حوار ثقافى مع الاذاعى الارتري عبدالعزيز محمود الشيخ عمار

حاوره الأستاذ: عبد المنعم رحمة - صحفى سوداني  المصدر: صحيفة ارتريا الحديثة - ملحق الاداَب والفنون

نص من الحوار:

تُرى، ماهى المخاوف التى تواجهنا ثقافياً / حضارياٌ؟

عبدالعزيز محمود الشيخ عمار 1اولاً: يمكننا القول ان الثقافة وفى ابسط تعريفاتها.. هى مجموعة القيم المادية والروحية التى ينتجها الانسان فى مجتمع محدد وتغييرها مرهون بمدى التتغير الذى يحدث فى انتاج هذه القيم من وقت لاخر.. وهى بهذا المعنى تشمل كل الذخيرة المعرفية المنتجة اجتماعيا ووفق تاريخها.

وتنسحب على كل المفاهيم و الاعمال الفنية و القانونية و الادبية و التعليمية و الدينية و الاخلاق الاجتماعية و العادات و التقاليد.

ثانياً: تعلم أن قد تعاقبت علينا فترات ظلامية طويلة و مستعمرون بكسر الميم من طلاينة و انكليز ودرقوين - الامر الذى جعلنا وبالكاد نتنفس برئة واحدة، اذ لم تسلم الاخرى من محاولات الطمس وتذويب الهوية... ثم كان الكفاح المسلح والذى بحق قد شكم عودنا ومهد لنا ثقافة تطمح الى تأكيد وطنيتها و استقلالها امام ثقافة (بيضاء / كولونيالية) يقوم مشروعها على تذويب ثقافة االاَخر.

ثالثا: المجتمع الارترى فى تلك الفترات كان يفتقد المؤسسات الوطنية التى ترفد وتغذى ثقافته الوطنية، الامر الذى انعكس سلباً على بعض اوجه المراكز الحضر ية (المدن).

رابعا: لابٌد من الحفر عميقاً فى (طبقات) ثقافتنا للتمييز بين مهو ثابت ومتجزر فيها، وماهو (حربائى) مكتسب راكمته ثقافات المستعمر، وهذا يلز منا جميعاً - حكومة و شعبا - بالعمل من اجل نهضة الثقافة وتوطينها.

عفواً، ولكن ماذا تعنى بتوطين الثقافة؟!

ان احدى مشاكلنا فى القارة الافريقية بشكل عام هى "المشافهة" او الارتكاز على "الحكاية / السحر" بدءاً من "طواطم الكهوف" إلى الجَدة / الحبوبة الى "التلفاز" وغير ذلك.

وللتوطين منحيين اساسيين (1) الانتماء الى واقع معين دون الانزلاق عنه. (2) فعل الكتابة وفعل النشر، بمعنى ان نتدرب على التسجيل / التدوين و الكتابة، ثم الاّ تظل تلك الكتابة طىّ الادراج ورهينة بتقلبات الأمزجة، إذ فى النشر منافع شتى:-

(أ‌) حفظ وتوثيق المنتوج الادبى والمعرفى، وفى حفظه إثراء للواقع الثقافى عامة.

(ب‌) تمليك القارئ لمفاتيح معرفية تمكنه من التعرف اكثر على ثقافته، وتحرك ما سكن من وجدانه بفعلها التحريضى التثويرى، إذن بفعل الكتابة والنشر نُوطّن للثقافة ونجعلها واقعاً معاشاً. ولعل أسطع الامثلة فى هذا المقام اى الاعتماد على (المشافهة) هو شاعرنا القومى "ادريس امير" إذ لا زال الكثير والكثير من اَثاره رهينة بقلوب مُحبيه المعمرين وشذرات ونتف هنا وهناك.. ومن لى برجلٍ يتولى مهمة جمع وتوثيق اَثار "ود امير"؟!

على ذكر الشاعر "ود امير".. اظنك حاولت الشعر.. ايضاً؟

(ضاحكا).. أعلم ياصديقى ان الشعر صبُُُ طويلُ سُلمه - إذا ارتقى فيه الذى لا يعلمه، دق وذل قدمه - ما نظمته هو مجرد محاولات حتمتها طبيعة المرحلة، ولا تنسى اننا مطالبون إعلامياً بتغطية كل ذلك التاريخ المجيد لشعبنا.

بمناسبة الاناشيد هذه - الا ترى معى ان الاغنية الارترية وبكل محمولها من مكنونات شعبية واخيلة و رؤى وجدانية وطنية، قد عمقت وأججت نيران حب الوطن فى النفوس، ثم ألا يخيل إليك أن بعض الاغانى قد فعلت مالم يفعله لواء كامل من الجيش؟!

هذه بالضبط إحدى (صناعاتنا) الوطنية الساطعة واحدى خطوط بصماتنا "الشخصية" وحقيقة لقد لعبت الاغنية دوراً كبيراً فى المحافظة على هويتنا، كما وقفت سداً منيعاً امام كل الهجمات التترية للثقافات الاستعمارية.

