معجم للغة التجرايت أو التجري - الجزء الثالث

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد الحاج - كاتب وناشط سياسي ارتري - ملبورن، أستراليا

31. "إبَّنَتْ": معناها حجر أو صخرة، والجمع إبَنْ (بفتح الباء). وهو معنى موافق لمعناها في الحميرية

حيث ورد في المعجم السَّبَئي (ص 3) أنَّ “'BN” معناها حجر stone. ولا شكَّ أنَّ من ترجم النقوش لأصحاب المعجم السَّبَئي قد أخطأ في التفريق بين المفرد والجمع فحسب “'BN” مفرد فترجمها "حجر" بينما الصحيح هو أنَّ "إبَنْ - 'bn" هي جمع للأحجار.

ومن هنا تتضح لنا أهمية اللهجة الحبابية باعتبارها واحدة من أقدم اللهجات التى تحدثت بها العرب العاربة حيث أنَّ معرفة هذه اللهجة لا شك ستساعد في فكِّ طلاسم النقوش القديمة لدولة سَبَأ وحِمْيَر ورَيدَان ومَعِين وغيرها في اليمن، وأكسوم في أرتريا وشمال أثيوبيا، وربَّما ساعدت في فك طلاسم اللغة المروية في وسط السودان، وهي كما نعلم حضارة عاصرت وواكبت الحضارات التى أقامها الحميريون في أكسوم وشملت أجزاء واسعة من اليمن والسودان الحاليين.

ليس هذا فحسب بل وتطرقنا في كتابنا "الحباب ملوك البحر وأهل السادة" للكيفية التى تطور ها مصطلح تأبين الدارج حاليًا ولا أحد يعرف من أين نشأ. قلنا في الكتاب إنَّ كلمة «تأبين»، بمعنى تكريم الميت والثناء عليه، قد تطورت بطريقة مثيرة وطريفة في نفس الوقت من «إبّنَتْ» بكسر الألف وتشديد الباء «ibbant»، والتي تعني باللَّهْجَة الحَبَابية «حَجَر»، أيَّ حجرٍ، كبيراً كان أم صغيراً، والجمع «إبَن» بكسر الألف وفتح الباء «iban»، على وزن «دِمَن» جمع «دِمْنَة» (وكلاهما من صميم اللَّهْجَة الحَبَابية). أما في اللغة الفصحي فإن كلمة «أُبْنَة»، بالضم تعني: العُقْدة أو العجرة أو النتوء الذي يكون في العُود أَو في العَصا، وجمْعُها «أُبَنٌ». وإذا رجعنا إلى معنى إبّنَة (إبّنَتْ) في لهجة الحباب، فإننا نجد أنَّ كلمات اللغة العربية المشتقة من هذه الكلمة تتسق مع المعنى الذي يسود في لهجة الحباب أكثر من اتساقها مع معنى النتوء أو العجرة التى في العود.

فمثلاً يطلق وصف «مأبون» على الرجل الذي به داء الحَكَّةِ في دُبُرِه، ونعتقد أن هذا الاشتقاق جاء من الأبنة بمعنى الحجر، فقد ورد في الآثار أنَّ سراة العرب وأشرافها، ممن أصابه هذا الدَّاء كانوا لا يبحثون عن ماء الرجال، كما يفعل المخنَّثون عادةً، ولكنهم كانوا يذهبون إلى الخلاء، ويحكُّ الواحد منهم إسته بالأحجار كما تقول كتب التُّرَاث، ومن هنا جاء في نظرنا وصف هذا الداء بالأُبْنَةِ، نسبة إلى الأبنة وهي الحجر، ووصف المُبْتَلى به بالمأبون، أو يقال إنَّ به «أُبْنَة». كذلك نعتقد أنَّ أبْنَة ـ أبَّنَتْ ـ بمعنى الحجر، هي الأصل الذي اُشْتِقَّتْ منه كلمة «تَأبِين» بمعنى الثناء على الميت وتكريمه. فكما هو معروف، كان من عادات العرب، منذ القدم، تكويم الأحجار على قبر الميت تكريماً له، خاصةً عند زيارة القبر، ولذلك فإن التأبين في الأصل هو وضع الأحجار أو «الإبَن» - بفتح الباء - ورصها على قبر الميت تكريماً له.

