افادات شاهد العصر دان كونيل عن بواكير انضمام أسياس أفورقي الى الكفاح المسلح - الجزء السادس والأخير

بقلم المهندس: موسي عَوِلْ خير - كاتب إرتري

الخلاصة Summing Up

يقول السيد كونيل: تعود جذور حزب الشعب إلى القتال العنيف والوحشي في ستينات القرن الماضي،

دان كونيل و أسياس أفورقي

عندما انفجر جيش التحرير الارتري ليأكل أبناءه، فإلتزم مؤسسوا حزب الشعب ببنائه سراً في أوائل السبعينات، حيث كافحت ثلاث فصائل منشقة من جبهة التحرير الارترية للوصول إلى أرضية مشتركة بينما كانوا يقاتلون من أجل البقاء ضد كل من أثيوبيا وجبهة التحرير الارترية، بالاضافة إلى الاقتتال الداخلي الذي كان يهدد بعرقلة الاندماج (المنكع نموذجاً)، انطلاقاً من هذه التجارب، وصلوا إلى قناعة بضرورة وجود نواة سياسية شديدة التنظيم لبناء وتوجيه التنظيم في سعيها لتحويل المجتمع في اتجاه ديمقراطي ثوري جنباً إلى جنب مع تحريره من الحكم الإثيوبي.

عمل الحزب كأداة فعالة للغاية بيد القيادة السياسية طوال العقد الأول - خلال هذه الفترة - هناك العديد من المكاسب التي حققتها الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا تمثلت في الآتي:-

• مقاومة التهديد الوجودي الذي كان يتربص بها من قبل جبهة التحرير الإريترية.

• التحرر من الاعتماد على اليميني عثمان صالح سبي فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، ففرضت بذلك تواجدها المميز على الساحة السياسية الإقليمية والعالمية.

• توسيع قاعدتها الاجتماعية داخل إريتريا وبين الشتات الإريتري بشكل كبير وعميق.

• نجاتها من هجمة الآلة العسكرية الإثيوبية الجديدة المدعومة من الاتحاد السوفيتي.

• انقاذ جماهيرها من أسوأ كارثة إنسانية - الجفاف والمجاعة من 1983م وحتى 1985م - شهدتها المنطقة على الإطلاق، بالرغم من سعي إثيوبيا لاستخدام الأزمة لتعزيز أجندتها العسكرية والسياسية.

وعلى الرغم من التوسع السريع والمكثف للجبهة والحزب في الثمانينيات، كما وأنها القوى الوحيدة التي تشارك في القتال، فإن تأثير هذا الواقع على سياساتهم كان معتدلاً، وأن عملية التفكير المستمرة والتي تمتد أثارها على كل من التحالفات الإقليمية والدولية المتغيرة والخبرة المتراكمة على الأرض خففت من نظرة الحزب الثورية إلى النقطة التي بدأ فيها التقارب بين الحزب والتنظيم، ثم بحلول نهاية الثمانينيات كانت الاختلافات الجوهرية بين الحزب والتنظيم فى أقل مستوياتها، عندها اصبحت الحاجة إلى قيادة "طليعية" سرية موضع تساؤل، بالاضافة عوامل عديدة نذكر منها:-

• الصعوبة التي واجهها أعضاء الحزب في عقد اجتماعاتهم السرية.

• تزايد الاحساس بأن الأفضلية لم تعد لعضوية الحزب فقط بل كان هناك من المقاتلين والنشطاء المدنيين من هم تفانيًا.

• تزايد الشعور لدى البعض بأن الحزب أصبح ناديًا لأعضاء الحزب القدامى وأصدقائهم.

• النهاية الوشيكة لحرب التحرير والتحول إلى التركيز على بناء الدولة.

لكنه من غير الواضح بأنه كيف؟
وعلى يد من؟
وفي أي الظروف تم اتخاذ القرار بحل الحزب؟
ثم كيف تم إبلاغ أعضاء الحزب بذلك؟

يقول العديد من أعضاء اللجنة المركزية السابقة في الحزب إن اللجنة المركزية لم يتم تفكيكها، بل تم "تجميدها" ثم سمح لها بالاختفاء دون إغلاق رسمي، ومن ناحية أخرى فإن الطابع الغريب لهذه النهاية يجعل فحص تجربة الحزب وإرثه الفكري والسياسي أمر بالغ الصعوبة، كما أنه يغذي الميل لممارسة القيادة السياسية من خلال القنوات غير الرسمية الموروث من سنوات النضال بدلاً من القنوات المؤسسية.

