ذكرياتي مع القائد المرحوم عثمان صالح سبي - الحلقة الرابعة

بقلم المناضل الأستاذ: أحمد أبو سعدة

يا أخ أحمد إذا لم يلتفت العرب إلى إرتريا فلن يكون لها الوجه والمضمون العربي بعد الاستقلال؟!!.

نعم صدق عثمان في رؤيته للمستقبل وهذا هو الموجود الآن في إرتريا، لقد خسرنا إرتريا عربيا ولو إلى فترة من الزمن قصيرة أم طويلة، رحمه الله لقد أتى هذا المناضل من الساحل الإرتري العربي وإن قريته (حرقيقو) التي دمرها الإثيوبيون وحرقوها كانت من المناطق المنظمة والمهمة في الثورة قلا عجب أن يخرج القائد عثمان من الجذور الشعبية ليقول الحق ويعمل من أجل وطنه، كان يعمل الشهيد مدرسا قبل أن يلتحق بالثورة، ترك التدريس وقريته والتحق بالثورة وعندما كنا معا في السودان ذات مرة وكان مستاءا ومتضايقا وضجرا فقد كان يعمل ليلا نهارا دون كلل أو ملل كان يقول لي:

الوقت يا أحمد لا يرحم وخاصة إن فرص نجاح الثورة بدأ يضعف لكثرة الانشقاقات، حاولت أن أقول له:

أنت أول من عمل الانشقاق في التنظيم ولكن لم أقل هذا حتى لا أضيف هما على همه، (ومع مرور الوقت والأيام اتضح لي أن الأخ عثمان فعل ذلك من أجل الحفاظ على وطنية وعروبة الثورة كونه كان يعلم بالمؤامرات التي كان يحيكها البعض من داخل التنظيم ومن جهات خارجية أيضا؟).

قال عثمان: اسمع يا أبوسعدة إن بروز إثيوبيا الاشتراكية ودعم المنظومة الاشتراكية لها وقبل هذا كان المعسكر الغربي يدعمها فضلا عن إسرائيل التي كان يصرح مسؤولوها بأن إثيوبيا الماركسية أفضل من إرتريا العربية ولا مجال لإعطاء البحر الأحمر إلا صفة واحدة وهي (استراتيجية) وهو موضع تفاهم وصلة بين الوصفين في غير صالح القضية الارترية هذا ما قاله لي عثمان في كل مكان التقيت به كان يحب سوريا والعراق كثيرا وسألته:

لماذا تحب سوريا والعراق
أجابني على الفور: لأن سوريا هي أول من وقفت مع الثورة وأعطتها السلاح والخيرات كذلك العراق العربي الذي لم يبخل بالغالي والنفيس في دعم الثورة.

لن أنسى المناضل عثمان الذي ذهب في وقت مبكر ولي شكوك في موته كان وثيقا من النصر والاستقلال وكان يقول:

الاستقلال قادم لا محالة وإن تأخر.

لكنه كان خائفا من الانحراف، كما كان يقول دائما وكما أسلفت وذكرت، وفي جلسة في روما ضمتني مع القائد عثمان وكان بصحبته المناضل عمر برج وطه محمد نور قال أبو عفان للإثنين:

إذهبا فانا أريد أن أتمشى مع أبو سعدة وأضاف ضاحكا (ربما يريد أن يدبر لنا مقلبا جديدا) كان المرحوم عثمان صاحب نكتة ويحب النكات كثيرا وعندما ألتقي به يسألني:

هل تحمل نكات جديدة يا أبو سعدة.

تمشيت وعثمان حتى وصلنا إلى شارع (بربريني) ذي الأضواء الساطعة والمقاهي منتشرة على جانبيه والمحلات التي تعرض أحدث الموضات وإعلانات شركات الطيران والحسناوات صاحبات الشعر الوري و(النكرو) باختصار إن بربريني هي روما الصغيرة، دخلنا إلى فندق الاكسيليسيور صاحب النجوم الكثيرة وهذه هي المرة الاولى التي أدخل فيها هذا الفندق والمعروف بايطاليا والعالم بعراقته وجماله.

جلسنا في ركن منعزل وطلبنا (الكابتشينو) وتحدثنا، أحسست من حديث عثمان بأنه كان يثق بي ثقة تامة على الرغم من كل ما فعلته معه.

وسألته: يا أخ عثمان ألا تسألني عن الأسباب التي دعتني غلى الانحياز إلى جبهة التحرير، ألا تسألني على الأموال التي أخذتها منك وأعطيتها للجبهة بشكل مباشر أو غير مباشر.

