مدخل للقضية الارترية - الحلقة الأولى

بقلم الأستاذإبراهيم عمر

المتابع للأحداث في ارتريا يجد صعوبة في فهم الواقع وتسارع الأحداث يزيد من تعقيدها حتي اصبحت مشكلتنا

التوافق الوطني

اعقد من شبكة العنكبوت لكثرة تشابك الأحداث والجرائم والانتهاكات الصريحة التي شملت كل مناحي الحياة إبتدا من الدين والعرض والأرض والمال والتاريخ والثقافة ..الخ. حتي أبناء ارتريا الذين عاشو فى قلب هذه الأحداث تختلط عليهم الامور عندما يحاولوا تفسير مايجري فتارة يصيبو وتارة يخطؤ رغم انهم عايشو هذه الاحداث.

اما الشئ الأعجيب هو ان الانتهاكات فاقت كل الحدود ولا يوجد من يحرك ساكنا لا في الداخل ولا في الخارج ماعدا بعض الأصوات التي تتعالي هنا وهناك اما في ارض الواقع فكانت هناك محاولات لكنها لم ترقي لمستوي الإنتهاكات الصارخة بحق المواطنين الشرفاء لأسباب كثيرة واهمها عامل الوقت، فالأصوات التي تنادي الان بالتغير كانت تصم اذانها وتتغافل الاحداث علي الارض عندما بدات تفوح رائحة الظلم وادارو ظهورهم للعدالة واليوم و بعد ان طفح الكيل استفاقو لذلك لم يدركو قطار التغير وفوتو فرصة تعديل المسار لذلك لم تؤدي المحاولات البائسة الي التغير المنشود مثل عملية فورتو بقيادة... يا تري ماهو سبب السكوت علي كل هذه الجرائم ؟؟؟

اما الأطراف التي تشكل جسم المعارضة المتهالكة من احزاب او حراك شبابي فكل طرف يلقي باللوم علي الطرف الأخر ويريد منه ان يكون البادئ في إشعال الثورة المرتقبة التي أصبحت حلم كل ارتري، ثورة تقلب الطاولة علي رأس العصابة الحاكمة وتنهي الكابوس الجاثم علي صدورنا لما يقارب الثلاثين عاما. ولكي نفهم مايجري ابتداء من القبضة الحديدة التي تحكم بها عصابة اسمرا الشعب الارتري وسكوت المواطنين وتجاهل المجتمع الدولي لما يحدث في ارتريا اكبر سجن مفتوح نحتاج الي قراءة الواقع قراءة متأنية وبطريقة حيادية لان ما نراه من مشاهد ماهو الا جبل الجليد الذي لا يظهر منه سوي قمة الجبل.

ولمعرفة المشكلة يجب ان نغوص ولو قليلا تحت الماء حتي نعرف حجم الجبل الحقيقي وهو الجزء العائم تحت سطح الماء لمعرفة حجم المشكلة و جذورها و الأسباب التي اوصلتنا الي هذه النقطة الحرجة، يقول د. محمد مختار الشنقيطي "ألامة لن تخرج من ازمتها التاريخية الا أذا ادركت كيف دخلت اليها" (١) و هذا دأب الطبيب الذي يشخص المرض قبل صرف الدواء فمن غير إجراء كشف دقيق لا يمكن لأي طبيب ان يصرف الدواء المناسب الا اذا كان غير مخلص في عمله اما اذا كان التشخيص سليما ستكون هناك نتائج واضحة وبالتاي ستؤدي الي نتائج مرضية.

وعندما نقوم بتحليل اي مشكلة بسطحية تامة كأننا نقوم بتركيز دراستنا فقط على الجزء البارز من قمة جبل الجليد ونتجاهل عمق الجبل الذي يشكل ٩٠٪ من حجمه الحقيقي وهو الجزء العائم من الجبل و الذي يمثل عمق المشكلة وبهذا تلقائيا نكون قد اخطائنا فى التقيم لان تحليلنا انحصر علي ال١٠% لهذا يجب أن تكون الدراسة عميقة بعض الشئ لمعرفة جذور المشكلة وليست مجرد دراسة سطحية حتي نتمكن من معرفة ابعادها الحقيقة.

