هؤلاء يستحقون التحية 2-6

بقلم الأستاذ: علي عافه إدريس - كاتب ومحلل سياسي ارتري

الأستاذ صالح شاتر قائد أفنى زهرة شبابه في النضال: كما ذكرت في مقالي السابق أننا قد تعودنا أن نكتب عن قادتنا بعد مفارقتهم

الحياة، فيخرج ما كتبناه في صورة أذكروا محاسن موتاكم، وفي ذلك كثير من الإجحاف في حقهم و حق الوطن، لهذا أردت أن أكسر هذه القاعدة وأنصف من أعرف منهم وهم أحياء، والأمر الذي شجعني على الكتابة عن هذه الكوكبة أنهم لا يشغلون حالياً أي مناصب رسمية، ومن سأتحدث عنه في مقالي هذا هو القائد صالح عثمان علي كرار الشهير بصالح شاتر، رجلٌ أفنى زهرة شبابه وهو يناضل في سبيل الوطن، لهذا أصبح من حقه علينا أن نذكر تاريخه و نضالاته وفاءا له وللوطن الذين ناضل من أجله.

المناضل صالح شاتر إن لم يكن الوحيد فهو من الارتريين القلائل الذين تحصلوا في وقت مبكر على مؤهل الماجستير في الأنثروبولوجيا (Anthropology) في العام1977م وهو كذلك القيادي الوحيد الذي حمل هذا المؤهل في ذلك الوقت المبكر، وهو أيضا علم من أعلام النضال الارتري وأحد قادته و رغم ذلك لم تتاح لي من قبل فرصة لمقابلته أو حتى مشاهدته في لقاء عام أو خاص، ففي مايو الماضي أول مرة تتاح لي فرصة اللقاء به بعد أن أصبح حرا من أي ارتباط رسمي، فقد حضر للتعزية في وفاة الوالد رحمة الله عليه، كنت اعتقده رجل طويل القامة ضخم الجثة، لا أدري لماذا؟ فإذ بي أتفاجأ به أنه رجل عادي في كل شيء فهو أقرب للنحافة منه للضخامة وللقصر منه للطول كث الشارب تلحظ بريق محبب للنفس يشع من عينيه، من اللحظات الأولى تحس بتواضعه ودماثة خلقه، ينتبه جليسه بسهولة للحماسة في صوته واللمعة المحببة التي تشع من عينيه، لم يمكث طويلا، و بعد أن نهض مودعا رافقته لمسافة خارج الخيمة فحدثته عن رغبتي في الحصول على بعض معلومات سيرته الذاتية ووعدته أنني سأزوره في البيت متى ما سنحت لي الفرصة وطلبت منه رقم موبايله فأملاني إياه، لم تتاح لي فرصة زيارته في منزله فالمعزيين لم ينقطعوا إلى أن انتهت إجازتي ذات العشرة أيام وغادرت كسلا لهذا لم أنفذ وعدي له بالزيارة، فاضطررت بعد عودتي للتواصل معه عبر التليفون.

هؤلاء يستحقون التحية

المناضل صالح عثمان شاتر من مواليد 1949م بمنطقة (حقاز) قرية عد نصور، وقرية عد نصور كمعظم القرى الارترية يمتهن أهلها الزراعة والرعي وهي كذلك من القرى التي نالت نصيبها من الحرق والإبادة الجماعية على مدى سنتين متتاليتين 1967م و1968م، في الخمسينات لم تكن توجد أي مدرسة لا في عد نصور ولا في عموم حقاز، والقائد شاتر قياسا على الأوضاع التي كانت تعيشها القرية أو القرى المجاورة لها يعتبر التحاقه بالمدرسة حالة استثنائية قليلة الحدوث لمن ينتمون لتلك البيئة، لهذا يقول: أن الظروف والتأثيرات التي ساقتني للمدينة والتعلق بالدراسة بدلاً من رعي الغنم إسوة بأندادي ترجع إلى جدي من جهة الأب فقد كان متعلقاً بي غاية التعلق، وربما يعود ذلك إلى أنه كان له أثنين من الذكور وسط جملة من الإناث وأصبحت أنا ثالثهم فمن الظروف التي ساعدتني وساقتني إلى المدينة والمدرسة في نهاية المطاف أن جدي الذي كنت أدعوه بأبوي الكبير (أبويّ عبي) كان يصحبني معه كلما سافر إلى كرن أو أغردات لقضاء حاجة من الحاجات، وقد غادرت القرية في سن مبكرة وأعتقد أنني كنت في السابعة تقريباً لهذا كان فراقي صعبا عليّ و على أمي التي كأي أم أخرى لم تكن لتأمن على طفلها أين كان، المهم التحقت بالمدرسة متنقلاً بين كرن و أغردات إلى أن أنهيت المرحلة المتوسطة، ومع اقتراب فترة إكمالي للمرحلة المتوسطة، بدأ يكبر بداخلي طموح آخر، وهو الهجرة إلى مصر لمواصلة الدراسة وقد كان لبعض الطلبة الذين كانوا يأتون من مصر لزيارة أسرهم أثر كبير في مضاعفة درجات التعلق بالهجرة، اكتملت لدي الفكرة تماماً وقد استطعت أن أقنع أحد أقاربي الذي يكبرني ببضعة سنوات خاصة وأنه لم تكن لديه مشكلة في توفير تكلفة السفر، لهذا بعد ثلاثة أيام من إقناعي لقريبي غادرنا أغردات صباحاً وبتنا في كسلا وعند الثانية بعد الظهر من اليوم الثاني وصلنا إلى مدينة القضارف، مكثنا بمدينة القضارف قرابة العام من أجل توفير تكاليف الرحلة القادمة والحمد لله توفقت بعكس قريبي في جمع تكاليف السفر لمصر ولأنني كنت على عجلة من أمري حيث بلغني أن والدي في طريقه إلى السودان لإرجاعي، لهذا بحثت عن مرافق لتلك الرحلة فقد كان من الصعوبة أن أتحرك وحدي لصغر سني خاصة وأن الرحلة بعد تجاوز الحدود السودانية وحتى مدينة أسوان المصرية جزء منها كان يتطلب سيراً على الأقدام، و من حسن حظي عثرت على الصديق الشهيد/ صالح عامر كيكيا من أبناء مصوع و لم تكن لي به سابق معرفة، فما جمعنا هو حاجة كل منّا للآخر وقد كان نعم الرفيق رحمة الله عليه وأدخله فسيح جناته، وصلنا إلى القاهرة بعد رحلة شاقة قرر الشهيد كيكيا السفر إلى سوريا للالتحاق بكلية ضباط الاحتياط بحلب بينما قررت أنا البقاء بالقاهرة و لما لم أكن منجذباً للدراسة بالأزهر لهذا جلست لامتحانات سبر المعلومات و تمكنت من النجاح لهذا تم قبولي بمدرسة العباسية الثانوية بالقاهرة، فواجهتني مشكلة عدم الحصول على منحة دراسية الأمر الذي أصبح يهدد مواصلتي للدراسة لعدم استطاعتي لدفع تكاليف السكن والإعاشة، إلا أن الأمور فرجت في نوفمبر 1964م عندما تحصلت على منحة في العراق ضمن أول منحة أعطيت لجبهة التحرير الإرترية.

