النضال السلمي الرائد لحزب الرابطة الإسلامية في أربعينيات القرن الماضي - الحلقة الخامسة

بقلم الأستاذ: محمد نور فايد - ملبورن، استراليا  المصدر: عونا

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين في أمور الدنيا والدين

اعزائي القراء الكرام:-

احيكم اجمل تحية، طيبة وخالصة، راجيا من الله سبحانه وتعالي ان يديم نعمته وخيره علي الجميع، انه سميع مجيب. اضع بين أيديكم ايها القراء الكرام الحلقة الخامسة من ذكريات عن النضال السلمي الرائد لحزب الرابطة الاسلامية الالرترية في اربعينات القرن الماضي وقد جاءت هذه الحلقة بعنوان:

اغتيال البطل الشهيد عبدالقادر محمد صالح كبيري.

وفاءا وارضاء لرغبة الشعب الارتري قبل فقيد الوطن طلب الشعب للذهاب الي الامم المتحدة وذلك بغرض عرض مطالب الشعب الارتري من اجل تقرير المصير والحرية والاستقلال لارتريا. ففي امسية يوم 62 مارس 1949 اجتمعت قيادة حزب الرابطة في فندق البحر الاحمر باسمرا التابع لاسرة المرحوم محمد سعيد ابره لاختيار اعضاء الوفد، اعداد اجندة الوفد، لتقديمها لاعضاء الامم المتحدة. ولقد تم في الاجتماع انتخاب كل من السادة: إبراهيم سلطان علي (السكرتير العام للرابطة)، السيد حاج ابراهيم محمد علي (فرع الرابطة بعدي قيح)، ومحمد عثمان حيوتي (فرع الرابطة بمصوع) وعبدالقادر كبيري رئيس فرع الرابطة بالعاصمة اسمرا. بعد انفضاض الاجتماع غادر الفقيد كبيري الفندق واثناء ذهابه الي منزله في نفس الامسية اي يوم هجم عليه الاعداء المجرمين قاتلهم الله في الدنيا والاخرة وقاموا باطلاق النار عليه 1949/3/26 وهو يمشي في شارع كاليري بأسمرا بين جموع المارين، وفر الجناة في الحال، فنقل الشهيد إلى المستشفى الحكومي بأسمرا حيث أجريت له عملية جراحية بواسطة كبارالاطباء الجراحين الإيطاليين، ولكن ذلك لم يجدي شيئا وفاضت روحه الطاهرة الي بارئها في المستشفى في الساعة التاسعة ليلا من مساء الأربعاء، أي في الليلة الثالثة بعد إصابته وذلك في غرة جمادى الثانية 1368 الموافق 29 مارس 1949م.

دفن الشهيد عبدالقادر كبيري في مقابر عداقا حموس في العاصمة، رحمه الله رحمة واسعة، فعم الاسي والحزن عموم البلاد. وقد اغلقت يوم دفنه جميع المؤسسات والمدارس والحوانيت التابعة للمسلمين واقيم له تابين لمدة اربعين يوما في سينما امبيرو. وقد اتهم حزب الرابطة حزب الاندنت العميل بهذه الجريمة الكبيرة والبشعة فسارعت قوات الامن فورا الي مكتب حزب الاندنت ووجدت فيه رسالة 1949/3/24 مدونة بتاريخ فحوي الرسالة انه يفوض شخص لاغتيال كل من الشهيد عبدالقادر كبيري والسيد ابراهيم سلطان بادعاء انهما اعداء اثيوبيا، رحمة الله عليهما.

تداعيات اغتيال الشهيد البطل عبدالقادر كبيري:

كما هو معروف ان أساليب الاغتيالات الجبانة لا تؤدي إلى شئ من النجاح بالنسبة إلى مرتكبيها ولا تؤثر في عزائم القادة المخلصين لاوطانهم أو توهن من روح ومعنويات الشعب الارتري البطل. فبتالي اغتيال الشهيد عبدالقادر كبيري لم يطفئ ولن يطفئ شموع الحرية والاستقلال. بالعكس اغتيال الفقيد كبيري زاد الحماس، شحذ الهمم، ورفع والهب المشاعر الوطنية في نفوس الشعب الارتري، وقوي العزيمة والاصرار لمضاعفة النضال بالتحدي والصمود في وجه الاعداء. كما ان حادثة الاغتيال اسهمت بصورة خاصة و اكبر في اشعال روح النضال في صفوف الادباء والكتاب داخل وخارج ارتريا. حيث كتبوا علي سبيل المثال لا الحصر في صحيفة الرابطة منددين اولا بالجريمة النكراء وثانيا نادوا بالثابت والتماسك والوحده والعمل بحيوية اكثر وا خلاص داخل ارتريا وخارجها من اجل تقرير المصير والاستقلال التام للوطن الحبيب. كما كتب بعض الكتاب العرب عن حادثة الاغتيال ومنهم صديق الشهيد الكاتب والاديب السوري جعفر شريف والذي كان يقطن مدينة القضارف السودانية.

