سلطنة بيلول العفرية وسلطانها السلطان شحيم بن كامل الدنكلي في القرن السادس عشر الميلادي

إعداد الكاتب: عبدالحكيم بن كامل العفري

تمهيد: بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، إن الشعب العفري هو أقدم شعب

المثلث العفري

شهدت وجوده منطقة القرن الإفريقي على امتداد سواحل البحر الأحمر وفي شواطئها الغربية وكانت الأراضي العفرية البوابة الأولى التي عبر من خلالها المهاجرين العرب الأوائل من الحجاز وبلاد اليمن وحضرموت وعمان ومنها انتشروا إلى عموم المنطقة وإضافة إلى العلاقات التجارية بين بلاد العرب وسواحل العفر في البحر الأحمر حيث كانت مناطق العفر من أهم المناطق التي انتشر منها الإسلام إلى هضبة الحبشة وعموم المنطقة حيث جعل الموقع الجغرافي الإستراتيجي الذي يشغله العفر على البحر الأحمر وباب المندب واتصاله بالجزيرة العربية واليمن أن تكون "ميناء معدر" العفرية معبراً للفوج الأول من الصحابة رضوان الله عليهم إلى ديار ملك "الحبشة" النجاشي ويرجع للعفر الفضل في سلامة هذه البعثة وكان ذلك بداية نور الإسلام على الأراضي العفرية التي عمها فيما بعد، وكان العفر قبل الإستعمار الأوروبي يعيشون في ظل سلطنات مستقلة ذات حدود جغرافية واضحة المعالم وفي الوقت الحالي الأمة العفرية منقسمة على ثلاث دول ويتواجدون في كل من جيبوتي وإثيوبيا وإرتريا وجغرافية المنطقة العفرية رغم تقسيمها متصلة ببعضها البعض و تتوزع على شكل مثلث ويطلق عليها (المثلث العفري Afar Triangle) ويسميه العفريون (Qafar Sidicamo) والعفر قومية مشتركة لا يفصلها الا حدود مصطنعة وهمية صنعها الاستعمار وقام بتقسيم أراضيهم على ثلاث دول ويتميزون بنسيج اجتماعي وتمازج قومي تجمعهم صلة الرحم والدين واللغة والعادات والتقاليد والثقافة والجذور التاريخية، فالعَفَرُ أُمّةٌ لها حضارة عريقة وماضٍ تليد وجذور ضاربة في عمق التّاريخ وتاريخها موغل في القدم، وأقامت على مر العصور دولاً كان لها نفوذ وسلطان وكان لها جهاد كبير نحو إبراز الهوية العفرية العربية الإسلامية والمحافظة عليها وقد كان للعفر سلطنات وإمارات تحكم قبائل العفر المترامية الأطراف، وكانت هذه الإمارات لديها أنظمة وقوانين خاصة بها ومستقلة استقلالاً تاماً عن الحبشة وكانت علاقة العفر مع مملكة المثلث العفريالحبشة النصرانية في الهضبة والجنوب علاقة حروب مستمرة ومتواصلة لا تهدأ تبادل فيها الطرفان النصر والهزيمة واشتدت حدتها بعد دخول العفر في الإسلام وقيام القبائل العفرية المسلمة بإنشائهم للسلطنات الإسلامية التي حملت لواء الجهاد لنشر الإسلام في ربوع المنطقة ومازالت آثار تلك الحروب باقية في طول وعرض الأراضي العفرية وتوجد مئات المقابر المبنية على شكل أهرامات يصل ارتفاع بعضها إلى عشرة أمتار ويطلق عليها العفريون (ويدل) وهي قبور فرسانهم الذين ماتوا في الحروب ضد غزوات الحبشة وكانت هذه السلطنات عفرية عربية إسلامية وقامت بدور كبير في النشاط التجاري كما قامت بدور لا يستهان به في نشر الإسلام في منطقة القرن الإفريقي والهضبة الحبشية والسلطنات الإسلامية التي أسسها العفريون وغيرهم من الشعوب الإسلامية في المنطقة كان يطلق عليها إمارات الطراز الإسلامي (أي الإمارات التي تترز ساحل البحر الأحمر بالإسلام) وأن الدول الأجنبية والعربية كانت تعقد معهم الاتفاقيات المباشرة بينها وبين سلاطين العفر إلا أن هذه الاتفاقيات وتاريخ هذه الأمة فقدت من يدونها وضاع الكثير من تاريخ العفر في العصور القديمة والعصور الوسطى كغيرهم من شعوب هذه المنطقة،، وكان للسلطنات والإمارات التي أسسها العفر دور مُؤثّر في كلّ الأحداث و التّفاعُلات التي حدثت لمنطقة القرن الإفريقي، التي أتت أو مّرت عبر شواطئ البحر الأحمر على مر التاريخ كما كانت للعفر سيطرة كاملة على حركة التجارة من موانئ البحر الأحمر إلى أقاليم الحبشة الوسطى والشمالية والشرقية، وكانوا يفرضون الضرائب على القوافل الحبشية التي تمر عبر الأراضي العفرية لتوصيل بضائعهم من وإلى سواحل وموانئ البحر الأحمر، وقد عرفوا الاسفار في السفن واشتهروا بعلاقة طيبة مع جيرانهم من العرب في الجزيرة العربية حيث كانت تصل سفنهم إلى اليمن والهند ومصر وبلاد فارس منذ زمن بعيد وقد عُرف عن السلطنات والإمارات العفرية صلاتها بالشعوب في منطقة الجزيرة العربية.

ومن هذه الإمارات التاريخية العفرية سلطنة (بيلول) أو بالأحرى "إمارة بيلول العفرية" والتي كان يحكمها السلطان شحيم بن كامل الدنكلي وهي إمارة ساحلية عفرية كانت تقع على ساحل البحر الأحمر وقد كانت هذه الإمارة قائمة حتى القرن السادس عشر الميلادي وكانت بيلول آنذاك تحت حكم مملكة أنكالا العفرية (Kingdom of Ankala) حيث كان شائعاً في تلك الحقب الزمنية إطلاق اسم الأسر الحاكمة على الشعوب التي تحكمها تلك الأسر (وأسرة أنكالا المشتقة من اسم "أنكلي" هي ثالث أسرة حكمت السلطنة العفرية لما يقارب ثمانية قرون) والتي كانت تبسط سيطرتها آنذاك على جزأ كبير من الأراضي العفرية الممتدة من زيلع جنوباً إلى ما بعد مصوع وعدوليس وخليج زولا بما في ذلك جزر البحر الأحمر الممتدة من أقصى جزيرة من أرخبيل دهلك شمالاً إلى شبه جزيرة بوري وخليج إرافلي ومنطقة بويا والجبال المتاخمة لها شرقاً وسواحل البحر الأحمر ومراسيها من معدر وهواكل وطيعو وبيلول وعصب ورحيتا وتاجوري وأوسا وباتي حتى هواش جنوباً والمنخفض العفري (Afar Depressin) ومناطق دُكُعا (Doka) المتاخمة لأراضي تيجراي غرباً وكانت في عداء مستمر مع قبائل التجراي وكانت هذه المملكة العفرية تواجه غزوات بين الفينة والأخرى من قبل قبائل التجراي التابعة لمملكة أكسوم حيث قاومتها بنوع من الحزم والاستماتة بصرف النظر عن الهدنة التي كانت تسود علاقتهما. {بتصرف من كتاب المنهل في تاريخ وأخبار العفر (الدناكل) للشيخ جمال الدين الشامي وابنه الدكتور هاشم جمال الدين ص 230، 444}.

حيث أكد المؤرخ اليمني العلامة الحسن بن أحمد الحيمي في كتابه سيرة الحبشة (كما سيأتي ذكر زيارته لبيلول وهو في رحلته الى الحبشة ولقاءهـ بسلطان بيلول آنذاك السلطان شحيم بن كامل الدنكلي): وجود حسن المعاملة وجميل المواصلة والاتصال بين حكام اليمن وحكام بلاد العفر ولاسيما حكام المناطق الساحلية والتي لم تكن تقع في نفوذ مملكة الحبشة وإنما كانت مستقلة استقلالاً تاماً عنها والتي يطلق عليها في الوقت الحالي دنكاليا (الإقليم العفري في ارتريا) ممايدل على وجود علاقات وطيدة بين الإمارة العفرية في بيلول وغيرها من المناطق الساحلية العفرية وحكام اليمن في زبيد والمخا وغيرها من بلاد اليمن عبر التاريخ.

