أنحتفل بقدوم سبتمبر ام نبكي علي ضياع وطن؟

بقلم الإعلامي الأستاذ: إبراهيم حالي - صحفي إرتري

قبل ايام قلائل مرت عليناالذكري ال57 لانطلاقة الكفاح المسلح في الفاتح من سبتمبر 1961

بقيادة البطل الرمز حامد ادريس عواتي.

فلا ادري ماذا سنحكي لعواتي ورفاقه الشهداء الابرار عن ثورتهم بعد مرور اكثر من نصف قرن حدثت فيها المعجزات في ملاحمها ومعاركها ضد العدو وسطر فيها تاريخ أسطوري يشهد له العدو قبل الصديق، فهنالك الكثير مما يحكي ويسرد فمن أين ابدأ، فهنالك بطولات خرافية وتاريخ أسطوري لايخطر علي بال البشر سجله أبناء ارتريا الشرفاء تشهد له سهولها ووديانها وجبالها سحقت فيه قوات العدو البغيض ووقعت فيه أفراد قوات دول عظمي في الأسر جاءت لمعاونة العدو للتخلص من الثورة وإطفاء شرارتها، ولكن هيهات كانت حيرتهم عندما اصتدموا بصلابة ثوار ارتريا الخضراء البواسل، فكم كانت مسارات الثورة وإنجازاتها عظيمة عظمة قائدها ورفاقه الذين مهدوا الدرب وبدوءا المسار ضد ظلم وطغيان المحتل الاثيوبي المدعوم من الغرب وآلته الحربية.

وتلك كانت البداية المباركة للهدف المقدس والتي سرت في الشعب الارتري سريان الدم في العروق ورفد الثورة بأبنائه المخلصين أفراداً وجماعات جيلا بعد الآخر حيث تلقفوا شعلتها متناوبين حملها بتفاني واخلاص حتي لا تنطفئ نيرانها فلك ان تتخيل يا عواتي روعة الشباب وشجاعتهم واستبسالهم بزلوا خلالها التضحيات والدماء الطاهرة والغالية من اجل حرية البلاد والعباد بعد ان حطموا آليات العدو واسقطوا طائراته وشتتوا افراده بين قتيل وجريح وأسير إيماناً منه بالهدف الذي من اجله فجرتوا انت ورفاقك شرارة الثورة ببنادقكم البدائية في ذاك اليوم الأغر، ولكنكم فجرتوا معني الحرية والكرامة والاستقلال في مفاهيم الشعب الارتري من ناحية وكانت درساً لكل الطغاة أولهم الإمبراطور الكهنوتي ومن بعده منقستو وكل المستعمرين من ناحية اخري والهمت الكثير من الشعوب لتثور من اجل كرامتها وحريتها.

كم انت عظيم يا عواتي فالطلقة التي اطلقتها لم تخمد شرارتها لثلاثة عقود متواصلة ثلاثون عاماً اكتملت خلالها لوحة وحدة الشعب بكل الوانها الزاهية لترسم معاني الوحدة وتبشر بمستقبلاً مشرقاً طالما كان يراوده في الأحلام، حيث اختلطت فيها الدماء بدموع الفرح تارة وبالحزن تارة اخري نزف خلالها شعبنا دماً زكياً وغالياً وتنفس فيها نسائم الكرامة والحريّة التي انجزت خواتيمه في 24 مايو 1991بعد سقوط إخر الشهداء علي اعتاب اسمرا وعصب.

آه يا ام الشهيدات لو كنت قد رأيت تلك الصبايا الآئ أخذن من اثر بطولاتك واستشهادك أملا وقوة وصلابة كيف أصبحن شظايا بعد أن التحقن بركب الثوار من كل فج عميق ومن كل اطياف الشعب ليحولن ساحات القتال الي لوحة ارترية مصغرة ويملأنها بالزغاريد في ميادين القتال حيناً وبالاستبسال حيناً آخر بعد ان يصتدمنا بقوات العدو الذي تمني لو لم يصتدم بهن يوماً، حتي قال فيهن شاعرنا الجليل كجراي (البنيات هنا لسنا صبايا بل شظايا).

فالشعب بكل فئاته لم يخون الأمانة بل كان مخلصاً ووفياً لها حد نكران الذات والحكايات التي تجسد بطولاته كثيرة في كل منعطفات الثورة والمقاومة والقتال لن تكفي مجلدات لسردها، كتبت عنها الصحف العالمية وأدبيات الثورة مالم يكتب في ثورات العالم الآخري وثوارها.

ومنذ ذلك الحين اي بعد التحرير لقد أنجزنا كل الممكن والمستحيل بنينا وطناً متحضراً حيث عادوا اللاجئين الي وطنهم واسسنا دولة القانون وأصبحنا سواسيا تحت رايته وانبهر العالم بتحضرنا كما انبهر بثورتنا من قبل، وجعلنا من ارتريا انموذجاً يحتذي به في الحضارة والعلم والتقدم، حتي ان كل القري اصبحت مدن وحتي قريتك وبلدتك الصغيرة في القاش تحولت الي مدينة كبيرة بنينا فيها جامعة وأطلقنا عليه اسمك (جامعة عواتي لعلوم البحار) تكريماً بدورك الرائد في استعادة جارة البحر من فك المستعمر الي أصحابها وهنالك جامعات ومدارس اخري في مختلف المدن تحمل اسماء الشهداء ومؤسسات اقتصادية ضخمة وانفتحنا علي العالم وأصبحنا مثالاً للسلم والأمن، بعد ان كرمنا ابناء الشهداء وأسرهم وكذلك كرمنا من تبقي من رفاقك من الرعيل الاول وعلقنا علي أكتافهم الرتب وعلي صدورهم النياشين لما قدموها من بطولات فلك ان تتخيل ان ارتريا اصبحت رقماً اقتصادياً ومنبع للامن والسلم في المنطقة يصعب تجاوزه حتي اثيوبيا نفسها تكن لها الاحترام والتقدير ولم تتجرأ يوماً ان تكرر أدعاءاتها القديمة بملكية ارتريا.

