رائد الفن التشكيلي احمد بلال ادريس - الجزء الثاني والأخير

بقلم الأستاذ: عبدالقادر شيخ حسين شيخ زايد - أبو رأمي

لمعرفة انتشار اشاعة سرقة كلية احمد بلال في المستشفى وهو معتقل دار بيني وبين الاخ عبدالحميد محمود بلال

صور تشكلية رائعة

(ابن اخيه) داربيننا حوار (ماسينجري) نفى عبدالحميد ماقيل عن هذه السرقة وقال لي بالحرف الواحد هذا ليس بصحيح
شاءالله عز وجل ان يخلقه بكلية واحدة وحالب واحد حتى ان عظمة ذراعه واحدة اي ان (العظمتين ملتصقتان) وهذا سِرُّقوته الزائدة اذكان معروفا بقوته وحدة طبعه وانه كان يضرب خصمه ضربا موجعا كان مقداما في شجاعته وفي فنه مماعرضه للسجن اكتشف عظمة ذراعه في ايامه الاخيرة وهو يفحص وجدوا ان العظمتين ملتصقتين ونفي لعبدالحميد ان يكون خضع لأي عملية اثناء اعتقاله وقال له (سبحان الله كنت كالأسد لايقف امامي خصم إلا وصرعته كنت افعل هذا ولاعلم لي ان الله خلقني بكلية واحدة).

ولنعد الي ايام سجنه اكتشفو اشغفه بالقراءة والاطلاع لشتى صنوف الكتب فاستعان به مأمور السجن في اموره الخاصة إلى ان اوصله للمأمور العام للمنطقة ليساعده في اعطاء كورسات لابنه والذي كان يدرس في المرحلة الثانويه
ومنذ ان بدأ الاستاذ احمد بمده بجرعات متتاليه من الدروس نجح الطالب وبتفوق ومن ثم تم مراعاته وتخفيف الحكم والرقابة عليه فسمح له بالخروج يومين في الاسبوع بشروط وبصحبة شخص امني وشريطة ان لايتحرك من هذه المنطقه. وعلى ان يسجل حضوره صباح مساء.

هذا الخروج الذي حدد بيومين منحه مساحة من الحرية والانطلاق والتعرف بأهل سكان تلك المنطقة حيث تعرف بصاحب دكان. وكان يتعامل معه حتي كون معه علاقة قوية ولفتت نظره ابنته التي كانت تساعده في الدكان احس بالحب يطرق بابه من خلال هذه البنت وسرعان ماطلب يدها من هذا الرجل قديكون ابيها او خالها ولم يترددو في الموافقة وباركوا بالخطوبة. ومن ثم الزواج وبعد ان وافقت ادارة السجن وسمحت له بالزواج عاش بعد الزواج في استقرار نسبي ومارس مهنة الرسم والتدريس. والتجارة المحدوده هناك.

وللمعلومية كانت هناك عوامل ادت لتخيف السجن او الرقابة عليه نذكر منها ـ ثقافته الثرة والتي لفتت انظار الضباط مما جعل بعضهم يستعين به في اعطاء دروس لهم ولأبنائهم ولمسو التغير في مستوى ابنائهم.

ـ بعد ان سمح له بالتحرك وتخفيف الرقابة كان يقوم بتلبية طلبات اهل المنطقه من رسوم بعد ان ذهلو من موهبته في الرسم فكان يرسم لهم بؤجور زهيده، هذا ماجعل معظمهم يطلبون من المسؤوليين بالتخفيف عنه واطلاق سراحه.

وهو علي هذه الحالة الي ان جاء انقلاب 1974 بقيادة منقستو هيلي ماريام فكان ممن شملهم العفو واصل بعد اطلاق سراحه في مهنته المفضلة التدريس والرسم والتجارة.

وتواصلة المراسلة بينه وبين اخوته واخواته من علي البعد تمكن محمود اخيه من زيارته بعد ان تعرف على مكانه بالسجن.