كما ان المراثي التي قيلت في الشهيد من النثر والشعر كثيرة نذكر منها كمثال أبيات لصديقه الاستاذ والمحامي ياسين محمود باطوق والتي منها:-

يا خادم الإسلام أجر مجاهــد في الله من خلد ورضوان

الله يشهد أن موتك بالحجـــى والجد والإقدام والعـرفـان

إن كان للوطنية ركن قائـــم في هذه البلاد فأنت الباني

ايضا رثاه الاديب الارتري محمد سرور من مدينة قندع بأبيات منها:-

أنعم (كبيري) في جناننٍ آمناً واهداْ فذكرك في القلوب مجدد

أنقذتَ أمتك الفتية من ردى ومهدتَ للقوم الطريق مُعبد

وانرت للهدى المنيري سبيله ومشيت ماضي العزم لا تتردَد

فأنعم بدار الخلد أنت شهيدها واهدأ بحوض الرسل نعمَ المورد

في ذمة الله الكريم الواحد وجوارِ خير الرسل طه محمد

أنزل عليكَ الله وابلَ رحمةٍ تغشي لرمسك كل يوم مجدّد

توجه وفد حزب الرابطة الي الامم المتحدة:

في ابريل 1949م غادر البلاد وفد الرابطة برئاسة السيد ابراهيم سلطان وعضوية كل من السادة : السيد محمد عثمان حيوتي والسيد الحاج ابراهيم محمد علي، حيث اتجه الوفد اولا للقاهرة ومكثوا فيها عدة ايام. التقي الوفد بالقاهرة بالسيد عبدالرحمن عزام الامين العام لجامعة الدول العربية في تلك الفترة حيث اكد موقف مصر الداعم لعدالة القضية الارترية وتقرير المصير والاستقلال. كما ناشد الوفد الامين العام لجامعة الدول العربية لكسب واقناع مناديب الدول العربية في الامم المتحدة للوقوف والتأيد لحق الشعب الارتري. وبفضل تلك الجهود الجبارة ايدت بعض الدول العربية والاسلامية مطالب حزب الرابطة انذاك ومن تلك الدول المؤيدة كمثال المملكة العربية السعودية، العراق وباكستان.

اتفاقية بيفن - اسفورزا السرية:

خطط واقترح سرا وزير خارجية بريطانيا السيد إرنست بيفن ووزير خارجية ايطاليا السيد كارلو سفورزا بشأن المستعمرات الايطالية الثلاثة (الصومال، ليبيا وارتريا) وذلك بعد توقيع إيطاليا إتفاقية الصلح مع دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الثانيةعام 1947. فقررا ان تعود كل من ليبيا والصومال الي الادارة الايطالية وان تنقسم ارتريا بين اثيوبيا والسودان. وقد قدما رؤيتهما الي مجلس الامن في مايو 1949م.

وعندما وصلت وفود الاحزاب الارترية الي نيويورك للاجتماع مع لجنة الامم المتحدة لبحث ايجاد حلول للقضية الارترية، علم الوفد بمضمون الوثيقة السرية. وفي الاجتماع خاطب السيد ابراهيم سلطان اعضاء الامم المتحدة وفند الوثيقة السرية باقصي العبارات ورفضها جملة وتفصيلا حيث قال: أن الرابطة الاسلامية تمثل أغلبية سكان ارتريا حسب إحصائية اللجنة الرباعية التي أوفدتها الأمم المتحدة الي ارتريا حيث وجد ان نسبة المسلمين في ارتريا تبلغ 75% من مجموع السكان. واضاف الشيخ سلطان أن إرتريا لم تكن علي الإطلاق في يوم من الأيام جزءاً من أثيوبيا، وإن مقترح ضم إرتريا إلي أثيوبيا بالقوة سيؤدي الي حمامات من الدماء وانه يتعارض ويخالف مبادئ وميثاق الأمم المتحدة والذي يضمن حق الشعوب في اختيار حكوماتها، وأن الرابطة ترفض وتدين بشدة ضم إرتريا إلي أثيوبيا أو تقسيمها، وأن إستقلال إرتريا هو مطلب أكثرمن 80% من سكان ارتريا. كما اقترح للامم المتحدة الوصايا الدولية لارتريا لمدة عشرة سنوات وطلب منها ان تبعث بوفد لمزيد من التحري وتقصي الحقائق في ارتريا وقبل طلبه. ايضا رد السيد الجليل ابراهيم سلطان ومرافقوه الكرام علي كل الأسئلة و الأستفسارت التي طرحتها اللجنة السياسية ومندوب إثيوبيا في الأمم المتحدة.

وفي الاجتماع ايد السيد بلاته محمد عبدالله مندوب ورئيس حزب بروايتالية (حزب المحاربين القدامى) ماقاله السيد ابراهيم سلطان الا انه اقترح ان تكون الوصايا لمدة ثلاثة سنوات. اما السيد تل باريومندوب ورئيس حزب الاندنت عارض بشدة خطاب السيد ابراهيم سلطان وطالب بانضمام ارتريا لاثيوبيا كما انتقد ان تعداد المسلمين الارترين 75%.

نواصل بإذن الله... في الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click