سيرة ذاتية للقائد الزعيم الوطني الشهيد عثمان صالح سبي - الحلقة الثانية

بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث

في الحلقة الماضية توقفنا عند مغادرة الشهيد مدينة حرقيقو متوجهًا إلى مدينة عصب تمهيدًا لمغادرة

البلاد إلى الخارج.

ولكن قبل مغادرته حرقيقو هناك موقفًا صعبًا تعرض له الشهيد نلخصه فيما يلي: في منتصف عام 1958م وعندما علم الشهيد بسفر المناضل محمد علي صالح دافلة رحمه الله إلى اليمن سلمه الشهيد رسالة موجهة الى الشيخ محمد علي بدهو رحمه الله. وعندما وصل محمد علي دافله إلى اسمرا في طريقه الى اليمن قابله بالصدفة الشيخ أحمد عبد القادر بشير رحمه الله وسلمه أيضا رسالة لنفس الشخص.

وبما أن الشيخ أحمد عبد القادر بشير كان مراقبا من رجال المباحث تمكنوا من رصده عندما سلم رسالته للأخ محمد علي دافله. وعليه قام رجال المباحث في أسمرا القبض على محمد علي دافله ووجدوا معه الرسالتين. الرسالة الأولى التي أستلمها من الشهيد عثمان أثناء تواجده في حرقيقو والرسالة الثانية التي أستلمها من الشيخ أحمد بشير في أسمرا. وعليه تم توقيف الأخ محمد علي دافلة للاستفسار عن مضمون الرسالتين. أخبرهم محمد علي دافله بأنه لا علم له بمضمون الرسالتين وأن مهمته تقتصر بتسليم الرسالتين الى المرسل اليه فقط. على كل حال اقتنعوا رجال المباحث بأن حامل الرسائل برئ وليس له علاقة بالموضوع، وهو مجرد ناقل وعلى هذا الأساس أطلق سراحه وسافر الى اليمن.

على ضوء ذلك الحدث تم استدعاء الشهيد من مباحث أسمرا (المباحث العامة عجيب). وعند توجهه الى اسمرا أتصل الشهيد عثمان بالأخ صالح بشير والذي تصادف وجوده في أسمرا في تلك الفترة وأخبره بالأمر، وطلب منه أن يقابل الشيخ ادريس كيكيا ويبلغه بما حصل.

قام صالح عبد القادر بشير بمقابلة الشيخ إدريس عمر كيكيا وأخبره بأن عثمان سبي سوف يصل اليوم الى المباحث بطلب منهم. عندما علم الشيخ إدريس كيكيا بالأمر غضب غضبا شديدا ووجه كلامه لصالح عبد القادر بشير قائلا "أنت عليك مسئولية مباشرة لأنك أنت الذي تدفع هذا الرجل إلى الهاوية. الآن عليك بالانصراف وأنا سوف أتصرف بطريقتي الخاصة" هذا حسب ما أخبرني به صالح عبدالقادر بشير.

بعد مغادرة الشيخ صالح عبد القادر بشير لمكتب الشيخ إدريس كيكيا قام الشيخ إدريس كيكيا بالاتصال بشخص له معرفة ببعض ألأفراد من رجال المباحث وكلفه بأن يذهب إلى المباحث ويستفسر عن طبيعة القضية التي من اجلها استدعيا الشهيد عثمان الى اسمرا. من خلال علاقته علم الشخص الكلف بطبيعة القضية و أدرك بأن المشكلة ليست خطيرة ولا تدعو للقلق.

أما مضمون الرسالة حسب ما علمته من الشهيد عثمان وكذلك من الأخ صالح بشير رحمهما الله يتلخص فيما يلي:
كان الشهيد يحث في رسالته للشيخ محمد علي بدهو بأن لا يتوقف عن دعم مشاريعهم التي أوشكت على التوقف بسبب شح دعمكم المعهود وأن الجمعية تواجه صعوبات أمام المتطلبات الضرورية. وقد بدأنا نواجه هذه الصعوبات منذ وفاة صديقك.

حضر الشهيد عند إدارة المباحث وتقابل مع الشخص المكلف بمتابعة القضية. وفي أول مقابلة قام الشخص المسئول بتوجيه أسئلة نوردها بالترتيب:-

1. هل أنت الذي كتبت هذه الرسالة (ممسكا بالرسالة في يده) ؟
أجاب الشهيد نعم أنا الذي كتبت هذه الرسالة.

