حوار مع المناضل حمد سر علي

حاوره الأستاذ: محمود عبدالله أبو كفاح - إعلامي وكاتب ارتري، أسمرة إرتريا

حملة دنكاليا... كانت صافرة النهاية لدحر الإستعمار الأثيوبي من إرتريا مرة وإلى الأبد!!!.

قبيل بدء حملة دنكاليا كانت مصوع قد تحررت بالكامل واغلق طريق اسمرا مصوع كما حاصر مقاتلو الجيش الشعبي الأشاوس العاصمة أسمرا وأصبحت قاب قوسين او ادنى من دخول الثوار اليها، فقد قامت الجبهة الشعبية بإجراء مسح وبحث شامل عن الحملة الخاصة بتحرير ذلك الجزء العزيز من أرض الوطن أي تحرير دنكاليا واضعة في الإعتبار الطبيعة الجغرافية والمناخية الخاصة بالإقليم ومن ثم توفير كل ماتحتاجه هذه الحملة من قوات برية وبحرية واسلحة بانواعها المختلفة، حيث تقرر ان تخاض المعارك بالتنسيق التام بين القوات البرية والبحرية وفي آن واحد، وقد كانت تتألف القوات التي اوكلت اليها مهمة المشاركة في تحرير دنكاليا ووضع نهاية للوجود الأثيوبي في إرتريا من وحدات يغلب عليها المقاتلين الاوفياء ممن كانوا يتمتعون بالمعنويات العالية والإستعداد الكبير للتضحية والصمود مع العلم بانهم كانوا يتأهبون للقتال في ارض لايعرفون طبيعتها ولاتضاريسها ومناخها حيث كانوا يتنقلون من منطقة لأخرى بالإعتماد على الخرط المعدة مسبقاً وكذا التعاون مع إبناء تلك المناطق.

لإلقاء المزيد من الضوء على تلك الحملة كنا قد اجريت الحوار التالي مع المناضل حمد سر علي قبل عامين فإلى تفاصيل الحوار:

من اين إنطلقت حملة دنكاليا ومن هم القادة الذين كانوا يديرون سير الحملة؟

انطلقت حملة دنكاليا من منطقة عساعيلا بمديرية قلعلو، حيث كانت تتألف القوة المشاركة في الحملة من وحدات القوات البرية بقيادة الشهيد قرزقهير عندى ماريام (وجو)، ووحدات القوات البحرية بقيادة اللواء حمد كاريكاري بالإضافة الى عضو المجلس المركزي للجبهة الشعبية آنذاك السفير محمود جبرا الذي كان يشرف على العمل الجماهيري وينشط في التنسيق بين الشعب والجيش الشعبي.

صف لنا بعض المواقف التي صادفتكم في بداية إنطلاق الحملة؟

اتذكر بعد انطلاقنا من قلعلو الى الامام خلال الإسبوع الاول من شهر فبراير العام 1991م مررنا بمنطقة بين عكيلي وقلعلو يتوغل فيها البحر وبما اننا لم ننتبه للامر فقد وحلت واحدة من دباباتنا في تلك البقعة مما تسبب ذلك في اغلاق الطريق، حيث جازفت بعض الآليات بالعبور الى الامام بينما بعضها عادت مرة اخرى الى قلعلوا لتواصل سيرها بالجهةالعليا عبر منطقة ديقيرتو بإتجاه بدا حتى وصلت الى منطقة قرسا ليلاً ليأخذ أفرادها عند الوصول اليها قسط من الراحة و وفي الصباح الباكر واصلنا السير لنشتبك مع العدو في منطقة طيعو حوالي الساعة الثامنة والنصف صبيحة يوم 1991/2/29م، وهنا اود ان اشير بان الوحدات البحرية كانت ايضاً تسير جنبا الى جنب معنا في عرض البحر، حيث ان توقيت بدء القوات البرية للهجوم وقصف بحريتنا للعدو كان في زمن واحد بفضل التنسيق الكبير بين قيادتيهما مما ارهب ذلك قوات العدو التي لم تكن تتوقع ان يكون الهجوم على تلك الشاكلة وبعد معارك ضارية استطاع مقاتلو الجيش الشعبي من السيطرة على طيعو حوالي الساعة السادسة مساءً، وكرد فعل لتلك الهزيمة قام طيران العدو بقصف مدينة طيعو ولكن دون جدوى.

وفي اليوم التالي تحركت بعضاً من قواتنا الى الغرب من طيعو للقضاء على بقايا وحدات العدو الاثيوبي التي كانت ترابط في منطقة عدايلو حيث تمكنت من تدمير المعسكر بالكامل.