ضحك وسأل: أين ذهبت هذه النقود ؟؟ إنها ذهبت إلى الارتريين، إنها ليست في جيبك.

وسألني عثمان بألم شديد: لماذا لا تقف الدول العربية منا بوضوح وجدية أكثر باستثناء سورية والعراق، من المستحيل أن تتركنا الدول الغربية والشرقية لحالنا وهي التي تعطي لنفسها أسماء كثيرة كالديمقراطية والملكية الدستورية والاشتراكية العلمية وغيرها ونحن العرب ننسى ما تفعله بنا هذه الدول.

ثم تابع طرح أسئلته:
كانت خلق ودعم اسرائيل ؟؟؟ أليست هذه الدول مجتمعة، نحن العرب ننسى بسرعة، صحيح إن رب العالمين أعطانا القدرة على النسيان، لكن كيف ننسى أجزاء عربية طمست هويتها؟.

والسؤال الكبير أين فلسطين ؟؟؟ واليوم هناك توجه استعماري إمبريالي لطمس ثقافة ارتريا فضلا عن استعمارها فكيف لنا أن نرضى ونقبل بهذا الوضع، الواقع الأليم؟ إن البحر الاحمر يجب أن يبقى بحرا عربيا نظيفا، إن عددا من الدول العربية تطل عليه وأقل شيء يمكن فعله هو الحفاط على عروبته، على الدول العربية أن تدعم ارتريا وتحافظ على ثقافتها خوفا من المستقبل.

وأردت أن أقول شيئا لكنه استمر في الكلام.

إنني أؤكد لك يا أخ أحمد دون العودة إلى تاريخنا وأمتنا فلن نكون شيئا ودون وحدة العرب ودعمها لارتريا فسوف يخسر العرب إرتريا.

كان هو هذا كلامه قبل أربعين عاما تقريبا، كان ثاقب النظر وأعطاه الله الحدة في التفكير والرؤية المستقبلية.

أين عدالة عمر وقوته؟ أين فصاحة علي وبلاغته ؟ أين سيف خالد بن الوليد؟ لنعود إلى أهلنا إلى أمتنا إلى أمجادنا إلى صوت ينطق باللغة العربية فلنسمع العالم لغتنا!!!.

إن الوحدة العربية هي الأمل في بقائنا وبقاؤنا في هذا الكون الذي نقطنه والذي نشكل فيه مساحة كبيرة.

وإذا عدنا ونظرنا إلى المعادلة التي أعدت وتعد لنا نستخلص منها عبرا لها معنى ومدلول ولا مجال للشك أو الطعن فيها ألا وهي طمسنا وإلى الأبد؟!!.

اسمع يا أبوسعدة..أرفع يدك وقول رقم واحد، إن اثيوبيا الماضي والحاضر لا تستطيع إلا أن تتخيل نفسها في وسط بحر عربي عدواني من وجهة نظرها كما عبر عن هذه النظرية الملك (منيليك) و(هيلاسيلاسي) و(منغستو هيلاماريام).

الملك منيليك قال عن العرب إنهم يشكلون بحرا وثنيا.

هيلاسيلاسي قال: بحرا إسلاميا وهو أمهري القومية

ومنغستو قال: بحر رجعي وهو أمهري أيضا.

بعد كلام عثمان بحوالي ثلاثين عاما تقريبا حضرت ليلة الاستقلال في العاصمة اسمرا حيث كنت ضمن الوفد الرسمي السوري، تكلم ملس الزيناوي رئيس الوزراء الاثيوبي وهو يقف مخاطبا الجمهور الارتري باللغة التجرينية ليشعرهم بأنه وإياهم يد واحدة وأراد أن يفهم العالم والموجودين وكان على رأس الموجودين رئيس الدولة أسياس أفورقي بأنهم روحا واحدة وإن اختلفت الأنظمة في كلا البلدين، لماذا لم يخاطبهم باللغة الرسمية لاثيوبيا وهي الأمهرية وهي اللغة الرسمية في اثيوبيا.

كان يريد أن يشعرهم بأنهم امتداد لبعضهم حيث أن اللغة التجرينية هي اللغة الرسمية التي هي لغة أهل تجراي والتجرينية يتكلمها أيضا أسياس أفورقي وقسم من الارتريين (سكان كبسة).

عودة إلى حديث عثمان الذي كان يتساءل:

الى اللقاء فى الحلقة القادمة...

Top
X

Right Click

No Right Click