2. ماهي مشاريعكم التي على وشك التوقف وتريدون تنشيطها ؟
أجاب الشهيد أنا مدير مدرسة حرقيقو ومن أبناء البلدة وأعرف جيدا ظروف الأهالي ومعظمهم ضعفاء وفقراء لا يستطيعون توفير المتطلبات الضرورية لأبنائهم الطلبة لكي يتمكنوا من الاستمرار في مواصلة دراستهم من جميع النواحي. كما أن هناك أرامل وعجزة يعانون من العوز وانعدام المتطلبات الضرورية من أجل ذلك نحاول ان نساهم في تخفيف معاناتهم هذه هي مشاريعنا ذات طبيعة إنسانية وتربوية.

3. ماهي علاقتك بالشخص الذي كنت تريد أن ترسل إليه الرسالة ؟
أجاب الشهيد أنه الشيخ محمد علي بدهو من أبناء البلدة وميسور الحال وفاعل خير.
أطلق سراح الشهيد القائد بكفالة وقام بزيارة مكتب الشيخ إدريس كيكيا وفي هذا اللقاء قال الشيخ ادريس للزعيم الشهيد عليك أن تختار بين عملك الرسمي وبين أنشطتك الأخرى. وكان جو اللقاء ملبدًا بالغيوم وعاد الشهيد إلى عمله.

وبعد مضي فترة ليست بطويلة قامت إدارة المدرسة بتعيين مديرًا جديدًا. المدير المعين من الجنسية الهندية وكان مدرسًا لمادة العلوم وزوجته مدرسة مادة الرياضيات.

وفي أوائل عام 1959م غادر الشهيد القائد مدينته متوجهًا إلى ميناء عصب.

وصل الشهيد إلى مدينة عصب استقبله هناك رحيمه (زوج شقيقته) الشيخ أحمد إبراهيم فرس وهو شباب من الرابطة الإسلامية في أربعينيات القرن الماضي. نزل الشهيد في منزل الشيخ أحمد فرس حيث وجد الاهتمام والعناية الكافية.

وبعد مضي ثلاثة شهور تقريبًا قرر الشهيد مغادرة عصب متوجهًا الى اليمن كأول خطوة للانطلاق في العالم الخارجي بعد الكبت داخل البلاد.

أتفق الشيخ أحمد فرس مع أحد من ملاك العبارات (المراكب) وهو الأخ محمد أمير كيكيا من أهالي حرقيقو وأم يمنية ويتحدث اللهجة اليمنية بطلاقة ويحمل أيضا الجنسية اليمنية مما أتاح له سهولة التنقل بين اريتريا واليمن. أما لماذا كان اختيار محمد أمير كيكيا دون الآخرين ؟ أولا لمعرفة الشيخ أحمد بالرجل جيدا وكذلك كان يمتلك عبّارة (مركب) فيها مميزات كثيرة من حيث حجم العبارة وحداثة محركها (المطور) وتوفير وسائل السلامة وغيرها.

أتفق الشيخ أحمد مع مالك المركب وتحدد موعد المغادرة. وفي خلال ساعات قليلة كان الشهيد في اليمن (ميناء خوخا) محافظة تعز ومنها تحرك نحو الشمال قاصدا مدينة حديدة حيث يتواجد هناك أصدقائه وزملائه القدماء حيث استقبل هناك المناضل محمد علي صالح دافلة وحجي محمد حمدان وحجي إدريس دافله ومحمد باسعد. وكل الاريتريين الذين كانوا في حديدة استقبلوه وقاموا معه بالواجب.

في اليمن شعر الشهيد بقدر كبير من الطمأنينة والراحة النفسية لكونه أصبح بعيدا عن ملاحقة العدو له ولتواجده بين إخوانه وأصدقائه وعقد لهم اجتماعا مصغرا وأبلغهم بأنه لم يأتي إلى المنطقة العربية باحثا عن فرص العمل ولكن كما تعلمون بأنه صاحب رسالة مقدسة ومهمته صعبة وشاقة ولا يستطيع أن يتغلب على كل الصعاب والمعوقات الا بوقوفهم بجانبه. تعهدوا له الأخوة بأن يتحملوا المسئولية مهما كانت التضحيات والصعاب حتى النهاية.

عندما علموا الشباب في المملكة العربية السعودية بوصول الشهيد إلى اليمن تواصلوا معه عبر البريد وعبر وسائل مختلفة وابلغوه بأنهم على شوق في انتظار وصوله إلى جدة. وفعلا قاموا الإخوة في اليمن بترتيب سفره إلى السعودية لملاقاة الشباب الثائر المتعطش التواق إلى المشاركة الفعلية في العمل الوطني التنظيمي والثوري.

نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click