وبمرور الوقت صار التأبين والتكريم بالاحتفال بذكرى الميت، بدلاً من زيارة القبر، ووضع الأحجار. وهكذا نسي النَّاسُ المعنى الأصلي، ومرة أخرى لن تجد تفسيرا لهذا التطور الاَّ من خلال اللَّهْجَة الحَبَابية لكونها ما تزال تطلق اللفظة الأصلية أبْنَة ـ أبَّنَتْ ـ على الحجر، ونحن نلفت أنظار الباحثين المتخصصين ونقول لهم: هنالك فرصة عظيمة تتوفر بدراسة هذه اللَّهْجَة القديمة، وبالتالي معرفة التطور الذي حدث للغة العرب، ولا سيَّما الجنوبيين على مر العصور...

32. بَتْكَ: فعل ماضي بمعنى قَطَعَ الشَّيْءَ، و"تْبَتَّكَ" إنقطع، والمضارع "بَتِّكْ" بكسر التَّاء، والأمر "بِتَكْ" بفتح التَّاء، والفاعل "بَاتِك"، والمصدر "بَتِيك" و"بِتْكَتْ" و"بَاتَكُوت"؛ وهو معنى يتفق تمامًا مع الفصحى. ورد في (القاموس المحيط): بَتَكَهُ يَبْتِكُهُ ويَبْتُكُهُ: قَطَعَه، كبَتَّكَهُ فانْبَتَكَ وتَبَتَّكَ. والبِتْكَةُ، بالكسرِ والفَتْحِ: القِطْعَةُ. والباتِكُ والبَتُوك هو القاطِعُ. وفي (لسان العرب) البَتْك: القطع. وبهذا المعنى ورد قوله تعالى: "وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ" {سورة النَّسَاء: الآية: 119}.

33. أَف: هو الفَمُ في اللَّهْجَة الحبابية؛ و"أفْكَ" و"أفُوكَ" يعني فمك، والجمع لديهم "أفَوْ" وأحياناً "أفَتْ". وهذا المعنى يتسق مع الفصحى ويجعل اللَّهْجَة الحبابية أقرب اليها من بقية اللَّهْجَات العربية الراهنة حيث إنَّ الفَمَ هو "فُوهٌ" فى اللُّغة العربية الفصحى. قال ابن سيده: الفَاهُ والفُوهُ والفِيهُ والفَمُ سواءٌ، والجمعُ أَفواهٌ. وبصيغة الجمع هذه ورد قوله تعالى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ" {سورة التوبة: الآية: 30}. و"فُوكَ" تعنى فمك، ومن ذلك المثل العربي المشهور: "يَدَاكَ أوْكَـتَا وفُوكَ نَـفَخَ". أمَّا في بقية اللَّهْجَات العربية نجد للفم مسميات مختلفة وبعيدة تماما عن الجذر "ف. و". فمثلاً يسمى الفم "تَـمَّاً" في الشام و"بُـقَّـاً" في مصر و"خَشْمَاً" في السودان و"بُوزَاً" في بعض مناطق الجزيرة العربية وخاصة الحجٍاز، وهكذا. ونشير هنا الى أنَّ ابن سيده قد تحدث باسهاب عن كيفة تحول فوه الى فم وقال: "أَصلَ فَمٍ فَوَهٌ، فحُذِفت الهاء كما حذفت مِنْ سَنةٍ فيمن قال عامَلْتُ مُسانَهةً، وكما حُذِفت من شاةٍ ومن شَفَةٍ ومن عِضَةٍ ومن اسْتٍ، وبقيت الواو طرفاً متحركة فوجب إبدالُها أَلفاً لانفتاح ما قبلها فبقي فاً، ولا يكون الاسم على حرفين أَحدُهما التنوينُ، فأُبْدل مكانَها حرفٌ جَلْدٌ مُشاكِلٌ لها، وهو الميمُ لأَنهما شَفَهِيَّتان، وفي الميم هُوِيٌّ في الفَمِ يُضارِعُ امتدادَ الواوِ" (راجع معجم "لسان العرب"، مادة "فوه"). وابن سيده هو علي بن إسماعيل المرسي الأندلسي، ويكنى بأبي الحسن. عاش خلال النصف الأول من القرن الخامس الهجري بالأندلس، وهو حجة وإمام في اللغة وآدابها.

