الأمينْ عبدالطيفْ: جداريةُ الحلمْ غنائيةُ الوطنْ

بقلم الأستاذ: أحمد عمر شيخ - شاعر والروائي ارترى

أنّْ تخطَ كتابةً ماهو جديرٌ بقامةِ رجلٍ رفَدَ الذاكرة الفنيَّةَ الإرتريَّةَ عبرَ أجيالٍ متتالية، هو إيغالٌ في سردايبِ المعنى وأغوارٍ متشابكة

الرؤى والمنعطفاتْ.

وهو ماجمعنيْ بهذا الكبير (قدراً وفنَّاً) على مدى (23 عاماً) إلى حينِ وفاتهِ (2017/8/7م)، وعبر حواراتٍ متشعبة وأحاديث حميمة وعلائق اجتماعيَّة معه ومع أفراد أسرته (خالد / نورا / أيمنْ) وزوجته الفاضلة "أخيار" التي فارق الحياة وهو بين يديها وحنوها عليه، وتحت رعايتها، والقُربى التي تجمعنيْ بهِ.

الأمين عبداللطيفوهو ماشكَّلَ نسيجَ التحاميْ الشخصيْ بهِ / معه، منذ عودتهِ في العام 1994م إلى "إرتريا" قادماً من "الولاياتِ المتحدةِ الأمريكية"، وكنتُ قد سبقتهُ بعامينِِ إلى أرضِ الميعاد الإرتريَّة.

شدَّ على يديّ طوال سنوات كما فعلها مع كثيرين غيريْ وابتسامته لاتفارقُ محياه الوسيم كوسامةِ روحهِ العذبة، لتظلَّ دروبٌ مشيناها سوياً وتجاذبنا فيها أحلام وجراحاتِ الوطن وحاراته ورؤاه.

"الأمينْ عبداللطيفْ" صوتُ النبضِ ورافد معالمَ حبِّي وهياميْ بـ"إرتريا" التي لمْ أرها "كجغرافيا" في سني عمريْ الأولى في ذلك الوقت، حين تشربتُ غناءه العذب الشفيفْ.

"فاطنه زهرا"، "سفلالْ"، "خاتمْ حظيْ زابيكو"، "يمَّا"... وغيرها مِنْ شدوٍ يرسمُ معالم البلاد الغائبه حينذاكْ، ليرسمَ هوَ، و"عاشق إرتريا" الشاعر الراحل/ أحمد محمد سعد في "سبعينياتِ" القرن الماضيْ ترانيم افتتانيْ في فورةِ الصِّبا الممهور بالوعد والأمنياتْ.

وشكَّلا معاً و "أمِّيْ / أبيْ" (رحمهما الله) مع أصواتِ الثوار جدارية ولهيْ بـ"إرتريا" في زمن البراءةِ الأولى.

ومنذ أنْ التقيته وأنا أحاوره:

في وسائلِ الإعلام، وفي المقاهي "الأسمراويَّة" الصادحة بالحبِّ والغناء، وعلى مسارحها و "خشباتها" وعبر "حفلِ اعتزاله" في "الإكسبو" (حينَ كلفنيْ بإلقاء كلمة اعتزالهِ)، وفي بيته العريق بحيّْ "أبَّشاولْ"، "الأسمراويْ" العتيق الذي غنى له ولها أجمل الأوتار:

"عبايْ أبشَّاولْ / أبَّشاولْ الكبيرة"، لتضحيْ قلبه الساكن في شتى القلوبِ، وولينتشر ضوء حنجرته في أصقاع المعمورة، حيثُ الإرتريون - الإرترياتْ أينما كانوا، ووجدوا، وعبر مختلف الحِقبْ.

وأيامٌ فريدةٌ أيضاً جمعتنا بصحبة فنان إفريقيا الأول الراحل الكبير/ محمد ورديْ لدى قدومه إلى "إرتريا"، أواخر العام (1996م) في منزل الصديق السُّودانيْ / فكريْ محمد الحسن، "الذي هو الآن رئيس الجالية السُّودانية الشقيقة فيْ إرتريا"، حيث كانَ يقومُ "ورديْ" حينها بتلحينِ كلماتٍ كتبتها له عن "إرتريا" بعنوان "ملامحٌ إرتريَّة" وغناها بدايات العام (1997م) في "استاد أسمرا"، وكانَ "المغفور له / الأمين عبداللطيف" فخوراً بتجربتيْ الفنيَّة مع عملاق الفن العظيم "ورديْ"، وأنا الصغير فنَّاً وتجربةً في تلكَ الآونه، ليقولَ ليْ:

إنتَ دخلتْ ذاكرة السُّودان وإرتريا بهذه الأغنيَّة يا "أحمد"، مشْ سهل إنو "ورديْ "يغنيلكْ".

وهو ماردَّدهُ مراراً في مقابلاته الفنية عبر وسائل الإعلام الداخلية والخارجية ومنها إذاعة "صوت أمريكا وغيرها قبل وبعد وحين وفاة الكبير "ورديْ".

الأمينْ عبداللطيفْ هو جدارٌ من الحلمِ اتكأتُ تحتَ ظلاله الفنيَّة الوارفة ردحاً من عمريْ، منذ طفولتيْ وصبايْ، وإلى حين أيامه الأخيرة، وحديثه الأخير حين زيارتيْ له في مرضه الذي فارق منه الحياة الفانية يطرقُ سمعيْ بجذلٍ وحنينٍ غامر إلى سنواتنا في "أسمرا" الحبيبه.

يتسربُ حزني أخضراً مِنْ بينَ تلافيف وجعي المتناميْ بفقدهِ الجللْ، تاركاً ثقباً كبيراً وهوة هائلة في وجدانيْ ووجدان الكثيرين والكثيراتْ.

رددتُ ذلك ونحن نقفلُ راجعين مع الصديق عملاق أغنية "التغريْ" / إبراهيم محمد عليْ قورتْ، وبعد أنْ ودعنا جثمان الغاليْ الكبير / الأمين عبداللطيفْ ووريَ الثرى ظهيرة 2017/8/8م كانَ الرذاذ والمطر يهطلُ فوقَ رؤوسنا ووشاحٌ من الأى يلفُ بسكونه أطراف المكانْ (مقابر الشهداء) و"أسمرا" تودِّعُ أحد أهم مبدعيها، وكذا عند ذهابيْ مع "قورتْ" عصر ذات اليوم إلى منزله في حيّ "أبشاولْ" عصر 2017/8/8 والقلبُ يخفقُ وأنا أصافح معزِّياً السيدة/ عائشة أخته و "نورا" ابنته، بدأ المطرُ يعيدُ تلاوة ترانيمه على إيقاعِ خطواتنا، وكأنه يعزِّيْ معنا بوقعه الخالد، وسيفمونيَّة من الحبّ والشجن تؤطِّرُ أطرافَ الحيّ الأسمراويْ العريقْ.

يقولُ ليْ "قورتْ" إثر عودتنا:

بتعرفْ يا "أحمد" ؟!! نحن اليوم فقدنا "أبو أغنية التغريْ" و أولْ مَنْ عرَّفْ بيها كأغنيَّة حديثة.

رحم الله عميد الفن الإرتريْ الغاليْ على قلوبنا جميعاً العملاقْ الأمينْ عبدالطيفْ.

إنَّا لله وإنَّا إليهِ راجعونْ.

Top
X

Right Click

No Right Click