نبارينا ماذا تعني كلمة سِرِعْ بالتغرايت - الجزء الأول

بقلم الأستاذ: عبدالقادر شيخ حسين شيخ زايد - أبو رأمي

سِمْ حَمَاتْيِي دِيبْ أمِّرَا إكَجِّلاَ.

ما هو الاسم الثاني لعمر وصالح وعثمان ومحمود وحكاوي طريفة.

المثل المذكور اعلاه من الامثال المشهورة والمتداولة في لغة التغري وسمعته لأول مرة من فم العم "محمد نور دَلَّلِّي" في اجتماع عبر الإدارة في القطاع رقم 2 جلسنا سويا وتناولنا بعض المواضيع قبل بدء الاجتماع واثناء النقاش الذي دار بيني وبينه ذكر لي في معرض حديثه هذا المثل والرجل بلا شك من الاعيان في كرن ومن اهلنا المنسع ولغة التغري يمتلكون ناصيتها بلا شك.

اصغي اليهم وهم يتحدثون بها احس ان لها لونية ومصطلحات عندهم تميزهم وكأنها لغة ملحَّنة.

وبالتأكيد لكل ناطقي التغري ـ كل حسب موقعه ـ له ما يميزه اثناء نطقه كسمهر وبركا والساحل فنستطيع من خلال مايتخلل في حديثهم من بعض الكلام ان نعرف إلى اي اقليم ينتمون.

وانها اختلافات ومميزات طبيعية في النطق مثل اللهجة العربية واختلافاتها الطفيفة في الدول العربية كلهجة السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارت رغم عروبتها.

كماهو معلوم في مجتمعاتنا الارترية لايمكن ان ينادي الرجل زوجته بإسمها المجرد.

ويعجبني مجتمعنا بكل طوائفه عندما ينادون لكلا الجنسين بإسم الجمع تعظيما سلام عليكم‘ سمعوني هليكم "مدول مطكم".

وحتى ابناؤنا وبناتنا ينشؤون على هذا النمط فيتحدثون مع الآباء والامهات ومع الكبار من كل الاجناس بإسم الجمع وصدق الشاعر العربي وهو يقول:

وينشأ ناشئ الفتيان منَّا
على ما كان عَوَّدَهُ اَبوهُ.

وحتى المرأة من المحذور في العادات المتبعة ان تنادي زوجها ووالديه واخيه واخته بإسمهم وزوجها تناديه بالكنية.

والكنية في تفسيرها اللغوي هو ما يجعل علما على الشخص غير الإسم واللقب مثل ابو الحسن او أم بخيتة والقصد منه التعظيم والتقدير والاحترام.

اي كلا الجنسين لايمكن بحال من الاحوال ان ينادي الشريك او يذكر اسمه مجردا.

وان لم تكن له كنية او لقب وحتى يرزقهم الله الولد قد تختار له اسما زاهيا ومغريا كصندلاي ومندلاي وروماي و...الخ.

وبمجرد ان يرزقهم الله بولد تناديه بإسم ابنه او بنته البكر.

والكنية منتشرة في سكان المنخفضات ومعدومة تماما في سكان المرتفعات او بعبارة اصح في من يعتنقون النصرانية.

ان عادات وتقاليد بعض مجتمعاتنا الإرترية تستوقفك احيانا بل تجعلك تفخر ببعض مزاياها.

اتذكَّر في غابر الازمان موقفا لن انساه وذلك عندما ذهبت مع والدي ـ رحمه الله ـ لزيارة شقيقته ـ رحمها الله ـ في بيتها سلم عليها وجلس على الكرسي ولم يجلس على السرير فسألت والدتي ما السر في هذا؟ فقالت لي انها عادات مجتمعنا الارتري لايمكن ان يجلس في سرير شقيقته حبا واحتراما ليس إلَّا وقد تدخل مثل هذه الظواهر في باب من ابواب ال "سِرِعْ" المحظور فقلت ونفسي ذاك زمان قد تقادم عهده.

قصة اخرى لاتخلوا من شهامة وطرافة وقد حكاها لي صديقي ابراهيم إدريس "كربيت".

وبما ان الشيئ بالشيئ يذكر عندما اخبرته سأنزل مقال في ال "سِرِعْ" حكى لي هذه القصة التي اعجبتني جدا وهي قصة حقيقية وقعت احداثها في عهد الدرق اي عهد الاستعمار الإثيوبي وتحديدا في عهد منقستو هيلي ماريام.

ان امرأة توجهت الى مكتب الإغاثة مثلها مثل الكثيرين الذين تضرروا جراء الحروب التي كانت تدور بين المستعمر والثوار الإرتريين وذلك في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي ونزح البعض ودخل المدن جراء الحروب الضارية آنذاك.

