قصة السخاءُ زينةُ الرجال

بقلم الأستاذ: عبدالعزيز إبراهيم العامري - كاتب وفنان تشكيلي

السلام عليكم ورحمةٌ من الله تعالى وبركاته. إخوتي الأكارم وأخواتي الكريمات،

علي درء

أسعد ربُ الكون أوقاتكم وأيامكم بكل خيرٍ وبركة.

سبق لي أن قصصتُ عليكم بعض القصص التي تحكي عن الفروسيةِ والشكيمة. وجئتكم اليوم بقصة تحكي عن الكرمِ والسخاء. وهي لرجلٍ كريمٍ متوجٍ بالجمالِ يدعى علي درء وهو من مدينةِ أغُردات الغنيةِ عن التعريف.

سافر علي درء ذات يوم لكي يشتري لأهله القوت والكساء وكان معه ثلاثة بعير. أحدهم للركوب والإثنان ليحمل عليهما ما سيشتريه من البضاعة. وبينما كان في طريقه للسفر، إذ مقلت مُقلتيهِ امراةً تعترض دونه الطريق وهي تحمل طفلاً صغيراً ومعها جمل ماسكة بزمامهِ.

وما أن اقترب منها حتى سألها قائلاً: مالك تعترضين الطريق يا أمةَ الله؟ فأجابته والعبرة تخنقها، أنا من هذه القرية الصغيرة يا إبن الكرام وهذا دأبي، كل مرةٍ في الشهر اقف هنا بجملي هذا وبين يدَي بعض الدراهم وأقول للرجال الذين يذهبون الى السوق، خذوا معكم جملي هذا وأشتروالي كذاوكذا. واعطيهم الدراهم فكانوا يجلبون لي ما احتاج اليه. ولكن اليوم مروا بي رجال عديمي الرحمة فأبوا ان يأخذوا معهم جملي وهم يسمعون ابني وهو يبكي من حرارة الشمس. أنا امراةٌ ارملة، قد مات زوجي قبل سنة وترك لي هذا الجمل وبعضُ الغُنيمات... لم تكمل حديثها إذ انسابت دموعها صبابةً على خدَيْها.

سألها علي درء قائلاً: اين بيتك يا إبنة الأكارم؟ وصفت له بيتها وصفاً دقيقاً. فلما تأكدَ من موقع البيت قال لها: خُذي جملك ودراهمك وارجعي الى بيتك يا أمةَ الله وإني ان شاء الله سأجلبُ لكِ ما أنتِ بحاجةٍ اليه. واصل طريقه وهو غاضبٌ اشدَّ الغضب على الرجال الذين أبوا ان يلبوا الطلب لهذه الارملة المسكينة التي لا حولة لها ولا قوة.

أوفى علي درء بوعدهِ حيث اشترى للمراة اضعاف البضاعة التي كانت تشتريها في كل شهر. ولما وصل البيت خرجت اليه المسكينة وهي تحمد الله عليه حمداً كثيرا، (حمداً لله على سلامتك). واخذت تثني عليه بما يليق به من الثناء... أعطاها زمام الجمل وقال لها: أعطيتك هذا الجمل وما على ظهرهِ من بضاعة فخُذيهِ لك. بكت المرأة من الفرح وغلبها التعبير فتشبثت بالنحيب.

خرج علي درء من القرية مسرعاً لئلا يعلم أهل القرية أنه أعطى للارملة جملاً محملاً ببضاعة. وسلك طريقه متجهاً شطر مدينته (أغُردات). لقد كان علي درء رجلاً جواداً غير مغلول اليد، حيث كان يغدقُ على ذوي الحاجة بلا حساب. وقد كانوا يأتون الى دارهِ زُمراً وتترى. هناك الكثير من المواقفِ الحميدةِ لهذا الرجل الجليل ولكني سأكتفي بذكر هذا القدر القليل. ويحسنُ بي ان اختمَ هذه القصة بأبياتٍ شعريةٍ لشاعرٍ فحل من الفحول القدماء. يقول في مفحولته:

قِرْمَتْ إناسْ إدِي ماطَيوتا

وقِرْمَتْ إسِيتْ كَرْكَبْ كانَنوتا

فالكا قَدَمْ طَنِحْ رِحْكا إنْئنْتا قوكا

شرح الابيات:

(قِرْمَتْ إناس إدِي ماطَيوتا)

يقول إن جمال الرجل ليس في ظهور البشاشةِ على وجههِ ولا حسن هندامهِ بل انما جمال الرجل في الشجاعة واليد المبسوطة غير المغلولة.

(قِرْمَتْ إسِيتْ كَرْكَبْ كانَنُوتا)

وفي هذا البيت يقول: إن جمال المرأة في حسن هندامها ولبسها لحذاءٍ عالي الكعب الذي يجعلها تمشي مشي الخيل المسومة. كما يقول الأعشى في معلقته الشهيرة: كأن مِشْيَتَها من بيت جارتِها مرُّ السَّحابةِ لا ريْثٌ ولا عَجَلُ. (فالْكا قَدَمْ طَنِحْ رِحْكا إنْئنْتا قوكا) ويقول في هذا البيت الاخير: إن السمعة الحسنة التي تصنعها للناس، لا يحجبها حجاباً إذ تطوي قبلك البراري وتعبر البحارِ فتصل الى اقاصي المعمورة فتجدها وقد صارت دولةً بين الناس.

شكراً لكم أعزائي القراء.

Top
X

Right Click

No Right Click