لقاء مختلف وشخصية فريدة الأخت الفاضلة/ آمنة حامد ادريس عواتي

حاورتها الأستاذة: سهير قندفل - كاتبه وناشطة سياسية ارترية  المصدر: جبهة التحرير الأرترية - أدال61 

لقاء مختلف وشخصية فريدة، مختلف عن اللقاءات السابقة التي تبدأ بالفضول ثم يزداد الحماس

حامد إدريس عواتي و كرار حامد ادريس عواتي و آمنة حامد ادريس عواتي

مع التقدم في الأحداث، وما كانت تقوم به المرأة في ذلك الوقت من نضالاتها وعطاياها المبهرة ثم الفخر بكل ذلك.

إلا أن هذا اللقاء أصابني بالإحباط والشعور بالذنب مع تقدم السرد نتيجة لكمية الإهمال والتجاهل الذي تعرضت له هذه الأسرة. ثم أنها شخصية فريدة، قوية ومتطلعة ومحبة للحياة، واثقة من نفسها وقدراتها تقول لو تعلمت لكنت لعبت دوراً أكبر في الثورة.

إنها الأخت الفاضلة/ آمنة حامد ادريس عواتي ابنة القائد الرمز حامد إدريس عواتي فلنتعرف عليها:-

تقول آمنة: الوالد حامد إدريس عواتي قائد عسكري فذ ومفجر الكفاح المسلح (قرية قرست) غرب إرتريا، والوالدة عائشة عثمان إدريس (قرية فانكو) غرب إرتريا، لم تكن هناك أية صلة قرابة بين الوالد والوالدة، لكن كان خالها صديق الوالد.

ولدت أنا وأخي كرار في قرية (قرست) أما أختي مريم فقد ولدت في منطقة فانكو بعد خروج الوالدة من السجن، زوجي آدم محمد نوراي وهو ابن عمتي ولديّ ابنتان وأربعة أبناء.

الوالد القائد حامد إدريس عواتي غنيٌّ عن التعريف ولكن من وجهة نظر ابنته ماذا يمكن أن تضيفي لنا؟

لا أعرف الكثير عن الحقائق خاصة المتعلقة بالوالد نسبة لصغر سني وقتها، وكل ما أعرفه كان عن طريق الوالدة والأهل من جهة ولأن الوالد كان شخصا كتوما من جهة أخرى.

وعندما كنت أسأل الوالدة عن أبي كانت تقول لي حتى أنا لا أعرف الكثير عن شؤون والدك لأنه لم يكن يتحدث معي عن العمل، ولا عن مضمون اجتماعاته، ولكن كنت أسمع وأرى الأحداث المتلاحقة، فهو كان عسكرياً ولذلك كان يزورنا الكثير من الرجال (غرباء / عساكر / ملثمين) وكان يخرج معهم دون أن يشرح لي من هؤلاء، فقد كان يكتفي بقوله عندي اجتماع، وكنت أعرف دوره المشهود قبل إعلان الثورة حيث كان يدافع عن الأهالي ضد عصابات النهب المسلحة التي كانت تقتل وتنهب مواشي وممتلكات المواطنين في منطقة القاش، وكل بطولاته في تصديه لتلك العصابات كانت ترد إلينا وإلى عامة الناس في غرب إرتريا مرويةً على لسان سكان القاش وتملؤهم الفخر بشجاعته وبطولاته.

هذه المواجهات البطولية أكسبته خبرة قتالية، ثم بعد ذلك أُرسل في دورة تدريبية في الجيش الإيطالي إلى (روما - ايطاليا) مما زاد من خبرته العسكرية، فتلك الخبرة وبالإضافة للجرأة والشجاعة وفرت له فيما بعد الكثير من المناصب الرفيعة في الدولة إلا أنه فضل الانحياز إلى الشعب والدفاع عنه وانتزاع حقوقه.

ما هي نقطة التحول الرئيسية في حياتكم كأسرة القائد الرمز حامد عواتي؟

كانت نقطة التحول عند خروج الوالد في ذلك اليوم لاجتماع بسيط كما قال لنا قبل تفجير الثورة، وكان آخر عهدنا به. تقول الوالدة في أحد المرات قال لي: أنا ذاهب وسوف أرسل لك بعض الشباب فأعطهم الأسلحة.

