إغنيية "إرتري سوداني" ودلالاتها

بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبد الله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ

ارتبط الشعر الغنائي منذ نشأته بالموسيقى والغناء واختلف القدامى والمحدثون في تحديد الشعر الغنائي

فانطلق الفريق الأول من شكله الخارجي وانطلق الفريق الثاني من المضمون في التعريف به وذلك لأن القدامى كانوا يتغنون الشعر فيرتبون أبياتها بطريقة تيسر لهم إنشاده وترتيله في حين يرى البعض أنه تعبير عن ما في قلب الإنسان من عاطفة وأحاسيس متتالية ينسج عنها قصائد غنائية تنبع من صميم قلب الشاعر لتصل إلى قلب المتلقي ويمتاز الشعر الغنائي بحرارته وتأثيره في المتلقي ويشبع فيه التفجير الداخلي والطفرات اللفظية..

الكثير من الشعراء كتبوا شعراً ليتغنوا ببطولات الشعب الإرتري، فمنهم من كتب الشعر الغنائي الذى تغنى به الفنانون ومن من كتب شعراً صدحت به الحناجر في المنابر والهب حماس الثوار الذين كانوا يتلهفون لعناق أسمرا وهزيمة المستعمر، فكانت الفرق الفنية والمسرحية وكان الشعر الغنائي وتأججت الاحلام، وفى خضم هذا النفس الثوري كتب العديد من الشعراء العرب شعراً لأريتريا الثورة ومجدوا بطولات المقاتل الارتري، ويأتي في مقدمتهم الشاعر السوري الكبير/ سليمان العيسي الذي أفرد مساحات من الشعر في دواوينه لأريتريا وأغنية "إرتريا يا موطني يا غابة القمر" وغيرها من القصائد، خير شاهد على ما أقول، أيضاً الشاعر الكبير مظفر النواب الذى يعتبر أحد أصدقاء الثورة الارترية ودخل الى الميدان في عام 1978م هارباً من ملاحقة بعض الأنظمة العربية عندما كتب قصدية "القدس عروس عروبتكم" الشهيرة. وأيضاً الشاعر السوداني الإرتري الراحل/ محمد عثمان كجراي الذي يمثل كل مساحات التقارب والتشابه في العلاقة بين الشعب الإرتري والسوداني، وفي هذه السانحة يطيب لي أيضاً أن أذكر الشاعر السوداني/ التجاني حسين شاعر أغنية "إرتريا يا جارة البحر" الشهيرة التي غناها الفنان/ إدريس محمد على والتي شكلت ومازالت نشيد محبب لكل الذين يقيمون في بلاد المهجر ويتلهفون للعودة للوطن.

كما أذكر رائعة عقد الجلاد "يا بحر قم" وهى من كلمات الشاعر الارتري القامة/ محمد محمود الشيخ الشهير "بمحمد مدنى" أيضاً غنوا لإريتريا عدد من الفنانين السودانيين وفي مقدمتهم الفنان الكبير/ عبدالكريم الكابلي وحمد الريح ومحمد ميرغني وحنان النيل وعمر إحساس وعماد أحمد الطيب الذى زار بلادنا وشارك في احتفالات عيد الاستقلال العام الماضي بأغنيته التي غناها في مطلع التسعينيات من القرن الماضي باسم "ريتا"، ربما الذاكرة والسانحة لم تسعفي لذكر المزيد وهذا غيض من فيض الحب الذى يجمع بين الشعب السوداني والارتري.

يعتبر نسج القصيدة الغنائية مهمة ليست بالسهلة، إذ تتطلب ثقافة موسيقية وغنائية خاصة، وخيال تصوري خصب ناهيك عن القدرة على السرد المقتضب والذي يعطي صورة سردية متكاملة ذات بداية ونهاية واضحة.