وبالحديث عن إمارة بيلول أقدم للقارئ خلفية مختصرة عن مدينة بيلول وميناءها التاريخي وعن سيرة سلطانها السلطان شحيم بن كامل الدنكلي.

مدينة بيلول وميناءها:

ميناء مدينة بيلول 1880

كانت مدينة بيلول في القرن السادس عشر الميلادي عاصمة لإمارة بيلول والمناطق التابعة لها والتي كان يحكمها السلطان شحيم بن كامل الدنكلي وتعتبر مدينة بيلول من أقدم المدن العفرية ويعتبر مينائها من أقدم الموانئ الساحلية على البحر الأحمر وكان في ميناء بيلول في (أوائل القرن العشرين الميلادي) مايزيد عن أربعين سفينة ماعدا صغار السفن وكانت الميناء الرئيسي الذي يربط الحبشة بالمنطقة العربية حيث كانت تنطلق عبرها القوافل البحرية من الحبشة إلى المنطقة العربية وكانت تعد عدوة للحجاج ومدينة التجار وطريق الرقيق ومورد الأسلحة والذخائر من الحبشة وإليها، كما كان ميناء بيلول أحد أهم والموانئ الرئيسية في فترة الإستعمار الإيطالي وذلك قبل إنشاء إيطاليا "مستعمرة ارتريا" وبعدها وكان تستخدمها إيطاليا كمرسى للسفن وإنزال البضائع ونقطة انطلاق لأساطيلها البحرية إلى المناطق الأخرى.

ومدينة بيلول قائمة حتى الان ومأهولة بالسكان وتعتبر إحدى مدن إقليم دنكاليا (إقليم عفر البحر الأحمر) في ارتريا وميناءها الحالي يعتبر مرسى للسفن الصغيرة.

ميناء مدينة بيلول

وقد انتقلت عاصمة الإمارة "سلطنة بيلول" فيما بعد إلى منطقة عصب وأسس أحفاد السلطان شحيم بن كامل مدينة عصب في أواخر القرن السابع عشر الميلادي حسب الروايات الشفهية للأجداد وهم وأمراء وحكام ومشايخ عصب حتى الان ومن أشهر مشايخ عصب الشيخ عبدالله بن عمر المشهور بـ(كويلير عبدالله عصب) شيخ مشايخ عصب في العهد الطلياني، وأيضا الشيخ عبدالله بن شحيم والشيخ حسن بن أحمد والشيخ إبراهيم بن احمد والذين عقدت معهم إيطاليا اتفاقية لشراء أراضي للتجارة والإستثمار لإنشاء خط ملاحة (كمحطة لتموين السفن القاصدة إلى الهند) في بادئ الأمر وذلك عن طريق (شركة روبانينو بواسطة المحامي سابنتو) في منطقة عصب والجزر التابعة لها بتاريخ 1869/11/15م ثم وسعت إيطاليا نفوذها في منطقة عصب وخليجها والجزر التابعة لها وتم بمشاورة وموافقة سلطان رحيتا ومشايخ أنكالا في عصب التوقيع على إتفاقية جديدة بتاريخ 1870/03/11م وأيضاً بموافقة ضمنية من السلطان محمد حنفري (سلطان عموم العفر آنذاك) وقد عقدت إيطاليا معه ومع السلاطين والحكام المحليين عدة اتفاقيات أخرى لغرض التجارة والاستثمار في المناطق العفرية الساحلية الواقعة على ساحل البحر الأحمر كما تبين تلك الإتفاقيات الموثقة والاتصالات والمشاورات المشتركة بين سلاطين وشيوخ العفر مع القوى الإستعمارية بأن العفر كانوا يتعاملون مع القوى الاستعمارية كأمة واحدة وليس ككيانات متباينة (أي كل سلطنة على حده) كما تعد مدينة عصب حالياً عاصمة إقليم دنكاليا (إقليم عفر البحر الأحمر - الإقليم العفري في ارتريا) وميناءها الميناء الرئيسي الثاني لدولة إرتريا كما عرف عن سكان عصب إنتاجهم (للملح وتصديره) ويتميز ميناء عصب بالعمق الاستراتيجي والحيوي ومن أهم الموانئ والمنافذ العالمية في البحر الأحمر لقربه من مضيق باب المندب التي تمر به الأساطيل والسفن التجاربة العالمية وتتصارع الدول الإقليمية للسيطرة عليه.

السلطان شحيم بن كامل الدنكلي (سلطان بيلول وأميرها):

سلطنة بيلول في القرن السادس عشر الميلادي

هو السلطان شحيم بن كامل بن هلال بن القاسم ينتهي نسبه إلى السلطان (دردر الملقب بـ(أنكلي علي) الجد الأعلى لقبيلة أنكالا)
و(دردر) باللغة العفرية وتعني باللغة العربية (السلطان) والسلطان علي (أنكلي) هو أول من وحد الأراضي العفرية وأطلق عليها (مملكة أنكالا) وضم جميع قبائل العفر تحت حكمه وجعل الحكم وراثياً في أبناءه من بعدهـ، وكان السلطان شحيم بن كامل أمير إمارة بيلول والمناطق التابعة لها وهي احدى الإمارات التابعة لمملكة انكالا التي حكمت المنطقة العفرية من قديم الزمان ماقبل القرن العاشر الميلادي وبعده وكانوا ذوي شأن كبير أيضاً في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي وفي عهد مملكة أنكالا كانت للعفر مملكة جامعة وأيضاً في أوج قوة سلطنة عدال العفرية (وكان يُطلق سكان هضبة الحبشة اسم عدال على العفر تمييزاً لهم ولما عرف عن ملوكهم العدل والحكم بالإسلام) وكانت متواجدة حتى عام 1525م حسب ماذكرهـ الكاتب البرتغالي فرنشسكو الفريز (واستمرت إلى القرن الثامن عشر الميلادي وأوائل القرن التاسع عشر حتى القرن العشرين)، وبذلك كونت مملكة أنكالا مملكة عفرية إسلامية جامعة للعفر كانت حدودها تمتد من شبه جزيرة بوري إلى رحيتا وتاجوري وزيلع فأوسا إلى المراعي الداخلة كلها، وكانت قبل ذلك تشمل جميع المثلث العفري، وكانت عاصمتها الثانية في رحيتا). المصدر/ بتصرف من كتاب المنهل في تاريخ وأخبار العفر الدناكل (ص 328 -329-390-411)

والجدير بالذكر أن الملك مسمار (نجوس يسمر) هو عم السلطان شحيم بن كامل والملك مسمار هو الملك الذي كان يحكم إمارة دهلك وجزرها وعمومها وشبه جزيرة بوري والمناطق التابعة لها (وحسب الشامي صاحب المنهل: شمل حدود تلك المملكة (وكانت هذه الإمارة جزأ من مملكة أنكالا وإمارة من الإمارات التابعة لها) - دهلك وشبه جزيرة بوري وبعض أجزاء المنخفض العفري في الوقت الذي امتدت فيها حدودها الساحل الغربي للبحر الأحمر من جزر دهلك إلى ما بعد طيعو الحالية حتى بيلول- حيث كان يحكم المناطق التي تقع بعد ذلك أمير آخر من نفس القبيلة التي كانت تحكم السلطنة ولعله السلطان شحيم بن كامل أو شخص آخر من بني عمومته) وكانت عاصمة الإمارة في مدينة عوان ومدينة عوان كما سيأتي الحديث عنها أيضاً مدينة عفرية قريبة من ساحل البحر الأحمر محاذية لدهلك والملك مسمار ذكره المؤرخ القلقشندي صاحب كتاب صبحي الأعشى في صناعة الإنشا وذكره أيضاً صاحب كتاب المنهل في تاريخ وأخبار العفر الدناكل وكذلك صاحب كتاب المثلث العفري في القرن الإفريقي وغيرهم من المؤرخين.

يقول القلقشندي في صبح الأعشى في صناعة الأنشاء (ج 5 - ص320):

قلت: وأهمل المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار التعريف عدة بلاد من مماليك الحبشة المسلمين:

منها جزر دهلك الواقعة في الإقليم الأول (يقصد إمارة دهلك وجزرها وشبه جزيرة بوري والتي كان يحكمها الملك مسمار).

قال في تقويم البلدان: دَهْلَك بفتح الدال المهملة وسكون الهاء ثم لام مفتوحة وكاف.

ثم يقول: وهي جزيرة في بحر القلزم(البحر الأحمر). واقعةٌ في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة.

قال في الأطوال: حيث الطول إحدى وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة.

