذى طالما هو قادر على تلبيتها حتى لو كان من خصومه السياسيين يوما ما وقال فيه ما لم يقوله مالك في الخمر.

مثقف ثقافة موسوعية تجده في اغلب الأحيان بصحبته كتابا يقرأه عندما يخلو بنفسه أو منكبا يكتب مذكرة لجهة ما أو تقريرا لنشاط قام به ويرسله إلى زملاءه ليكونوا على اطلاع منظم بكل ما يقوم به لم يكن يركن إلى التقارير الشفوية التي كان التعامل بها صفه سائدة في الساحة حينها، أو تجده يكتب يومياته وانطباعاته كل يوم يسجل فيها كل ما جرى في يومه يقرءا كل الصحف التي تصدر في البلد الذي يقيم فيه حتى لو أيام معدودة ليعرف ما يجرى في العالم حينها كانت الصحف والإذاعات هي مصدر إخبار العالم الرئيسية ومن الطرائف إن مساعده ومرافقة المناضل طلول كان يحضر له يوميا الصحف والمجلات حتى النسائية منها فهو لم يكن يجيد القراءة وبالتالي لم يكن يميز بينها.

كانت الآلة الكاتبة الصغيرة برفقته دائما يطبع عليها المذكرات الرسمية حتى لو كان على الطائرة مسافرا، كان باختصار شعلة من نشاط لم يكن يستسلم للدعة والكسل اللذيذ في أوقات فراغه بل يستغل كل دقيقة من وقته في عمل نضالي حتى تحين ساعة نومه كأنه في سباق مع الزمن يكون قبلها قد صلى صلاة الليل وقراء القران ونام ليصحو مع صلاة الفجر ويبدأ يومه بقراءة القران بعد الصلاة بعدها يبدأ دورة عمله النضالي اليومي.

كان سبي مثالا للإنسان المناضل المثقف الذي يحمل هموم شعبه إنما حل لم تكن متع الدنيا تشغل باله كثيرا عكس ما كان شائعا عند اغلب الناس نتيجة الدعاية من قبل خصومه السياسيين التي كانت تصوره على انه من الأثرياء الذي يملك أساطيل من بواخر وغيرها من الممتلكات والحسابات السرية في بنوك سويسرا ولكن عرف كثيرون حقيقته بعد وفاته والغريب بعد وفاته مباشرة وكما ذكر لي أحد الإخوان حضر الواقعة عندما فتحت حقائبه لم يجدوا سوى معجون أسنان وفرشاه ومفكراته الاثنتين وبعض أوراق رسمية وأختام التنظيم حتى أسرته الكريمة واجهت أياما عصيبة من بعده وخاصة بعد الاستقلال ولكن والحمد لله النخوة العربية كانت حاضرة.

كانت لسبي أيضا صداقات عميقة يحكمها الاحترام المتبادل والتقدير لشخصه مع الزعماء والأحزاب في مختلف الدول ولا سيما الإخوة العرب لا تزال صورة الشهيد سبي معلقة على جدار مكتب الأمير تركي الفيصل في قصره دون زعماء العالم الآخرين الذين كان يعرفهم الأمير بالطبع لان هذا الرجل كان يحب ارتريا والارتريين حبا جما ولا سيما الشهيد سبي الذي يكن له كثيرا من الاحترام والتقدير ، والمعروف إن للأمير تركي الفيصل ادوار ايجابيه في انحياز المملكة إلى جانب الحق الارتري استكمالا لدور والده الملك فيصل وجده الملك عبد العزيز رحمة الله عليهما فالتحية والتقدير له.

لهذه الصفات وغيرها من المواقف والمبادئ التي كانت تتجسد في شخصه كنا لا نكترث حينما يحاول الخصوم السياسيين في تلك المرحلة الجميلة المليئة والغنية بمعاني الحرية والثورية التقليل من شان التنظيم / قوات التحرير الشعبية / الذي ننتمي إليه حينها وهو نوع من (المكايدة السياسية في إطار الصراع الذي كان قائما بين التنظيمات حينها) بعبارة (جماعة سبي) أو قولهم لنا ساخرين (أولاد سبي) فسبي كان يمثل لنا رمزا وطنيا وثقافيا تتجسد في شخصه كل قيم ومثل المجتمع الارتري الأصيلة و معاني الهوية والوطن والحرية وكان لنا مفخرة.

ودارت الأيام وأصبح كثيرا منهم اقرب منا إلى سبي حيث عرفوه عن قرب.

لم يكن سبي خاليا من العيوب والمثالب مثله مثل أي إنسان أخر ولكن ما يميزه هو إن ايجابياته كثيرة وضخمة بحجم الوطن ويحتاج الحديث عنها إلى مجلدات ولا أحد يستطيع إن يتطاول عليه أو يقلل من انجازاته حتى أعداءه لأنهم يعرفون تلك الحقيقة جيدا.

كان سبي يمتلك الحس والنفس القومي العربي ولم يساوم يوما بأمته العربية حتى عندما حاول الكيان الصهيوني أجراء لقاء معه بوساطة أروبية مقابل استخدام النفوذ اليهودي في العالم الغربي لتغيير مواقفها اتجاه الثورة الإرترية. رفض سبي حتى مبدأ الوساطة نفسها ناهيك عن قبول فكرة اللقاء مع وفد إسرائيلي.

هذا الموقف الحازم للزعيم سبي لم ينطلق من حسابات سياسية ضيقة بل موقف مبدئي وإيمان راسخ وانحياز كامل لقضايا أمته العربية، وقد لخص إيمانه بأمته والمصير المشترك بقوله لأحد الصحف العربية.

في احد زياراتنا إلى روما سألونا الطليان مره: ماذا يعطيكم اليسار العربي؟

قلنا: الفتات.

قالوا: ماذا يعطيكم اليمين العربي؟

قلنا: لا أكثر من اليسار

فقالوا: لماذا تصرون على التعامل مع العرب ولماذا لا تتفاهمون مع إسرائيل؟

قلنا لهم: نفضل التعامل مع العرب لأننا عرب، فلا حاجز بيننا بين الاثيوبين سوى الثقافة... أننا ننتمي إلى حضارة مختلفة وقد حارب الأحباش التعريب ألف سنة.

كان سبي زعيما لشعبه بحق وفارسا من فرسان الأمة... ساهم بجهد أكبر في تعبيد طريق الحرية... صنع ثورة.. طرق كل الأبواب لتوفير طلقة لمقاتل حتى تستمر ثورة وكتابا وقلم وعلم لطفل ارتري مشرد ودواء وعلاج لمريض لاجئا... صعد كل منبر ليعرف بقضية شعبه... مشى على دروب مليئة بالأشواك من اجل إن يعبد طريق الحرية لشعبه... أدميت قدماه وذاق الآلام الضنى... ولكنه في النهاية بني مجدا لشعبه ووطنه... ورحل من الدنيا فقيرا.

رحم الله أبا فراس وادخله فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا بقدر ما أعطى لشعبه وأمته.

Top
X

Right Click

No Right Click