رزقه الله وهو في اثيوبيا ببنت سماها (الهام) واعتقد انه كان موفقا الي حد كبير في هذه التسمية فقد الهمته هذه المولودة الكثير من لوحاته الخالدة، بالطبع فرح الاهل بعد سماع اطلاق سراحه بل فرحت كرن واهلها بهذاالخبر السار لشخص احبوه وحرموا من رؤيته لسنوات.

بعد مدة قصيرة تأهب احمد للعودة لوطنه الأم ولأهله اشقائه وشقيقاته واقاربه واصدقائه واحبابه وبني وطنه
توجه الى ارتريا المستعمرة آنذاك ليستقبل بالأحضان.

استقبل استقبال الفاتحين لتتحول ساحات منزلهم العامر الي عرس بهيج اختلطت فيه دموع الفرح بهذا القادم جاء احمد بصحبة زوجته ام الهام وبطفلته الهام وقضي ايام وشهور وسنوات معدودة كانت حافلة بإنجازات لوحات تاريخيه قام برسمها في كرن واسمرا مازالت تزين بيوت الكثيرين من بني وطنه.

بعد مدة قصيرة رزقه الله ببنت ثانيه سماها (نوال) اسماء لها دلالاتها لان الفنان بالتأكيد يرى اكثر مما نرى ويتذوق اكثر مما نتذوق لان الفنون انواع والرسام هو شيخ الفنانين.

اثناء وجوده في كرن بعد اطلاق سراحه تفرغ للرسم وقد حكى لي الاخ محمد سليمان الملقب ب(محمد سقرين) وهو جار لاحمد بلال.

محمد من ابناء كرن المشهورين وكان له دكان يحمل اسمه حتى الآن رغم انه ابتعد عنه منذ اكثر من عشرين عام.

حكى لي محمد انه كان تاجرا وقد جلب حنة من السودان للبيع ولكنه تعرض لخسارة كبيرة حتى انه اضطر لبيعها بثمن بخس اي بنصف المبلغ هدته قريحته ليطلب من احمد بلال بأن يرسم له ظرف حنة على غرار حنة التاج السودانية عله يجد لها رواجا.

عرض الفكرة على احمد بلال فوافق وفي فترة وجيزة سلمه احمد الظرف والذي حمل اسم (حنة الوزة البيضاء تعبئة محمد سليمان) تعجب محمد من براعة احمد في الرسم وعلى الفور توجه للعاصمة اسمرا وطبع من الظرف 2000 نسخة وقام بتعبئتها وبيعها في السوق.

ماان رأي الناس ظرف الحنة الجديد حتى تخطفوا الحنة ونفدت في وقت وجيز هذا مادفعه لمرات على ان يطبع من الظرف آلاف النسخ مرات ومرات كانت رسمة الفنان احمد سببا في رواج سلعته.

وهنا تحضرني قصة عربية ظريفة متداولة ان عربيا كان يبيع اخمرة سوداء جمع (خمار) كسدت سلعته ولم يجد من يلتفت اليها فطلب من شاعر عربي ان يروِّج له لسلعته بأبيات من الشعر علها تكون سببا لبيعها فأمده الشاعر العربي بهذه الابيات:-

قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بزاهد متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه
حتى خطرت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه
لاتقتليه بحق دين محمــــد

سمعت النساء بهذه الابيات حتي سعين في شراء الخمار وبيعت كلها في وقت وجيز.

هكذاهي الفنون بشتي انواعها تخدم كل الاغراض اكانت الرسم بالكلمات ام الرسم باللوحات.

عاش احمد وسط اخوته واخواته ومحبيه من بني وطنه في كرن.

لم يكن يعلم ان الايام تخبئ له مفاجأة !!

رزقه الله من ام بناته بمولود اسماه فيما بعد (حيدر) والمفاجأة ان زوجته التي جددت حياته وحولتها الي ورود
اذا بها تفارقه فجأة ودون مقدمات اووداع، توفيت وهي في حالة وضوع، اظلمت الدنيا في عينيه كان الوقع اليما علي احمد بلال فارقته زوجته وحبيبته التي عاش معها اجمل ايامه كانت ارادة الله هي الاقوى.