قال في تقويم: وهي جزيرةٌ مشهورة على طريق المسافرين في بحر عيذاب إلى اليمن. قال ابن سعيد: غربي مدينة حلي في بلاد اليمن، فطولها نحو مائتي ميل، وبينها وبين بر اليمن نحو ثلاثين ميلاً وملك دهلك من الحبش المسلمين وهو يداري صاحب اليمن (يبابع ويتبع للإمام حاكم اليمن).

ومنها مدينة عوان (عاصمة الإمارة التي كان يحكمها الملك مسمار وتقع في شبه جزيرة بوري ويطل عليها جبل عوان) بفتح العين المهملة والواو وألف ثم نون، وهي مدينةٌ على ساحل بحر القلزم مقابل تهامة اليمن حيث الطول ثمانٌ وسبعون درجة، والعرض ثلاث عشرة درجة ونصف درجة.

قال في تقويم البلدان: وإذا كان وقت الضحى ظهر منها الجناح وهو جبل عالٍ في البحر(يقصد جبل عوان).

قلت (أي القلقشندي): وقد أتى الحطي ملك الحبشة النصارى على معظم هذه الممالك(الممالك الإسلامية المحاذية لأرض الحبشة التي كان حكامها نصارى) بعد الثمانمائة (القرن الثامن الهجري) وخربها وقتل أهلها وحرق ما بها من المصاحف وأكره الكثير منهم على الدخول في دين النصرانية، ولم يبق من ملوكها سوى ابن مسمار (الملك مسمار) المقابلة بلاده لجزيرة دهلك تحت طاعة الحطي ملك الحبشة وله عليه إتاوة مقررة، والسطان سعد الدين(سلطان سلطنة عدال العفرية) صاحب زيلع وما معها وهو عاصٍ له خارج عن طاعته وبينهما الحروب لا تنقطع، وللسلطان سعد الدين في كثير من الأوقات النصرة عليه والغلبة والله يؤيد بنصره من يشاء.واعلم أن ما تقدم ذكره من ممالك السودان هو المشهور منها، والا فوراء ذلك بلادٌ نائية الجوانب بعيدة المرمى منقطعة الأخبار).

يقول صاحب كتاب المنهل في تاريخ وأخبار العفر الدناكل معلقاً على حديث القلقشندي عن إمارة دهلك وملكها الملك مسمار:
(هنا تجدر الإشارة على أن مملكة عدال العفرية كانت تشمل على إمارات لكل منها سلطنة ذاتية وأن ملك مسمار العفري (من قبيلة أنكالا) الذي كان يحكم شبه جزيرة بوري وجزر دهلك لم يكن تحت سلطة مملكة عدال العفرية (التي كانت تشمل ايفات وزيلع) آنذاك.

ويقول أيضاً (أي صاحب المنهل):

(لاحظ: بأن عبارة بحر عيزاب تعني البحر الأحمر وعبارة ملكلها من الحبش المسلمين يقصد بها ملوك العفر من قبيلة أنكالا العفرية والتي تنحدر من سلالة الصحابي الجليل جعفر الطيار بن أبي طالب الهاشمي القرشي).

ويقول أيضاً (أي صاحب المنهل):
(وتنزل هذه القبيلة العفرية (قبيلة أنكالا) في الوقت الحاضر في نفس المكان الذي كانت تسكنه قديماً (يقصد منطقة شبه جزيرة بوري - فرع قبيلة أنكالا في بوري) (علماً بأنه أفراد القبيلة منتشرون في جميع مناطق المثلث العفري (ارتريا وجيبوتي واثيوبيا)وتتواجد بطون وأسر من القبيلة في منطقة سمهر بإرتريا حتى السودان وفي مرتفعات ارتريا حتى داخل الحدود الإثيوبية).

أما مدينة عوان (التي كانت عاصمة الإمارة التي كان يحكمها الملك مسمار) فكانت على ساحل بحر القلزم (بحر عيزاب - البحر الأحمر) مقابل تهامة اليمن وقد أصبحت هذه المدينة في طي التاريخ ولا تجد لها أثراً أما الجبل فباق(جبل عوان) كما وصفه أهل التاريخ وإذا كان وقت الضحى ظهر منها الجناح وهو جبل عال على البحر.

كما ذكر ايضاً أن الملك مسمار العفري كان معاصراً لملك الحبشة (أدماس بيدا مريم خلال الفترة (1468م)

وقد خلفه في حكم دهلك وما حواليها ابنه السلطان إسماعيل بن مسمار ثم السلطان احمد بن إسماعيل بن مسمار وقيل أنه قتل في مواجهة مع الأتراك (الدول العثمانية) في عام 1557م حيث كانت تواجه بلاده مضايقات من قبل الأتراك وخاصة عندما تمكن الاتراك من السيطرة على (مصوع وحرقيقو) وغيرها من المناطق الشمالية لبلاده، حيث رفض هذا السلطان الاعتراف بسلطة الأتراك
وهيمنتهم على بلاده كما رفض أجداده من قبل هيمنة الحبشة والبرتغاليون على بلادهم وحاربوهم بإستماتة وحزم حتى حافظوا على استقلالهم.

ومن أحفاد الملك مسمار الأول الأمير جعدار بن مسمار الثاني المشهور بــ(قبريري قعدر) وأبناءه السادة الأمراء الخمسة (شحيم الأكبر ومحمد بنيتا ويلقب بـ(عسى محمد – محمد الأحمر) وسيدي حمد وإلياس وشحيم الأصغر) وكان أشهرهم الأمير شحيم الأصغر بن جعدار المشهور بــ(نجوس شحيم الأبرار) وكان آخر حكام دهلك من أحفاد الملك مسمار الأول الشيخ سراج بن محمد بن كامل (حاكم دهلك وعمومها وجزرها).

والذي كان يحظى بإحترام جميع القوى والدول الإستعمارية التي مرت على المنطقة وذلك لهيبته ومكانة بلاده الإقليمية وقد منحته الدولة الإيطالية (لقب) أزماش وتعني (السلطان كبير الشأن) ومنحته الحكومة البريطانية لقب (بك) ثم بعد وفاته خلفه في حكم دهلك ابنه الشيخ طه بن الشيخ سراج محمد كامل والشيخ طه سراج من مشاهير العفر ومن كبار رجال الأعمال وقادة المجتمع الإرتري في الوقت الحالي.

يقول الدكتور محمد عثمان أبوبكر صاحب كتاب المثلث العفري في القرن الإفريقي عبر العصور التاريخية (ص326-328)

الأنكالا: هي قبيلة عربية الأصل تنحدر من سلالة الصحابي الجليل جعفر الطيار بن أبي طالب القرشي الهاشمي، وهي من أقدم القبائل العربية التي استوطنت دنكاليا، وكانت تتوزع سلالتها بين عصب ودسي وتقيم بعض فروعها عند سفوح جبال بوري على شاطئ البحر الأحمر، حيث يمارس رجالها أعمال الصيد البحري وبقية النشاطات البحرية كما عرف عنهم التجارة (كإنتاج الملح وتصديره) كما يمارسون رعي وتربية المواشي حيث يمتلك أفراد القبيلة الكثير من أنواع المواشي كالأبقار والأغنام والإبل، وجزء من القبيلة يقطن جزيرة دهلك وتتميز قبيلة أنكالا بمصاهرتها من قبائل التجري في إقليم سمهر كما يتواجد جزء من القبيلة في كل من جيبوتي واثيوبيا وقد حفظوا سلالتهم من زمن بعيد وحافظوا على استقلالهم الذاتي ولم يخضعوا لنفوذ قبيلة أخرى، وتعتبر مكعنيلى في شبه جزيرة بوري المحاذية لخليج إرافلي من مقراتهم الرئيسية بالإضافة إلى مدينة عصب، وكانت لقبيلة أنكالا مملكة وسلطنة تحكم جميع بلاد العفر واستمرت في حكم العفريين مئات السنين ومن أشهر رجالاتهم السيد محمد عمر أكيتو الذي عرف بمواقفه الوطنية في البرلمان الإرتري ضد المخططات الإثيوبية الهادفة إلى ضم ارتريا إلى اثيوبيا وكذلك الشيخ سراج محمد كامل الذي كان من زعماء الحركة الوطنية الإريترية المنادين بإستقلال ارتريا كما كان حاكماً لجزر دهلك ومنهم أيضاً شوم هلال محمد هلال الذي كان ناظراً لقبيلة أنكالا في مكعنيلي بشبه جزيرة بوري) ...الخ كلامه.