وفيما يخص القضية الإرترية سنجد ان اكثير الباحثين يركزون جهودهم للبحث عن المشكلة وحلولها من خلال الاحداث الجارية دون الالتفات الى اصل المشكلة ما عدا بعض الجهود المقدرة و نذكر بعض ممن لهم دور فى هذا المجال امثال "الدكتور ادريس جميل" و "الاستاذ فتحي عثمان" فقد اسهمو فى هذا الجانب من خلال الرجوع الي اصل المشكلة. فاغلب الكتاب يجيدون الوصف والتنظير المجرد ولا يسهبون في تقديم مبادرات عملية للعلاج ورأب الصدع تتناسب مع خطورة الواقع المتأزم، وبهذا الكلام لا اقصد التقليل من شان الكتاب وإنما احاول وصف الوضع القائم.

ولا يختلف اثنان ان الكتاب يبذلون جهدا كبيرا فى الكتابة فى سبيل القضية ويلعبون دورا محوريا في حملة التوعية وبدورنا ايضا يجب ان نحسن الظن ونقدر محاولاتهم ولكن للأمانة ان الجهد الذي نقوم به لايتناسب مع حجم المشكلة وتعقيداتها بل هناك من يقوم بشرح الأسباب بطريقة خالية من المصداقية وهذه الطريقة لا تساعد على اكتشاف الأسباب الحقيقة، بل مجرد محاولة لإلقاء اللوم على الطرف الاخر ليناء بنفسه ويحمل غيره سبب التدهور فى محاولة لتبيض صفحته فى التاريخ، واي مشكلة لا يتم دراستها بطريقة حيادية و تجرد لا تؤدي الى حلول وانما مجرد حبر على ورق. ومشكلتنا اكبر من ان تحل فى هذه الصفحات او بمجهود فردي لعدة أسباب.

اولا: مشكلتنا تتألف من قضايا واحداث مبعثرة يجب علينا جمعها وترتيبها لتكتمل الصورة فهي اشبه بلعبة الأحجية او اللغز (puzzel) عندها يمكننا فهمها وتحليلها بطريقة صحيحة وهذا يتطلب مجهود كبير لمجموعة من الباحثين يقومون بدراسة جذور المشكلة بطرق حيادية تضع النقاط على الحروف ومن ثم يمكننا وضع الحلول المناسبة.

ثانيا: الخلافات التاريخية المتجذرة لا يمكن حلها في مبادرة او مبادرتين بل يجب ان يقوم الباحث بدراسة المشكلة من عدة نواحي مثل الجانب التاريخي و الإجتماعة والسياسي والديني.. اي دراسة كل العناصر التي لها دور في فك طلاسم هذه المشكلة المعقدة.

ثالثا: إيجاد الحلول و إنتاج الأفكار وحدهه لايكفى، لا بد من عمل دؤوب يتبع انتاج الافكار لترجمتها الي أعمال ملموسة... يقول المفكر الاسلامي مالك بنبي "إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة ولكن منطق العمل والحركة فهو لايفكر ليعمل بل ليقول كلاما مجردا".

رابعا: النظر الي المشكلة من عدة زوايا لأنه يوسِّع مدارك الإنسان و تنويع النظر من عدة زوايا له طرق كثير وكلها تصب في مصلحة تشخيص المشكلة والتعمق في فهمها جيدا.

خامسا: تنويع واستحداث الادوات المستخدمة وعدم استخدام نفس الادوات والطرق القديمة بحجة انها كانت مستخدمة وناجحة، فيجب التأكد من فعالية الادوات والطرق القديمة قبل استخدامها حتي لا تأتي بنتائج كارثية، لان العالم في تطور مستمر، فالطريقة التي كانت تصلح في زمن معين قد لا تصلح في لزماننا هذا.

