أين ذهب قادة تيغراي بعد هزيمة التنظيم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي - الجزء الثاني

بقلم الأستاذ: ياسين حسب الله - كاتب إرتري - لندن، المملكة المتحدة

قصة صعود الوياني تيغراي إلى حكم إثيوبيا في مايو ٩١ يذكرني بقصة فيلم {اذنه} أمريكي

دابراظيون قبرميكائل

ما زال عالقًا في ذاكرتي والشيئ بالشيئ يذكر قصة الفيلم بالمختصر سكان جزيرة متخلفة وفقيرة عجزوا عن حلحلة مشاكلهم حتى اقترح أحدهم للخروج المأزق بأن يختلقوا مأزق آخر للخروج من مشاكلهم جملة، وعليه عليهم ان يستدعوا دولة متطورة وأظنها امريكا واسرع طريقة لتحقيق ذلك بمهاجمة الدولة المتقدمة بالهجوم عليها وهي تلقائيا تقوم بصد الهجوم ومهاجمت بلدهم و بالتالي تكون وقعت في المصيدة، وبما انها دولة متطورة وذات إمكانيات هائلة ستقوم بتمدينهم وتأمين كل احتياجاتهم. ونفذوا المخطط المدروس بعناية فائقة وقاموا بالهجوم ويا للمصيبة لم يجدوا من يقاومهم وانتهت المغامرة بانتصارهم على الدولة العملاقة مما جعلهم في ورطة لم تكن في الحسبان وأصبحوا أمام قيادة دولة كبيرة أشد صعوبة من جزيرتهم الصغيرة.

وبالنسبة لوياني تيغراي كما هو واضح من الاسم هدفهم كان تحرير تيغراي وليس تحرير اثيوبيا ومع الانهيار الكبير للجيش الاثيوبي أصبحوا أمام واقع جديد يستدعي بالضرورة تولي الأمور وملئ الفراغ الذي تركه منغستو وانهيار منظومته العسكرية وهكذا قفزت بهم الاحداث الى قمة الهرم بمؤازرة رفاقهم الارتيرين واصبحوا المتنفذين في باقي شعوب اثيوبيا التي لم تبدي اي مقاومة وقد اشبعهم منغستو قتلا وتنكيلًا حتى أضحى الامر لهم لا يفرق كثيرا.

نشوة النصر التعامل مع النصر أحيانًا كثيرة اصعب من الهزيمة وكثيرين قد يتأقلموا مع الهزيمة لانها تجردهم من القوة ولكن قلة يمكنها ان تتكيف مع الانتصار لأن النصر يعطي القوة و يعمي البصر والبصيرة في آن لانه يعزز تضخم الذات والانانية وعليه هذه الطفرة في القوة تحتاج الى ثقل للحفاظ على التوازن المطلوب لان انفلات هذه الطاقة له عواقب وخيمة، عالمنا او منطقتنا بالتحديد تفتقر ل الية الكبح نظرًا لعدم وجود مؤسسات ذات قوة وتأثير، والتاريخ يعلمنا عن ما يمكن ان يجلبه الانتصار من نكبات، ومعظم الحوادث المكلفة في الشوارع تحدث من سائقين ذوي خبرة زادت ثقتهم بأنفسهم وعن مدى قدرتهم في التحكم في القيادة ولا يحدث من المبتدئين لأنهم اش مايكونوا حريصًا لمعرفة المسبقة لقدرتهم.

وما أحدثه هذا الانتصار سواء في اثيوبيا او ارتريا لا يخرج من هذا المضمار من تضخيم الذات والثقة الزائدة بالنفس والمنهج، وهذا بدوره عقد المشكلات أكثر مما ساهم في حلها وبالنسبة للقيادة الارترية الفتية في العمر وقتئذ وخالية تماما من خبرة الدولة والتي كان لها النصيب الأكبر في هذا الانتصار ورئيسها الجامح الطموح هل تقنع باستقلالها كما كان منهجها ام ترفع السقف كما حدث مع الوياني وتعلن الانتصار على اثيوبيا وتتولى هي القيادة وخصوصًا هي التي كانت صاحبة الريادة في انهيار الدولة الاثيوبية والعرض مغري والطموح فقط يساور الزعيم والارضية غير مهيئة لتقبل هذا الانقلاب في التراتبية والأحداث متسارعة لم يكن من الأمر سوى تقبل الممكن الى حين وتوظيف سابقة المعروف لدى الرفاق والجيرة التي تجمعنا هم اواصر القربي والنضال المشترك التداخل السكاني والثقافي والعمل معا في نوع من التكاملية الاقتصادية والامنية والسياسية وبدأ الشريكين على تفاهم قل ما ظهر منه خلاف والامور تمشي بانسياب كجرير الماء في الصخر حتى تفاجأ الجميع صدمة بدون مقدمات متمثلة بشكوى اثيوبية من حرب على الحدود المشتركة باتهام لاريتريا باحتلال اراضي اثيوبية، وتلتها انقطاع الخطوط الاثيوبية من اسمرة وخطوط الاتصال بين البلدين فما كان من خلاف لم يتم التحدث عنه ومايزال قيد التقديرات.

