سيدي هل لي أن أختلف قليلا؟ اللغة أداة لممارسة السلطة وليست مجرد وسيلة للتفاهم - الجزء الثامن والأخير

بقلم المناضل الأستاذ: إدريس سعيد أباعري - كاتب وقاص إرتري | سماديت كوم Samadit.com

رابعا: شخصنة موضوع اللغة واتهام المتعلمين بانفصام الشخصية ضمن المناقشات التي جرت حول اللغة

إدريس سعيد ابعري 7

بعد الندوة التي عقدت بهذا الخصوص في مقر الاتحاد الوطني والشباب، اتصل بي رفيق قديم وأمطرني بوابل من الأسئلة، كما لو أنه يكتشف إرتريا لأول مرة.

ومن هذه الأسئلة لماذا يكرهون بعض المثقفين من القومية الفلانية لغتهم الأم؟

أني استغرب عليكم أنتم المتعلمين في الشرق الأوسط، أن يصل بكم الانفصام حد كره لغتكم وخاصة لغة التقري الجميلة السلسة العريقة التي أصبحت أحبها أكثر من لغتي؟

وخلص أسئلته الاندهاشية بسؤال هام هل تعتقد إذا تم استخدام اللغات في السلك الإداري سيحبون لغتهم؟

شعرت نفسي بأني زعيم إحدى القبائل البدائية يستجوبه رحالة أو متخصص أوروبي في قضايا اللغات وسيكولوجية الشعوب، أو أمام حضرة عالم الأنثروبولوجيا يجوب إفريقيا لأول مرة اشتطت غضبا على زميلي وهو مقاتل قديم ومسؤول كبير وانتبه في حديثه عن شعبه على هذا النحو الذي يدل على الجهل المدقع وهو مالم أتوقعه منه أبدا.

وقد اغتنمت الفرصة لكي أخبره عن نفسي على أني لم أعرف أن ذهبت إلى الشرق الأوسط، وأن ما أملكه من العربي البسيط تعلمته في إرتريا، وأني أتراسل مع أشقائي بـ ”التقرينيا” وليس بالعربي، رغم لغتي هي التقري، وأني أيضا من القلائل الذين يكاتب يكاتبون بعض أصدقائهم بـ ”التقري“.

وأخبرته على أن هناك مسؤولين وكوادر كبار في التنظيم لا يعرفون غير العربي، ويعتم ويعتمدون على سكرتيراتهم لأبسط المكاتبات الروتينية، في حين أنهم يدافعون عن لغة الأم، وعلى أني افترض بأن المسألة في رؤية الأمور من زوايا مختلفة، وليس في المصالح الشخصية.

وعدت أجيب على سؤاله بسؤال فقلت: وهل يصح لإرتريا هذا البلد الفقير الصغير المتمازج المتماسك، الموله بأرضه أن ينقسم إلى ”كللات“ لغوية؟ ولم يكن عند إذ!! صعبا أن نتفق على وجود مشكلة تحتاج تحتاج إلى حل سياسي لا غير. أما اتهام الناس بعدم القدرة على التفكير، إلا من منطلق ذاتي والذي سمعت من عدد كبير من الكوا الكوادر، فهو محاولة إذلال من يحمل رأيا مخالفا، وهذا الأسلوب علاوة على عدم علميته فهو يكرس تجهيل الذات بشكل مجاني، لأنه لا يحاول فهم ما وراء الظاهر. والمصيبة تكمن في من يوجه الاتهام وليس في المتهم.

ومع ذلك فإن الأمر الذي لا يتحمل الجدل هو عودة عودة المئات من متعلمي العربية إلى اللجؤ لضيق فرص التوظيف بسبب حاجز اللغة وقلق آلاف آخرين يوجدون في جامعات الدول المجاورة حول مستقبلهم الوظيفي ومستقبل أبنائهم فى مختلف مراحل التعليم هو أمر يبعث على المخاوف.

وكما قال الرئيس اسياس في كلمته التي ألقاها بمناسبة اختتام مؤتمر اللغات المنعقد في أغسطس من عام 1996م في قاعة اكسبوا اسمرا ”أن اللغات تكون نقمة عندما يتم تناولها بشكل خاطىء وقد تكون نعمة إذا ما أحسن التعامل معها“.

