عثمان صالح سبى ورحلة البحث عن النهار

بقلم الأستاذ: صلاح خليل - الصحفي والمخرج الباحث بمركز الأهرام العربى المصدر: الاهرام العربى

رحل عن عالمنا عثمان صالح سبي، عن عمر يناهز السادسة والخمسين عاما، فاجعة يدركها كل إريترى

وكل مناضل ضد المحتل الإثيوبي، فسبي كان رجلا وطنيا ديمقراطيا، يعد رمزا من رموز النضال الإريترى، ومؤهلاته هى التى أهلته أن يكون قياديا بارعا عبر مختلف اجيال الثورة الإريترية، سيذكر التاريخ بأن سبي منح الشعب الإريترى كبرياءه والثقة فى نفسه، وقد كرس حياته كلها لخدمة قضية حرية الشعب الإريترى، فضلا عن تميزه بذكائه الثاقب وقوة إرادته وشجاعته الفريدة فى اتخاذ القرار، خصوصا فى فترة مهد الثورة الإريترية، ولم يتوقف عن النضال فى سبيل شرف واستقلال وعظمة وطنه.

ولد سبي في قرية حرقيقو في 1931م وهى إحدى ضواحى مدينة مصوع الإريترية، وقد تلقى تعليمه فى مدارس الأولية والمتوسطة، ثم التحق بالثانوية فى أديس أبابا، ثم كلية المعلمين، ثم عاد مرة أخرى مدرسا، ثم مديرا لمدرسة حرقيقو، واشتغل بالتعليم فى عدد من المدارس الأولية، وكان شغوفا بالعلم مما جعله يملك أكثر من 36 مدرسة بين إريتريا والسودان.

ثلاثون عاما مضت على رحيله، وما زال فى الذاكرة رمزا للصمود فى وجه المحتل الإثيوبى، فخرا لكل الإريتريين، أسس سبي مع بعض قيادات بعض القوميات الإثيوبية "جمعية العروة الوثقى" وهى تيمنا بجريدة العروة الوثقى التى أسسها الإمام جمال الدين الأفغانى. فضلا عن وعيه وفلفسته بأن الثورة الإريترية يجب ان تنطلق من القرى الإريترية بدلا من المدن، خصوصا المناطق الغربية التى تتميز بتضاريسها المتنوعة ومساحتها الشاسعة، فضلا عن البئية الديمغرافية لهذه المنطقة التى شكلت فيما بعد الأرض الخصبة للثورة الإريترية.

بدأت مسيرة سبي النضالية مبكرا، وهذا ينم عن وعيه الكبير ونضجه فكريا وسياسيا، بقضايا وطنه ومشكلة الاحتلال الإثيوبى، وفى بداية الثورة الإريترية، كان يتحرك سبي فى ظروف بالغة التعقيد، فاتجه صوب السودان ومصر واليمن ثم الصومال وسوريا.
ومثلت الفترة من 1954- 1959، تحديا يعتبر هو الأصعب فى مسيرة حياة سبي، فقد تنقل بين العديد من المدن الإريترية من أجل التمويه والاختباء من الاحتلال الإثيوبي، ويوثق لهذه الفترة فليرجع إلى مذكرات المناضل أحمد شيخ فراس "نضالى مع الثورة الإريترية" وهو الرجل الذى استقبل سبي فى مدينة عصب عندما قصدها.

بعد جهد كبير تمكن سبي من تأسيس جبهة التحرير الإريترية، فى نوفمبر 1960، وتبنت الجبهة الكفاح المسلح والثورة الشعبية، منهجا للتحرر والاستقلال، فى فترة قصيرة أصبح سبي عضو المجلس الأعلى للجبهة التحرير الإريترية، بالإضافة إلى مسئول العلاقات الخارجية.

وبرغم التحديات التى واجهت سبي والثورية الإريترية فى بدايتها كالحرب الباردة بين المعسكرين الذى القت بظلالها على مطالب الشعب الإريترى بالاستقلال، فإن هذا التحدى جعله أكثر إيمانا بقضية وطنه، وقد نجح نجاحاً باهراً.

أسس سبي فى عام 1960 أول نواة لجمعية الصداقة الإريترية الصومالية فى مقديشو، وفيها التقى بأحد أهم رموز الوطنية الإريترية وهو الشيخ الراحل إدريس محمد آدم، شرع بعد ذلك سبي فى الاتصال بالتجمعات الإريترية فى الخارج خصوصا فى مصر والمملكة العربية السعودية، وتعتبر القاهرة محطة مهمة فى تاريخ الثورة الإرترية، خصوصا الحراك الطلابى الذى أعلن من القاهرة ثورة شعبية مسلحة لتحرير إريتريا، التى عرفت باسم "جبهة التحرير الإريترية"، وفى القاهرة أيضا تم تأسيس أول مجلس أعلى لقيادة الجبهة يترأسه القامة الوطنية إدريس محمد آدم، عثمان صالح سبي مسئولا للعلاقات الخارجية وشئون الثورة، ثم إدريس عثمان قلايدوس سكرتيراً عاما. وفى عام 1961، تأسست أول حركة سياسية نضالية إريترية، تتبنى الكفاح المسلح طريقا لاستقلال إريتريا عن النظام الإثيوبى.

فى شهر ديسمبر 1962، انطلقت الثورة والمقاومة بشكل أكثر قوة من مدينة كسلا، برفقة سبي ورفقاء النضال على رأسهم محمد آدم أمير لونقي أطال الله فى عمره ومتعه بالصحة، لعب سبي دورا كبيرا فى إثراء الساحة النضالية لجبهة التحرير الإريترية، وأيضا كان قياديا وطنيا أفنى طوال عمره متنقلا بين كثيرا من الدول من أجل دعم قضية الشعب الإريترى، فضلا عن أنه كان حريصا، على إظهار الهوية الإريترية، وقوتها الثورية والنضالية.

تميز سبي بصفات اللباقة والحنكة العسكرية والدبلوماسية والحكمة فى أصعب الموافق، ولديه ثقافة تراكمية، كما أنه معتز بدينه فخور بحبه لوطنه، أيضا فخور بهويته الإريترية، التى انتمى إليها وأخلص لها. وقد تجلت شخصية سبي فى تحمله المسئولية، وظهرا ذلك جليا فى خطابه الشهير الذى ألقاه فى المؤتمر الأول لقوات التحرير الشعبية فى عام 1977، التى كانت دليلا على وقفة قاسية مع نفسه، وقد حمل سبي نفسه المسئولية عن العثرات، والتراجع والانشقاقات التى عانت منها الثورة الإريترية طوال عقدين من الزمان.

يحسب للقائد الشهيد سبي، أنه تمكن طوال مسيرته النضالية فى بناء علاقات أقليمية ودولية، أصبحت فيما بعد إرثا تاريخيا لعلاقة دولة إريتريا بالمجتمع الآخر. وقبل رحيله بفترة قصيرة كان يسعى سبي إلى تأسيس مركز دراسات إستراتيجية للتفاعلات الإقليمية والدولية، نعم لقد رحل "سبي" ولكن لا يزال فى مخيلة كل الإريتريين جيلا وراء جيل رمزا وطنيا كبيرا وقامة إنسانية كبيرة لا يمكن أن تمحى من الذاكرة الوطنية الإريترية مهما طال الزمن. سبي تزوج من سيدة سورية وأنجب منها ستة هما، فراس، هدى، سمارة، عبير، عهد وصالح.

Top
X

Right Click

No Right Click