وزادت مأساته حتى ابنه حيدر لم يعش بعدامه طويلا حيث فارق الحياة وهو في شهره الثالث.

عاش احمد اياما عصيبة فارق في شهور معدودة زوجته وابنه.

الهام ونوال كنَّ في كنف الاسرة العامرة إلى ان احتضنتهن عمتهن مدينه بلال وعشن وسط العمات والاعمام في وئام
اما احمد رفض ان يتزوج بعد ام الهام والتي الهمته ان الحب الحقيقي مرة واحدة (ماالحب الا للحبيب الاول) رفض الزواج بعدها الى ان توفاه الله.

بعد وفات زوجته جلس مدة في كرن ولم ينسي قضيته العادلة ولم تثنه تلك الاوضاع العصيبه التي مر بهاان تنسيه قضيته وكان علي صلة دائمة بالثوار.

ولما لم يعجبه الوضع واحس بالمضايقات والرقابة تتتبعه توجه الي الميدان لينضم لاخوته الثوار مدة لاادري كم هي.

لم يعجبه الوضع وجد الخلافاتات بشتي انواعها تنخر في عظام الثورة (جبهةالتحرير).

تأسف لما آل اليه الوضع بهذه الثورة التي اكتسبت شعبيةعريضة وقادتها في خلافاتهم يعمهون.

دخل السودان وعمل في المكتب السياسي لقوات التحرير الشعبيه ورأى بؤم عينه الوضع يسير من سيئ لاسوء انتقل لجهاز التعليم الارتري ورافق محمود سبي في رحلاته المتعددة.

احمد شخص لايعجبه الحال المايل استاء من وضع الثورة التي انحرفت عن مسارها، رأي التعنصر والتحزب والتشرزم يمتدكسريان النارفي الهشيم ليدمر الاخضر واليابس.

قررالابتعاد والاغتراب توجه نحو السعوديه بعد ان رأي احمد وضع الجبهة ومن ثم وضع قوات التحرير ينحدر الى اسوء قررالرحيل واختار حياة الاغتراب متوجها نحو المملكة العربية السعودية وبدأ العمل في مصنع التحلية حيث عمل نائبا للمدير لسنوات.

عمل فيها بتفان واخلاص وهو المجبول على حب العمل منذ صغره مارس مهنة التدريس وتنقل في معظم المدن الارترية وحتى اثناء اعتقاله وبعد ان خففوا عليه الرقابه كان يمارس الرسم والتجارة والتدريس في اثيوبيا وحكى لي شقيقي خلف الله ان احد اليمنيين التقى بأحمد بلال في السعودية وسأله هل تعرفني قال لا: فقال له انا احد طلابك الذين درستهم في اقليم القاش بركا وقد كان احمد احد الذين جاءو في المرتبة الاولى في علم الرياضيات وعلى مستوى اثيوبيا بأكملها.

احمد كماهو معروف بفنه ولوحاته المميزة كان ايضا معروف بشخصيته القويه وكان رجلا مهاب الجانب لايرضى الضيم لا لنفسه ولا لغيره.

ذات مرة تفوه مديره السعودي بكلمات عنصرية فيه وهناك رأي آخر ان السعودي تفوه بها لشخص ارتري فلم يتجاوزها له الاستاذ احمد امسك به وقفل عليه الباب واوسعه ضربا مماجعله ينقل للمستشفي جراء الضرب المبرح قام احمد على اثر هذاالحادث بتقديم استقالته على الفور وفضل مهنة التدريس الخاص.

وقد كان احمد رغم حزمه كان كريما ويحب الخير للغير ذكرت لي ابنته الاعلامية نوال احمد بلال ان والدها اهدى لوحة لأحد الامراء السعوديين فأعجبته وقال لأحمد تمنى ماتريد وانا مستعد لتلبية طلبك ؟

فرد عليه وبكل فخر انا اهديتك اياها ولكن مادمت مصرا فإن لي اخ بالسودان اريدك ان تساعده بفيزه ليتمكن من العمل بالسعودية وقد كان له مااراد. وذلك الشخص كان ابن خالته علي اسماعيل.

