المناضل الراحل الشيخ عمر محمد البرج إريتريا والاستقلال الحزين

بقلم الأستاذ: عارف علوان - كاتب وروائي عراقي - مقيم في بريطانيا  المصدر: الشرق الأوسط

ربما تكون هذه المرة الوحيدة التي أرى فيها الإريتريين، الذين فرقتهم الخلافات السياسية

والآيديولوجية طويلاً، يتفقون في الحزن على رحيل صديق كبير لهم، وزعيم من بين صفوفهم، هو عمر محمد البرج الذي توفيَّ في العشرين اغسطس (آب) الفائت في لندن.

كان عمر البرج أحد الزعماء الذين تولوا قيادة تنظيم جبهة التحرير الإريترية (قوات التحرير الشعبية) قبل الاستقلال، وعمل فترة طويلة كمسؤول عن مكتب التنظيم في طرابلس بليبيا، وأشرف أيضاً على مكتب الإعلام الخارجي في روما حيث تميز المكتب بنشاط إعلامي ملحوظ في المجال الدولي ونشر الدراسات التاريخية بعدة لغات عن أصول المشكلة الإريترية.

ولدى حصول إريتريا على الاستقلال عام 1991 بعد كفاح اعتبره العالم أطول كفاح في تاريخ حركات التحرر (35 عاماً) رحب عمر البرج بفكرة حل تنظيم قوات التحرير الإريترية التي كان يتولى قيادتها آنذاك محمد سعيد ناود، وعودة كوادرها إلى الوطن للمساهمة في بناء الدولة الجديدة المستقلة.

لكنني عندما زرت عمر البرج في لندن قبل شهرين، اشتكى لي، وهو يتكئ على عصاه أثناء سيرنا ويضع ذراعه في مرفقي ليستند عليه، من الحزن الذي يلف إريتريا الآن، أي بعد مرور أربعة عشر عاماً على الاستقلال، فقد شهد الوطن، كما يسميه، العديد من الحروب والصراعات، أدت إلى حرمان البلد من التركيز على التنمية، وبالتالي حرمان الشعب الإريتري من الاستقرار والهدوء.

أكثر من ذلك أن تلك الحروب حملت عدداً كبيراً من الشباب إلى المهاجر التي عانى آباؤهم من مرارة العيش فيها أثناء فترة الاستعمار الإثيوبي، إذ ليس من العدل أن تكون المنافي، مرة أخرى، مكاناً للأجيال الجديدة من الإريتريين، سواء بحثاً عن العمل والدراسة أو حتى لمعارضة النظام حسب رأيه!

لقد عبر الراحل في ذلك اليوم عما يجيش في نفوس أغلب الإريتريين، مسؤولين أو غير مسؤولين، القادة الوطنيين أو المواطنين العاديين، الذين يواجه كل منهم الصعاب والشدائد في تحقيق الاستقرار للدولة حديثة العهد، التي يتمتع سكانها بنسبة عالية في مجال التعليم العلمي والمهني.

وتمثل هذه المشاعر الوطنية الرقيقة الطبيعة الملازمة والأصيلة لعمر محمد البرج، ولعلها الطبيعة التي جعلت منه صديقاً لكل الإريتريين على اختلاف اتجاهاتهم السياسية. ففي فترة الكفاح المسلح التي شهدت خلافات حادة بين الزعماء والتنظيمات وصلت في أحيان كثيرة مرحلة الصدام، ظل عمر البرج أداة تواصل منفتحة على جميع الأطراف، وصديقاً يأتمن إليه المختلفون لإيصال وجهات نظر كل طرف منهم إلى الطرف الآخر، رغم التزام البرج بالخط السياسي لقوات التحرير الشعبية منذ التحاقه بثورة التحرير، ذلك أن عمر كان في علاقاته يدنو من قلب الإنسان بالصداقة أكثر مما يقترب منه بالسياسة.

