عثمان دندن ترجل الفارس
بقلم الأستاذ: سيد أحمد خليفه - رئيس تحرير صحيفة الوطن السودانية
كنت وأنا أحزم حقائبي عام 2000م استعداداً للعودة النهائية إلى السودان بعد ما يزيد على ربع قرن
من الاغتراب والحياة في السعودية وتحديداً مدينة جده الودودة.
وقد التقيته بعد أن قصدته مودعاً.. وشاكراً ومقدراً لهذا الرجل الذي كان أول من التقيته في جده عام 1974م وأنا قادم إليها من طرابلس العاصمة الليبية الباردة طقساً والجافة (ناساً) ولو بصورة نسبية مقارنة بجدة ومقارنة بالخرطوم التي لا تشبهها مدينة في الود والاحترام والتراحم وإكرام وفادة الغريب..!
ولقد كان الحظ قد أسعدني وأنا اتجه من طرابلس نحو جده بأن المرحوم القائد الإرتري الفذ عثمان صالح سبي موجود بطرابلس هو وصديقه وممثله التاريخي في ليبيا الزعيم عمربرج أطال الله عمره وهو يعيش الآن بعيداً عن الوطن الإريتري المستقل (إسماً) والمحتل فعلاً بنظام عسكري قهري استبدادي فردي الطابع يحكم بلاده إرتريا..!
ولقد زارني المرحوم عثمان سبي في بيتي بحي (سيدي خليفه) بمدينة طرابلس وعشية سفري إلى جده حيث عزاني في الوالد الذي قصدت مكة المكرمة ومدينة الرسول قاطعاً كل المسافة بين طرابلس الغرب وأرض الحرمين لكي أترحم عليه - أي على والدي - وكان قد توفي في تلك الأيام من العام 1974م إذ لم يكن باستطاعتي أن أفعل ذلك داخل السودان لاعتبارات سياسية بيني وبين نظام مايو ورئيسه الذي اضر بقضيته وسلطته كونه كان سميعاً وصديقاً لما يقوله له الذين حوله من الاعلان، وهي آفة كل حاكم فرد منذ ذلك الزمان وحتى زماننا هذا..!
كنت في مطار جده القديم المتواضع - اتلفت - عندما لمحني من بعيد رجل يشبه السودانيين في كل شئ متقدم نحوي هاشاً باشاً قائلاً: الأستاذ سيد أحمد خليفه..؟!
فاجبته بنعم ومن ثم استحضرت الصورة في ذاكرتي وقلت له.. الأخ عثمان دندن فرد بالإيجاب وبعدها تعانقنا واتجهنا بسيارته من المطار نحو فندق الحرمين بشارع الملك عبدالعزيز والقريب من سوق باب شريف - الذي قال أحدهم أنه - المزار الثالث - لجميع السودانيين ويقصد أنه مكانهم بعد زيارة الحرمين الشريفين حجاً وعمرة أو زيارة..!
ولقد رافقني عثمان صالح عثمان دنـدن بعدها إلى مكة حيث أديت العمرة وتركني هناك لأنني كنت بحاجة إلى أن أبقى لثلاثة أيام لأصلي الأوقات الخمسة في الحرم المكي الشريف ولكي أترحم صباح مساء على والدي الراحل محمد ودخليفه ود مساعد. صمد ساقية المساعداب وسر تجار مروي في النصف الأول من القرن الماضي.
كان الراحل العزيز والإرتري الدبلوماسي والسياسي والمقاتل الفذ عثمان دندن وهو من أبناء منطقة حرقيقو - القريبه من مصوع أو باضع كما يسميها البعض وهو المنسق الدقيق والمتفاني في خدمة القضية الإريترية من خلال علاقات دقيقة وعميقة استطاع أن يقيمها مع السلطات السعودية من أصغر المسؤولين في الدولة وحتى القصر الملكي مروراً بكل الوزراء والوزارات..!
كانت مهام دندن الذي توفي في الشهر الماضي بالعاصمة الإريترية أسمرا أن يمد المقاتلين الإرتريين في الميدان بمعظم احتياجاتهم من السلاح والمؤن الغذائية بل وكل متطلبات الميدان التي كانت تشحن بواسطته وتحت إشرافه من ميناء جده السعوديه إلى ميناء يورتسودان السوداني ثم إلى أعماق إريتريا..!
وللتاريخ كان المرحوم عثمان دندن أكبر وأهم داعم لميدان الإريتري من خلال عضويته وقيادته بقوات التحرير الشعبية التي كان رئيسها السياسي المرحوم عثمان صالح سبي ورئيسها العسكري اسياس أفورقي الذي انفصل فيما بعد وأنشأ الجبهة الشعبية لتحري إرتريا، حيث لم يقطع عثمان دندن صلته بأفورقي على الصعيد النضالي والوطني برغم الخلاف التنظيمي، حيث انحاز دندن لقوات التحرير الشعبية بقيادة عثمان صالح سبي..!
بعد الإستقلال الإرتري عام 1991م بدأ عثمان دندن وكأنه في حالة اعتزال سياسي، حيث بقي بمدينة جده ولكنه لم يقطع صلته باريتريا المستقلة حيث زارها عدة مرات.. بل وأرسل ولده إلى هناك ليعمل ضمن الفريق الوطني التقني في الدولة الإرترية.
إنني وبقدر ما حزنت على رحيل الإرتري الفذ عثمان دندن كان عزائي إنه مات ودفن في الوطن الذي أحبه.. والذي قاتل وناضل في سبيل حريته واستقلاله.. رحم الله دندن.