وداعا الأستاذ محمد سعيد ناود مواطن القطرين وابن كل القبائل الارترية
بقلم المناضل الأستاذ: أبـو اٍيهـــاب - الخـرطـوم، السـودان
منـذ أن تـم نعـى أستاذنا الـراحـل في السـادس عشـر مـن شـهـر سـبتمبـر2010م
قـرأت عشـرات المقالات الحـزينـة لكتـاب ينتمـون لأكثـر مـن قطـر عربي، فقـد بكـاه البعـض مـن خـلال سـرد سـلوكـه الخاصـة وذكـر مناقبـه الشـخصيـة والبعـض الآخـر مـن خـل التثمـين أدبياتـه ونضالاته ومـواقفـه الوطـنيـة، وكان القاسـم المشـتـرك بينهـم حـروف هـم الباكيـة ولهفتهم الصـادقـة التي عبـرت عـن مكانـة الـرجـل وعظمـة رحيلـه المفاجئ، ولأنني لـم أتمـكن مـن القيـام بواجـب الـرثـاء والتـرحـم على روحـه آنـذاك، أنتهـزاليـوم مـرور أربعـين يومـا علـى رحيلـه المفاجئ عـن دنيانـا الفانيـة.. عليـه أبـدأ قائـلا كـل مـن عليهـا فـان ويبقـى وجـه ربـك ذو الجـلال والإكرام..
ومـن ثـم أقـولـ رغـم هـيبة المـوت ومـرارة الـوداع، ورغـم ألـم فـراق الأهـل والاحبـاب والخـلان، تظـل هـذه الـرحلـة المؤلمـة سـاريـة المفعـول وسـيـدة المـوقف لأنهـا عقـال ربانـىلا مهـرب منـه بـل هي ديـن أصيـل غيـر قابـل للجـدولـة أو التأجيـل، وهـى سـنة الحيـاةالتي لا يتمـرد عليهـا الكائـن الحـي، وهـى نهـايـة الطـريق الذي يسـيـر فيـه كل ابن أنثـى مهمـا طال بـه المقـام، هـكـذا هـى الحيـاه وهـذا هـو ديـدنهـا منـذ بـدء الخليقـة، وسـتظـل علـى هـذا المنـوال الـى ان يـرث الله الأرض ومـن عليهـا..
عليـه لا نمـلكالآ الامتثـال لمشـيئـة الله والـرضـى بقضـائه وقـدره، ومـن ثـم الـدعـاء للـراحـلالعـزيـز الـذى عـرفنـاه سـياسـيـا مبتكـرا سـبق الجميـع في تأسـيـس الثـورة وقيادتهـا، عـرفنـاه أديبـا وكاتبـا وقاصـا ومحـللا بارعـا ولـم يجـاره الآ عـدد قليـل مـن ابنـاءالثورة الارتـريـة، عـرفنـاه أخـا كـريمـا لسـائـر الـذيـن عـرفـوه عـن قـرب أو عـن بعـد، عـرفنـاه صـادقـا أمينـا وقـد تحـدث الـرجـل عـن نفسـه التـى قـدمهـا للقـارئالكـريـم كمـا هـى ـ قـدمهـا لنـا بألوانهـا الطـبيعيـة التـى تعـين الباحـث الاكاديمـى وكل المهتمـين بجمـع الوقائـع التاريخيـة وتمهيـد النصـوص لكتـاب التاريـخ الانسـانـىبـل ولـكل مـن يسـعـى لافشـاء نـار الثقافـة الثوريـة ومعـرفـة الحقـائق بغـرض نشـرهـا بـين الناس، وليـس سـرا ان مسـرحيـة ”صـالـح“ التـى تعتبـر باكـورة انتاجـه الأدبـى هـى سـيـرة حياتـه التـى كان الـراحـل أمينـا فـى نقلهـا للقـارئ الكـريـم..
فقـدولـد الاسـتاذ/ محمـد سـعيـد فـى منتصـف ثلاثينيـات القـرن المنصـرم فـى كبـد الهضبـة الشـماليـة المسـمـاة ”مـاريت“ وهـى احـدى المناطـق الـزراعيـة والـرعـويـةالتي تكتـظ بالسـكان، وتتميـز بموقعهـا الذي يتصـدر منتصـف المـرتفـع المعـروف باسـم "رورا ـ حبـاب"..
وقبـل ان يبلـغ سـن الحلـم أنتقـل الـراحـل الـى مـدينـة بورتسـودان التـى درس بهـا وعمـل فيهـا وناضـل منهـا، وتنتهـى سـيـرتـه الـذاتيـة بالجـزء الذي لـم يضمنـه الـراحـل فيهـا، حـيث كان الـراحـل اٍمامـا وقائـدا للثوريـين الارتـريـين والأول بـين رواد السـياسـات الثوريـة التـى تحلقـت معظـم قـوى جماهيـرنـا الارتـريـة مـن حولهـا منـذ عـام 1958م ـ فنصـرتهـا فـى الـداخـل والخـارج ورعتهـا وحافظـت عليهـاوعلـى شـخوصهـا حتـى تحـقق لهـا التحـريـر والاسـتقـلال الـذى تحـول بفعـل فاعـل آثـمالـى سـجـون واسـتغـلال وديكتاتوريـة واسـتكبـار..