آه آسف جداً ياقائد الثورة عن أحلامي وأحلامك واحلام الشعب الارتري التي اسقطتها بذكري ثورة سبتمبر اعلاه في كتابتي الاخيرة وآسف جداً لكل قطرة دم دفعها الثوار الشهداء الأحرار فما كتبته من اماني واحلام لا بمت بصلة للحقيقة والواقع المرير والدرك الأسفل الذي وصلنا اليه بعد ان سرقت ثورتنا ومكتسباتها.

صحيح اننا انتصرنا علي العدو وحررنا البلاد من المستعمر الاثيوبي، ولكن للاسف وقعنا في الاسوء عندما تمت خيانة أهدافك واهداف كل الشهداء من من اعتبرناه قائد الثورة وسلمناه زمام امرنا اسياس افورقي وفِي حقيقة الامر انه كان (تفري مكونن) اي هيلي سلاسي بوجهه الآخر في ثوب الوطنية الذي خدع به شعبنا وثوارنا لأكثر من عقدين.

وانطبق علينا المثل اليمني القائل (هربنا من الموت ووقعنا في حضر موت)، فلن تتخيل كم كان ظلم ذوي القربي أشد وانكي هوأمر، حيث بني السجون علي طول البلاد وعرضها وغيب فيها الشرفاء من ابناء ارتريا مشايخ وعلماء ومعلمين وقادة وطنين، ورجال دين مسحين وعاث في الارض فساداً.

ولم تبني المدارس ولا المستشفيات، ولأ الجامعات ولا اللاجئين عادوا الي وطنهم ولم نكرم لا الشهداء ولا اسرهم وحتي من تبقي من رفاقك علي قيد الحياة فمنهم من قضي نحبه في معسكرات اللجوء ومنهم من ينتظر ولم يبدلوا مواقفهم تبديلا.

وطيلة ال 27 عاماً التي انقضت بعد الاستقلال تشتتنا فيها في جميع أرجاء المعمورة نحمل صفة اللاجئ التي لم ينازعنا فيها من طول الزمن الا ابناء فلسطين و وتبعثرنا فيها كالقطيع الذي فقد راعيه في كل حدب وصوب وأصبحنا نتحدث كل لغات العالم ونبدع فيها عدا لغة الوطن اي لغة الوحدة الوطنية هي التي فشلنا في التحدث بها اللغة التي أرسيت مبادئها انت عندما أطلقت ثورة سبتمبر المجيدة، وبعد كل تلك التضحيات أصبحنا ندمن الخنوع ونركن الي رفاهية اللجوء التي تقدمها لنا الدول فتاتاً .حتي عاد اويكاد يعود الوطن الي احضان اثيوبيا التي اطلقت الثورة لاتنزاعها من بين فكيه ولم تخيب الأجيال ظنك حينما فعلت.

فلا ادري عن ماذا يمكن ان أحكي لك، فهل تصدق اننا لم نجد مساحة لقبرك ونصبك التذكاري في العاصمة اسمرا كقائد وطني لذا وضعوه في ضواحي مدينة هيكونا وحيداً بعيداً باهتاً وكأنك خرجت للثورة من اجل قبيلتك وليس من اجل الوطن ككل وكذل اصبح الاحتفال بقدوم سبتمبر أكثر بهتاً بلا لو ولا طعم، فصدق او لا تصدق اننا أيضاً لم نستطع حتي اليوم استعادة رفاة المناضل الشهيد الشيخ ابراهيم سلطان ابو الاستقلال الارتري من مدينة كسلا بالسودان لان الوطن ضاق بِنَا بما رحب، ولكننا استعدنا تمثال الأديب الروسي الارتري الأصل (بوشكين) من روسيا ووضعناه في قلب العاصمة اسمرا التي لم يتسع ترابها لا لك ولا للشيخ ابراهيم سلطان، وحتي لم تتسع الارض لأبناءها للعيش فيها بسلام بل اتسعت فيها السجون والمعتقلات كما اتسعت فيها دائرة الظلم والمظالم.

فلا ادري هل نحتفل بقدوم سبتمبر ام نبكي علي ضياع وطن في دراما ومسرحيات السلام المزعوم والزائف بين وطننا ارتريا والجارة اللدود اثيوبيا حيث تقدم موانئنا علي طبق من ذهب (بيشا) في أديس ابابا وهواسا لحاكم اثيوبيا الشاب الذي بدأ يزور البلاد من بوابة عَصّب وترسي مراكبه في ميناء مصوع ويتمتع الشباب الاثيوبي بشواطئنا في حين ان شبابنا تبتلعه الأسماك والقروش في البحر المتوسط.

لَك الله يا وطن ضيعناك في خلافتنا وضعنا معاك
او كما قال الشاعر السوداني محمد المكي ابراهيم
حيث خيم عصر الظلام
كان لي وطن لم يعد وطناً
وزمان اليف
ضيعته وسط الزحام

للتواصل مع الكاتب:عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click