ذهبت المرأة لأخذ حصتها من الإغاثة فسألوها عن اسمها واسم زوجها واسم حماها؟ اخبرتهم بإسمها ثم طلبوا اسم زوجها ايضا اخبرتهم وهي مكرهة وسألوها عن اسم والد زوجها فرفضت ان تخبرهم اسم حماها سألوها عن السبب فأخبرتهم من باب الاحترام والعرف المألوف وانه من ال "سِرِعْ" المحظور عندنا وطلبوا منها ان تتراجع عن هذا الاصرار فرفضت الانصياع وهم اصروا على عدم اعطائها حصتها من القمح فعادت لبيتها خاوية الوفاض ومن ذهبوا معها عادوا محملين بالقمح والزيت.

شاهدها والد زوجها وهي عائدة صفر اليدين فسأل عن السبب؟

وعندما اخبروه بما تعرضت له من اسئلة محرجة واصرارها على عدم ذكر إسمه وهي المحافظة على ماتربت عليه من عادات اعجبه هذا الموقف الشهم والشجاع من زوجة ابنه وقال للحضور "لُوهَا فِلِيتْ فِتْحُو إقْلَا" يقول "اطلقوا لها البقرة" اي انه امر بإطلاق بقرته ليُهديها لها لموقفها الذي رآه قويا ومشرفاً.

هناك "سِرِعْ" مقبول ان كان يقصدمنه التقدير والاحترام كما اسلفنا.

وهناك بعض العادات التي استمرت لردح من الزمن ثم لفظت ولا ادري هل تدخل في قائمة ال "سِرِعْ" ام لا وهي مرفوضة وممجوجة كرفض بعض القبائل ال حَلِبْ وعندما يسأل يقول لك ـ نِحْنَا سِرِعْنَا تُو ـ والقصد منه التعالي والترفع والتفاضل من بعض القبائل وهذا من جميع النواحي مرفوض جملة وتفصيلا.
وهذه العادات الآن بشقيها الايجابي والسلبي بعضها إندثرت وبعضها في طريقها للإندثار. واقصد بها مناداة الرجل او المرأة بالاسم المجرد ومسألة حلب الشاة او البقرة او الناقة ويوم الأربعاء.

وتدخل الأربعاء من ضمن العادات التي كانت متبعة الى عهد قريب وهو ما يسمونه ب "الْأرْبَعَا يِتْدَوِّرْ".

وسميت بذلك لتفردها وحسب ما ذكره الأخ ابو نجاة ان السبت تتبعها الاحد والاثنين تتبعها الثلاثاء حتى ان قبائل المنسع كانوا يقولون لهذين اليومين "سَنُو وتَلَاشَنُو" والخميس تتبعها الجمعة وتظل الاربعاء لوحدها ـ لَتَلِّيَا ألَبَا ـ وبذا سميت "الاَرْبَعَا يِتْدَوِّرْ".

وقد خالفه البعض في هذا الرأي.

في الازمان الغابرة في يوم الأربعاء بعض القبائل كانوا لا يحرثون ولا يحلبون وحتى تداول النار موقوف او ممنوع لايأخذون نار من الجار ولا يعطونه ان طلب ولا يحلقون فيها رؤوسهم وذقونهم.

وهذه ايضا تدخل حسب رأيي من ضمن العادات التي لا طائل من استمرارها وهي الآن بالفعل اختفت تماماً.

من ضمن تلك العادات التي كانت تعجبني "ايام زمان" الرجل المزارع وهو ممسك بمحراثه ما إن يشاهد جنازة قادمة "اَيًا كانت" يقف إجلالا لها ويطلق سراح الثيران ويتوقف عن الحرث في هذا اليوم حتى لو كانت المساحة التي كان سيزرعها قد نثر فيها البذور فتكون البذور هذا اليوم طعاما ساقه الله للنمل والطيور وكان يلحق بالجنازة فوراً.

وبالطبع بعض انواع السِرِعْ تختلف من قبيلة لأخرى ومن اقليم لآخر.

في السرع اسماء لاتنطق بها المرأة لانها اصبحت من السرع او من المحظور.

ومن العادات السائدة مازال بعض النسوة حتى يومنا هذا يتداولن هذه الاسماء او بعبارة اخرى مازالت سارية النطق تنطقها الأم على وجه الخصوص لأن هذا الاسم قد يكون مطابق لاسم حموها او اسم اخي الزوج او ما يماثل... حتى ان هذا الاسم الثاني اصبح يطغى على الاسم الأول في بعض المجتمعات لكثرة تداوله.