ظهر حزب الشعب كأداة قيادية نجحت على المستويات الأيديولوجية والسياسة والتماسك التنظيمي وضبط السلوك الشخصي بالاضافة إلى بناء ثقافة وطنية حقيقية، لكنها عملت أيضًا كأداة للقيادة والتحكم، تم تبرير ذلك في البداية لأجل الحفاظ على الخط التنظيمي وضمان عدم تطور العناصر التي من شأنها أن تعطل التنظيم أو تضعفه من الداخل، وكوسيط في العلاقة بين أعضائها والعالم الخارجي (بما في ذلك الإريتريين الآخرين) وبهذا يمكن خلق جبهة قوية أمام الأعداء والأصدقاء على حدٍّ سواء، إلا أنه وبمرور الوقت حتماً أصبح أداة تحكم أكثر من كونه أداة قيادة، وأن مقدار ما تم نقله من هذا الارث السياسي إلى البيئة السياسية بعد التحرير يحتاج إلى فهم أفضل.

تعكس الثقافة السياسية المعاصرة في إريتريا مزيجًا متناقضًا من السرية الذاتية والتوافق الاجتماعي، والاستبداد والعمل الجماعي، ان القدرة على الحفاظ على التوازن بين هذه الدوافع المتناقضة خدمت الناس بشكل جيد خلال سنوات القتال من أجل التحرير، ولكن في مرحلة ما بعد التحرير، لعبت دورًا أكثر تناقضًا لجهة المساعدة في تعزيز تنمية ثقافة وطنية موحدة، بالاضافة الى تجنب التشرذم العرقي والديني والجغرافي الذي مزق دولًا أفريقية أخرى، ولكن في نفس الوقت يعيق إنتقال هذه الديمقراطية الشعبية الجنينية إلى المستوى التالي.

إن الفحص الدقيق لتاريخ الحزب - نقاط قوته ضعفه، نجاحاته وإخفاقاته، إيجابياته وسلبياته، وقبل كل شيء تأثيره الدائم، يعد جزءً مهماً من عملية بناء الديمقراطية الجارية الآن، إن الصعوبات المزمنة التي واجهتها الحركات السياسية المسلحة في الانتقال من المقاومة إلى الحكم الديمقراطي لا تخطؤها العين، هل يمكن لهذه الحركة السياسية أن تتجاوز الميل نحو الاستبداد الذي يسيطر على هذه المنطقة بشكل واضح ؟ أود أن أزعم أن لديها فرصة أفضل بكثير للقيام بذلك إذا كان تراثها السياسي متاحاً لأولئك الذين يكافحون من أجل تحقيق هذه الأهداف... انتهى كــــــــلام السيد كونيل.

تعقيب:

هذه الجزء الختامي ملخصاً لما ورد في الأجزاء، ثم أن الأجزاء نفسها كانت مخلصاً لسيرة حياة تلك الخلية السرية التي تحملت دور القيادة داخل تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، اجتهدت، فأخطأت وأصابت، قل صوابها أو كثر فهي تعد إحدى أكثر التجارب الارترية إثارةً للجدل ولا تزال في حاجة للغوص في أعماقها أكثر وأكثر، فما قدمته خلال هذه الحلقات ليس سوى العناوين الرئيسية لعشرون عاماً من الفعل الثوري اليومي دون توقف، بل نشاطاً ثورياً لا يعرف الهدوء ولو لساعة واحدة خلال الفترة التي قاد فيها نضالنا التحرري والتي تساوي نصف المدة التي استغرقها هذا النضال بالتمام والكمال، إن تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا بقيادة حزب الشعب الثوري يعد التنظيم الأكثر قوةً وانضباطاً في الساحة الارترية بل والافريقية عامة، من الايجابيات التي تحسب لقيادة الحزب ومن بعدها التنظيم تلك المراجعات الدورية التي كانوا يجرونها للمنهجية الثورية التي اعتمد عليها الحزب والتي كانت في بدايتها موغلة في التطرف ثم ما لبثت أن بدأت بالتخفيف من حدتها لحساب التوجهات الوطنية الشاملة، إلا أن هناك كان دوماً من يتربص بهذه الجهود لتجييرها لصالح مشروعه الخاص والذي لم يكن سراً فقد أعلن عنه نهاراً جهاراً من خلال مانفيستو نحنان علامانان - وتحديداً في الفقرة الخاصة بتعريف المصلح "نحن" - في تناقض واضح وصارخ للدوافع التي برر بها انشقاقه عن التنظيم الأم (جبهة التحرير الارترية) لا أعرف حتى اللحظة دوافع تلك القيادات التي وقفت إلى جانبه بالرغم من وضوح شعاراته الإثنية والجهوية لدرجة أن بعض تلك القيادات لا يزال يؤمن بأن تلك الوثيقة لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وليس أمامي سوى أن أصفهم بـ "كالمستجير من رمضاء قيادات جبهة التحرير الاثنية والجهوية بنار قيادات أكثر تطرفاً في الاثنية والجهوية ولو ادعت غير ذلك".

