ما وراء السلام بين ارتريا واثيوبيا؟ القسم الثاني

بقلم الأستاذ: أبوبكر فريتاي - كاتب ومفكر سياسي

خلصتُ في القسم السابق الى أن ما يجري في علاقات أسمرا وأديس ابابا قد تجاوز نطاق العنوان المعلن (السلام) ليتحول بوضوح

السلام بين ارتريا واثيوبيا

الى عملية سياسية واسعة تحث الخطى نحو تغييرات متوافق عليها في المنطقة بين القابضين على مفتاح السياسية الدولية (أمريكا) وأهل المال في الخليج العربي الذين يجربون حظهم لأول مرة في منطقة القرن الإفريقي بهذا الإهتمام رغم احتقان ساحاتهم الداخلية بأزمات الحرية والديمقراطية، وقبل الدخول في الفقرة الثانية في هذا القسم المتعلق بإرتريا (نظاماً ومعارضة) سأتناول بعض المقتطفات في سياسة أبي احمد في اثيوبيا لأنها ستضعنا ازاء سمات الوضع المتوقع لحليفه في الجانب الإرتري فيما لو كان يعمل لتحقيق سلام، أم أنه يعمد لتأسيس وضع جديد في ارتريا بالتحالف مع أبي أحمد.

• طرح الرجل في الداخل الإثيوبي شعارات جاذبة جداً جاءت ملبية لتطلعات الشعوب الإثيوبية ومسايرة لهواهم ومزاجهم بعد أن عاشوا خلال الفترة السابقة نوعاً من القبضة الحديدية التي كتمت علي انفاسهم واصبح الأهودق والتقراي وجهان لعملة واحدة، فكانت شعارات (السلام والحب والوحدة والبناء والتنمية زائداً الديمقراطية وتطبيق القانون وصيانة الدستور ...إلخ) عناوين لتحركاته، وكل ذلك جميل وفي الإتجاه الصحيح، ولكن السيد ابي أحمد يمارس لعبة خطيرة وذات عواقب وخيمة في صفحات عمله الأخرى قد لا يتمكن من السيطرة على افرازاتها السلبية مستقبلاً، منها:

اولاً:-

قبوله للإساءات البالغة التي وجهها إسياس افورقي للتقراي ووصفهم بنعوت تجاوزت حد اللياقة وهو يعلم أنهم شريك قوي في الإئتلاف الحاكم، وكان الواجب الأدبي والدستوري لمن يترأس حكومة البلاد أن يذود عن مواطنيه بغض النظر عن رأيه وقناعته فيهم.

انتقال عدوى الإساءة للتقراي الى بقية المكونات وخاصة الأرومو وحتى على مستوى قنوات التواصل الأجتماعية التي ضجت بعدد من الفيدواهات المسيئة لهم.
هاتين النقطتين التين تمثلان حزمة واحدة مع عدد آخر من التجاوزات سيكون لهما افرازات وتداعيات سواء على مستوى البرلمان الإثيوبي او على مستوى الشارع العام وإستفحالهما يعنى بروز مهدد (زائد عن الحاجة) للوحدة الداخلية، وللأمر تبعات مهددة لاستمرار قوة قبضة الرجل في الحكم.