لكن معظم المجتمعات جعلت من هذه العادة من عالم الماضي واضحت مجرد ذكرى.

ومن تلك الاسماء وما يقابلها نذكر على سبيل المثال لا الحصر:-

حامد – عنجة،
محمود – معقب،
إدريس – رشيد،
عمر – مانقيت،
عثمان – قمية،
علي – قبشة،
صالح – تَوْلي،
ابراهيم – خليل او أبِّرْ،
بخيت – دُنُّوس،
ْمالك – مِكْسَا او موسى،

وقد يختلف فيها البعض فيقول مكسا تقال ل موسى والبعض يرى رأي آخر.

فهل هناك من شخص يؤكد لنا لمن هو اسم مكسا؟

هناك اسماء اخرى وما يقابلها قد لايتسع المجال لذكرها لضيق المساحة.

وعلى ذكر ـ مِكْسَا ـ تحضرني طرفة مضحكة جدا ذكرها لنا شيخنا ومعلمنا ومربينا الجليل محمد علي زرؤوم ـ مؤسس معهد عنسبا الإسلامي ـ وذلك ايام الدراسة وكان ذلك في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي كان كثيرا ما يتحفنا بالطُّرَفْ والنكات ـ مد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية ورزقه حسن الخاتمة.

قال لنا يُقال ان امرأة كان اسم حماها مالك او موسى وكانت تقرأ القرآن فقرأت سورة الفاتحة وما ان وصلت للآية "مالك يوم الدين" حتى بدلتها ب "مِكْسَا يوم الدين" مخافة ان تنطق بإسم زوجها اوحماها.

ودعوني اختم مقالي بموقف مشرف لبنت حواء الإرترية في الزمن الغابر فمرأة ذلك الزمان عندما يمر بها الرجل تغطي وجهها احتراما وتفسح المجال له ليمر.

وإن كانوا مجموعة من الرجال قد تقف وتدير ظهرها وقد تأخذ احيانا وضع الجلوس احتراما والوجه مغطى حتى يمر الجمع.

وهذه العادة مازالت مستمرة في مجتمعنا الريفي بشقيه المسلم والمسيحي وبالذات في اقليم عنسبا بل في معظم الاقاليم الارترية بمختلف طوائفه.

انها سمة المرأة الارترية الفاضلة.

ثلاثة اشياء في مجتمعنا الإرتري لها قيمتها كانت ومازالت حيث يقومون لها وقوفا إجلالا واحتراما وهي:-

1. عند مرور رئيسهم او عمدتهم.

2. ويقفون إجلالا للعريس في ايام عرسه وبهجته.

3. وعند مرور الجنازة.

وهذه عادة يتفق عليها الجنسين.

والإنسان يكون مهابا ومعظما عندنا ويستحق الوقوف إجلالا وإحتراما في يومين:-

1. يوم عرسه.

2. ويوم خروج نعشه.

نواصل... في الجزء القادم

 

قبل ختام هذا الجزء يا احبابي، هذا المقال قابل للتصحيح والتعديل لأن مصادره شفهية وقد يتفق معها البعض ويختلف آخرون وقد لاتخلوا بعضها من اخطاء غير مقصودة.

وكنت اظن ان ما كتبته عن السرع يكفي ولكنه سيجرني لجزء آخر، فإلى ان التقيكم في جزئه الآخر. وسيكون ما حكاه لي البعض من قصص حقيقية كانت مثيرة ومضحكة والى ان التقيكم في الجزء الثاني سلاااااامتكم.

اعتذار:
اصبحت من فترة لأخرى تواجهني مشكلة في موقعي بالفيس مرة مع ضعف الشبكة ومرة اجد مشكلة في الجهاز ومرة يختفي الموقع فيأخذ مني زمنا لترويضه وإعادته لسابق عهده، هذا ما يجعلني اَتَلَوَّمْ مع بعض الاخوة والاخوات المعلقين على مقالاتي ويمضي الزمن دون ان ارد والرد ان لم يأت في حينه يفقد مغذاه، لذا استميحكم عذرا ان لم اعلق على بعض تعليقاتكم في كتاباتي وعلى بعض مقالات اصدقائي التي تستحق الرد للأسباب التي ذكرتها.

ولدي مقالاة كنت قد بدأتها ولم اكمل حلقاتها واعدكم بالعودة لتكملتها إن شاء الله.

ولكم العتبى حتى ترضوا، محباتي لكم جميعا فمعكم وبكم تزدهر صفحتي وبإطلاعي على مقالاتكم الهادفة تزداد ثقافتي ومعرفتي.

Top
X

Right Click

No Right Click