كما يقول أيضاً الدكتور محمد عثمان أبوبكر صاحب كتاب المثلث العفري في القرن الإفريقي عبر العصور التاريخية ص 20-21-22

أثناء حديث عن الملك مسمار العفري:

(الحروب الكثيرة التي كان العفر يخوضونها مع جيرانهم أو ضد الغزاة الأجانب لبلادهم، حيث إن العفر معروف عنهم دائماً الحروب ومواجهة أي غازي قاصد الحبشة عبر البحر الأحمر، نظراً لوجودهم على هذه البوابة الشرقية من البحر الأحمر من مصوع حتى زيلع، كما خاضوا حروباً مع الأجانب من الفرس واليونان والبرتغاليين والأتراك وأخيراً الإيطاليين، كما تعرض العفريون في الزمن القديم قبل الاستعمار الأوروبي لهجمات كبيرة من البيجا في الشمال الشرقي في عهد الملك الدنكلي نجوس يسمر (الملك مسمار)، علماً بأن العفر كانوا يسمون ملوكهم نجوس (نقوس).

في ذلك الزمان وقد أخذ اللقب من ملوك قدماء العفر، إن هذه الحروب التي كانت تخوضها العفر في العصور المختلفة كان لها تأثيرها من حيث النمو والازدهار والنماء، ولم يتمكن الملك العفري الملك مسمار من الدفاع عن شمال البلاد من البجا، نظراً للهجمات التي كانت تتعرض لها بلاده من الجنوب من قومية (أرومو - الجالا) المجاورة مما مكن البيجا احتلال شمال دنكاليا بإريتريا حاليا حتى سمهر حيث كان حدود البلاد العفرية قديماً أبعد بكثير من الحدود الحالية وانسحب الملك مسمار إلى الشرق وجعل من إرافلي مقره الجديد، وبنى سداً منيعاً لمنع تقدم البيجا من سفح الجبل إلى عمق ثلاثة أمتار داخل البحر وذلك في غرب مدينة إرافلي، حيث توجد آثار ذلك الحائط حتى اللان تشهد على عظمة ذلك الملك وحنكته العسكرية، كمايوجد سد مماثل لسد إرافلي في (عبدور) بمنطقة (دالي) على بعد 30 كيلوا متراً من إرافلي بناه أيضاً ملك عفري آخر وهو أحد أحفاد هذا الملك بعد قرن من بناء سد إرافلي، ولقد بني السد الأخير لمنع هجمات أهل الهضبة من الحبشة وخاصة تيجراي، وكانوا يشنون دائماً هجماتهم على شعوب المنخفضات منذ القرون الوسطى إلى عام (1930م) وفي إرافلي توجد صخرة تسمى بالعفرية (أنكالا سريسا دا) أي (الصخرة التي تكسيها أنكالا) وقيل أن ملكاً عفرياً (نجوس) من قبيلة أنكالا كان مقره هناك، كان يتقلد اللباس الملكي على هذه الصخرة الكبيرة والتي لا تزال قائمة حتى اللان بشكلها الذي يشبه منصة الملك أو عرشه.

وكما توجد في جنوب شرق إرافلي على بعد عشرين كيلوا متراً في سهل (منقبو) منطقة تسمى (نجوس ربينا) أي مرقد الملك ويقول الرواة أن الملك (نجوس) الذي قتل في هذا الموقع هو الملك شحيم والمشهور بـ (نجوس شحيم الأبرار) وكان زعيماً مسلماً ومجاهداً ومرابطاً لحماية بلاده وشعبه وعامة المسلمين من هجمات الغزاة الأحباش والذين كانوا يغزون بلاد المسلمين من هضبة التيجراي، ونجوس شحيم الأبرار الذي استشهد في ذلك الموقع هو من قبيلة أنكالا العفرية التي كانت تحكم جميع بلاد العفر ...الخ كلامه).

ويقول الدكتور هاشم جمال الدين الشامي صاحب المنهل في تاريخ وأخبار العفر الدناكل: وبالرغم أن الأتراك احتلوا "مصوع" عام 1557م كما تم ذكره سابقاً إلا أنه لم تطأ أقدامهم المنطقة العفرية الممتدة من شبه جزيرة بوري إلى ما وراء باب المندب من السواحل العفرية وخليج عدن إلى بداية القرن التاسع عشر لبعض المراكز الساحلية، وكانت العلاقة بين الاتراك وحكام اليمن تحكمها الريبة والتوجس في الفترة قبيل القرن السابع عشر، فقرر ملك اليمن الإمام إرسال رسوله القاضي الحسن بن أحمد الحيمي إلى ملك الحبشة (بجوندار عاصمة مملكة الحبشة آنذاك) عبر ميناء (بيلول) العفري وبتسهيل من سلطانها السلطان شحيم بن كامل الدنكلي وذلك بدلاً من ميناء (مصوع) الذي كان يسيطر عليه الأتراك وكانت العلاقة متدهورة جداً بين السلطنة العفرية والأتراك في القرن السابع عشر (وخاصة سلاطين وملوك العفر يدارون ويوالون ملوك اليمن الأئمة آنذاك) مما دعى الأتراك إلى تشجيع العرب والتجار عدم استخدام السواحل العفرية للتجار والاتصال بالحبشة. المصدر: كتاب المنهل في تاريخ وأخبار العفر الدناكل (ص32-33) (ص204-205-206) (ص234-238) (ص243-244) ص(411)

العفر وتاريخ السلطنات والممالك والإمارات العفرية غنية التعريف ومستفيضة الحديث في التاريخ القديم والمعاصر ولكن كان القصد من المقدمة المذكورة هو للتعريف بسلطنة أو إمارة بيلول وبالسلطان شحيم بن كامل والتي سهى عنها كثيرٌ من الكتاب والمؤرخين القدامى والمعاصرين.

وما ذكرته في التمهيد نبذة مختصرة وغيض من فيض عن تاريخ السلطنة العفرية العريقة التي كان السلطان شحيم أحد السلاطين والأمراء فيها والحقبة الزمنية التي عاش فيها السلطان شحيم وبعض من سيرته ونسبه وأسرته ومن باب الشيء بالشيء يذكر كتمهيد وتوطئة لنقرأ بفهم ودراية.

قصة مقابلة العلامة الحيمي للسلطان شحيم بن كامل وزيارته لبيلول، فإلى القصة المذكورة والرحلة الحيمية الشهيرة:-

العلامة الحسن الحيمي يروي لنا قصة مقابلته للسلطان شحيم بن كامل الدنكلي في بيلول والتي سماها ببلد السلطان شحيم بن كامل الدنكلي في عام (1057هـ - 1647م) والذي غادر بيلول بتاريخ (8شوال 1057هـ - 6 نوفمبر 1647م) المنهل ص 66-67-238 والذي دون رحلته في كتاب سماه (حديقة النظر وبهجة الفكر) المعروف بـ (سيرة الحبشة)
ففي عام 1057هـ أُرسلَ العلامة الحيمي على رأس وفد من قبل حاكم اليمن آنذاك الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن المنصور بالله القاسم بن محمد إلى ملك الحبشة آنذاك الملك فاسلاديس (سجد فاسلاس) بن سوسينوس (وكان مقر عاصمته في مدينة جوندار)، وذلك بموافقة وتسهيل من قبل سلطان " بيلول " العفري السلطان شحيم بن كامل الدنكلي، حيث ركب العلامة الحيمي والوفد المرافق له السفينة من ميناء المخاء اليمني عبر البحر الأحمر إلى ميناء بيلول العفري.