بقي أن أعترف بتلك الجوانب المضيئة في التجربة الماركسية اللينينية الثورية في محاربة أمراضنا المجتمعية بضراوة والتي لو تم توظيفها بشكل أكثر عقلانية وبالقدر والجرعة المطلوبة - دون تفريط ولا إفراط - ربما أتت أكلها في التخلص من القبائلية المقيتة والطائفية المدمرة والتي لا تزال تنهش جسد معسكر المعارضة بعد أن توارثناها كابراً عن كابر من قيادات جبهة التحرير المتكلسة، علماً أن حزب العمل وبالرغم من تبنيه نفس النظرية لكنه فشل في معالجة هذه الأمراض داخل جبهة التحرير نظراً لصراع الكراسي الذي أشغل به نفسه إلى أن وصل بنا إلى حافة الهاوية وكان هناك دوماً من يتربص بنا لدفعنا نحو الهاوية فكانت تلك النهاية التراجيدية، بالاضافة إلى الظروف الموضوعية التي كانت تسود المنطقة والعالم في تلك الفترة وصراع الأقطاب الذي لم يسلم منه أحد، فإن تبني مثل هذه النظريات العابرة للقارات كان في بعض الأحيان كأكل الميتتة والدم ولحم الخنزير.

كسرة أولى:

مهما كتبنا وقرأنا وحللنا وانتقدنا، نقول: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعلينا ما اكتسبنا، تلك أمة من لدن كبيري وابراهيم سلطان وولدآب ولدماريام وصحبهم الأبرار إلى الرمز عواتي ورفاقه الميامين إلى الجيل الثاني من جبهة التحرير الارترية ثم الجيل الثالث في الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، جميعهم ناضلوا، اجتهدوا فأخطئوا وأصابوا، عادوا وصادقوا، تحابوا وتقاتلوا، إلاَّ أنهم صدقوا ما عاهدوا النفس عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر، فأنجزوا مهمة تحرير وطن حر مستقل بكامل ترابه، بره وبحره، سهوله وجباله، انهاره ووديانه، بكل حدوده غير منقوص، نختلف فيه ونتفق، نظلم فيه ونظلم، لكنهم تركوا لنا مهمة استكمال معركة الحرية والكرامة والبناء والتعمير، فهل نحن جاهزون ؟!!

كسرة ثانية:

بما أننا نكتب للأجيال وحرصاً على تمليكهم المعلومة الصحيحة والمنضبطة، أدعو كافة العارفين والحادبين على مصلحة الوطن والمواطن وللتاريخ والزمن، أدعوهم أولاً إلى اظهار مواطن الخلل التي تخللت هذه الحلقات وتبيان ما هو صحيح من معلومات واستكمالاً للحيادية التي ربما تكون قد خانتني في بعض المواقف، وثانياً أدعوهم للادلاء بدلائهم في كتابة تاريخنا القريب والبعيد بسلبياته وإيجابياته، حلوه ومره، وعلينا أن نتقبله كما هو مهما كانت الانطباعات.

تنبيه:

ذكرت في إحدى الحلقات بأن المناضل/ هيلي منقريوس خريج جامعة فلادلفيا والصحيح جامعة هارفارد.

ختاماً:

• شكر خاص لأسرة موقع سماديت كوم لثقتهم فيما قدمت من جهد المقل مقارنة بما قدمه الآخرون من زملائي أبناء وطني العزيز.
• شكر خاص للأخوين في إدارة قروب من أجل إرتريا: الكاتب/ محمد رمضان والأستاذ/ محمد ناصر لدعمهم المتواصل.
• شكر خاص للأخوة في ادارة قروب منبر أحرار إرتريا لموافقتهم على نشر كامل الحلقات على جداريتهم.

وأخيراً شكراً جميلاً وجزيلاً لكل من دعم وآزر وتابع وأضاف وحذف واتفق واختلف وحتى من مر مرور الكرام، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت من نفسي و "دان كونيل" والشيطان.

إلى اللقاء بمشيئة الله في ساحات أخرى للبذل والعطاء.. والقادم أفضل.
تحياتي،،،

Top
X

Right Click

No Right Click