في اليوم التالي قمنا بعمل حراسات في طيعو لمراقبة البحر حتى لاتأتي سفن العدو وتشن هجوماً على البلدة، بالإضافة الى ترك بعض القوات البرية التي تراقب الوضع على أرض الواقع، وبعده شرعنا في التوجه الى بلدة عيدي، وبينما نحن مقدمون على ذلك بلغ الى أسماعنا بان الدرق قام بتجميع قوات كبيرة في عصب من بقايا جيشه بالإضافة الى المليشيات التي جلبها من اقليم أوسا وكذا المليشيات المحلية الموالية ووجهها الى منطقة جبلية ضيقة بين طيعو وعيدي لصد اي هجوم قادم من الجيش الشعبي، وعلى الفور اجتمع قادة الحملة وعلى رأسهم الشهيد قرزقهير وجو واللواء حمد كاريكاري والسفير محمود جبرا للنظر في الامر واتخاذ الخطوة المناسبة، وبالفعل قاموا بالتعاون مع الاهالي بتكوين لجنة من اعيان منطقة طيعو وارسالها الى المليشيات المرابطة في المنطقة بين طيعو وعيدي، ودعوتهم لفتح الطريق والإبتعاد عن ساحة الحرب وعدم الدخول في قتال مع الثوار اذا ارادوا ن يحافظوا على حياتهم، وبالفعل اثمرت تلك الخطوة واخلت المليشيات مواقع تمركزها في الطريق، وبذلك واصل الجيش الشعبي سيره ليصل الى مشارف بلدة عيدي يوم 1991/3/8م حوالي الساعة الثانية بعد الظهر وفيها علمنا ان العدو قام بجلب قواته واسلحته بالسفن الى عيدي مسبقاً لعلمه بتحركات الثوار، فقمنا بتناول الغداء على بعد 2 كيلومتر من بلدة عيدي وأجرينا الإستعادادات اللازمة لتبدأ معركة عيدي في نفس اليوم اي يوم 1991/3/8م عند الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر وعند الساعة السادسة انتهت المعركة بسحق قوات العدو التي اصبح افرادها بين قتيل وجريح وأسير وهارب وتحرير بلدة عيدي من قبضة العدو فضلاً عن الإستيلاء على العديد من الدبابات والاسلحة الثقيلة والخفيفة.

وعلى الفور قام الجيش الشعبي بترك وحدات لحماية ومراقبة الوضع في عيدي، واتجهت بقية الوحدات الى الغرب لتصل الى منطقة إيريبلي التي تتواجد بها كميات وافرة من المياه، حيث تجمعت قوات الجيش الشعبي في تلك البقعة لأخذ قسط من الراحة والاستعداد للمعارك القادمة، وأود ان أشير هنا الى ان افراد الجيش الشعبي كانوا يتميزون بالبسالة والشجاعة والاستعداد للتضحية بخلاف قوات العدو الاثيوبي، فبالرغم من المناخ القاسي للمنطقة ووعورة الطريق وقطعهم لمسافات طويلة مشياً على الأقدام الا أنك لاتجد واحداً منهم يتضجر او يعبر عن إستياءه بل كان الجميع مبتهج ومتفاعل مع الأحداث بكل أريحية وكأنهم لايخوضون حرباً قد يصادفهم فيها الإستشهاد.

بعد الانتهاء من معركة عيدي اتجهت وحدات الجيش الشعبي ليلاً صوب بلدة أفمبو لتبدأ معركتها مع قوات العدو المتواجدة في المعسكر الكائن بها يوم 1991/03/13م عند الساعة السادسة صباحاً، وبعد تبادل قصير لإطلاق النار هربت قوات العدو من ساحة المعركة لتدخل قوات الجيش الشعبي الى داخل البلدة، ولإيقاف الهزائم التي كانت تلحق بقواته قام الدرق بجمع قواته وآلياته العسكرية وتوجيهها من عصب صوب منطقة افمبو، وعندما علمنا بذلك قمنا بوضع قواتنا خارج البلدة مع ترك بعض الوحدات التي تراقب الوضع لإيهام العدو باننا قد خرجنا من البلدة خشية مجابهة تلك القوات الكبيرة والمسلحة تسليحا عالياً، وبالفعل تخيل العدو بان قواتنا قد انسحبت ولكننا كنا على اهبة الاستعداد لضرب قواته، فعندما وصلت قواته بالقرب من منطقة مبرا قمنا بمهاجمتها من حيث لاتدري ودارت بيننا وبين تلك القوات معارك ضارية انتهت بهزيمة العدو واحراق آلياته والاستيلاء على كميات كبيرة من دباباته واسلحته الاخرى فضلاً عن اسر العديد من قواته.

