الزعيم الوطني عثمان صالح سبي الرجل و المواقف

بقلم المناضل الأستاذ: احمد أبو سعدة

دّق جرس الباب لمنزلي، وعلى غير عادتي، فتحت الباب لأجد حسن كنتيباي،

مندوب التنظيم الموحد بدمشق أمامي وشكله غير طبيعي.

خير ياحسن أول كلمة قلتها له أدخل جلسنا سوية وكانت في يده سيكارة وحسن شاب مهذب، ويعرف الأصول، وبغض النظر عن كل ماقيل حول حسن كنتيباي، فأناأعتبره رجلاً أمينا، من خلال عملي وإياه سوية، هل حصل لأولادك وزوجتك شيء لاسمح الله؟ وأنقضّت الصاعقة مات عثمان.

وتسمرت في مكاني، ولدقائق ونحن صامتان، وقلت، وقلت له أمس مساء كلّمني صالح إياي، وقال أن عثمان قد تعافى، وسيغادر القاهرة إلى السودان، لقد توفي عثمان في يوم 1988/4/4م في مشفى السلام بالمهندسين بالقاهرة.

قال لي حسن كنتيباي إن عثمان بعد أجراء العملية، قام بتأدية الصلاة وحدث نزيف في أنفه ومن جراء هذا النزيف توفي، هذا كل ماقاله لي صالح أياي على الهاتف.

قال: أخبر أبا سعده، واتصلوا بي وأنا موجود في فندق سونيتا بالقاهرة.

وعلى الهاتف قال لي صالح اياي تعال إلى هنا، كانصالح صديقي الحميم، وكان يريدني دائما إلى جانبه، وأنا كذلك لكن الأمور لم تكن في صالحنا، قلت في نفسي ماذا سأفعل إذا ذهبت إلى مصر؟ وآثرت البقاء في دمشق مع حسن كنتيباي، لنفكر ماذا سيحدث لهذا التنظيم غير المجيد؟

رحمة الله عليك ياعثمان، والله يساعد الشعب الإرتري، رغم كل تصرفات عثمان سبي، إلا أنه كان رجلا وطنياً عربيا، ثقافة وعملاً، والآن وقد مضت على وفاته تلك السنوات، وأنا أعتبر وفاته بهذه الطريقة أمر غير طبيعي؟ وكنت قد شككت بظروف وفاته وأطلعت الرفاق عليها.

هل سمعتم أن أنسانا يموت من جراء عملية جيوب أنفية؟ إن عثمان كما أعتقد مات مقتولا! والتاريخ هو الذي سيثبت صحة هذا الكلام أو خطاءه.

في يوم من الأيام كنت أنا وصالح أياي في السودان قال لي:
بماذا تفكر يا أحمد؟ لم أكن أريد أن أخبره، أو أثبط من عزائمه بأن هذا التنظيم، أي التنظيم الموحد غير متجانس، ولا أرى فائدة ترجى منه.

قلت له الاترى الأوضاع السائدة في هذا التنظيم ياصالح؟ أليس من الصعب أن يلتقي الأخوة الأعداء في تنظيم واحد؟

وللمرة الأولى شعرت بأن صالح اياي تراوده فكرة التخلي عن العمل النضالي، حيث قال لي: والله يا أحمد أنا تعبت كثيراً لكن الوطن غالي.

وأحسست بأن صالح يشعر ويعرف، ماأشعر به وأعرفه ثم قال لي أن الأخ عثمان سبي رجل وطني، رغم كل تصرفاته، وهوأفضل الموجودين، وهو معروف ومقبول عربياً ودوليا، وعلينا أن نعمل وإياه، ولربما استفاد من تجاربه.

قال لي عثمان سبي لقد صورتني كثيراً ولم أر شيئا من هذه الصور وأنا لدي آلة تصوير، ولنترك الأخوان أن يلتقطوا لنا صورة سوية.

ومشيتمع عثمان على شاطئ البحر.

