المناضل الأريترى عثمان صالح سبي

بقلم الأستاذ: محمد عثمان أبوبكر

هو سياسي إريتري وأحد المناضلين من أجل استقلال إريتريا أسس جبهة التحرير الإريترية في نوفمبر 1962

الحياة المبكرة:

ولد عثمان صالح سبي في قرية حرقيقو وذلك في عام 1931م. والتـحق بمدرسة حرقيـقو التـي افتتحت سنة 1944 م وذلك على حساب المحسن الكبير صالح باشـا أحـمد كيكيا والـذي كـان من الأثرياء المرموقين في ذلك الزمان، وكان مهتماً بالتعليم حيث أفتتح فصولاً للبنين والبنات فـي تلك المدرسة. كما أفتتح بها قسماً صناعياً. وفي هذه المدرسة فأن عثمان صالح سبي درس المرحلتين الأولية والمتوسطة. وعلى نفقة الباشا صالح كيكيا درس المرحـلة الثـانوية في أديـس أبابا ثم التحق بكلية المعلمين هناك أيضا وأتم بها الدراسة. وعند عودته من أديس أبابا تم تعيـينه أستاذا بالمدرسة التي درس بها في حرقيقو. وفي مطلع الخمسينات من القرن الماضي تم تعيينه مديراً لنفس المدرسة.

الحياة السياسية:

أثناء دراست سبي في أديس أبابا تعرف سبي على الكثيـرين من أبـناء القـوميات المقـهـورة والمهمـشة في أثيوبيا مثل الأورومو، الهرريين، الصومالييـن وغـيرهم. وبالتعـاون بيـنه وبينـهم فـقـد قاموا بتأسـيس "جمعية العروة الوثقى" للدفاع عن حقوقهم. وفي هذا المناخ بدأ ينضج وعيه السياسي. وهو ومـعته هؤلاء كتبوا عهداً وميثاقاً بدمائهم، وهو عبارة عن مبادئهم للدفاع عن حقوقهم.

كما أن المرحوم شقيقه محمود سبي كان من ضمنهم. كان عثمان سبي مهتماً بالتعليم منذ أن كان أستاذا ومديراً بمدرسة كيكيا باشا في حرقيقو. وعندما رأى بأن فرص التعليم في إرتريا شبه معدومة نتيجة السياسة الأثيوبية فأنه شرع في تهريب بعض طلابه من قرية حرقيقو إلى مصر. وكان يبعث بهؤلاء الطلاب إلى السودان سراً، حيث يقوم الأخوان المسلمون هناك باستقبالهم وتسهيل مواصلة سفرهم إلى مصر من أجل التعليم. وكان الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد زعيم الأخوان المسلمين بالسودان أطال الله في عمره على علاقة بعثمان صالح سبي منذ أيام "العروة الوثقى" وكان يقوم باستقبال هؤلاء الطلاب وإيوائهم ومن ثم مساعدتهم لمواصلة سفرهم إلى مصر.

ومن طلابه الذين كان قد بعث بهم إلى مصر آنذاك فبعضهم قد رحل عن الدنيا والبعض لازال على قيد الحياة، وآخرون منهم يعملون حالياً في مفاصل دولة إرتريا المستقلة.

الخروج من إريتريا:

أما عن خروج عثمان سبي من إرتريا بعد أن استقال من مدرسة كيكيا عندما شعر بأن السلطات الأثيوبية بدأت تضعه تحت المراقبة ، فقد ذكرها للكابتن البحري "أحمد شيخ فرس" أطال الله في عمره في كتابه "نضالي في الثورة الإرترية". وأحمد شيخ فرس هو زوج شقيقة عثمان صالح سبي. وبعد انطلاق الثورة الإرترية كانت السلطات الأثيوبية قد ألقت القبض عليه بتهمة إدخال سلاح لإرتريا، وظل في السجن لعشرة أعوام ولم يغادره إلا بعد أن حطمت الثورة الإرترية السجون الأثيوبية في عام 1975م وحررت كل السجناء السياسيين وكان أحمد شيخ فرس من ضمنهم.

تأسيس جبهة التحرير الإرترية:

ورغم هذا الدور الكبير الذي اضطلع به الشهيد فى عملية التنوير والتثوير، إلا أنه شعر بأن القضية التي تؤرقه تحتاج الى توسيع نطاق الحركة والفعل، فخرج من حرقيقو صوب عصب وهناك عمل لمدة تقرب من العام مديراً لشركة سفن رايز وهي شركة أجنبية كانت تعمل فى مجال تصدير واستيراد البضائع عبر ميناء عصب، ومن تلك المحطة غادر عبر البحر صوب اليمن التي أطلقت عنان وثبته إلى جدة ومنها أنتقل إلى عاصمة الصومال مقديشيو في العام 1960 وهناك أسس جمعية الصداقة الصومالية الإرترية وهناك أيضاً قويت علاقته بالشيخ الزعيم المرحوم إدريس محمد آدم وحصلا معاً على أول جوازات دبلوماسية تمنحها الصومال للإرتريين وفتحوا الباب للإرتريين لحمل الجوازات الصومالية، وانطلاقا من تلك المحطة بدأ الإعداد لتأسيس جبهة التحرير الإريترية التي وضعت الشعب الإرتري برمته أمام تاريخ جديد من البطولات والمآثر.