ومن هنا يمكن يمكن التأكد بأن علاقة التوظيف والتعليم الحالية باللغة توفر مناخا دسما للنقمة وليس النعمة، وبعد هل هناك من يشك على ذلك أو يستطيع إثبات عكس هذا؟ إن من يحاول إثبات عكس ذلك عليه أن يواجه المسألة بقليل من الشفافية وبشيء من الموضوعية.

ومن ظواهر تجهيل الذات هناك فهم واسع الانتشار بين عدد من المتعـ المتعلمين ومسؤولين كبار، بأن الناقمين هم فئة المتعلمين الذين درسوا في الشرق الأوسط وهو أمر غير صحيح البتة، وهو ما جعلني أعاتب زميلي المذكور ولكن وحتى لو افترضنا بأن ذلك صحيح حتى بشكل نسبى، فالسؤال هو هل هناك من دولة أو مجتمع يخاصم متعلميه أو يضيق فرص توظيف مؤهلاتهم والاستفادة منهم؟

وقد يستمع المرء احيانا بأن جهلهم باللغة الإنجليزية كان أهم أسباب عدم التحاقهم في المجالات التي درسوا فيها، كما لو أن الوزارات تعمل بهذه اللغة وهو عذر أقبح من ذنب بكثير. إن شخصنة الموضوع تنطلق من فهم خاطىء للإنسان الذي تتوجه إليه هذه النعوت، وهو منطلق لا ينتمي إلى هذا العصر حيث الحوار والتفهم ووضع الحلول. وفي الأخير أود أن أكرر التأكيد بأن الحديث عن اللغة على هذا المنوال لم يكن نابعا من نظرة تعصب ديني أو عرقي كما يعتقد بعض الذين لم يمنحهم الله بعد نظر اجتماعي. فأنا شخصيا إنسان علماني ولست حضرميا كما قد يستنتج.

يستنتج البعض من اسمي بل يستند اهتمامي إلى إقرار حق ولي الأمر في اختيار اللغة التي يدرس بها ابنه، وإلى حق أصحاب اللغات المختلفة في المشاركة في التوظيف وتقاسم الثروة والسلطة بشكل عادل دون الشعور بالغبن والاغتراب، حتى يكون هناك ضمان حقيقي للاستقرار السياسي والاجتماعي والتطور الاقتصادي لمجتمعنا المنهك.

ومثل هذه المبادئ تتصدر وثائق تنظيمنا وينص عليها الدستور وإن لم يدخل حيث التنفيذ.

فبعد النظر مطلوب أكثر من أي وقت مضى خاصة في أوساط النخبة السياسية والأكاديمية، لأن الاستقرار من الصعب ضمانه في غياب العدالة الاجتماعية، كما أنه لا يمكن الحديث عن التطور الاقتصادي والتن والتنمية دون ضمان الاستقرار.

وبقولي هذا لا أشك أني أدعم موقف موقف قيادة تنظيمي بلفت انتباهها إلى قضايا وطنية أساسية تتطلب اتخاذ مواقف وليس تراشق الآراء والابتزاز والاتهامات.

وفي اعتقادي فإن ترك لغة التعليم لأصحاب الشأن من القوميات وأولياء الأمور والتدخل إداريا لتحديد لغة العمل والمعاملات، يمكن أن يكون أنجع وسيلة لحل الاشكالات الحالية التي التي تحول فيها ما ينبغي أن يكون خاصا إلى عام وما ينبغي أن يكون يكون عاما إلى خاص وبشكل أكثر وضوحا على الدولة أن تتدخل في تحديد لغة العمل والتوظيف، وأن تترك لغة التعليم لخيار ”القوميات“ وأولياء الأمور.

 

* تم رفض نشره في وسائل الاعلام داخل ارتريا فأرسله الكاتب الي مواقع خارج البلاد وأنه أحد أسباب سجنه - بجانب تأييده لمجموعة الخمسة عشر (G15) - منذ عام 2001 كونه يعكس عن رأي مغاير لما دأبت عليه السلطة القهرية بخداعها للشعب ببرنامج تطوير "لغات الأم".

Top
X

Right Click

No Right Click