يقول القاضي العلامة شرف الدين الحسن بن أحمد الحيمي في رحلته إلى الحبشة (ص79):-

وقد أمر مولانا أمير المؤمنين -قدس الله سره- النايب في البندر المحروس بتجهيزه في المراكب المعدة من جماعة العسكر المحافظين في ذلك البندر، واعداده عدة المحاربة في تلك المراكب من المدافع والزبارط من البنادق المتخذة سلاحاً للعسكر المنصور، وذلك لأجل الخوف من الأتراك الذين بجانب (سواكن) وبندر (مسوع) - أقماهم الله وقطع دابرهم- فوقع التجهيز من النايب في هذا البندر على هذا التقرير، ومطابقة هذا التقدير، وبلغوا به إلى بندر (بيلول) المعروف ببلد السلطان (شحيم بن كامل الدنكلي) ورجع العسكر سالمين لم يعرض لهم شيء من جانب الخصم بحمد الله ومنه، وتوجه رسول ملك الحبشة إلى مخدومه بتلك الهدية، والجواب عليه في ما ذكره، وغاب هنالك الرسول سنة ثلاث وخمسين وما بعدها إلى عام سبع وخمسين وألف، ثم إن الملك المذكور عاود مولانا أمير المؤمنين المؤيد بالله - رضوان الله عليه - بكتاب آخر وهدية أخرى، واستعجل الرجل المطلوب وصوله إليه، وذكر في كتابه معناه أن المهاداة بالمال هي نفس المطلوب، وإنما هي تبع للوصول إلى نيل الغرض بإرسال الرجل الذي أستدعينا وصوله، وقد كان سبق قبل هذا وفاة حي أمير المؤمنين مولانا المؤيد بالله ومصيره - رضوان الله- وما عند الله خير للأبرار، فلما وصل رسول الملك إلى بعد أطراف الحبشة، وبلغه خبر وفاة مولانا الإمام -عليه السلام - وأرسل إلى الملك يرفع إليه ذلك، ويعلمه بما بلغ إليه، فرجع له الجواب أن ينفذ لما أمر به، وجعلوا كتاباً إلى مولانا المتوكل على الله - أيده الله - في شهر شوال من عام سبع وخمسين وألف سنة، وكان خروجه إلى بندر (المخا) وجاءت طريقه بطن تهامة من جانب مدينة (زبيد) حرسها الله تعالى- ثم على مدينة (مور) و(الأمروخ) ونفذ إلى (هجر الأهنوم).

ولما انتهينا إلى بندر المخاء -حرسه الله تعالى- وكان مولانا -أيده الله تعالى- قد أمر النايب فيه بتجهيز جميع العسكر المحافظين في البندر بأعظم ما يكون من الإعداد في المراكب لما يتوهم أن يعرض من الأتراك -أذلهم الله تعالى- وتلقيهم من بندر سواكن وبندر مصوع، ففعل نايب المخاء بما أمر به، وتجهزنا من هنالك في نصف شعبان من تلك السنة المذكورة، وكان جملة سفرنا في البحر يومين فقط، والمسألة مع استواء الريح أقرب من ذلك بأنها قد تقطع في يوم واحد.

ولما وصلنا إلى بندر بيلول وكنا استصحبنا إلى السلطان شحيم بن كامل الدنكلي صاحب بيلول كتاباً من نايب المخاء، لما بينهما من الإتصال وحسن المعاملة، وجميل المواصلة، وكان هذا السلطان المذكور غايباً حين وصلنا إلى بندر بيلول، فراسلناه حتى وصل، وكنا قبل وصوله ضاربين خيامنا في مكان خارج البلد بينها وبين البحر؛ لأنا كنا من أهل البلد تشوشاً من وصولنا فبقينا هناك حتى وصل سلطانهم شحيم بن كامل المذكور، وقد كان خرج في صحبتنا جماعة من تجار الحبشة.

ولما وصل السلطان شحيم بن كامل تلقانا بالكرامة، وسني الضيافة، واطلع على أخبارنا، وعلم أنا نريد الوصول إلى ملك الحبشة، وكان هذا السلطان شحيم له اتصال بملك الحبشة.

ولما اجتمعنا بالسلطان شحيم وفد معه من رجال البدو المتصلين بذلك المحل خلق كثير، ولسانهم أعجمي بلغة تخصهم ليست من لغة الحبشة فكنا إذا خاطبناهم نفتقر إلى ترجمان وقليل معنا من يعرف لغتهم كل المعرفة إلا من كان منهم يتصل ببندر المخاء فإنه ربما عرف اللسان العربي، وكل من يجي إلينا من هؤلاء البدو المذكورين يريدون مجرد الإطلاع ومعرفة هؤلاء العرب الوافدين، فإذا وصلوا إلينا جعلوا ينظرون إلينا من بعد، وهم يتعجبون بالنظر إلينا، ونحن بالنظر إليهم أعجب.

ثم إذا بقينا في بيلول هذا نحو الشهر، نلازم صلاة الجمعة والجهر بالخطبة لمولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله رب العالمين -أيده الله تعالى- وصمنا هنالك شهر رمضان المعظم وخرجنا لصلاة العيد، والسلطان شحيم معنا بجمعه وأصحابه ناشرين الأعلام، مظهرين شعاير الإسلام، وصلينا في جبانة البلد، وخطبنا كذلك خطبة العيد المأثورة مع ذكر الإمام -عليه السلام- والدعاء له جهراً على رؤوس الأنام.

ثم لما كان العيد المذكور بنحو ثمانية أيام توجهنا من بيلول وفي صحبتنا هذا السلطان شحيم بجماعة من أصحابه نحو ثلاثين نفراً فقط، وأهل القافلة من الجيوش يبلغون كذلك ثلاثين نفراً، وسبب هذا التحير في بيلول أن هذا الطريق كثير الأخطار من كل وجه، منها أنها مفاوز منقطعة عن الماء، وإنما يعرف المياه الدليل الماهر والعارف الخابر، وقليل ما هو، لعدم الإختلاف فيها، ثم إن أهل الأمانة فيهم قليلون، فإن الدليل إذا شاء سلك بالناس حيث لا يوجد الماء فإن شاء أهلكهم وإن شاء تحكم في أموالهم بما يريد. ومنها: الخوف من هؤلاء البدو المتصلين بهذه الطريق. ومنها: الخوف الأعظم من القالة -أبادهم الله- لإمكان وصولهم إلى هذه الطريق، فأحتجنا إلى المبالغة لنفي المخاوف وسد أبوابها، ومراسلات كبار البدو من السلطان شحيم، وبذل الأموال لهم.

وبعد أن قررت هذه الأمور بحسب الظن وقدر الإمكان، توجهنا في ذلك الوقت من بيلول في أرض مستوية كثيرة الأشجار نحو مرحلتين، ثم دخلنا بعد ذلك في أودية بين جبال عالية وفيها ماء جار، وفي هذا المحل جاء إلينا من أخبار البدو أنهم يريدون غزونا في تلك الليلة، فأمرنا الناس في تلك الليلة بالإحتراس، وأن يكونوا على أهبة، فكان من عجايب الإتفاق، أنها جاءت في أربعة فيلة في تلك الليلة، فأدركها الحرس وسمعوا حسها في ذلك الوادي، ففزعوا منها فاجتمع الناس بعضهم إلى بعض، ثم تبينا الأمر فإذا هو تلك الفيلة، فرمت عليهم البنادق فسمع أولئك البدو رمي البندق، فأرهبهم وأرعبهم وفرق شملهم، وبدد جمعهم، ولقد أخبرنا رجل ممن بلغ إليه حقيقة أمرهم أن قدر الجمع الذين كانوا قد اجتمعوا لذلك خمسمائة رجل، فسبحان الملك القدير، الذي حالت قدرته بينهم وبين ما أرادوه، واتصل بعد ذلك سيرنا وتوالت أيام سفرنا قدر اثنتي عشر مرحلة، حتى وصلنا محل يسمى (عين ملى) وهذا المحل وما بعده أعظم خطراً وأكثر مخافة لقربه من القالة - أقماهم الله تعالى وقطع دابرهم - وحال ذلك الوادي من الوحشة وعظيم المخافة، كما قال شحيم بن وثيل شعراً:

مررت على وادي السباع ولا أرى.... كوادي السباع حين يظلم واديا
أقل به ركب أتوه بآيةٍ.... وأخوف إلاَّ ما وقى الله ساريا

ثم أقمنا في هذا المحل المسمى (عين ملى) قدر شهر كامل، وقد كان هذا السلطان شحيم قدم رسولاً من هؤلاء البدو إلى بعض أمراء ملك الحبشة المتولي على أقرب قطر إلينا من بلاده يخبره بقدومنا، وأنه يتلقانا إلى محل معين قد عينه له، بمن أمكنه من جموع النصارى، وهذا الكتاب قد كان سبق من أيام إقامتنا في بيلول، ورجع جوابه إلى هذا المحل المسمى (عين ملى) وبعد رجوع الجواب عليه أظهر المسرة العظيمة، وضرب عليها بالنقارة، واجتمعوا للعب الذي يعتادونه عند حصول المسار، وأراد بذلك السلطان شحيم تبشيرنا وادخال المسرة علينا، وتهوين الشدة، وتخفيف أثقال المخافة.