بعدها اتجه عثمان سبي إلى السعودية ومصر حيث التقى بالفعاليات الإرترية وغيرها. وكانت القاهرة قبل وصوله تشهد حركة سياسية نشطة للطلاب الإرتريين والتي انبثق منها البيان الأول لإعلان ميلاد نواة ثورة شعبية مسلحة لتحرير إرتريا سميت جبهة التحرير الإرترية يتمناً بجبهة التحرير الجزائرية وذلك في نوفمبر 1960م.

ونسبة لعدم تفرغ الطلاب وقلة خبرتهم السياسية تم تكوين مجلس أعلى لقيادة الجبهة بقيادة الزعيم الوطني إدريس محمد آدم، وإدريس عثمان قلايدوس سكرتيراً عاماً وعثمان صالح سبي مسئولاً للعلاقات الخارجية وشئون الثورة وبهذا تأسست أول مؤسسة سياسية إرترية تتبنى الكفاح المسلح طريقاً للاستقلال.

استطاع الزعيم سبي ورفاقه أن يحولوا مسيرة جبهة التحرير الإرترية من العمل العسكري فقط إلى آفاق ثورة شاملة ثم إلى مثابة حكومة تمثل دولة مستقلة بكل أركانها فهي كانت تمتلك جيشاً حديثاً لديه من الأسلحة الحديثة ما لم يتوفر لبعض الدول ويهيمن على الريف الإرتري بل وفي مراحل على أغلب المدن وأجهزة منظمة تعنى بكل متطلبات الحياة من تعليم وصحة وشئون اجتماعية ورعاية أسر المقاتلين وأجهزة قضاء وأمن وتوفير تسهيلات فرص العمل والإقامة للإرتريين بالخارج لا سيما الدول العربية والتمثيل في المنظمات الشعبية من اتحادات نقابية في كل المجالات في أغلب المحافل النقابية الدولية وكل المحافل العربية.

مواقفه:

ومن بطولة الشهيد سبي ورجولته التي لا يعرف لها حدود اعترافه بغلطاته وتحمله مسؤولية ما يرتكب من أخطاء وتجاوزات وقد تجلى ذلك في الكلمة التاريخية التي ألقاها في المؤتمر التنظيمي الأول لقوات التحرير الشعبية في العام 1977م والتي كانت بمثابة كشف حساب قاسي مع النفس وكل من عاصر تلك المرحلة بإمكانه أن يقر بما قال وقتها، فقد أكد على تحمله قسطاً من العثرات وحالات التراجع بل والانقسامات التي عانت منها الثورة طيلة السبعة عشر عاما الماضية، باعتباره مؤسسا وقائدا ومعلما حين قال لقد أهملنا التنظيم والتأطير والتوعية على حساب البندقية دون أن يغفل إن البندقية بكل تأكيد هي الأمضى والأنجع واللغة التي يمكن أن يفهمها الأعداء ونتفاهم من خلالها معهم، مؤكدا في الوقت نفسه إن التجربة هي خير معلم ومن لا يعمل لايخطىء.

لقد كانت للشهيد سبي القناعة الراسخة بأن حياة المناضل العامة والمترعة بشتى ضروب الكفاح والنضال لايمكن أن تسير بوتيرة واحدة، بل كثيرا ما تعتريها الصعاب وتنتصب العراقيل أمامها، فيقدم الثائر عندها ويحجم، ويبدي ويعيد ويكون الهادي والرائد دوما ضميره أي ضمير القائد، وروحه الثائرة، ومبادئه السامية التي يعمل على نشرها وتحقيقها دون أن يحيد عنها.

فيكتب بتاريخ 1-9-1982م وبمناسبة الذكرى الحادية والعشرون لاندلاع الثورة: (ورغم هذا العمر الطويل للثورة فإنها ما تزال أبعد عن النصر بل وتعيش في حالة نكسات عسكرية وسياسية بسبب الانقسامات والاختلافات وتجاهل العالم لها رغم ما قدمه شعب إرتريا من تضحيات في الأرواح والأموال. إن المطلوب هو إعادة نظر في كل سياساتنا حتى يخلق تنظيم إرتري وطني أو تحالف وطني من التنظيمات يتجاوز حساسيات الماضي ولكن سيظل ذلك مجرد أمنية مالم تقتنع كل الأطراف الإرترية بان هذا هو المدخل الوحيد للنصر).

العلاقات بجماعات النضال العربية الأخرى استطاع سبي أن يؤسس علاقات إستراتيجية مع العالم العربي وحركات التحرر العربية والتي استفاد منها الشعب الإرتري في مجالات التعليم والتأهيل والدعم المباشر في مختلف الأصعدة كما استطاع بمشاركة زملاءه ورفاقه لفرض الثرة الإرترية وقضيتها العادلة في المحافل الدولية حيث سمح لأول مرة لوفد إرتري بإلقاء كلمة عن القضية الإرترية بالجمعية العامة للأمم المتحدة بعد قيام الثورة.

Top
X

Right Click

No Right Click