قالت لي نوال التي تفتخر بهذا الاب الشهم انه كان متعدد المواهب مارس مهنة الرسم والرياضه بشتى انواعها كرة القدم والعدو وحمل الأثقال والقفز بالزانا وذكرت لي قائلة قيل لنا انه كان يكتب الشعر كان رجلا موسوعة عليه رحمة الله.

ومن المعلومات الاخيرة التي اسعفني بها الاخ جعفر بشير بلال ان احمد بلال هو من قام بكتابة اسماء الايطاليين الذين يرقدون في مقبرة الطليان الشهيرة بمدينة كرن.

ومن الطرف التي حكتها لي ابنته نوال انه ضرب احد الاولاد جاء الولد باكيا الى والده واخبره بأن احمد بلال ضربه سأل ابو الولد لأحمد عن سبب ضربه فقال له احمد وجدته يرتدي قلادة وهذه ليست من عادات الرجال عندنا فقال له والد الطفل خيرا فعلت وشكره علي تصرفه تجاه ابنه.

نوال الفخورة بأبيها والتي تعيش مع شقيقتها (الهام) حياة الاغتراب شكرتني لاني نفضت الغبار عن شخص لم يأخذ حقه اعلاميا ولكن سمعته عطرة شفهيا لاسيما في مدينة كرن مسقط رأسه.

اننى مندهش من هذاالرجل واتسائل كيف كانت تتوفر له وسائل الرسم من ريشه والوان في وقت كان فيه الحصول عليها من سابع المستحيلات لكن مادامت العزيمة والموهبة موجودة فلا مستحيل تحت الشمس ولوكانت همة ابن آدم في الثريا لنالها.

حكى لي ابن اخيه عبدالحميد محمود بلال قائلا من حسن حظي ان عمي تولى امر زواجي ورقص معي في ذلك اليوم فلم اتمالك نفسي في تلك اللحظة وعانقته والدموع تسيل من عيوني واحمد في ذلك الوقت كان يعاني من داء عضال كان ينخر في جسده تبين فيما بعد انه سرطان داهم كليته وانتشر على وجه السرعة.

كان يتابع العلاج ومن ثم اصبح طريح الفراش لاشهر قليلة وكان يقيم مع ابن اخيه جعفر بشير بلال في الرياض وتوفي في مستشفى الحرس الملكي السعودي من عام 2006 اي في نفس العام الذي كان فيه زواج ابن اخيه عبدالحميد ودفن في مقبرة ام الحمام رحمه الله برحمته الواسعة وجعل مثواه الجنة مع الخالدين.

احمد بلا رحل عنا منذ احدى عشر عاما ولكن خالد في قلوبنا لأنه رمز من رموز الوطن والرموز قد ترحل بجسدها ولكنها تظل خالدة في قلوبنا.

اخوتي القراء تجميع لوحات الاستاذ احمد هي مسؤولية كل منا ولاتخص شخصا بعينه لوحاته موزعه مابين ارتريا واثيوبيا والسودان والسعوديه فالنشمر عن سواعدنا للبحث عنها وتجميعها وتأسيس موقع لها لتكون في متناول الجميع
احمد ليس ملكا لاسرته واقاربه احمد هو ثروة قوميه وملك للشعب الارتري بأكمله دون تمييز لان هذا الشعب ناضل وكافح دون تمييز وحقق الاستقلال فكذلك الابطال والرموز هم ملك للشعب الارتري وخالدون للابد واحمد هو احد هذه الايقونات الخالدة.

شكر وعرفان لأولئك الذين امدوني بمعلومات قيمه عن الرسام احمد بلال منهم:-

• العم/ بابكرالطاهر،
• فاطمة صالح - ارملة المرحوم محمود بلال،
• محمد سليمان (سقرين)،
• آدم حاج سمكري،
• عبدالحميد محمود بلال،
• جعفر بشير بلال،
• عبدالعزيز محمد ادريس رباط،
• نوال احمد بلال.

وليعذرني الاخوة الذين نسيت ذكر اسمائهم سهوا وليس عمدا.

والسلام عليكم

Top
X

Right Click

No Right Click