لولا سبتمبر لما تغير نظام الحكم في أثيوبيا

بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار - كاتب ارترى

كان سبتمبر عام 1961 بداية لنهاية تاج الإمبراطور هيلي سلاسي، وكان بداية لنهاية أنظمة الحكم العسكري الشمولي الشوفيني

حامد إدريس عواتي

المتعاقب الذي خلف نظام الإمبراطور، وكان سبتمبر هو المولد الجديد لأثيوبيا الحديثة التي أخرجها بعد الهزائم الكبيرة إلي أنظمة الحكم المنفتح والاتصال بالعالم الخارجي وتحديث بنيتها التحتية.

وسبتمبر 2018 سيكون هو المولود الجديد لارترية الحديثة التي سيسودها نظام العدل والمساواة والانفتاح إلي العالم الخارجي، فبين الأعوام 1961 و1991 سقط كثير من الضحايا وسالت كثير من الدموع والدماء، وبين 1991 و2018 سقط كثير من الضحايا وسالت كثير من الدموع والدماء، وإن الأحداث الجسيمة في كلا المرحلتين كانت واحدة هي الموت والسجون والتنكيل والإرهاب والرعب والفقر والمرض والجهل والتشريد واللجوء وحالات الطوارئ، وإن اختلف الفاعلون، وبعد التحرير لم يتغير شيء، بل زادت المعانات معاناة، وزاد البؤس بؤسا، وفي الحقيقة ستكون نهاية هذه الحقبة، مهازل العناق وضحكات الأعماق والمهرجانات والأفراح المسرحية التي قفزت فوق مظالم الإنسان الارتري، وقبل أن تجف دماء شهداء بادمي التي أصبحت نسيا منسيا، علي يد من قالوا إنها مفتاح السلام مع أثيوبيا، ونزلوا بها من قضية قومية، استشهد الجميع في سبيلها، إلي قضية تمثل جيب من جيوب أطراف التجرنية المتنازعة، أسقطوا بادمي وحل السلام على مينائي عصب ومصوع وسط التصفيق والزغاريط الموجهة، وبذا سيكون بسقوطها سقطت هيبة من ادعى بهتانا عشرون عاما إنه الضحية من أجلها.

بهذه المناسبة العظيمة التحية للمعارضة الارترية التي لم تتنازل عن شبر من أرضها لأثيوبيا، ولم تتنازل عن بادمي أثناء النضال، ولم تتنازل عنها عندما أجبرتها الظروف لتعسكر في أثيوبيا، ولم ترضخ بوعود لتساوم بمينائي عصب ومصوع، ولم تقل أن من يفرق بين الشعب الارتري والشعب الأثيوبي لم يعرف الحقائق وإننا شعب واحد، ولم تتملق بدماء شهدائها في العشرون عاما الماضية، لم تفعل كل ذلك بالرغم من أنها كانت مدعومة من أثيوبيا كمعارضة ضد نظام خاصمته أثيوبيا، وعندما تصالحت معه أمرتها بالمغادرة، فخرجت شريفة لم تدنس تاريخها بتنازلات عن أرضها.

إن دماء الأحرار لا تتلوث، ونفوس المتحدين لا تهزم، وقوة الإرادة هي السلاح الفتاك، فارتريا سبتمبر لا تقبل المساومة على أرضها.

نقول لكل الساخرين من المعارضة، والمطبلين للنظام، والثعابين المختفية تحت الرمال لتؤذي بالمباغتة، ونقول للذين ينالون منها فيطلبون منها المغادرة وأن تسلمهم مفاتيح أبواب الشقق المفروشة بالورد والياسمين كما يعتقدون، و بألسنتهم الطويلة يقطعوا لها تذاكر السفر ليقوموا بفتحهم العظيم، نقول لهؤلاء النقد الهادف مرغوب ومحبوب فهو تقييم وتقويم، ولكن النقد الهدام نقد التهريج والتجريح والاستهزاء ليس من عمل النقد، ويجب أن يعلم هؤلاء المشككون إن المعارضة مع ضعفها، وقلة حيلتها، وكثرت أعدائها، وندرة مواردها، وتحفظ أصدقائها، ما حققته كثير، فإنها إذا غرزت بإبرة صغيرة فبهذا الغرز الضعيف ألحقت الآلام بالنظام، فحرمته من نسبة ضرائب أل 2% كمصادر دخل لميزانيته، وإذا قرصته في أذنه قرص بسيط أصرخته بين منظمات حقوق الإنسان ويخرج منها وقلبه ينزف دما، وإذا صكت أسنانها من فعله المشين، سلطت عليه صحف العالم وفضائياته بما ارتكبه من مجازر وسجون وقتل وتشريد وسخرة، وأظهرت ذلك بالصورة والكلمة والفعل، فكبلته بعقوبات كان يفضل عليها عذاب من وضعهم في السجون، هذه من أفعالها بكوادرها ولم تأت بشتائم الساخرين، وهي كانت الأساس لاستقبال كل من ترك النظام فاستقبلته ببنية تحتية جاهزة، وفوق كل ذلك كان صوتها يدندن بصداه داخل النظام، وخشية من هذا الصدى، ورعبا من نتائجه، كبل النظام نفسه بأنظمة الحماية المرعبة وبدكتاتورية قاهرة، وبأحكام عرفية وحالات الطوارئ، فانعكس عليه ذلك سلبا ووبالا، فتزلزل بمجموعة أل 15، وتزلزل بحركة 21 يناير، وتزلزل بمواقف الشيخ موسى من الحجاب والكتاب، كلها كانت انعكاسات الاحتقان الداخلي والخارجي وصوت المعارضة المدوي المسموع في الداخل.

تحية لهذه المعارضة بمناسبة شهر سبتمبر 2018 بالرغم من ضعفها أوصلت هذا النظام إلى الانتحار في أحضان أثيوبيا ليكشف وجهه الحقيقي ويقول لا فرق بين الشعبين فهما شعب واحد، ويهدر دماء الشهداء، ليضمن الأمان المفقود لنفسه، تلك كانت رسالته التي أوصلها للشعب الارتري الذي ضحى قرابة السبعون عاما لينعم بالاستقلال وقد وصل إلى هذا الحضيض دون أن تطلق عليه رصاصة واحدة، ولكن بإعلام كان كلهيب الجحيم.

لكل الذين ينالون من المعارضة في وسائل الاتصال أنه لا توجد مفاتيح تستلمونها ولا يوجد قائد أفنى حياته وشبابه في خدمة شعبه أن يقدم لكم استقالته وأنتم خارج التنظيمات وخارج العمل، فمن يقول منكم أنا لها فأبنوا فوق ما هو موجود، قدموا أشخاصكم قدموا أموالكم وضعوا برامجكم التي تطمحون إليها فالميدان مفتوح لكم ولكل من يريد، أحملوا السلاح، أما التهريج والقذف فهذا باب مغلق لا يقبله منكم عاقل ولا يقبله منكم الشعب الارتري، فالصراخ في الفضاء صفة من صفات الجنون، فطير في قبضة اليد خير من ألف في الهواء، فمن ضاق صدره يعمل ويصبر، ومن كان هقدفيا يجب أن يعلم أن عصر الهقدف قد مات.

المجد والخلود لشهداء سبتمبر شهداء النضال الذين ارتوت بدماهم بطحاء ارترية في أي بقعة من أرضها اليابسة وبحرها خلال السبعون عاما.

Top
X

Right Click

No Right Click