سوف نحاول هنا أن نواصل قدر المستطاع من الاختصار أن نقف على على بعض المحطات في حكمهم خلال مايقارب من ثلاثة عقود من الحكم وما نظنه أخطائهم القاتلة التي أدت إلى زوال حكمهم السريع من المشهد السياسي الإثيوبي.

جبهة وياني تيغراي والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، لم تكن العلاقات بينهم استراتيجية ولا ودية على الاطلاق، بل كانت تكتيكية وقد شابها الكثير من المد والجزر في مرحلة الثورة والقلوب ليست صافية وبها الكثير من مخلفات مايرونه غبن بحقهم في سنوات النضال المشترك اما كان للجبهة الارترية من اي. وما ان وصلوا إلى حكم إثيوبيا واستتب لهم الحكم، إلا وكان همهم التخلص من هذه العلاقة بأسرع ما يمكن وأن يبنوا جدارًا من القطيعة أولها كان الاعتراف السريع باستقلال إرتريا وتاليها التخلص من كل ماهو ارتري والتنكر لكل الماضي، بل المن بأنهم من منح الاستقلال لارتريا ولولا ذلك لما نالت ارتريا الاستقلال، كأن الشعب الارتري لم يكن صاحب التضحيات سواء من أجل الاستقلال أو لمجمل التغيرات التي اوصلتهم الى سدة الحكم.

بعد سبع سنوات من العلاقة التكاملية ومع ظهور العملة الارتيرية الى العلن احتدم الخلاف وكثرت الاتهامات المتبادلة وبدأة العلاقات تتسمم بين الشعبين وان لم يطفو منها الكثير في مستوى العامة عدا بعض الهمسات، وقد شاءت الاقدار ان اكون شاهدا لهذا التقلب المفاجئ في اول رحلة لي الى بلدي وعن طريق أديس أبابا والناس في انسجام ويكفي ان تقول انك من ارتريا حتى يرتفع منسوب المعاملة الايجابية في اديس ابابا والتي تحولت بين ليلة وضحاها الى لعنة تطارد الإريتريون أينما وجدوا والصاق التهم بحقهم والتوغل في مصادرة مدخراتهم ومساكنهم والطرد من اثيوبيا لكثيرين ولدوا هناك ولا يعرفون غير إثيوبيا موطنا والدفع بهم الى الحدود الارترية في حالة يرثى لها،إثر المناوشات الحدودية في منطقة بادمي.

أما من الذي بدأ الحرب وما هي الأسباب التي دفعت إليها كلها موضع خلاف، ولكن الوياني كسبوا الجولة الدبلوماسية واظهروا ارتريا هي من بدأت الحرب وللحقيقة أظهروا مستوى من الصبر والدبلوماسية وظهر الجانب الإريتري على أنه المعتدي والذي لا يقبل الحلول الدبلوماسية. وهذا الوضع أفاد الوياني أيما إفادة وعملوا على حشد الإمكانيات الاثيوبية وإعادة الجيش الاثيوبي الذي القى السلاح وكان بلا عمل والزج بهم في حرب كبيرة قل مثيلا لها في الوقت الحاضر إذا استثنينا الحرب العراقية الايرانية مما كبد الطرفين خسائر طائلة في الأرواح والامكانيات، وظهروا الوياني كما لو كانوا حماة اثيوبيا وهذا بدوره اعطاهم عمرا جديدا وأعطاهم اليد الطولى في التوغل والإقصاء لبقية مكونات إثيوبيا وزاد في سكرتهم بالانتصار وحالة تضخيم الذات.

وأثناء الحرب حققوا مكاسب عسكرية بتكاليف باهظة في الأرواح وأعادوا المناطق المختلف عليها وزادوا عليها بفرض شروطهم على ارتريا مناطق معزولة السلاح buffer zone وقبلوا بوقف إطلاق النار والتحكيم في مناطق النزاع بالجزائر وعرض الأمر الى محكمة مختصة والقبول بالحكم أيًا كانت نتائجه.