بعدهزيمته في افمبو قام الدرق بتجميع قواته في بلدة وادي حيث جلب قوات كبيرة بطائراته الحربية من وسط أثيوبيا لتسند القوات الموجودة اصلاً، ومن المعروف ان الطريق المؤدي الى وادي يمر عبر مضيق جبلي لايسمح للدبابات والآليات العسكرية بالعبور لضيقه وارتفاعه مما تسبب في استمرار المعارك بيننا وبين قوات العدو لمدة يومين دون جدوى وفي الختام قررنا ان يذهب افراد من المدفعية بقيادة ابناء تلك المناطق بدباباتهم عبر منطقة قاحرى وضرب قوات العدو من الخلف،وقد حدث ذلك بالفعل مما زرع ذلك الهجوم الرعب في قوات الجيش الاثيوبي وسارع افرادها بالهروب من ساحة المعركة تاركين اسلحتهم وامتعتهم، وبهذه الطريقة استطاع مقاتلونا من مواصلة هجومهم ودخول بلدة واديي في يوم 1991/03/31م.

بعد معركة وادي تجمعت قوات العدو في بيلول وقد واصل الجيش الشعبي هجماته القوية على مواقع العدو بضواحي تلك البلدة واستولى على معسكر العدو في منطقة بحتى وتم تحرير بيلول في يوم 1991/4/5م.

اصبحت بيلول بعد تحريرها جبهة القتال الأساسية مع قوات العدو الاثيوبي حيث استمرت المعارك فيها مع قوات الدرق لمدة 50 يوما بسبب حصول قوات العدو على إمدادات سريعة من ميناء عصب والذي يبعد عن بيلول 60 كيلومترا، وبعد معارك ضارية تمكن مقاتلوا الجيش الشعبي من دخول مدينة عصب في يوم 1991/05/26م اي بعد يومين من تحرير العاصمة أسمرا، واتذكر قبيل شروعنا في الهجوم النهائي على عصب وتحريرها سمع قادة الجيش الاثيوبي اثناء الليل بأن العقيد منقستو هيلى ماريام قد هرب من اثيوبيا، فقاموا هم أيضاً بالهروب من ساحة المعركة تاركين قواتهم من خلفهم، دون ان يخبروهم بالتطورات الجديدة، مستغلين الطائرات الحربية والسيارات التي كانت بحوذتهم، حيث هرب بعضهم الى جيبوتي والبعض الآخر الى داخل اثيوبيا واليمن، وفي الصباح بدأنا بالهجوم ولكننا لم نجد مقاومة تذكر حيث فر افراد الجيش الاثيوبي وهم يجرجرون اذيال الهزيمة والعار، ولا أبالغ اذا قلت بان الساحة بين بيلول وعصب امتلأت بالقوات الإثيوبية الهاربة الى عصب و التي كان يقوم بعضها بقتل نفسه في حالة من الذعر والهلع، فالساحة تحولت الى اللون الأسود بسبب كثرة الجنود بملابسهم العسكرية... وفي تلك الأثناء واصلت قواتنا بالزحف صوب عصب وهي تلملم الغنائم العسكرية وتأسر الجنود رغم قلة عددها مقارنة بالجنود الاثيوبيين.

كيف كان تعاون الشعب مع قوات الجيش الشعبي وهل ارتكبت قوات العدو الهاربة اي جرائم ضد المواطنين اثناء هروبها؟

تعاون الشعب مع الجيش الشعبي في تلك المناطق كان جيداً للغاية، لاسيما في تقديم المعلومات عن تحركات العدو والعمل كدليل لمقاتلي الجيش الشعبي، فالشعب الذي يقطن بمديرية وسط دنكاليا كانت لديه دراية بالثورة الإرترية لصلتهم بجبهة التحرير الإرترية في بداياتها وبالتالي تعاونهم كان جيداً مع الثوار كبقية الشعب الإرتري الذين كانوا يؤمنون بإستقلال إرتريا اما قوات العدو الهاربة ونظرا لهروب قيادتها لم تفكر في ارتكاب اي جرائم ضد المواطنين وانما همها الوحيد كان هو الهروب من ساحة المعركة وانقاذ الأرواح بقدر الإمكان.

Top
X

Right Click

No Right Click