المعتقل قسرا الأستاذ/ إدريس أري سعيد

بقلم الأستاذ: أحمد فايد

دعوني أبد بمقدمة مختلفة اليوم فالحكاية أيضا مختلفة والمعاناة كذلك مختلفة...

إدريس أري سعيدوالشهادة لا شك مختلفة لأنها أتت من بطن الألم...

عزيزي الإرتري...

أعلم وتعلم أنه إن مرض صديقك ستترك كل ما بيدك وتسارع لزيارته وللوقوف على حاجته مها كلفك الأمر. أليس كذلك؟؟!!

ثم إن تم ظلم شقيقك ألا تترك كل ما بيدك وتسارع لنصرته؟؟!!

وإن مات أحدنا.. ألا نسارع للترحم عليه ونترك كل ما بيدنا ونهرع لمواساة ودعم أسرته وأحبابه بكل ما أوتينا؟؟!!

اليس هذا ما يجعل منا بشرا نختلف ونتميز عن غيرنا من المخلوقات؟؟!!

إن اتفقنا على ذلك.. دعونا نقول حكاية شخص ترك كل ما بيده دون حدوث مأساة أو مشكل كالذي سردنا أعلاه... ترك كل ما بيده وتبنى مهمة تأهيلنا وأبناءنا للحياة الدنيا وكذلك إعدادنا لحياتنا الآخرة.

نعرفه جميعا.. هو أخ لي وأخ لك تعرفه كما تعرفني واعرفك، هذا في أقل وأدنى الأحوال.

بدأ حياته صعبة واستمر فيها اكثر صعوبة إلى أن تزوج في حال ربما الأكثر قسوة على الإطلاق حين اغتيل أخاه العريس في يوم زفافه وكان لا بد أن يكتمل الأمر.

خاض، الاستاذ/ إدريس أري سعيد، كل الأزمات التي نعرف والأخرى التي لا نعرف بالعمل الدؤوب وبصبر أيوب الذي لا ينفد، وبالجد والاجتهاد الدائمين إلى أن تمكن من اخضاع كل تلك الظروف القاسية.

ولكن الأزمات وصعوبتها لم تتركه وحده حين اختار لنفسه طريقا أكثر تعقيدا بعدما قرن مصيره بمصير مجتمعه وأجياله الناشئة، وجعل ذروة سنام أهدافه وأحلامه تأهيلي وتأهيلك للحياة.

وضع كامل حياته وحياة أسرته أمام الخطر الداهم من أجلنا، وهو الذي كانت أسرته الكبيرة تدعوه للتريث قبل العودة إلى إرتريا بعد ظهور نوايا النظام باعتقال المجموعة الأولى من المعلمين.

قال ردا عليهم.. إن لم أقم انا بتغطية الفراغ فمن سيفعل، وإن لم أخاطر أنا فمن سيعلم أبناء مجتمعي... "طريقي واحد لا ثاني ولا ثالث له فأرفقوني بدعواتكم" هكذا رد عليهم ليعود إلى أرض الوطن وليملأ معهد الضياء علما ورشدا ونصحا وأملا، حتى أتت ليلة الرابع والعشرين من شهر ديسمبر من العام 1994 حيث تم إخلاء كل المعاهد من جميع المعلمين كما يصفها العزيز ودقائد في منشور له الذي ربما رأيته الأكثر تأثيرا ضمن ما قرأت، حيث سرد الحصص والدروس التي كان عليه حضورها في ذاك اليوم ولكنه لم يحضر درسا في أي منها، فجميع المعلمين قد تم اختطافهم.

منشور - ودقائد نوسو ابو علي:

أعزأئي،،،

هل أتى في مخيلة أي منكم شخصا تعرفونه... وما يتم سردها الآن هي حكايته؟؟

نعم هي حكايتهم كلهم.. ولكن حديثي اليوم عن أخي وصديقي الأستاذ/ "إدريس أري سعيد إدريس أري" المولود في قرية جانتكا في العام 1962.

عاش طفولته كجميع أبناء القرى الإرتريين حينها، فبدأ تعليمه في الخلاوي مرورا بالفصول المعروفة إلى أن حل به المقام دارسا في جامعة المدينة المنورة التي ما أن تخرج منها، هرول عائدا إلى وطنه ليسهم في العملية التعليمية.

الأستاذ إدريس أرى أب لأسرة تتألف من خمس أبناء وثلاث بنات.

منذ لحظة اختفائه بدأت معاناة أسرته حيث عاش أباه ما بقي له من عمر بحثا عن ابنه المختفي قسريا دون أن يجد عنه خبرا ولا أثرا حتى قدر له أن يسلم امره فيتوفى في قلب المعاناة.

أسرته التي تكسرت آمالها كلها فوق صخرة أختفائه فاضمحلت وتحولت نهاراتها رعبا ولياليها إلى كوابيس. الصعود المأمول الذي بدأت به أسرته أصبح هبوطا حادا إلى القاع ثم في القاع آلام من عذاب الفراق فالتشتت فضلا عن تلاشي أحلام الأب التي كانت مرتكزة على تكوين أسرة نموذجية يتعلم منها المجتمع.

محمد خير، كبير الأبناء أراد أن يبحث عن دور أبيه المفقود محاولا أن يوجد فرصة ربما ساعدته للقيام بهذا الدور، فما كان منه إلا أن خاطر بحياته كاملة، فلربما أمكنه العبور إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط الذي اعتاد التهام الشباب الإرتري.

محمد خير مات غرقا لأن إساياسأفورقي سرق مستقبله الذي بدا مضمونا وزاهيا قبل حلول تاريخ 24 ديسمبر 1994. مات محمد خير فجدد الأحزان في بيت إدريس أري وعمق جراح الأسرة الكريمة.

الحكاية طويلة والمأساة أعمق من أن تكتب ويحكى عنها، ولكن أملنا في أنها أسرة مؤمنة موحدة بالله الواحد الأحد. وانهم جميعا يعلمون علم اليقين بأن لا شيء عند الله يذهب سدى. وأن لظلمهم منتهى في الدنيا ثم في الآخرة حيث جزاء الله الأوفى.

الدور الباقي علينا نحن الذين نسمع ونقرأ ونحكي ونسرد ثم لا نحرك ساكنا... أليس كذلك؟؟

نعم... هو كذلك!!

ألم يكن من واجبنا العمل بجد عبر العالم المفتوح فنخرج بقضية الأستاذ إدريس أري ورفاقه الأكرمين إلى العلن بالضغط على النظام القمعي في إرتريا عبر المنظمات الدولية المختصة.

لاا نخدع أنفسنا فندعي أننا نعمل شيئا يمكن أن يساعد في تحقيق حريتهم... ولا أدل على عدم تحركنا بفاعلية وواقعية أكثر من نشاط التقراي الذي هزّ العالم عبر عدة أشهر أخضعوا فيها الدول العظمى والمؤسسات الدولية لإرادتهم.

إذاً هي الإرادة التي تنقصنا... وهي التي ننشد.

انتهي المنشور ولم تنتهي الحكاية، والباب مفتوح للجميع بالبوح بما يعلم، فكثيرون منكم يعلمون ما أكثر ما أدعي.. والله المستعان.

الإختفاء القسري في إرتريا
يوم المعتقل الإرتري

Top
X

Right Click

No Right Click