"34. تُو/تُوم/تَا/تَان": اسم الموصول: ما زال الحباب يتَّبِعُون أسلوباً قديماً لإسم الموصول فيستخدمون للمذكر المفرد "تُو" بمعنى "الذي"، وللأنثى المفردة يستخدمون "تَا" بمعنى "التي" ولجمع المذكر "تُوم" بمعنى "الذين" ولجمع المؤنث "هِتَان" بمعني "هُنَّ". فإذا أرادوا تأكيد هوية من يتحدثون عنه أضافوا هاءً لاسم الموصول (كما فعل العرب الأقدمون في هاتا وهاتين) حسب الجنس ليكون الهاء في لهجة الحباب بمثابة اسم الضمير المنفصل (هو، هي، هم، هنَّ - وسنتحدث عن تلك الضمائر المنفصلة إن شاء الله) فيقولون: "هِتُو تُو" بمعنى "هُو الذي"، "هِتَا تَا" بمعنى "هِي الَّتِي" و"هِتُوم تُوم" بمعني "هُم الذين" و"هِتَان تَان" بمعنى "هنَّ اللَّواتي". مثلاً يقولون: "هِتُو تُو لأقْبَلَ" بمعنى "هو الذي أقْبَلَ" ويقولون: "هِتَا تَا لسَعَيتْ" بمعنى "هي التي سَعَتْ - أصلها في اللُّغة سَعَيَتْ"، ويقولون: "هِتُومْ تُوم لبَلْعَوْا" بمعنى "هُم الذين بَلَعُوا"، ويقولون: "هِتَانْ تَانْ لبَكَيَ" بمعنى "هُنَّ اللَّواتي بَكَيْنَ. وهذه لغة قديمة كانت معروفة لدى العرب. ورد في معجم "الصّحّاح في اللغة" للجوهري أنَّ "تا": اسمٌ يشار به إلى المؤنّث، مثل ذا للمذكر. وورد في معجم "لسان العرب" إنَّ "تا" و"ذي" لغتانِ في موضع "ذِه"، تقول: هاتا فُلانةُ، في موضع هذه، وفي لغة تا فلانة. قال النابغة:-

ها إِنَّ تا عِذْرَةٌ إِنْ لا تَكُنْ نَفَعَتْ* فَإِنَّ صاحِبَها قَدْ تاهَ في البَلَد

35.  ِكَـرْعَ: فعل ماضي بمعنى أوقَفَ الشَّيءَ وصَدَّه؛ والمضارع: تْكَـرِّع، والأمر: كِرَعْ (بكسر الكاف وفتح الرَّاء)، واسم المكان مَكْرَع. يقولون: "يا ربي كِـرْعُو" بمعنى ياربي إكْرَعْـهُ، أي أوقفه وصُدَّه. وقد جاء وتطور هذا المعنى من تَوَقُفِ الكُرَاعِ (الرِّجْل) عن المشي لسببٍ ما، فيتوقف صاحبها عن التقدم. وكما هو معلوم فإنَّ "الكُرَاعَ" لفظة مؤنثة، وهي في الإِنسان الجزء ما دون الركبة إِلى الكعب، ومن الدوابِّ ما دون الكَعْبِ (راجع لسان العرب، مادة كرع). فإذا توقف هذا الجزء فلا شكَّ أنَّه سيتوقف صاحبه، وهذا ما أكده صاحب لسان العرب في مادة "كرع" حين ذكر أنَّ "كَرَعَهُ" تعني أَصابَ كُرَاعَهُ، أيْ عطَّلها. ولذلك فإنَّ "الـمَكْرَعَ" في اللغة العربية، وكذلك في اللَّهْجَة الحبابية، هو المكان الذي يتوقف فيه الشيء عن التقدم. قال الشاعر:-