تقول اندهشت، فتلك كانت أول مرة أعرف بوجود سلاح في البيت، وبعد خروجه بفترة جاءت مجموعة من العساكر وأحاطوا بالبيت ثم ذهبوا مع غروب الشمس، فخافت أمي واستدعت ابن عمتي آدم نوراي وشرحت له الأمر، وقالت له يجب أن نتصرف في السلاح قبل عودة العساكر مرة أخرى، لابد أن لهم معلومة بوجود سلاح في البيت.

أدرك ابن عمتي خطورة الوضع وعند حلول الظلام بدأ بنقل السلاح متفرقاً وذلك لصغر سنه ولأنه لا يستطيع أن يأخذه كله خوفاً من العساكر والرقابة التي فرضت على المنزل، وظل طوال الليل يذهب الى الجبل ويدفن بندقية ثم يعود ليحمل أخرى وهكذا إلى أن تم نقل السلاح ودفنه في الجبل.

في اليوم الثاني جاء العسكر وأخرجونا جميعاً من القرية وساقونا إلى مدينة تسني، وفيها سُجنّا لمدة أربعة أشهر مع معظم عائلة آل فايدوم ومنهم أسرة عمي عبدلله إدريس، حسن كرار عواتي وهو ابن عم الوالد، أسرة كلثوم كرار عواتي زوجة عمي التي كانت مرضع واستشهد ابنها كرار عبدلله ادريس في سجن تسني، أسرة سعدية عواتي عمة الوالد، والدة الشهيد الأول للثورة عبده محمد فايد، وحليمة سنشور زوجة الشهيد الأول عبده محمد فايد، وبقية الأهل من الابناء والاحفاد.

بعد مرور شهرين قررت قوات الاحتلال إرسالنا إلى سجن أسمرا إلا أن الشيخ كبرو عمدة اللبت استطاع أن يضمن مجموعة شملتني وأخي كرار ووالدتي وعمتي كلثوم على أن لا نغادر مدينة تسني. لذا استضافنا الشيخ كبرو في منزله ثلاثة أشهر إلى أن جاء خالي إدريس عثمان واْخذنا معه إلى منطقة فانكو حيث أهل الوالدة.

أما البقية فقد أرسلوا الى سجن اسمرا، وكذلك صادر العدو كل ما نملك من ماشية وممتلكات.

بعدها بفترة بدؤوا بإطلاق سراحهم، وكان الإفراج عنهم يتم على فترات متقطعة، أسرة تلو الأخرى.

فخرجت أسرة عمي عبدلله إدريس عواتي، ثم بعد استشهاد أول شهيد للجبهة عبده محمد فايد تم إطلاق سراح زوجته، وكذلك أسرة أخيه عواتي محمد فايد ثم البقية.

وطول هذه الفترة لم نكن نعرف شيئاً عن الوالد فقد انقطعت أخباره عنا، كنا نعرف فقط ما يعرفه الجميع وهو أنه مازال يقاتل ويتنقل متخفياً لتفادي إلقاء القبض عليه، وعشنا على هذا الحال حتى عام 1967م عندما لجأنا الى السودان وعندها عرفنا بخبر وفاة الوالد.

بعد أن ذهبتم إلى السودان لماذا عدتم مرة أخرى إلى فانكو؟

بعد انطلاقة الثورة ذهبنا الى السودان هرباً من سياسة الأرض المحروقة التي كانت تمارسها إثيوبيا لترهيب الشعب وإفراغ الريف الإرتري الذي كان مصدر قوة وسند حقيقي للثورة.

وفي السودان تحقق ما كنت أحلم به وهو التعليم، فالتحقت بالمدرسة ودرست ثلاث سنوات حتى الصف الثالث فقط، إلا أن الظروف لم تساعدنا وعشنا على حد الكفاف، فكنا نحتاج للمصاريف ولإيجار البيت ولم يكن لدينا معيل، سوى الجبهة التي أهملتنا ولم تلتفت لنا كما يجب، وعشنا في حالة فقر.