ثم بعد ذلك أمر السلطان شحيم بالرحيل، فارتحلنا وهو في صحبتنا وسار معنا بعد ذلك قدر خمس مراحل، ثم إنه أشعرنا أنه يريد الرجوع من هنالك؛ لأنه إذا جاوز ذلك المحل لم يتيسر له العود منفرداً بأصحابه خوفاً على نفسه ومن معه؛ لأنه في التحقيق لايتم له السلوك في هذه الطريق، إلا مع انضمامه إلينا، وتقويه بقوتنا التي أمدنا الله تعالى بها وألقاها في قلوب الناس فضلاً منه ونعمة علينا، ثم إنه جمعنا نحن وأهل الحبشة الذين في القافلة، وأخبرنا أنه يريد أن يجعل معنا من يدلنا على الطريق، ويجنبنا مخاوفها وأخطارها، وكان هناك ثلاث طرق:

إحداهن ظاهرها الأمان من القالة، والثانية: تجوز المخافة منهم، والثالثة: مقطوع بخوفها وخطرها؛ لكونها في جانب القالة وبين مراعيهم ومخاليفهم، فأختلف رأي أهل الحبشة في الطريق، فرسول الملك الواصل بكتابه إلى الإمام -عليه السلام- يريد سلوك هذه الطريق المأمونة، وإن كانت بعيدة المسافة، وساير أهل الحبشة يريدون سلوك الطريق الوسطي مع تجويز بعض الخوف، وكلهم لا يريدون سلوك الطريق الثالثة، فقال السلطان شحيم: نجعل لكل فريق منكم دليلاً يدله على طريقه التي يريدها، فطلب لنا رجلاً جمع بيننا وبينه، وأخذنا عليه عهداً أنه لا خاننا ولا غدرنا، ولا سعى لنا في ما فيه ضررنا؛ ولأهل الحبشة رجل آخر كذلك، ثم قال: أما بعد ذلك يكون مسيركم أنتم وأهل الحبشة مرحلتين مجتمعين، ثم تفترقون بعد ذلك، فدليلكم يدلكم على هذه الطريق المتوطأ عليها، وأهل الحبشة في طريقهم كذلك، فقلنا له وللدليل: هل بقي بعد ذلك المحل أحد من البدو نخاف اعتراضه لنا في الطريق ونطلب منه الصحبة أم لا؟ فقال السلطان شحيم وهذا الدليل المذكور: ليس بعد هذا إلا أرض مقفرة حتى تصلوا أرض الحبشة، فودعنا السلطان شحيم وأصحابه في ذلك المحل، وعزمنا على سيرنا في ذلك الدليل، وكنا جميعاً نحن وأهل الحبشة بناءً منا أنا لا نفترق عليهم إلاَّ بعد يومين كما ذكره السلطان شحيم، فاستمر بنا السير ثلاث مراحل متوسطة ليست بالكبار ولا بالصغار، وانتهينا إلى جنب جبل عظيم أبلغ ما يكون من العظم في الإنبساط والإرتفاع... إلى آخر مراحل رحلة العلامة الحيمي إلى بلاد الحبشة مروراً ببلاد العفر وبالتحديد مدينة بيلول التي كانت عاصمة إمارة بيلول آنذاك كما تقدم الحديث عن ذلك.

ملاحظات توضيحية قبل الختام:

ملحوظة: في أواخر القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر الميلادي ماقبل عصر السلطان شحيم بن كامل والملك مسمار الأول
كانت تتعرض السلطنة العفرية التي كانت تحكمها (أسرة أنكلي - قبيلة أنكالا) لهجمات البرتغاليين الذين كانوا يأتون لسواحل البحر الأحمر للاستكشاف ثم بسط سيطرتهم وإدراج المناطق الحيوية منها تحت نفوذهم وقد قتلوا الكثير من ملوك وسلاطين وأمراء وفرسان هذه السلطنة العفرية آنذاك وهم يحاولون التصدي لهم و حماية منطقتهم والحفاظ على استقلالها من الوقوع تحت أي استعمار أو نفوذ أجنبي كما كانوا في صراع دائم مع حكام وملوك وأباطرة الحبشة كما أكد ذلك المؤرخون مما جعل السلطنة في عزلة وأدى إلى تفككها أحيانا على إمارات وسلطنات مستقلة ومرت الأمة العفرية بعدة عوامل الضعف وظروف عديدة قاسية واجتمعت عليهم كوارث طبيعية وبشرية كالبراكين والزلازل وأيضاً الظروف الاجتماعية والسياسية والدينية ولموقعهم المتميز على الساحل البحر الأحمر وقربهم هضبة الحبشة معقل النصارى والصليبين المدعومين من الغرب الصليبي وانعزالهم عن العالم العربي والإسلامي الذي ينتمون إليه، وبالإشارة إلى الإستعمار البرتغالي من الجدير بالذكر هنا أن المملكة اليمينة الإسلامية في في عهد الأئمة الزيديين الهاشميين في اليمن كانت تدعم السلطنة العفرية ويدين لها سلاطينها بالولاء لما بينهم من صلة القربى وحسن المعاملة وجميل المواصلة والإتصال وكانت هي الأخرى تعاني من هجمات البرتغاليين على سواحل اليمن في عدن وزبيد والمخا ولم تكن المملكتين العفرية واليمنية تعترف بالدولة العثمانية (الخلافة الإسلامية آنذاك) ولم تتدخل الدولة العثمانية لحماية النطقة العفرية والسواحل العفرية من البرتغاليين إلا في العهد الأخير من القرن السادس عشر الميلادي وبعدما أحست بالخطر القادم من البحر الأحمر على الدولة العثمانية وبررت ذلك بحماية الحرمين الشريفين من البرتغاليين ودعمت السلطان العفري في سلطنة عدال الإمام أحمد بن إبراهيم جري (الأشول) وأطلق عليه في العهد العثماني الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي ودعمت جميع السلطنات والإمارات القبائل العفرية جهاد الإمام ضد البرتغال ونصارى الحبشة مما مكن الإمام من تحقيق انتصارات عظيمة ضد أباطرة الحبشية الصليبين والمستعمرين البرتغاليين.

ملحوظة: كلمة (الدنكلي) هي في الأصل نسبة إلى قبيلة دنكلي وهي قبيلة عفرية من جذور عربية ومن أقدم القبائل العفرية التي أسست الممالك والسلطنات العفرية ويُقال أن جد قبيلة دنكلي وملكها كان يُدعى (دنكلي بن ملكان)وتذكر بعض الروايات أن دنكلي وأنكلي هما بنو عمومة وقد يكون ذلك من باب المصاهرة ونظام الحلف القبلي بين القبيلتين وكلمة الدنكلي (كانت تطلق من قبل سكان الجزيرة العربية على العفر ملوكاً كانوا أم رعية) والسلطان شحيم بن كامل ليس من هذه القبيلة وإنما من قبيلة أنكالا كما هو مؤكد كما تدل أن حكام مملكة أنكالا (أسرة أنكلي) لم يغيروا مسمى مملكة دنكلي التي حكمت السلطنة العفرية قبلهم و(أسرة دنكلي) هي الأسرة الثانية التي حكمت السلطنة وقد كانت مملكة دنكلي العفرية مشهورة بالتجارة وإتصالها بالجزير العربية وموانئها عامرة بالتجارة، وسبقتها مملكة دوبعي العفرية التي كانت تحكمها (أسرة عدولا) وكان يطلق على أمراء هذه السلطنة العفرية (دوبعيتا) وتعني سمو الأمير ومنها اشتق اسم المملكة ومن الآثار الباقة من هذه السلطنة العفرية ميناء (ميناء عدوليس) والذي يعد من أقدم الموانئ والمراسي في البحر الأحمر التي أسستها المملكة العفرية المذكورة، والأسرة الرابعة التي حكمت السلطنة العفرية هي (أسرة حرالماحس (الجد الأعلى لقبيلة دمهويتا) والسلطنات التي أسسها أحفاده موجودة حتى الان وهي (سلطنة أوسا وسلطنة تاجوري وسلطنة قوبعد وسلطنة رحيتا وسلطنة قريفو (برو)) وأسرة حرالماحس تربطها علاقة نسب مع قبيلة أنكالا حيث يعتبر حرالماحس هو حفيد سلطان أنكالا من ابنته حيث كان والده من حاشية السلطان وقد زوجه ابنته ولعل هذا السلطان هو أحد الأمراء الذي كان يحكم رحيتا وتاجوري قبل أسرة حرالماحس حكام السلطنتين الحاليين وتذكر بعض الروايات الشفهية والأساطير العفرية (أن حرالماحس تمرد على جده السلطان و كان يدعى أو يلقب بـ(دنقاحي يكمي) وأنه كان ذا بأس وسطوة.