جِذْمُنَا قيسٌ ونَجْدٌ دَارُنَا * ولنا الأبُّ بِهَا والـمَكْرَعُ

بعد أن أورد هذا البيت، قال ابن دريد في قاموسه "جمهرة اللُّغة"، مادة: أ ب ب، "والـمَكْرَعُ: الذي تَكْرَعُ فيه الماشية مثل ماء السماء؛ يقال: كَـرَعَ في الماء، إذا غابت فيه أكَـارِعُـهُ".

إذن؛ فإن الأصل لإسماء الإشارة في اللغة القديمة هي "تَـا" وما اشتق منها، تماماً كما هو الحال في "ذَا" و"ذِي"، اسمي الإشارة القديمين اللَّذين دخلت عليهما لاحقاً الهاء فأصبحا "هَذَا" و"هَذِي - هَذِهِ". ومن اسم الإشارة "تَا" هذا تفرعت في اللغة العربية وتطورت أسماء الموصول مثل تِلْكَ وتِيكَ وتَـيَّا وتَالِكَ والَّتِي اللاَّتِي، وجمع الجمع اللَّواتِي، وبعد إضافة الهاء: هَاتَان وهاتِيكَ، وكلها مشتقةٌ وتطورت من "تَـا" بمعنى هذه. ذكر اللُّغَوِي محمد بن أبي بكر الرازي في معجم (مختار الصحاح - باب التاء) أنَّ "تَا" اسْمُ يُشَارُ بِهِ إِلَى الْمُؤَنَّثِ مِثْلُ ذَا لِلْمُذَكَّرِ، وَتِهْ مِثْلُ ذِهْ، وَتَانِ لِلتَّثْنِيَةِ وَأُلَاءِ لِلْجَمْعِ. وَيَدْخُلُ عَلَيْهَا هَا لِلتَّنْبِيهِ فَتَقُولُ: هَاتَا هِنْدٌ وَهَاتَانِ وَهَؤُلَاءِ. وَإِذَا خَاطَبْتَ جِئْتَ بِالْكَافِ فَقُلْتَ تِيكَ وَتِلْكَ وَتَاكَ وَتَلْكَ (بِفَتْحِ التَّاءِ)، وَهِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَلِلتَّثْنِيَةِ تَانِكَ وَتَانِّكَ بِالتَّشْدِيدِ. وَتَدْخُلُ هَا عَلَى تِيكَ وَتَاكَ، تَقُولُ: هَاتِيكَ هِنْدٌ وَهَاتَاكَ هِنْدٌ، وَلَا تَدْخُلُ هَا عَلَى تِلْكَ لِأَنَّ اللَّامَ عِوَضٌ مِنْ هَا التَّنْبِيهِ، وَتَالِكَ لُغَةٌ فِي تِلْكَ.

وفي هذا الصدد استشهد اللُّغَوِيُّون ببيت الشاعر الجاهلي عبيد بن الأبرص يصف ناقته:-

هاتِيكَ تَحْمِلُني وأَبْيَضَ صارِماً * ومُذَرِّباً في مارِنٍ مَخْمُوسِ

وكذلك بقول أَبي النجم: جِئْنا نُحَيِّيكَ ونَسْتَجْدِيكا، فافْعَلْ بِنا هَاتَاكَ أَوْ هاتِيكا، أَيْ هذه أَو تِلْك؛ تَحِيَّةً أَو عطيةً‼. كما استشهدوا بحديث عمر: أَنه رأَى جاريةً مَهْزُولة فقال من يَعْرِف تَيَّا؟ فقال له ابنه: هي واللهِ إِحدى بَناتِك؛ و"تَـيًّا" تصغيرُ تا، وهي اسم إشارة إلى المؤنث بمنزلة ذا للمذَكَّر.