وإضافة إلى نفسه الكريمة، يذكر الإريتريون لعمر البرج اهتمامه بتوفير فرص العمل والتعليم لجميع أبنائهم دون تمييز عندما كان يدير مكتب التنظيم في طرابلس الغرب. ويثني أحمد محمد ناصر، أحد قادة جبهة التحرير الإرترية سابقاً ومسؤول العلاقات الخارجية للتحالف الديمقراطي الإريتري حالياً، على دور الراحل في هذا المجال حيث يقول «إنه كان يقدم المساعدات والتسهيلات الضرورية للإريتريين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والتنظيمية. فكثير من العمال ساعدهم الفقيد في الحصول على إقامات عمل وكذلك سهل للطلاب الإريتريين بصفة عامة ولأبناء اللاجئين بصفة خاصة الحصول على منح دراسية في كل مستويات التعليم».

ولد عمر محمد البرج في 1925/5/17 في قرية حرقيقو المجاورة لمدينة مصوع، أكبر الموانئ الإريترية، التي فطر سكانها على الاحتكاك بالأجانب والانفتاح على الأفكار الجديدة، وهو من عائلة غنية ومعروفة، مارس التجارة منذ فترة شبابه ونجح في تكوين خطوط نشيطة للتصدير والاستيراد بين إريتريا والسعودية والسودان واليمن ومصر، ثم سرعان ما تخلى عن هذا النجاح لينخرط في الثورة المسلحة عندما قرر هيلا سيلاسي عام 1961 إلغاء الاتحاد الفيدرالي من جانب واحد واعتبار إريتريا مقاطعة تابعة للتاج الإثيوبي.

ورافق عمر البرج الراحل عثمان صالح سبي في مسيرته النضالية، وانسجم كلياً مع توجهه الوطني الديمقراطي، وكان الاثنان يؤمنان بعمق بأن إريتريا المستقلة لن تقوم لها قائمة، أو تسلم من آفة الخلافات والصراعات الداخلية إذا لم يشترك أبناؤها معاً، مسلمين ومسيحيين، في إدارتها وحكمها. وقد ترجم الراحلان هذه القناعة عندما ألحقا المجموعة المسيحية المسلحة التي كان يقودها الرئيس الحالي أسياس أفورقي بتنظيم قوات التحرير الشعبية، مما أثار غضب قيادات جبهة التحرير الإريترية الأم (المجلس الثوري) الذين وجدوا في خطوة كهذه تهديداً لسلامة الساحة الإرترية من الصراعات الطائفية.

لقد أقامت الجاليات الإريترية في عدد من العواصم العربية والغربية لقاءات تأبين للراحل عمر محمد البرج، واهتمت الحكومة الإريترية بخبر وفاته، وشخصياً شعرتُ بحزن كبير لفقدان هذا الصديق والإنسان والزعيم الوطني الذي أجمع الإريتريون على حبه، لكنني آمل أن تقوم الدولة الإريترية بنقل رفاته إلى الأرض والبلد اللذين أحبهما، وبذل الكثير مع بقية اخوته المناضلين في سبيل تحررهما من الاستعمار الإثيوبي، وبخطوة كهذه تكون إريتريا المستقلة قد أعادت لأحد قادتها وأبنائها ما يستحقه من تقدير وتكريم.

التعليــقــــات:

أحمد عبدالباري «المملكة العربية السعودية» 2007/09/13
أسطورة مسيرة التحرر الأريترية الملهمة لا يوجد لها مثيل في العالم الثالث كله، لدرجة أن نضال شعب جنوب افريقيا يتضاءل أمام عظمة الثورة الأريترية. الشعب الأريتري شعب عظيم وهو قادر على العيش والتعايش بسلام بين جميع طوائفه مسيحيين ومسلمين. لو ترك الجيران الكبار وأعني أثيوبوبيا والسودان على وجه التحديد أريتريا على حالها، لنافست في غضون سنوات قليلة سنغافورة ودبي في مجال التصدير وإعادة التصدير وبناء المناطق الحرة. ما أسهل البناء والتعمير على شعب ظل يقاتل 35 سنة في أورع ملاحم التاريخ الحديث في افريقيا.