كان الـراحـل النقـيب غيـر المعلـن للادبـاء ولكتاب المـواد السـياسـية التـى أحسـن قـراءتهـا وتحليلهـا وتقـديمهـا لقـراء اللغـة العـربية التى دافع عنهـا فـى كل وقـت وحـين.. ولا شـك ان الـراحـل كان الأولفـى الـزهـد وايثـار الآخـر، حـيث كان زاهـدا فـى تقلـد المناصـب وحمـل المسـميـا تالـرفيعـة وهـو الـذى عمـل نائبـا او مسـاعـدا لعـدد مـن المناضلـيـن الـذيـن سـبقهـم فـى مياديـن السـياسـة والنضـال..
كان الاسـتاذ/ محمـد سـعيـد رجـلا بسـيطا عاش فقيـر او رحـل فقيـرا دون ان يمتـلك عقـارا او يكتنـز مـالا، وكان سـياسـيا متواضعـا ومسـتمعـالا يمـل الجلـوس الـى الصفـوة والعامـة، وكان مواطنـا عاديـا قـريبـا مـن قلـوب كل المتعاملـين معـه..
كان الـراحـل اٍبنـا لكل القبائـل الارتـريـة والسـودانيـة ولـميحـاب مجموعـة لحسـاب الأخـرى..
كان سـودانيـا محبـا ومخلصـا لوطنـه السـودان، وكان ارتـريـا ثائـرا وعاشـقـا لوطنـه اٍرتـريـا، وكان قنطـرة سـياسـيـة واجتماعيـة أصلـت التواصـل بـين الشـعـبين الشـقيقـين في السـودان وارتـريـا..
كـدت ان اكـتب بعـض الاضـاءا تعـن الـراحـل العـزيـز، لكننـى عـدلـت عـن ذلك لأننـى تـذكـرت أن المضئ لا يضـاء وان الـراحـل كان مصـدر إضاءة بـل شـمسـا سـاطعـة لشـعبـه ولـرفـاقـه ولمـن كانـوا مـن حـولـه، ولأنـه ورفـاقـه الأشـاوس كانـوا يمثلـون الشـرارة الأولى التـي بـدأت رحلـة الثلاثـين عـام وان شـاء الله سـتظـل مشـتعلـة حتـى يتـم تحـريـر الإنسان الاٍرتـري، ومـن جانبنـا لابـد أن نـؤكـد أنهـم طليعتنـا الوطنيـة التـي يفتـرض أن نعتـرف لهـا بالسـبق الثـوري دونمـا شـك أو تشـكيك..
ففـي لحظـة غيـاب اسـتصحـاب سـيـرة الـرجـل ورفاقـه الأشـاوس كـدت أن أسـلط بعـض الأضـواء عليهـم، لكننـي عـدلـت عـن ذلك عنـدمـا تـذكـرت أن المضي لا يضـاء وان الأصـل لا يعـرف، وهـذا يعنـى أن الأستاذ/ محمـد سـعيـد ورفـاقـه وسـائـر المناضلـين والمجاهـديـن الأبطـال لا يحتاجـون إلى مـزيـد مـن الأضـواء لأنهـم كالشـمـس في كبـد السـماء، ورغـم ذلك يجدني القـارئ الكـريـم أمضـى في كتابـة هـذا الـرثـاء داعيـا الشـباب لتأصيـل ثقـافـة الوفـاء وتكـريـم أبطالنـا وقياداتنـا وواجهاتنـا التاريخية قبـل أن يـرحلـوا عنـا، لأنهـم مصـدر عـزنـا وصحـة رؤانـا ووحـدة توجهاتنـا الوطنيـة ولأنهـم مصـدر الضـوء الوطني الحميـد الذي عـم أرجـاء الوطـن وقـاد أطـول ثـورة عـرفتهـا القـارة السـوداء في القـرن العشـريـن (1958-1991م)..
رحـمالله الأستاذ/ محمـد سـعيـد نـاود وسـائـر رفـاقـه الميامـين الـذيـن كتبـوا تاريخ ارتريـا بأحـرف مـن نـور وعطـروه بـدمـائهـم الغاليـة التي لا تقـدر بثمـن ولا تقـاس بمقاييـس ومعاييـر ومكاييل هـذا الـزمـن الردى الذي سـمى سـائـر الأشـياء الجميلـة بغيـر أسـمائهـا الحقيقيـة.
أخيـرا وليـس آخـر لابـد مـن الإشارة إلى أن الراحل العزيز كان مـواطـنـا مخلصـا ومناضـلا أمينـا وسـياسـيـا شـريفـا ظـل محافظـا علـى حقـوق الأوطـان وكبـريـاء الشـعـوب وتسـميـة سـائـر الأسماء بأسـمائهـا علـى مـدار القطـريـن (ارتـريـا والسـودان)، مثلمـا كان بجاويـا قحـا ووطنيـا صادقـا وامميـا ملتـزمـا وصـديـق صـدوق لـكافـة المناضلـيـن الشـرفـاء علـى مختلف انتماءاتهم الجغـرافيـة وكان ابنـا بـارا لكافة القبائـل الارتـريـة.