وبتعاون من قبل أحد الأمراء التابعين للسلطان المذكور واسمه (علي عبلس) وبدعم من بعض قبائل تلك المنطقة انتصر الحلف الجديد على سلطان أنكالا ونصبوا حرالماحس سلطاناً على تلك الإمارة وكان الحكم في أحفاده من بعده ثم شملت سلطنات أحفاده جميع المناطق العفرية وموجودة حتى الان وأشهر سلاطين هذه الأسرة سلطان(سلطنة أوسا) السلطان محمد حنفري الملقب بـ(إللتا) وتعني الإمبراطور وكان إمبراطوراً وحاكماً لعموم المناطق العفرية وحريصاً على وحدتها وتماسكها وقد عقدت معه إيطاليا عدة اتفاقيات تجارية للإستثمار في مناطق العفر سميت بــ(اتفاقية الصداقة العفرية الإيطالية) وكان قد قام بزيارة إيطاليا بطلب من رئيس وزراءها، وسلطان (سلطنة رحيتا) السلطان برهان بن محمد (الذي كان يقلب بــ(عسى دردر) أي السلطان الأحمر) وسلطان (سلطنة تاجوري) السلطان أحمد بن أبوبكر وسلطان (سلطنة قوبعد)السلطان حمد لعيتا وسلطان (سطنة برو) السلطان الشهيد المجاهد ياسين حيسما ثم السلطان محمد أحو الذين حاربوا الطليان ومنعوهم من التوغل في الأراضي العفرية بعدما اكتشف العفر أطماع الايطاليين في أراضيهم وعرف عن هذه السلطنة دفاعها المستميت عن أراضي العفر والمحافظة على استقلالها وصد الاعتداءات المتكررة من نصاري الحبشة ومن رجالات هذه الأسرة وزعمائهم الزعيم العفري الثائر البطل علي عثمان حمد كولي المشهور بـ (نخرى يقلي) والذي قاوم الإيطاليين في منطقة بوري واعتقله الإيطاليين وسجنوه في سجن نخرة في جزيرة دهلك وتمكن من كسر بوابة السجن الحديدية وأيضاً من أشهر سلاطين هذه الأسرة المعاصرين السلطان الصالح علي مراح حنفري سلطان سلطنة أوسا الراحل والذي كان يعد الأب الروحي للعفر في عموم المثلث وكذلك السلطان الحالي لسلطنة أوسا السلطان حنفري علي مراح حنفري.

وأختم هذه المقالة بزيارة الروائي والكاتب الصحفي في مجلة العربي الكويتية الأستاذ/ زكريا عبد الجواد للمنطقة العفرية بتاريخ 1-10-2002م حيث كتب تقرير عن هذه الزيارة في المجلة بعنوان (العفر عرب القرن الإفريقي المنسيون) ولقاءه بسلطان العفر السلطان علي مراح حنفري.

إذ يقول: أربعة ملايين ونصف المليون إنسان يعيشون في القرن الإفريقي، هم عرب مثلنا، يتكلمون لغتنا، ويكتبون بحروفها نفسها، مسلمون مائة في المائة، جاءوا من اليمن والحجاز وظلوا هناك. ولكن ما حدث معهم هو نفس ما حدث مع الاكراد، نفس السيناريو ونفس الأسباب، ونفس التبرير، أمة مزدهرة فتتها المستعمر، وقطع جسدها ثم وزعها بين الجيران، ثم وقف يتباكى دون خجل على حقوق إنسانها.

تماما، أعمل المستعمر سكينه في الجسد العفري فقطع أحشاءه الى ثلاث غير متساويات، حيث لكل جار نصيب من الكعكة، وهونفس ماجرى مع الأكراد الذي بلغ الكرم الاستعماري معهم حد تقطيع وطنهم الى خمس وتوزيعه أيضا، فياله من مخطط، وياله من ظلم فادح، وكرم يهدي رغم أنف الهدية.إلى إفريقيا، وتحديدا الى القرن الافريقى، انتقلت مجلة (العربى) لتشهد بعض وقائع اللحظات النهائية لاضمحلال آخر سلطنة اسلامية بعد ان ظلت لأزمنة طويلة تساهم في نشر اللغة والثقافة العربية والدين الاسلامي في مختلف بقاع القارة السوداء.

بعد سنوات طويلة من الازدهار، وسنوات طوال من الدفاع عن كيان موحد كان يتعرض للابادة، تم اقتطاع الأمة العفرية بين ثلاث دول في القرن الافريقى، ولكن الاتفاق نص ايضا على بقاء السلطنة تحت امرة زعيمها الروحي السلطان علي مرح الذي اقترب حاليا من عامه الثمانين، على ان ينتهي كيان تلك السلطنة الموحد الذي تزيد مساحته على ضعف مساحة فرنسا، وتذوب اجزاؤها في الدول التي اقتسمتها، بعد ان يلقى السلطان ربه.وهكذا بدأت تلك السلطنة في التفتت وبدأ العد التنازلي لكيان كان الجميع يخشون بأسه يوما، ويسعون بدأب لخطب وده في زمن قديم مغاير لذلك الذي نشهده الآن، والذي أصبحنا فيه نجتر ذكريات المجد القديم ونواصل البكاء على أطلاله.

وتحدث أيضاً عن مقابلته للسلطان علي مراح حنفري وعنون لهذه المقابلة (في حضرة السلطان):
السلطان علي مرح الذي استقبلنا بحرارة والابتسامة الودودة لم تغادر قسمات وجهه للحظة واحدة، وكان يتحدث العربية بطلاقة، قال لنا إن أصول العفر تعود إلى العرب (مائة بالمائة) فقد أتوا من الحجاز واليمن، فيما يدين جميع أفراد هذا الشعب دون استثناء بالإسلام، أما اللغة فلدى العفر لغتهم الخاصة التي يتكلمون بها، وهي اللغة الوطنية العفرية، لكن الكتابة الرسمية لديهم باللغة العربية.
السلطان أشار إلى أن سلطنته كانت تتمتع بالاستقلال حتى في أيام منليك الثاني الرهيب، ومن قبله في عهد يوهنس المعروف بقسوته ضد المسلمين في إثيوبيا.

يضيف السلطان: (نحن نملك مدخل البحر الأحمر ونسيطر عليه وهذا المضيق - باب المندب - سبب لنا العديد من المشاكل، ونحن نسعى بما نملك للمحافظة على أرضنا بعيدا عن أي سيطرة أجنبية، وعندما طلبت منا اسرائيل استقبال قواعد لها مقابل مساعدتنا على تطوير الزراعة والصناعة رفضنا بشدة، فما الذي سنأخذه من عصابة تغتصب وتقتل وتنتهك حقوق الشعب العربي الفلسطينى؟).

وكلمة العفر ذات أصل عربى، فقد اطلقها العرب الذين هاجروا إلى تلك المنطقة على أهلها منذ العصور الموغلة في القدم، وتطلق كذلك على هذا الشعب كلمة الدناكل وصاحب هذه التسمية اليمنيون الذين نسبوا هذا الشعب إلى أسرة انكلي التي كانت تحكمه قديما.
والشعب العفري يعتبر من اقدم الشعوب الحامية التي استقرت في منطقة القرن الافريقى. وقد لعب دورا بارزا في تلك المنطقة في شتى المراحل التاريخية التي مرت بها، وكان لدى هذا الشعب تاريخ سياسي طويل من الحكم الذاتي كبقية الشعوب الأخرى في العالم قبل ان يأتي الاستعمار الأوربى، وكان له سلاطين أقوياء أمثال (آدال) و(انكالا) في القرنين الرابع عشر والخامس عشر.

وقد دخل الاسلام الى المنطقة في وقت مبكر، ويرجح معظم المؤرخين أن الإسلام جاء إلى هذا الإقليم بواسطة الصحابة الذين هاجروا الى الحبشة في الهجرتين الأولى والثانية، لكون هذا الاقليم متصلا بمنطقة النجاشي ملك الحبشة في ذلك الوقت والذي استضاف مهاجري الصحابة. وللإقليم تاريخ عريق في الإسلام وقد نشأت فيه ممالك إسلامية كبرى، مثل مملكة آفات التى نشأت بعد سقوط مملكة شوا، وتـذكر بعـض كـتب الـتاريـخ ان الإمـام أحـمـد بن عبدالله بن ابراهيم الملقب بـ (غران) الذي فتح معظم مناطق الحبشة من عام 1500 الى عام 1559م كان من أبناء هذا الاقليم.

وظل نظام السلاطين يحكم الشعب العفري إلى وقت قريب، وهو نظام يحمل الطابع الإسلامي القبلى، في الوقت الذي يضم فيه الإقليم آثارا إسلامية ومساجد قديمة ومخطوطات يدوية نادرة.