عبده سعد حامد «فرنسا ميتروبولتان» 2007/09/13
حقا الشعب الأرتيرى من الشعوب التي كافحت بنضالات إعجازية في عالم لا يعترف إلا بالقوة، فالضعيف مظلوم وكلمته غير مسموعة في كل مكان، وبالرغم من كل التحديات التي واجهت الشعب الأرتيري وفي قرارة نفسه المجئ بدولة شرعية تخضع للقانون وتحترم إرادته الحرة في التعبير عن حقوقه التي ناضل من أجلها طوال نصف قرن بحاله منذ 1952م حتى 1991م وليس حبا وعبادة لشرزمة ما يسمون أنفسهم بالجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة التي حولت البلاد لجحيم لا يطاق بممارستها شتى أصناف المظالم من الإعتقالات العشوائية والقتل السري بدون محاكمات قانونية واليوم ارتيريا تدار بقوانين الطوارئ التي ورثوها من المستعمرين الاثيوبيين.

Mohie Ali «سوريا» 2007/09/13
حقاً كان المناضل عمر البرج انساناً بمعنى الكلمة وحقاً فقدت اريتريا اعظم رجالاتها بغيابه. اضم صوتي للأستاذ عارف الشريك في الثورة الإيرترية وليس الصديق بنقل رفاة الشهيد الى مسقط رأسه في القرية الوادعة حرقيقو ليتوسد ثراها.

عبده سعد حامد «فرنسا ميتروبولتان» 2007/09/13
الاستاذ عارف علوان، الشهيد عمر البرج كان مثالا للقائد المتميز في تواصله المسئول مع جميع الاريتريين بمختلف سحناتهم العرقية ومعتقداتهم الدينية وتجاربهم السياسية ابان مراحل التحرر الوطني وقد كرس حياته لشعبه ووافته المنية في المهجر، حقا كان يستحق أن يدفن في الأرض التي عشقها ووهب حياته لها ولكن هذا حال كل القيادات التأريخية جميعها دفنت خارج أرض الوطن اريتريا علما اريتريا في الوقت الراهن لسوء حظها وقعت فريسة طغمة ديكتاتورية ليس لها ضمير انساني ولا دستور تنطلق منه وتتلون كالحرباء من لون فكري الى آخر ولا تتورع وتحس بالخجل في تدخلها في شئون الغير لتقرير مصائر شعوب منطقة القرن الأفريقي وشعبها في اريتريا تبخرت آماله وطموحاته التي دفع لها الغالي والنفيس من فلذات اكباده طوال 39 عاما متواصلة ولايزال الشعب الاريتري يئن تحت وطأة الفقر المدقع لانعدام التنمية المتوازنة، بغياب دولة القانون تحترم رغبات الشعب والرأي والرأي الآخر وتصادر حريات الانسان الاريتري وترفض على مرآى ومسمع المجتمع الدولي بإعادة توطين اللاجئين المقيمن في السودان وفي شتى ارجاء العالم خشية من اختلال التوازن.

سامي أحمد «جـــدة - المملكة العربية السعودية» 2007/09/13
الشـكر و التحـية للأخ عـارف علوان على هذه الأخوة والنخوة والمروة التي لم تنسـه صـديقا.. و كرمــه كأقل تقدير بهذا المقال الرائع عنه.. والذي ندر أن نراه نحن كإريتريين عن عظمائنا الذين دفعوا الغالي والنفيس في ظل الحفاظ على ترابنا للأجيال القادمة.. وصدق عن كلامـه لحال هذا الجيل الإريتري.. ففي ظل هذه السياسة البائسة لقيادة الدول بحجة الطوارئ.. نرى الشعب الاريتري كاملاً بجميع فئاته يشكو هذا الحال الذي اصبح أبأس من أيام الإستعمار.