ثانياً:-

• الحديث الصحفي الذي اجراه أبي احمد وتناول فيه سد النهضة والذي جاء عقب أمره في فترة سابقة بتكوين لجنة رقابه ومتابعة اثارت حفيظة التقراي الذين يقفون خلف تكليف شركة (ميتيك) الموكلة بعمليات تنفيذية كبيرة في السد وتناوله لجوانب هندسية مهمة واخرى تمويلة ضخمة وقوله بأن السد ربما لن يرى النور في ظل استمرار تكليف هذه الهيئة غير (الكفوءة)، هذا الحديث في الحقيقة تم بعد (تغييب) المهندس الرئيسي ومدير السد (سيمنجو بقلي) الذي ذكر في حوارات سابقة ولقاءات مع رسميين وفنيين أن عمليات السد تسير على قدم وساق وأنه خلال فترة وجيزة سيفتتح عدد توربينين ليكونا تحت (التشغل) وأكد ان الأموال المخصصة لذلك موجودة ومودعة في حساب خاص. والسؤال الذي يلح على الرأي العام داخل اثيوبيا: هل كان بمقدور السيد ابي احمد ان يقول هذا الكلام أمام المهندس المغدور؟؟؟، ثم هل زيارة الوفد المصري برئاسة وزير الخارجية ومدير المخابرات قبل ايام لإثيوبيا بعيدة عن هذه التصريحات أم أنها تعزيز لعبارة (السد لن يرى النور) إلا بعد سنوات أكثر من تلك التي حددها مدير السد المغتال بحسب متابعين للوضع داخل اثيوبيا ؟؟.

ثالثاً:-

• ما حدث في اقليم الصومال والتدخل المباشر للجيش الفيدرالي ووقوع ضحايا ثم تنصيب رئيس موالي بطريقة غير معهودة في حقبتي ملس ودسالنج ...الخ. تعطي مؤشر غير مريح في سلوكية الرجل وكأنه يحتفظ بوجه ثاني (غليظ) لادارة شئون إثيوبيا، وبحسب متابعين فإن إقليم الأوغادين يكتنز ثروة نفطية ستحتاج الى رجل بل حكومة أكثر ارتباطاً بأديس ابابا في المرحلة القادمة.
ونخلص من النقاط الموجزة أعلاه أن السيد أبي أحمد رغم بريق صورة رجل السلام ولكنه ينتهج سياسة الجزرة بيد وفي اليد الاخرى يحمل عصاً غليظة، وأذا تصاعدت الأوضاع سوءً أمامه ربما رمى الجزرة، فالرجل يتابط ملفات لن تتيح له التراجع، والمثير بالنسبة لنا نحن الإرتريين هو ان هذا الرجل هو الحليف الجديد لإسياس أفورقي الذي يمسك ببعض اوراق الداخل الإثيوبي .
على المستوى الإرتري (النظام والمعارضة):

أولاً - النظام:-

يذكر الجميع الشرط الرئيسي الذي تمسك به إسياس افورقي (الإنسحاب من بادمي) وردده كثيراً لحل إشكاله الحدودي مع إثيوبيا، كما لا ننسى الضريبة والثمن الذي دفع في حرب الطرفين، ولكن الغريب هو أن هذا الشرط تراجع بدون مقدمات ليكون في ذيل الإتفاقات التي ابرمت لحد الآن، ولم يتم التطرق له في الاعلام بنفس القدر الذي أذيع مثلاً عن الموانئ والطيران وتسهيل حركة التجارة... الخ؟؟؟

لاحظ الجميع ايضاً أن شعبي البلدين (وهي عبارة استبدلها النظام ب {شعب واحد}) قد فتحت ابواب العبور أمامهم وأزالوا غبار الجسور التي أغلقت ثمانية عشر عاماً؟؟؟، والظاهر ان الشمس قد طلعت من مغربها هناك !!!، وفي الأمر (إنّ) وستعقبها (أنات) كثيرة عندما يختلط الحابل بالنابل هناك.

إسياس افورقي الذي قال في أديس أبابا وهو في زهو حفاوة الإستقبال (أنهم كانوا ينتظرون قائداً مثل ابي أحمد) لا تقف تحته منظومة قيادية يطمئن لها هو أو حليفه لتكون صمام أمان للعملية السياسية الجارية الآن، والمؤشرات تميل الى أن أسمرا يجب ان تجدد دماء السلطة بسواعد شبابية (رغم قلتهم) وأبرهام أفورقي ليس بعيداً عن مائدة الترشيح !!! والوزارة الوحيدة النشطة الآن (الخارجية) لا يمكن ان تستمر بالتوكؤ على كهلين، وأما الوزارات المغيبة منذ أمد فستستولد بحلة وجوه لن تكون بأي حال بعيدة عن أفورقي لتتولى زمام البلاد (ويتقاعد الحرس القديم)، وسيجري نفس السيناريو الذي فاجئ الجيش الشعبي عام 1991 حينما استقبلتهم أسمرا بقيادات جاهزة، أحالتهم الى التقاعد.