قال بلهجة هادئة لاتخلو من الحزن:

يا أحمد أن شهررمضان المبارك قادم، وأنا أريد أن أمضي هذا الشهر الكريم مع عائلتي وأولادي في دمشق، فأرجو أن تعمل جهدك، ليسمحوا لي بدخول سورية، ولو لمرة واحدة في شهر رمضان، حتى أقضي هذا الشهر مع عائلتي وأولادي، أرجوك أن تعمل جهدك.
قلت له: والله سوف أعمل جهدي، وأنقل هذا الكلام إلى الأمين العام المساعد لحزب البعثالعربي الاشتراكي الرفيق عبد الله الأحمر .
وافترقنا على أن نلتقي في السودان، بعد انتهاء عملي، وقبل شهر رمضان، عدت إلى دمشق وقابلت الأستاذ عبد الله الأحمرونقلت له رغبة الأخ عثمان سبي.

فقال لي الأمين العام المساعد: نرجو أن يحصلخير.

لكن عثمان مات.

وقد سبقت يد المنية، تحقيق أمله بزيارة دمشقأثناء شهر رمضان الفضيل، رحمة الله عليه.

سبي العربي ـ الإرتري:
في يوممن الأيام سألني الشهيد سبي يا أخ أحمد! إذا لم يلتفت العرب إلى إرتريا بشكلجدي، فلن يكون لها الوجه العربي بعد الاستقلال؟

نعم، صدق عثمان سبي فيرؤيته للمستقبل هذا هو الموجود الآن في ارتريا، لقد خسرنا ارتريا عربيا ولو إلى فترة من الزمن، قصيرة أم طويلة رحمه الله.

لقد أتى من الساحل الإرتريالعربي، وإن قريته "حرقيقو" التي دمرّها الأثيوبيون، وحرقوها، كانت من المناطق المنظمة والمهمة في الثورة، فلا عجب أن يخرج القائد عثمان من الجذور الشعبية، ليقول الحق ويعمل من أجل بلده.

كان يعمل الشهيد مدرسا قبل أن يلتحق بالثورة،ترك التدريس وقريته وألتحق بالثورة. وعندما كنا معا في روما ـ ايطاليا ذات مرة وكان مستاءاً ومتضايقاً وضجرا، فقد كان يعمل ليلا نهارا دون ملل أو كلل، كان يقول لي:

الوقت يا أحمد لايرحم، وخاصة أن فرص نجاح الثورة، بدأ يضعف لكثرة الانشقاقات.

حاولت أن أقول له:
أنت أول من عمل الانشقاق، في الساحةالإرترية، ولكن لم أقل هذا حتى لا أضيف على همه.

قال عثمان أسمع يا أبوسعدة:
إن بروز إثيوبيا ألاشتراكية، ودعم المنظومة الاشتراكية لها وقبل هذاكان المعسكر الغربي، يدعمها فضلاً عن إسرائيل التي كان يصرح مسئولوها بأن أثيوبيا الماركسية، أفضل من ارتريا العربية، ولامجال لإعطاء البحر الأحمر إلا صفة واحدة وهي إستراتيجية وهو موضع تفاهم وصلة بين الوصفين في غير صالح القضية الإرترية.

هذا ما قاله لي عثمان، في كل مكان التقيت به، كان يحب سوريا كثيرا وسألته:

لماذا تحب سورية؟

وأجابني على الفور: لأن سوريا هي أول من وقفت مع الثورة، وأعطتها السلاح والخبرات.

كان يقول: الاستقلال قادم لا محالة، وان تأخر.

لقد كان خائفا من الانحراف، كما كان يقول دائما وكما أسلفت وذكرت.

فيجلسة في روما ضمتني مع عثمان، وكان بصحبته عمر برج وطه محمد نور قال عثمان:

اذهبا فأنا أريد أن أتمشى مع أبو سعدة، وأضاف ضاحكا ً : ربما يريد أن يدبرلنا مقلبا جديدا ً.