36. حَدْرَ: فعل ماضي بمعني نَزَلَ وأقامَ في لهجة الحباب (وهو ليس تحوير لحضر بالضاد)؛ والمضارع: تَحَدِّر (للمفرد المذكر)، وتَحَدْرِي (للأنثى المفردة) وتَحَدْرُوا (لجمع المذكر)، وتَحْدَرَ (لجمع الإناث). وفعل الأمر هو: حِدَرْ، وحِدَرِي (للأنثى) وحِدَرُوا (لجمع المذكر)، وحِدَرَ (لجمع الإناث). والفاعل حَدَار. ويطلق الحباب وصف "حَدَار" على الشخص الذي يستقبل الضيوف ويهتم بهم ويحميهم، وهوشخص مبجل ومحترم وله تقدير خاص في المجتمع. والحَدْرُ في اللغة الفصحى هو النزول والهبوط. قال صاحب "لسان العرب": نقلاً عن الأزهري: " الحَدْرُ من كل شيء تَحْدُرُه من عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ". ثم يقول: "وكل شيءٍ أَرسلته إِلى أَسفل، فقد حَدَرْتَه حَدْراً وحُدُوراً" وأردف: "والانْحِدارُ: الانهِباط، والموضع مُنْحَدَرٌ". ولعلنا نلاحظ أنَّ حَدَار في اللَّهْجَةِ الحبابية بمعنى مستقبل الضيوف قد جاءت من كون هولاء الضيوف في الغالب يأتون على ظهور المطايا (الإبل) ولذلك فإنَّ من يستقبلهم يقول لهم: "حِدَرُوا" أي تَحَدَّرُوا من رواحلكم وانزلوا، ولهذا يطلق عليه وصف "حَدَار"؛ وهو في الغالب يكون زعيم القوم أو شيخاً من شيوخهم ووجهائهم. وهنا نشير الى أنَّ لهجة البطانة قد تأثرت في كثير من المواضع بلهجة الحباب، وربَّما تكون هذه واحدة من تلك الحالات حيث أنَّ "حَدَار" في لهجة أهل البطانة عموماً تعني القائد الذي يحمي أهله وبلاده. قال شاعر البطانة إدريس وَدْ عَلِي وَدْ رَانْفَيْ:-

حَسَّان وأبْ عَلِي وأبْ سِنْ حَدَارْ الجَارْ
كـاتــليـن عـزْ مُكُوكْ كَـمْ بَــرَّدُوهَـا الــدَّارْ
من الـهَــيْـكُـوتَـا لي البَـلَدْ أبْ قَـنَـا وصَفَارْ
مـا خـلــوهــــا نَــــيـَّــــة تَـنْـقَـلـِـبْ لـي النَّـــارْ

وقال آخر:-
لحَـَــوِيِّن فيها فُـرَّاس بخُـوضـــــوا النَّـار
برْكِزُوا الصَّف وباقين لي وطنَّا حَدَار.

37. أخ/ أخو: تقابلها لدى الحباب "حُو" للمذكر، و"حِتْ" للأنثى (مقابل أخت)، وجمع المذكر هو "حَوْ" بفتح الحاء وسكون الواو؛ وجمع المؤنث هو "حَوَات" (مقابل "أخوات" في الفصحى). ونشير الى أنَّ لهجة الحباب لا تعرف حرف الخاء وربَّما كان حرف"الخاء" في الأصل "حاءً" في العربية الجنوبية وقلب لاحقاً في بعض الكلمات الى "خاءٍ" في عربية الشمال فأصبح "أحو" ينطق "أخو" و"أحت" تنطق "أخت" بينما ظلت كلمة مرتبطة بهما يشكل أو آخر (وهي كلمة "حَمُو") ظلت كما هي بالحاء، وهذه قضية نراها مدعاةً للتأمل. نقول هذا وفي ذهننا الشِّعْر الذي قاله شاعر الرسول (ص) حسان بن ثابت، وهو من عرب الجنوب في الأصل، وهجا به عرب الشمال قائلاً لهم: إنكم تعلمتم اللُّغة العربية من منطق جده "يَعْرُب بن يَشْجُب بن قحطان"، و يَعْرُب هذا كما نعلم هو جدُّ حِمْيَر بن سَبَأ بن يَعْرُب، فقال حسان:-