إذا ذكر الغناء او الشعر ذكرت المرأة، إذ - ايضاً - كلاهما يسوقنا الى ألاخر، الملاحظ ان ثلث قوام الجيش الشعبى من النساء، الا تعتقد.

(مقاطعاً) يقول "عبد اللطيف اللبى" الكاتب المغربى المعروف فى رهانه الثقافى: ان مشروع التجديد الثقافى المنشود لن يكون جديداً بالفعل، وتحررياً بالفعل إلا اذا تم إشراك ذلك النصف من السماء او النصف المحتجب من الارض الذى تشكله النساء.

نحن كنا سباقين فى هذا المجال، اذن قُل لى :اى ثورة فى العالم - قديمه وحديثه - اعتمدت مشاركة المرأة او حققت للمرأة اطروحاتها الاساسية كما فعلنا؟!

و مؤكد اننا الان عاقدون العزم اكثر على نهضتها الشاملة، ودونك كل مرافقنا ومؤسساتنا الوطنية، تجد المرأة ضوءاً لا ظلا.. واتفق معك / معه أن نهضتها نهضة للمجتمع ومضُمرَ قوله الحضارى.

حسنا ً، وماذا عن المستوى الاَ خر... الشخصى؟

لقد غلب علينا (العام) ردحاً طويلاً من الزمان وكما الرفاق اَثرنا الصبر الذى جاءت ثماره التى يعلمها الجميع... وفى ذات الحين لم نلغى اَدمية الانسان ونزوعه الطبيعى - فقط - تعمق لدينا الاحساس بالمجتمع و ضروراته، (ضاحكاً) تعلم اننى كنت ممتلئاً بها الى حد "الهزال " كما كانت ممتلئة بى الى حد "البدانة"!!

عادة، ما يختتم الحوار بجملة تقليدية.. هل هناك رسالة تود أن توجهها الى شخص ما اوجهة ما؟

فى الواقع هذه احدى طرق الاختزال "المتفق" عليها، بودى توجيه مجموعة رسائل منها:-

الرسالة الأولى إلى... بنت الخال، و البروفيسور/ عون الشريف قاسم:

قبل فترة زارتنا احدى بنات الخال، قادمة من السودان، وكان أن اخذتها فى تطواف حول اسمرا مُعرفاً وموضحاً لها ما غمض من دقائق المدينة وأوجهها.. ثم - فجأة - صاحت بى وبجدية ظاهرة: والله يا عمار بقيت (ترطن) زي (الخاسة) تمام!.

حقيقة احزننى قولها جداً، إذ درج كثير من ابناء جلدتنا و "اخواتنا" على اطلاق اسم "الرطانة" مقرونة بال "خاسة" على بعض لغاتنا الوطنية وناطقيها.

و(الرطانة) هى كلام العجم وهم غير العرب، وقد سُميوا بالعجم لتعقيد ألسنتهم، وفى كل إشتقاقات الكلمتين - إستعجم / الرطين - ميلُُ قوى لدمغ لغات العجم بالإبهام و الحصر والادقاع فى الفصاحة، وبهذا تنطوى الكلمتان على إستعلاء قومى وثقافى!... إذن من الممكن أن تُطِلق - مجازاً - على اى لغة غير لغتك الوطنية كلمة (رطانة) وهذا مصدر حزنى الاول، اما الاَخر - هل سمعتم بإن هنالك جنس بشرى فى منطقتنا يسمى الخاسة ؟!، نعم لدينا تسع قوميات معروفة ليس من بينها هؤلاء... الخاسة!!!

لذا ألتمس من البروفسير السودانى / عون الشريف قاسم (رفع وتصحيح) ما ورد فى كتابه قاموس اللهجة العامية فى السودان - ص 352 تحت (خيس خاس): الخاسة جنس من الحبش!

الرسالة الثانية إلى... الكُتاب و الفنانين والادباء:

بإستقلالنا بات من الطبيعى أن نحلم ببناء وطن ديمقراطى معافى، لكن من الضرورى جداً أن تلتصق (لحمة) منتوجنا الابداعى ب (عظمة) الواقع الحى، إذ أن قدرة الابداع على الفعل التنويرى لا تقوم لها قائمة إلا على اساس مقاربة الواقع والبعد عن إلايغال فى الذهنيةِ ومطاردة تداعيات الذات المبدعة.

الرسالة الثالثة الى.. من يهمه الامر:-

قبل فترة تنادينا جميعاً من أجل إنشاء مكتبة عامة هى (مكتبة الشهيد)، ونسبة لقلة الاصدارات العربية التى تصلنا رأينا ان تتوجه المكتبة توجهاً خاصاً نحو الكتاب العربى، رديفاً و صنواً للكتب الاخرى.. واذكر انه قد شكلت (لجنة) لهذا الغر ض، يخيل إلى - أن قد اَن الاوان لتأسيس هذا الصرح الثقافى الهام.

الرسالة الرابعة إلى... الامهات:

ارجوا ألا تنصبن للحزن خيمة ولا "تدفقن" بحليبكن نكاية بالظروف التى اورثتنا الكثير من الأتراح، فأمامنا اشواط واشواط من البناء و التعمير، وامامنا.. هذا الوطن اليافع.

Top
X

Right Click

No Right Click