هؤلاء يستحقون التحية

درس الأستاذ شاتر المرحلة الثانوية ثم الجامعية في العراق وتخرج سنة 1970م وبعد تخرجه من الجامعة تم اختياره عضو في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الأول لجبهة التحرير الأرترية وكانت تلك بداية تفرغه للنضال والنشاط السياسي في الساحة الارترية وما قبل ذلك كان مجرد التزام عام بجبهة التحرير الارترية ونشاط في إطار الاتحاد العام لطلبة أرتريا، أما نيله لدرجة الماجستير فقد أنجزه دون انقطاع عن النضال والنشاط السياسي إلا لسنة واحدة اقتضتها طبيعة و ضرورات الاختصاص في الأنثروبولوجيا (Anthropology) حيث يتطلب هذا النوع من الدراسة ضرورة معايشة ميدانية لا تقل عن سنة وسط السكان مجال الدراسة والبحث لأن الملاحظة اليومية الدقيقة لأنشطة المجتمع وسلوك أفراده تعتبر جزء أساسي من مقومات البحث.

تقلد الأستاذ صالح عثمان شاتر الكثير من المهام النضالية في الساحة الأرترية: إدارة قسم التخطيط بالأمن في جبهة التحرير الارترية ـ المجلس الوطني (اللجنة الثورية المؤقتة)، ثم مسؤول الإعلام وبعد ذلك مسؤول الاقتصاد، ثم مسؤول التعليم أثناء الوحدة الثلاثية (وحدة جدة)، كما أنه كان رئيس وفد تنظيمات جبهة التحرير أثناء التفاوض مع إثيوبيا بصنعاء، وقد ختم المناصب التي تقلدها بمسؤوليته عن المالية والاقتصاد بجبهة التحرير الارترية حتى نوفمبر 2014م.

هؤلاء يستحقون التحية

في المؤتمر التاسع لجبهة التحرير الأرترية الذي عقد في نوفمبر 2014م طلب إعفاءه من كافة المواقع القيادية في الجبهة من أجل إتاحة الفرصة للشباب لقيادة المرحلة القادمة وهو يأمل أن تكون سنة حسنة لكل الذين ناضلوا طويلاً، ويرجو من كافة الشباب سواء في الجبهة أو غيرها أن يتحلوا بالاستعداد لخوض المعركة القادمة في بناء الوطن ووحدة شعبه.

هؤلاء يستحقون التحية

سألته إن كان تنازله عن القيادة يعني الابتعاد نهائيا عن العمل العام؟ فقال: تنازلي بمحض إرادتي لا يعني أبدا الابتعاد عن ساحة النضال وخدمة المجتمع حيث هناك العديد من المجالات التي يمكن أن أخدم بها المجتمع وأنا كما ترى رغم تجاوزي الستين من العمر لازلت محتفظ بالكثير من حيويتي، والآن لدي دراسة جاهزة لخدمة فئة منسية من الأطفال المعاقين حركياً في كافة معسكرات اللاجئين في السودان من أجل تأهيلهم في بعض الحرف والمهن ليعتمدوا على أنفسهم مستقبلاً، وقد طلبت منه أن يرسل لي الدراسة، وقد أرسلها لي للاطلاع فقط وقد أعجبتني جدا للأسلوب العلمي الذي أعدت به ولدراسة الجدوى المفصلة التي أجريت لها والتي لم تترك شاردة إلا أحصتها، وأنا بدوري في مقالي هذا أدعو كل من له اهتمام بخدمة المجتمع الارتري في معسكرات اللاجئين أن يتواصل مع الأستاذ صالح شاتر لتنفيذ هذا المشروع المهم، وأنا على استعداد لتزويده بوسائل التواصل معه.

وحتى لقاء آخر مع قائد آخر... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click