تـعلـمـتمُ مـن منطق الشيخ يَعْرُب
أبِـيـنَا فَـصِـرْتُم مُـعْـربين ذَوِي نـفـر
وكنـتـم قـديـماً مـا لكم غَـيْــرُ عجمةٍ
كــــلامٌ وكنــتم كالـبهـائـم في الـقـفـر
تقـــولون مانــونخ ودونخ وكنـتـــم
إذا ما التقينا كالرصاص على الجمر
منـازلـكم كــــوثى ومـنهـا درجــتمُ
إليـنا كـأفـراخ درجـن من الـوكـر
فنـحـن وأنتم كـالـذي قـال لم أزل
أعـلـمه رمـيـاً ليـمـنـع لي ظـهـري
فلما نشـا واشـتـد سـاعـده رمى
فلم يُخطِ ظهري إذ رمى ولا نحري.

واستشهادنا هنا إنما هو بقول حسان إنَّ لغة أهل الشمال كانت عجمةً إذ يقولون "مانونخ ودونخ" ممَّا يدل على طُغْيَان حرف الخاء في لغتهم تلك قبل استيعابهم للُّغة العربية التى جاءت اليهم من الجنوب (اليمن) عبر قبائل "جُرْهُم" و"بني قطوراء" السبئية، الذين كانوا وُلاة البيت وسدنته قبل قريش.

مهما يكن من أمرٍ، فإننا لاحظنا أنَّ "الخاء" في كثير من الكلمات في العربية الجنوبية تنطق حاءً، ونعطي مثالاً على ذلك بتطور الفعل «أرخ، يؤرخ، تأريخا». وهذا الفعل أصله حِمْيَري مشتق من كلمة «وَرِح» بالحاء وليس الخاء، واشتق منها اسم "أريحا" الذي يطلق بلدات كثيرة في منطقة الشام عموماً بمعنى مدينة القمر، ومازال أهلنا الحَبَاب يسمون الهلال والقمر «وَرِح». وكما هو معروف فإن كثيراً من الكلمات في اللُّغة الحِمْيَرِيَّة (واللَّهْجَة الحَبَابية) تنطق فيها الخاء حاءً (بدون نقطة) مثل «أخو» تنطق «أحو» وتختصر إلى صيغة «حُو»، و«خَال» تنطق «حَال»، و«خَالَة ـ خَالتو» تنطق «حَالتو»، و"نفخ" تنطق "نفح" و«أخونا» تنطق «حُونا» مع حذف الألف كما هي عادة البدو عندما يقولون مثلا «بُونَا» بدل «أبونا».

نعود إلى تطور كلمة «تأريخ» فنقول أصلها «وَرَح» بالحِمْيَرِيَّة، والحِمْيَرِيُّون كما هو معلوم، أهل حضارة وكانوا أسبق من غيرهم إلى معرفة الزراعة والحساب والفلك وكانوا يؤرخون للحوداث بمنازل «الوَرِح» أي «يُوَرِّحُون» بأيام الهلال أو القمر وعندما انتقل هذا المفهوم إلى عرب الشمال أخذت الكلمة حسب اعتقادنا النطق السائد لبعض الكلمات (أقول بعض الكلمات) التى تبدأ أو تنتهي بالحاء فتقلب (أحيانا) «خاءً»، وربما كان السبب في انتشار حرف الخاء في عربية الشمال راجع إلى تأثرها بالعبرية التى كانت تنتشر شمالا في بلاد العبرانيين ـ الكنعانيين. ولهذا جاءت الاشتقاقات المختلفة لهذا الكلمة مثل «وَرَّخَ ـ أرَّخَ، يؤرخ، تأريخا» ... إلخ، ولكن لا يعرف النَّاس أن أصل هذه الكلمة هو «وَرِح»، ولا يدرون كيف تطورت وجاءت منها المعاني المعروفة اليوم. وهذا ما قصدناه من أهمية لهجة الحَبَاب حيث أن نَفَخَ تنطق نفح وخَلَفَ تنطق حلف، وخَمْسًا تنطق حمس، وخَنَقَ تنطق حنق وتَمَخَّضَ تنطق تمحمض وخال تنطق حال، وهكذا كثير.

