المغيب الأستاذ/ إدريس سعيد محمد علي بره

إعداد: تنسيقية يوم المعتقل الأرتري

حين يكون موضوع الحديث أخي وأستاذي إدريس سعيد، ربما تجدني أحدثك عن يوم من عدد أيام

إدريس سعيد محمد علي برهعشر سنوات أو أكثر قليلا.

أذكر فيها القليل من تفاصيل لحظات تفاعل كانت جزءاً ضئيلا ضمن يومياته التي كان ملؤها الإخلاص والوفاء للرسالة والمجتمع. كان هو ورفاقه كخلايا نحل لا تتوقف عن العمل والإنتاج.

لم أعايش بداياته ولا أعرف عنها الكثير، فقد كانت البداية التي أعرف حين كنا في بداية الصف السابع وقد كان هذا التاريخ يشكل منعطفا هاما في مسيرة المعهد (معهد أصحاب اليمين). كان قبل ذلك الوقت بسنة واحدة أيضا طيب الذكر المرحوم الأستاذ حسنين عافه برفقة ابنيه العزيزين المغيب الأستاذ نافع إبراهيم فكاك والأستاذ إبراهيم عامر حوارشيخ حفظه الله تعالى اينما كان، يتحاورون نيابة عن المعهد مع سلطات التعليم في إقليم (أوراجا) سنحيت للإعتراف بالمعهد كمؤسسة تعليمية تدرّس المنهج الحكومي جنبا إلى جنب مع مناهج المعهد، سعيا لتحقيق الدعم الضروري المتاح من قبل هذه الهيئة الحكومية، ولذلك كانت تلك الفترة في مجملها تحمل ملامح التجديد قدر المستطاع.

أتي الأستاذ إدريس سعيد إلى المعهد ومعه عدد لا بأس به من الطلاب القادمين من حلحل. كان نصيب هؤولاء الطلاب أن تم تقييمهم ضمن الفصل الذي كنا فيه وتم تقسيمهم إلى الفصلين (سابعة - أ) و (سابعة - ب). كان ذلك ربما التحدي الأكبر للجانبين، فالقادمين من حلحل كانوا يحفظون أجزاءًا كثيرة من القرآن الكريم وأعدادًا هائلة من الأحاديث النبوية، هذا بالإضافة إلى تفرغهم الكامل وجديتهم غير العادية للدراسة (مقارنة بنا على الأقل) ولم يكن لهم ما يشغلهم غير التعلم عكس ما كنا عليه من اوقات للٌعب والشغب. وفي المقابل كنا أفضل حالا منهم جميعا فيما يخص الجانب الأكاديمي واللغتين الإنجليزية والأمهرية والرياضيات وكذلك الأنشطة الأخرى كالرياضية.

كان الاستاذ إدريس سعيد هنا في وضع لا يحسد عليه فهو يسعى للضبط والربط باعتباره مدرسا جديداً، ثم عليه أن يساعد القادمين الجدد في محاولاتهم اللحاق بالركب. ربما نتج عن هذا قدر كبير من الشغب وعدم الرضا بيننا استناداً إلى الإعتقاد بأنّ هناك محاباة ومجاملة لهؤلاء القادمين الجدد. وقد نال العزيز إدريس سعيد القدر الأكبر من هذا السخط وعدم الرضا باعتباره كان يجالسهم في الجامع الكبير ويمازحهم وينفرد بالحديث إليهم. وواجه في سبيل ذلك قدرا كبيرا من التعامل الجاف من قبل الطلاب في الصف السابع. وللأمانة كان هؤولاء الطلاب الجدد نموذجيين بالنسبة لمفهوم المدرس آنذاك حيث الإلتزام الحرفي بكل ما يقوله المدرس، حتى أنهم في وقت الإستراحة المدرسية لا يذهبون خارج أسوار المعهد ونحن ننطلق الى الحي تارة حيث منازل بعض الزملاء أو إلى جبل إيتعبر لمناكفة ظابر (راعي المحمية الطبيعية) الذي كان يشتكي مرارا لإدارة المعهد.