دخلنا إلى فندق / الأكسلسيور / صاحب النجوم الكثيرة،هذه هي المرة الأولى، التي أدخل فيها هذا الفندق، والمعروف في ايطاليا والعالم بعراقته وجماله.

جلسنا في ركن منعزل وطلبنا "الكابتشينو" وتحدثنا، أحسست منحديث سبي، بأنه كان يثق بي ثقة تامة على الرغم من كل مافعلته معه.
وسألته:

ياعثمان ألا تسألني عن الأسباب التي دعتني للانحياز إلى جبهة التحريرالإرترية! ألا تسألني عن الأموال التي أخذتها منك، وأعطيتها إلى الجبهة، بشكل مباشر أو غير مباشر.

ضحك وسأل:
أين ذهبت هذه النقود ؟ إنما ذهبتللارتريين، إنها ليست في جيبك.

مرارات الشهيد سبي مع ألأشقاء العرب:

بعدسنوات التقيت مع الشهيد سبي في جدة، وكان معنا الأخ صالح اياي، اتفقنا أنا وعثمان وصالح أن نلتقي في مدينة كسلا، بعد أسبوعين وأنا أسافر إلى دمشق وهم يسافرون إلى أحدى الأقطار العربية. وهناك يقبضون التبرع السنوي المقرر لجبهة التحرير الإرترية وهو عبارة عن مليون دولار، ومضى الأسبوعان أتصل بي عثمان من هذه الدولة وقال لي:

لم نقبض حتى الآن، ونحن منتظرون، لاتتحرك من دمشق قبل أن نخبرك.

ومرت الأيام وتلتها الأسابيع والشهور، وأنا في دمشق أنتظر وهم ينتظرون المبلغ، كنت أتصل بهم هاتفيا كل فترة وكنت أسألهم:
ماذا تفعلون ؟ لماذا تأخرتم الآن؟ لقد تشاجرت مع صالح أياي على الهانف وحين قلت له ماذا تفعلون لغاية الآن؟ أهكذا اتفقنا؟
إننا نلعب ؟؟!

وأقفل صالح الهاتف.

استمرت هذه الحالة ثلاثةشهور، وهم يترقبون الفرج، وأزفت الساعة، وسلموهم الشك بمبلغ قدره مليون دولار، ولكن الذي سلمهم الشيك قال لهم:

أعطوني شيئا، وحدد لهم ماذا يريد 25% بالمائة عمولة. وافقوا ونزلوا إلى البنك، يريدون صرف الشيك، ليأخذوا نصيبهمونصيب صاحبنا، قال لهم المسئولون، في البنك عليهم الانتظار، حوالي الأسبوعين، حتى يذهب ويعود الشيك إلى أمريكا.

وقالوا:

كيف ننتظر أسبوعين وما العمل؟

أذهبوا إلى صراف خاص وهو يدبره لكم.

وأعطوهم اسم الصراف الخاص، وذهبواإليه فرحين، انه سوف يساعدهم لوجه الله، وشر البلية مايضحك، قال لهم الصراف :
على رأسي وعلى عيني، أنا أريد أن أخدمكم يا أخواننا الثوار، لكني أريد عمولةوهي 10%.

وقبلنا لأنه ليس في اليد حيلة، وأمرنا لله.

قبضنا المبلغ وعدناإلى الفندق، وحجزنا بالطائرة إلى تونس، وعند مغادرتنا الفندق أتتنا فاتورة الحساب بمبلغ تساوي 15% من قيمة الشيك، وتساءلنا ألسنا نحن في ضيافة البلد لا هكذا التعليمات، ودفعنا الـ 15% من قيمة الشيك، وغادرنا بما تبقى معنا وهو نصفالمبلغ.

الحمد لله إنا خرجنا سالمين. ألا تصلح هذه القصة أن تكون حلقة تلفزيونية ؟

هكذا كان يعامل بعضهم الإرتريين.

ألا رحم الله الفقيد وأسكنهفسيح جناته

Top
X

Right Click

No Right Click