38. دَبْأَ: فعل ماضي بمعني أغلق وقفل بلهجة الحباب، والمضارع "تدَبِّء" والأمر "دِبَأْ" بكسر الدَّال - دلالة على ألف الأمر المحذوف - وفتح الباء، والمصدر "دَبِءْ". يقولون مثلاً: "دِبَأْ لَبَاب" بمعنى أغلق الباب. والمعنى يتوافق مع الفصحى حيث وردفي (العباب الزاخر، مادة دَبَأ): دَبَّأتُ الشيء ودَبَّأْتُ عليه تَدْبِيْئاً: إذا غطَّيت عليه وواريته.

39. نَأْشَ: فعل ماضي بمعنى قَلَّ وصَغُر في لهجة الحباب، والمصدر "نِئِش" بمعنى القِلَّة والصِّغَر - عكس الكَبِر، والصفة "نُؤُوش" للمذكر، و"نِئْشِتْ" للمؤنث. يقولون: "جِنَا نُؤُوش تُو" بمعنى هو طفلٌ صغيرٌ. وهذا المعنى يتوافق مع ما قالته العرب حيث وجدت في الصفحة 236 من كتاب "الجيم" لإبي عمرو الشيباني قوله: "ما أخَذْتُ إلا نَئِيشًا، أيْ قليلاً". وتقول العرب كذلك: "ناقة مَنُوشةُ {منؤوشة} اللحمِ" إِذا كان لحمها رقيقاً أو قليلاً.

40. ظَبِحْ: تعني وجبة الفطور لدى الحباب وأصلها "صَبِحْ"من الصبح أو الصباح لأنهم كانوا - حسب العادات التي كانت سائدة - يتناولون ما يعرف الآن بوجبة الفطور عند بزوغ الفجر. وقد أشرنا الى أنَّ حرفي "الصاد" و"الضاد" لدى غالبية الحباب ينطق بطريقة تشبه الظاء (وليس ظاءً كما نعرفه الآن): أمَّا البعض الآخر ومعهم بنو عامر فيقلبون الصاد والضاد الى "طاء" فيقولون مثلاً: "طَبِحْ" بدل "ظبح"، و"طِلَال" بدل "ظلال" بمعنى الظِّل لدى الحباب، وهكذا. وقد لاحظت أن أهل حضرموت يسمون وجبة الإفطار "صبوح" مما يدلُّ على اشتراك اللهجتين بطريقة أو أخرى في المعنى.

إلى اللقاء... في الجزء القادم

التعليقات  

اسامة
#اسامة2019-06-11 18:56
تحياتي

مجهود خرافي في التأثيل،
استفدت كثيراً في تاصيلك لبعض الكلمات
بودي اسألك عن كلمة قُجَّة التي تعني الشعفة أو الشعر المتكوم على الرأس
هل هي كلمة من التجريت ؟
لأنني سمعت أنها في لغة التجريت تعني القطية
بينما يقول عون الشريف في قاموسه أنها نوبية.
رد
اسامة
#اسامة2019-06-12 05:12
تحياتي

الكلمة في الرقم ٣٥ كرع بمعنى توقف أو منع، التي ارجعت أصلها إلى الكراع = الرجل.
وهو تفسير جميل نال اعجابي.
وقد ارجع اصلها عون إلى قرأ الفصيحة = جمع وحشد، ومنها القرآن لأنه جمع وضم مع بعضه.
وانقرأ = جمع وحشد
ولكني ارجعت أصلها في حسابي على تويتر إلى قرع الفصيحة من غير ابدال او قلب.
ففي اللغة: قرع الدابة: كبحها.
ما رأيك ؟
رد
Top
X

Right Click

No Right Click