التصريحات الأخيرة ليماني قبرآب مستشار افورقي السياسي ويماني قبرمسقل وزير اعلامه، حول الدستور ونظام الحكم الذي سيتبع، وهي تصريحات عشوائية غير مؤسسة ولا قانونية ولا يعتد بها، أعطت انطباعاً واضحاً لا لبس فيه أن النظام لا يفكر في سن تشريع دستوري وفق الأصول المعروفة ولن يكون للشعب أي دور في صياغته أو وضع بنوده، وهذا شيئ غريب ولكنه في نفس الوقت ملفت ويدفعنا للتساؤل الجدي: لماذ لا يكترث النظام للدستور وتتحدث اركانه بهذا المستوى الباهت عن وثيقة وطنية هامة لمستقبل البلد ؟ أم أن هناك تفكير لربط قانوني لإرتريا بإثيوبيا (اتحاد كونفدرالي مثلاً)؟؟؟ وهو أمر سبق ان تم طرحه وصياغته مع الراحل ملس زيناوي كما يذكر الكثيرون.

أما قضايا : عودة اللاجئين ودولة المؤسسات والقوانين والأسرى والمعتقلين والمغيبين قسراً وقضية الآرض وإنتهاكاتها و... و... الخ. فكل المؤشرات الظاهرة توضح أنها ملفات مقبورة لن تفتح ؟ وكيف تفتح في دولة ليس لها مؤسسة شرعية منتخبة من الشعب ونظامها غير مستعد لدخول هذا المضمار ؟.

بعد هذا: ربما يقول البعض أن النظام هو سلطة وطنية ولا يمكن ان يقبل بذلك ولا بد انه سيضع دستور ويبني مؤسسات.. الخ، وأسأل هؤلاء: هل تعتقدون أن إسياس هو ضد الوحدة (بأي صيغة) مع إثيوبيا ؟ ما هو مشروعه الأساسي ؟ هل قرأتم منشور نحنان علامانان بدقة ؟ ألا ترون مؤشرات للأرتال البشرية الجديدة التي ستستقبلها الآراضي التي مهدت لهم عبر سياسة التهجير والطرد والترحيل الممنهجة خلال السنوات الماضية ؟

أتمنى أن تكون الفقرة الأخيرة اعلاه، توجس مني ومبالغة، وان يفاجأنا النظام بدستور ومؤسسات وسلام وأمان وديمقراطية وعدالة وأن نشهد نظام حكم تعددي يرى فيه الجميع وجهه ويمارس دوره بحرية.

كســـــــــــــــــــــــــــرة: مسيرة جنيـــــــــــــــــــــــــــــف:

أحيّ الشباب الواقف الآن في هذه المسيرة وهي فعالية مطلوبة، وأحيّ قرار المشرفين بإسقاط قرار تشكيل كيان قيادي عالمي كما قيل. ومنع رفع علمي إثيوبيا والأقازيان وأخشى ان يتعمد مغرضين رفع صورة إسياس وأبي أحمد محاكاة لأسمرا، وسأكون سعيداً وداعماً كغيري عندما تقدم مذكرة تتضمن النقاط التي تمثل مطالب الشعب وان يقدمها وفد معتبر يمثل الجميع ولا يتعمد إسقاط أي طرف أو تهميشه.

* في القسم الأخير القادم نتناول المعارضة ومتى بدأت عملية الخوار ومن الذي ادخل المجلس في دهاليز التيه والجمود وساجتهد لطرح مخرج للمرحلة بعيد عن الكتل السابقة ولكن لا استطيع ان اتجاوز المخرجات والتوافقات التي اجمع عليها الكثيرون في أواسا.

Top
X

Right Click

No Right Click