فلم يبدل الحال كثيراً.. مازال الشباب الإريتري الطموح المتعلم الواعي لا يجد سبيلاً له في دياره.. فمازالت الأجيال على حال الهجرة.. و بلا استقرار.. أشقاء و أهل و أرحام بعضهم في الشرق و بعضهم في الغرب.. فهل كان تعب هذه السنين لأجل الإستقلال من أجل لم شملنا أم الشتات...؟؟؟!!!
أسأل الله العلي العظيم أن يكتب لنا ما فيه الخير ويلهمنا الصبر.

أحمد الحاج «ملبورن» 2007/09/15
أوافق الكاتب صديق الشعب الأرتري عارف علوان وأشكره على المقال، في الواقع أن الراحل عمر محمد البرج كان يمثل نموذجا فريدا حيث تميز بعلاقاته الرفيعة مع كافة الأطراف الأرترية، يعود ذلك إلى حد كبير حول حبه للإنسان الأرتري بغض النظر عن انتماءاته السياسية وخصوصياته الإجتماعية لكن مع ذلك فإن أكبر قضية كانت تشغله هي وحدة الثورة وقد إختلف مع جناح قوات التحرير الذي قاده الرئيس الأرتري الحالي في منتصف 1975 حين رفض هذا الأخير الوحدة مع تنظيم جبهة التحرير وهو خلاف لم ينساه له ولا لغيره الحزب الحاكم الآن، وقد تعمدوا تجاهله وتعاملوا معه بجفاء حين زار البلاد بعد الإستقلال. كثيرين من المناضلين الأرتريين المعروفين رحلوا في السنوات والشهور القليلة الماضية بعيدا عن وطنهم الذي ضحوا من أجله لأنهم كانوا يرون بأن أرتريا ليست هذه التي ناضلوا من أجلها، لذا من الصعب أن نقول بأن الثورة الأرترية بأهدافها النبيلة ومقاصدها العامة إنتهت بل هي مستمرة، رحم الله الراحل وأسكنه فسيح جناته.

عبدالله أسور «المملكة المتحدة» 2007/09/15
في البدء يسعدني أن أتقدم إلى الكاتب والروائي عارف علوان، صديق الشعب الأرتري بخالص شكري وتقديري لشخصه الكريم. نعم رحل زعيمنا الوطني المناضل عمر محمد البرج قبل أن ترى عيناه نور الوطن الذي حلم به منذ بدء حركة تحرير تراب الوطن من براثن الإستعمار، وقبل أن تطأ قدميه تراب ذلك الوطن الذي عشقه عشقا يعجز اللسان عن وصفه. الذي دفع من أجله أغلى ما يملكه وقلبه الطاهر يحلم بزوال شمس الإستعمار وقدوم فجر الحرية حتي ينعم الشعب بالأمن والإستقرار ويفتخر بثمرات نضال أبنائه. وهذه هي تلك الغاية التي إختارها الزعيم الراحل والمناضل عمر محمد البرج للخروج من قبضة الإستعمار. فنحن ماضون على طريقك الذي رسمته لنا وملتزمون بالعهد. نعم رحلة عن دنيانا الفانية ولكنك باقي في قلوبنا رمزا للنضال الأرتري.

عبده سعد حامد «فرنسا ميتروبولتان» 2007/09/15
الأستاذ عارف علوان صدقت في مقالك بأن الإستقلال الاريتري حزين ومرد ذلك إلى تسلط فئة ضيقة الأفق على مقاليد السلطة في اريتريا وتحريفها النضال الأريتري من مضامينه بصنع دولة بوليسية أذاقت الشعب الاريتري الويلات بملاحقة كل المعارضين الاريتريين في الداخل والخارج بالإختطافات في جنح الظلام وبشراء ذمم ضعاف النفوس وإعتقال الصحافيين وكل القيادات التي تطالب بالتغييرات الجوهرية والشهيد عمر محمد البرج كان من أبرز المطالبين بالتغييرات الجوهرية.

Top
X

Right Click

No Right Click