قبل قرأت أعمال الشاعر احمد عمر شيخ تأثرت بالملاحظات التى كان يعبر عنها الشاعر السوري الكبير فايز خضور حول الاعمال الشعرية للشاعر أحمد عمر شيخ، حيث كنا نقدم للشاعر الكبير فائز خضور قصائد احمد عمر شيخ في مكتبه بمقر اتحاد الكتاب العرب بدمشق، أملين أن يقوم الاتحاد بنشر تلك الاعمال في ديوان شعر يطبع على نفقة أتحاد الكتاب العرب، ولكن كانت لفائز خضور ملاحظة وقفت أمام تلك الطموحات وهى أن في مقدمة أحد الدواوين عبارات تسئ لقطر عربي شقيق عضو في الاتحاد ولذلك لا يمكن أن يقوم الاتحاد بطباعتها، وقال لنا أما رأي الشخصي فأحمد عمر شيخ يعتبر أحد المبدعين الشباب في الوطن العربي وله مستقبل باهر في المجال الادبي ثم قدم لنا ديوان الاعمال الكاملة وكتب عليها تعليق بسيط بخط يده وطلب منا تسليم هذا الديوان كهدية لأحمد عمر شيخ.

غني الفنان الكبير الراحل/ محمد وردى أغنية "ملامح إرترية" عام 1997م للشاعر أحمد عمر شيخ والاغنية من الحان الفنان الراحل محمد وردى.

حين تستمع لأغنية "إرتريا سوداني" التي كتب كلماتها الشاعر الارتري الكبير/ أحمد عمر شيخ بأعماله المختلفة من شعر ونثر ورواية حيث قدم للمكتبة الارترية والعربية خمسة روايات كان أخرها رواية "الهش" التي كتبت عنها دراسة وانا في اسمرا ونشرت الدراسة في عدد من المواقع الارترية المعارضة للنظام في اسمرا مثل موقع "ربا عنسبا - مسكرم" وغيرها المواقع السياسية والثقافية، وثلاثة دواوين شعر وهذا يعتبر إنجاز بالنسبة لجيله، الاغنية لحنها الملحن السوداني/ محمد حامد جوار وتغنى بها الفنان السوداني/ الهادي الشهير "بود الجبل" والفنان/ محمد عثمان، حيث شكلا معاً ورغم اختلاف المساحات الصوتية بينهما لحناً عذباً لا تمل من سماعه، الاغنية قدمت ضمن الأعمال التي قدمت في أستأد أسمرا في يوم الرابع والعشرين من مايوا، وبثتها الفضائية الارترية على الهواء مباشرة ثم بثتها قناة أنغام السودانية وقناة النيل الأزرق، وفي هذه الاغنية يجد المستمع انه يصغي إلى سيمفونية ناطقة، ويغوص في الاحلام عن الفجر، والليل، والصبح، والضياء، والطير والغناء، السهد، الوحدة، الدمع، والشدو، الفراق، الذكرى.

إن تناغم اللحن والصوت والكلمات يثير في الدواخل نزعة الإبداع والعطاء، فكان الشاعر/ أحمد عمر شيخ الذى لم يعش في السودان سوى أيام معدودات في مهمات عمل، إلا إنه يمثل ضمير أمته في التواصل الحميم بين الشعبين الشقيقين وكان صادق وأمين في نقل ما يدور في خلجات النفوس هنا وهناك، مسخراً المفردة السهلة المعبرة ذات الدلالة التصويرية البليغة والتي تنسجم مع الأداء الغنائي الموسيقي ليعلن عن ولادة نص غنائي راقي.

مقطع من الاغنية:
مواويلنا إرترية
سلاماتنا من السودان
وأنفاس الحلم أوطانا
نعيش ليها نعيش بيها نعيش فيها.

فلنستمع إليها أكثر من مرة وإن ما ي ربط الشعب الارتري والسودان لا يمكن حصره في هذه العجالة فقط هذا كان من أجل التذكير بهذه العلاقة المتميز بين الشعبين الشقيقين التي يحرص المبدعون من كل الجانبين التغني بها.

Top
X

Right Click

No Right Click