ويواصل حديثه ويقول:
والإقليم العفري بوضعه الحالي هو واحد من تسعة أقاليم وإدارتين يتكون منها النظام الفيدرالي في إثيوبيا منذ ان تولت الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا (أهادق) حكم البلاد في أعقاب إسقاط نظام هايلي ماريام، فقد سلكت منهجا جديدا يختلف بشكل جذري عن الأنظمة السابقة، اذ وضعت نظاما فيدراليا لإثيوبيا واعتبرته الأمثل لبلد يتكون من عدة قوميات، وبعد أن تحالفت جبهة التحرير العفرية بقيادة السلطان علي مرح معها واشتركت في مؤتمر لندن للمصالحة، إلى أن أصدر مؤتمر الجبهة الإثيوبية الحاكمة عام 1991 قرارا وافق بموجبه على حق كل القوميات المختلفة في إنشاء حكومات فيدرالية لها داخل إثيوبيا، وهكذا اصبح للعفر في اثيوبيا بموجب القانون والدستور الإثيوبي إقليم يتمتع بالحكم الذاتي المحلي في اطار الدولة الفيدرالية الإثيوبية.

والعفر الذين يعد إقليمهم واحدا من الأقاليم التسعة التي تتمتع بالحكم الذاتي وهو يشكل في مساحته خمس اثيوبيا، فيما يمثل سكانه وكلهم مسلمون متأثرون بالثقافة العربية والاسلامية نحو 4%من عدد سكانها، كان لديهم عدة احزاب سياسية اندمجت في الوقت الحالي تحت حزب واحد هو الجبهة الديمقراطية المتحدة العفرية، أما البرلمان الإقليمي للعفر فهو يتشكل من 48 عضوا، ينتخب هذا البرلمان من بين اعضائه 15 عضوا من المكتب السياسي يمثلون السلطة التنفيذية، ويختار المكتب السياسي 16 عضوا للحكومة المحلية لمجلس الوزراء الإقليمى، ويتم اختيارهم بنسب متفاوتة من جميع الأحزاب التي تشكلها الجبهة الموحدة، ويمثل الاقليم بعضوين في البرلمان القومي الفيدرالي لمجلس الشيوخ (وهو غير البرلمان المركزي والسلطة التشريعية الذي يتم اختيار اعضائه بالانتخابات الحرة المباشرة من جميع الأقاليم وبمشاركة جميع الأحزاب السياسية في اثيوبيا).

وإذا كان هذا وضع العفر في إثيوبيا، فإنهم في جيبوتى يشكلون إحدى أهم قوميتين (العفر والعيسا) وهم القومية الأكثر عددا، وكانت تشارك عفر اريتريا الذين يقطنون جنوب البلاد على ساحل البحر الاحمر في إقليم دنكاليا الإريترى، وايضا تشارك عفر اثيوبيا الذين يعيشون في إقليم تيجراي وولو وشوا في شمال جيبوتي وغربها. ويحتل عفر جيبوتي مساحة قدرها 20 ألف كم2 من مجمل مساحة جيبوتي البالغة 23 ألف كم مربع ومن أهم السلطنات العفرية في جيبوتي (سلطنة رحيتا، وسلطنة تاجورا، وسلطنة أوبك، وسلطنة غوبعد)، ووفقا للاتفاق المبرم بين الحكومة وحركة التمرد العفرية التي قادتها جبهة الوحدة والديمقراطية، فإنه ينص على تقاسم افضل للنفوذ بين العفر والعيسا وهما المجموعتان الرئيسيتان في البلاد، وبموجب ذلك جاء تعيين ديليتا محمد ديليتا وهو من العفر رئيسا للحكومة الجيبوتية.

أما في أريتريا، فقد كان للعفر دور مهم في احتضان الثورة الأريترية منذ انفجارها عام 1960م وقد انخرط في صفوفها الكثير من أبناء العفر بمختلف قبائلهم، ويعرف الاقليم الذي يسكنه العفر بإقليم الساحل الجنوبى، او دنكاليا التي تشكل البوابة التي من خلالها جاء المهاجرون العرب الاوائل إلى عموم اريتريا، وقد شهد هذا الاقليم على الدوام توزيعا عنصريا وجغرافيا مميزا، كما شهد نزول العرب الساميين او القحطانيين شمالي زولا ومصوع ومنها توغلوا الى عمق الهضبة الاريترية وإقليم تيجراى، كما شهدت نزول العرب العدنانيين والهلالية القدامي والحضارم الذين هاجروا الى الساحل الدنكلي واستقروا فيه.

من مدن الاقليم العفري حملتنا السيارة عائدة بنا إلى نفس الطريق الذي أنهك قوانا صباحا وتسبب في تفجير أحد اطاراتها، ولكن لم يكن لنا أي حيلة سوا الانصياع للأمر الواقع، استسلمنا لقدرنا وانطلقت السيارة بنا نحو أديس أبابا، في الطريق قابلنا مئات الرعاة العفر ومواكبهم الطويلة من الماشية، بينما كانت تلوح لنا بشكل واضح ومضة السلاح الذي يزين به العفري الراعي كتفه، وبعد أن انقشع غبار مواكب الرعاة، بدت لنا بحيرة مطهرة الملحية، التي كانت الفتيات وكذلك الفتيان يسبحون فيها عرايا كما ولدتهم أمهاتهم.
عندئذ ظلت كلمات نائب المحافظ محمد طاهرو ترن في أذني (أين العـــــرب والمسـلمون من العفر الذين تكالبت عليهــــم الأمراض والفـــقر والأمية والتخلف، وعانوا ســـنوات طـــويلة الإهــــمال والقـــهر ومحاولات محو الهوية؟ ألا يستحق هؤلاء الذين قــاوموا بشدة وتحملوا عذابا لايوصف من أجل الحفاظ على لغتهم العربية وثقافـــتهم الاسلامية وشـــعائرهم وهويــــتهم، ألا يستحقون التفاتة من اخوانهم، الذين تذكروا المحتاجين في البلاد البـــعيدة ونســـوا طويلا هؤلاء القريبين الخجولين الأشـــداء المعتزين بدينــــهم ولغتهم وثقافـتهم وبأنفـــسهم أيضا؟).

ذلك ما أردنا قوله، وسعينا إلى إيصاله بعد أن كنا هناك وشاهدنا اللحظات التي تسبق تلاشي آخر سلطنة اسلامية ليس في القرن الافريقي وحده، بل في إفريقيا كلها.

وفي الختام،،
كما أسفلت أن الحديث هنا عن إمارة بيلول وسلطانها السلطان شحيم بن كامل وما ذكرته أعلاه من نبذة يسيرة عن تاريخ العفر والسلطنات والإمارات والممالك العفرية والأسر التي حكمتها تخللت حديثي من باب الإشارة فقط وينقصها الكثير من التفاصيل والشرح
والتاريخ العفري مليئ بالأحداث و حافل بسير وتاريخ السلاطين والملوك والأمراء والمشايخ والزعماء التاريخيين للأمة العفرية ولا يتسع الحديث عنها في هذه العجالة، وللمزيد من المعرفة والإطلاع يمكن الرجوع للمصادر التي استفدت منها وأنا أعد لهذه المقالة المتواضعة والتي أرجو أن أكون ساهمت فيها بإثراء المكتبة العربية والقارئ والباحث العربي لتاريخ المنطقة العفرية والسلطنات والإمارات والممالك التي نشأت فيها عبر العصور التاريخية وخاصة المنطقة تتعرض لتغيير ديمغرافي وتزوير للتاريخ بعيداً عن الحقائق التاريخية الثابتة والموثقة ولحفظ تاريخ هذه المنطقة كان لابد من المساهمة في التوثيق والله من وراء القصد.
والله ولي التوفيق.

المراجع:
• كتاب (حديقة النظر وبهجة الفكر) المعروف بـ (سيرة الحبشة) تأليف القاضى العلامة شرف الدين الحسن بن احمد الحيمى اليمني.
• كتاب المنهل في تاريخ وأخبار العفر (الدناكل) تأليف العلامة الشيخ جمال الدين الشامي وابن الدكتور هاشم جمال الدين الشامي.
• كتاب المثلث العفري في القرن الإفريقي عبر العصور التاريخية تأليف الدكتور محمد عثمان أبوبكر.
• كتاب المسألة العفرية في القرن الإفريقي إعداد الإستاذ/ عوض داود محمد.
• تقرير بعنوان (العفر عرب القرن الإفريقي المنسيون - مجلة العربي الكويتية) بقلم الأستاذ/ زكريا عبدالجواد.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 

Top
X

Right Click

No Right Click