عانى الأستاذ إدريس سعيد مع الطلاب من أبناء مدينة كرن لمدة ليست بالقليلة ولكن سرعان ما بدأ يسيطر على الأوضاع بعد تحقيق الإندماج والإنسجام مع المدرسين والطلاب على حدّ سواء وقد كان همزة الوصل في ذلك بحسب رأيي ومن خلال متابعتي الأستاذ نافع إبراهيم فكاك.

كان هذا الإنسجام بداية العمل المشترك وزاد في تحسين هذا الوضع التحاق العديد من المدرسين بالمدارس المسائية حيث تتساوى الرؤوس، وربما تجد نفسك متقدما عليهم بفصلين او ثلاثة ومن ثم ذابت الثلوج وأتت الأخوة لتتسيد الموقف وتبني لها صرحاً.

كان لي نصيب آخر أكثر تميزاً بعد هذه الفترة حيث بدأت أشارك في بعض مهام التدريس لبعض الفصول الإبتدائية مما وطّد علاقتي الشخصية بالمدرسين و في مقدمتهم المغيب إدريس سعيد الذي كان يتميز الصرامة في التعامل والنظرة الثاقبة التي تجعل التلاميذ يترددون عن الاقتراب منه، وكذلك إلزام تلامذته بأداء الواجبات المنزلية وإصراره على أن تحتسب ضمن النتيجة النهائية للعام الدراسي.

بعد الإقتراب منه رويداً رويداً بدت الرؤية تتضح بما في ذلك طريقته التعليمية التي تبناها والتي وضعته في موقع المتميز وخارج أطر المدرس التقليدي وتبعه في ذلك باقي المدرسين حتى أصبح نهجاً متبعا وميزة عرف بها المعهد آنذاك.

كانت الواجبات المنزلية التي تصدر منه للطلاب يتم أدءها بشكل متكامل وكانت دفاتر الطلاب الخاصة بمواداه نظيفة ومرتبة خوفا من أن تؤثر على نتيجة الطالب النهائية. وربما أذكر زملائي من تلامذته بعلامة (الصح) المعكوفة بحيث تشبه حرف الحاء في بدايتها، وكنا قد احترفنا تزويرها ضمن عمليات الغش في الدفاتر والواجبات المنزلية.

حين تلاحقت الكتوف (كما يقولون) كان الحديث والتعامل المفتوح حتى عن عمليات التزوير في الدفاتر. وهذا بدوره اظهر كم كان يخبئ هذا المخلص من الصبر والمثابرة وبعد النظر ووضوح الرؤية وقوة الحجة. وقد كان دليلاً ومرشداً في أسلوب تعامله وخططه التعلميه وتحضيره للدروس. وكان بجانب كونه ملهماً في إخلاصه لمهمة التدريس كانت له رؤية متكاملة لإصلاح المجتمع يسعى إلى ذلك متى ما أتيحت له الفرصة.

أذكر ضمن ما أذكر وفي شهر سبتمبر من العام 1992م أنّ مشكلةً كبيرة كانت تواجه إحدى الأسر في منطقة سَابْرَابَجُّوا، وقد تم رفع هذا الأمر إليه وأخيه المغيب نافع إبرهيم فكاك. فما كان منهما إلا أن نسقا مهامهما اليومية ليتم تأجيلها والسعي المباشر لحل المشكل الكبير الذي كانت توجهه تلك الأسرة الكريمة جراء ضغوط اقتصادية واجتماعية فرضتها عليهم سطوة الكنيسة الكاثوليكية في الجوار القريب من تلك القرية. وصل الصديقان المخلصان إلى القرية في تمام العاشرة والنصف وغادراها في تمام الرابعة عصرا ومعهم رب الأسرة وبصحبته السبب المباشر في أزمة الأسرة في بداية جدية لقصة نجاح شخص كان معرضا لأخطار داهمة (حمل تفاصيل أخرى لا مكان لها هنا)، ولكن يبقى أن نذكر أن صانعها هو المغيب إدريس سعيد ورفيقه نافع إبراهيم.

ليست هذه كل حكاية اليوم الواحد بقدر ما هي صورة واحدة في لحظة من رحلة بذل وعطاء قدمها أستاذي المخلص وصديقي الوفي وأخي الكبير لمجتمعه.

فك الله أسره وأسر رفاقه المخلصين.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click