وعندما صدر الحكم لصالح ارتريا بدأوا في التلكؤ خلق حالة لا حرب ولا سلام على ارتريا كانت أشد فتكا من القتال المباشر. أما عليهم فهذا الانتصار الشكلي لم يكن اكثر من حفظ ماء الوجه حيث الشعب الأثيوبي لم يجد لها جدوى إزهاق كل هذه الأرواح وبعثرت كل هذه الإمكانيات من أجل منطقة جرداء لم يكن ليستر عوراتهم وخصوصًا معظم من قاتل معهم كانت في مخيلتهم ارتريا وبحرها الذي فقدوا.

والنتيجة كانت استرداد منطقة جرداء لا فائدة منها حتى صاروا موضع سخريات الصحفيين والخبراء الذين وصفوا الحال ب اصلعان يقتتلان في مشاط وهذه كانت من كبائرها وما زاد المصيبة عليهم ان المحكمة قضت بأحقية ارتريا للأرض التي ظنوا أنهم استردوا مما يعني الخسائر العسكرية تلتها خسائر سياسية.

التعرجات التي شابت علاقة الجبهتين التي استفادت من بعضها للتغلب على نظام منغستو وتكللت بالنجاح مكنت ارتريا من الاستقلال والتيغراي من عرش إثيوبيا برمتها، وكان على ارتريا ان تتكى على الاقتصاد الاثيوبي ولو لحين، بحكم اننا كنا دولة واحدة تذهب مواردها إلى العاصمة بعد أن عملت اثيوبيا هيلي سلاسي في سنوات الفدرالية و ما قبل الضم على تقويض الاقتصاد الارتري كخطوة استباقية لوئد المطالب الارترية نحو الاستقلال واتت سنوات الحرب على ماتبقى من البنية الاقتصادية.

وفي سبيل ذلك عملت قيادة الدولة الناشئة على جمع العملة الصعبة الممكن عبر تصدير بعض المواد الاولية مثل البن وخلافه والذي كان مصدرها العمق الاثيوبي وهذا بدوره زاد من حنق وتضايق القيادة الجديدة في إثيوبيا التي لا ترى اي التزام تجاه ارتريا بعد الانفصال لجهلها أو لعلمها في عقيدتها الداخلية إعاقة اي تقدم للدولة الوليدة ربما لمآرب لاحقة كما اتضح لاحقا وجاء مصفى عصب وصيانته كخلاف للي الذراع الارترية ورويدا في مستوى قيادة البلدين بدأ الخلاف يشتد وارسلت ارتريا وفدا لحل الخلاف ولكنه واجه صعوبة وتعنت ويقال اهانات وهذا مالم تسكت عنه القيادة الإرترية المليئة بالعنفوان الثوري وما كان مسكوت عنه ظهر للعلن لتكون بادمي الاداة المؤجلة ونقطة لقاء الفرسان الذين مازال ايمانهم ان كنت تريد السلام فعليك بالحرب وهكذا جاء الخطاب الارتري في اشارة للمناورة نحن مازلنا جاهزين للحرب، وجاء الخطاب جافا (أننا لا نترك حقا لنا ولا نطلب الا ماهو لنا). و بضربة خاطفة تمت استعادت بادمي واعادتها الى الوطن الارتري الام.

أما القيادة الجديدة في اثيوبيا قد وجدت ضالتها وامرت البرلمان الشكلي ان يعلن الحرب على ارتريا وهكذا صارت بادمي قميص عثمان ومنددة للثأر من ارتريا ووجدت الدولة العميقة ضالتها في النفخ على البوق والاحتفال بانفصال الجبهتين اللتين أذاقهم مرارة الهزيمة وهكذا حشد لبادمي الجموع الاثوبية الغوغاء الى اتون الدفاعات الارترية في موجات بشرية لا ترى الا في الافلام الوثائقية ليواجهوا مصيرهم المحتوم قاتلين أو مقتولين لايهم القيادة الجديدة التي لا تعير اهتماما بالارواح ولا ترى الخلل الاستراتيجي الذي وقعوا فيه وما يمكن أن يسبب ذلك لهم على المدى البعيد مع الجارة التي كانت منفذهم ومصدر دعمهم وجبهتهم الخلفية إن جارت عليهم الأيام كما هو حاصل الآن. وكانت هذه من أخطائهم البدائية والمحورية في نظري.
يقول عنترة العبسي (لا ادخل موضعا الا ارى له مخرجا).

تـابـعـونـا... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click