سادسا: لفهم المشكلة بشكل افضل يجب ان يضع الباحث المشكلة في إيطارها الزمني اي في الفترة التي حدثت فيها ولا يجب ان نحلل المسئلة بمفهوم الحاضر، لان المفاهيم تتغير مع مرور الوقت لهذا يجب معرفة الحدث و تاثيراته والأصداء التي احدثه في تلك الفترة.

فبعض ممن كان يعتبر مناضل وطني اصبح مع مرور الوقت خائن بعد انكشاف المستور كذلك الأحداث تتضح بعد مرور الوقت لهذا الإيطار الزمني لفهم المشكلة مهم جدا. مثال اخر؛ كان يطلق علي اصحاب الفكر الشيوعي لقب "التقدمين" وعلي الرأسمالين وغيرهم من اصحاب الأيدلوجيات الأخري لقب الرجعين اي صفة التخلف حتي إنهار الأتحاد السوفيتي وانهارت معه الفكرة الشيوعية واصبحت مثال للتخلف والرجعية وفى المقبال انتقلت صفة التقدم والتحضر لمعسكر الرأسمالية الذي يسيطر علي العالم بقيادة الولايات المتحدة الامريكية واصبح الشيوعي ينعت (بضم الياء) بالتخلف والرجعية وكأنه تبادل ادوار، يوم ليك ويوم عليك.. وقس علي ذلك من الامثلة.

وكما ذكرت عدم الوصول الى معرفة الاسباب معرفة جازمة يعود سببه الى دراسة المشكلة دراسة سطحية من غير الرجوع الي تاريخ المشكلة و جذورها وما هي ألاسباب الاساسية للمشكلة اهي طائفية ام عقائدية ام مناطقية (اقليمية) ؟؟. كل هذه العوامل لها دورها فى الخلافات السائدة ولكن ما مدي تأثير كل منها فى ظاهرة الخلاف فى الساحة الإرترية ؟ وللإجابة على هذه الاسئلة لا بد من معرفة بداية هذه الفتنة. فداء العنصرية يهتك بالجسد وداء الأمية استشرى فى الجسد كالسرطان الذي لا يمكن إيقافه. اذ لابد من التشخيص السليم حتي يتم معرفة الداء لتحديد الدواء وهذا يتطلب قراءة التاريخ لمعرفة كيف ومتي بداءت الخلافات و المرحلة التي منها بداء الخلاف يظهر علي السطح الي ان وصلنا الي هذه المرحلة الحرجة.

في هذه المحاولة البسيطة ساحاول تسليط الضؤ علي بعض الاسباب التي ادت بنا الي هذا الوضع المحزن، وضع لا نحسد عليه ولا نلوم الا انفسنا .يجب ان نسال انفسنا ونكف عن القاء اللوم وتوجيه التهم والاعتماد علي شماعة التدخلات الخارجية لكي نلقي عليها كل مشاكلنا و نهرب من الواقع. اننا نطمئن انفسنا يقولنا أننا بذلنا مابسوعنا وان الزمن جار علينا وتكالبت علينا الامم. فلنبداء اولا بتحليل المشكلة جيدا ومن ثم نضع برنامج لمعالجة مكامن الخلل ابتداء بأنفسنا.

يقول مارك مانسون "ينكر الناس مشاكلهم ويلقون باللوم علي الأخرين لسبب بسيط، هو ان هذا طريق سهل وانه يريحهم، في حين ان حل المشاكل نفسها عمل صعب، غالبا مايجعلهم منزعجين. إن أشكال الإنكار والإلقاء باللائمة علي الاخرين تمنحنا مخرجا سهلا سريعا. إنها أشكال من الهروب المؤقت من مشاكلنا".

واخيرا نختم هذه المقدمة بالمقولة الشهيرة للمفكر الجزائري مالك بن نبي "غيّر نفسك تغير التاريخ".

نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click