وعندما ما ضاق الحال أخرجوني من المدرسة بعد أن عجزت الوالدة أن توفر لي أبسط مستلزمات الدراسة، ووعدتني أن أعود عندما تتحسن الظروف ولكن كنت أقول لنفسي كيف تتحسن الظروف وليس لدينا أي مصدر دخل، وبالفعل ازداد الحال سوءاً، وعندما علم خالي إدريس عثمان بحالنا جاء على الفور وتأسف على وضعنا وقرر ضرورة عودتنا معه، ووافقت أمي على الفور وعاد بنا الى فانكو وعشنا في قريتنا مع خالي وأهلنا.

لم يكن وضع خالي أفضل حالاً من وضعنا بعد أن صادر العدو الماشية وأحرق الأرض، إلا أن الجميع كان يعيش مع بعضهم البعض بالرحمة والتعاون، وعشت هناك حتى بعد أن تزوجت وأنا في عمر الثالثة أو الرابعة عشر عاماً نسبةً للظروف القاسية التي كنا نمر بها.

كنت أرغب بمواصلة الدراسة إلا أن الحال لم يسمح لي لأن بيت خالي الذي عشنا فيه كان في القرية وبذا فقدنا فرصة التعليم.

أما عمي عبدلله ادريس عواتي فقد كان يقيم في قلوج بعيداً عنا وهو نفسه كان يحتاج للرعاية بعد أن أصيب بالشلل إثر إصابته في معركة تحرير تسني.

كيف علمتم باستشهاد الوالد ومتى؟

كان الوالد في كل سفرياته وخروجه يرسل للوالدة بعض الاغراض، أو يبعث شخصاً يطمئنها عن حاله ويسأل عن أحوالنا، وبعد فترة بدأ يتأخر المرسال إلى أن تباعدت فتراته ثم انقطع بعد دخولنا السجن وإطلاق سراحنا.

قالت الوالدة شعرت باستشهاده مع أنهم أنكروا ذلك، ولم تتأكد من استشهاده إلا بعد أن لجأنا إلى السودان 1967م، حيث أخبرها الشيخ محمد بن الشيخ داؤود في كسلا باستشهاده، وعندها سألته ماذا علي أن أفعل قال لها الشيخ محمد: لا عدة عليك لطول الفترة.

وعرفنا أيضاً أنه أوصى أصحابه كبوب حجاج ودوحين ومن كان معهم بضرورة متابعة النضال وقال لهم: لو استشهدت لا تتركوا الثورة بل استمروا ولا تخبروا أحداً باستشهادي.

عانى كثير من أبناء الشهداء والرعيل الأول ودفعوا الثمن مرتين، ولكل منهم قصة، فما الذي فقدتيه أو أثر فيك أكثر من غيره؟

بالنسبة لي أكثر شيء أثر فيَّ هو فقداني فرصة التعليم، كنت مجتهدة ومتفوقة ولدي رغبة قوية للدراسة و كنت أحلم أن أواصل تعليمي للجامعة، وكان ذلك ممكناً في تلك الفترة بكل إمكانات الجبهة وعلاقاتها، و لكن جاءت الفرصة الوحيدة لأخي الدكتور كرار حيث ابتُعث ضمن منحة لأبناء الرعيل للدراسة في الخارج، أما أنا وأختي مريم فقد تجاهلونا مع أنه كان يمكن مع قليل من الدعم والتوجيه أن نواصل الدراسة في السودان، وأن يتم تأهلنا بشكل أفضل، أو أن نُرسل جميعاً مع أخي وأبناء الرعيل في المنحة الدراسية، ولكن الحمد على كل حال.

تركتها وأنا أتحسر على وضعها فبعد مرور ستين عاماً على انطلاق الكفاح المسلح للثورة الإرترية المجيدة مازالت ابنة القائد الرمز حامد إدريس عواتي وشقيقتها تسكنان بيوت القش والحصير وتتنقلان بين قرى ود شريفي وود الحليو... فمن المسؤول؟

Top
X

Right Click

No Right Click