سلسلة قضايا بسيطة و مهمة 1-10

بقلم الأستاذ: علي عافه إدريس - كاتب ومحلل سياسي ارتري

المغالطات المنطقية فخاخ تمنع النقاشات من الوصول لنتائج مجدية فيجب الانتباه لها !!!

إرتريا 1

المغالطات المنطقية هي أنماط شائعة من الحجج الباطلة التي تتخذ مظهر الحجج الصحيحة لتخدع المستمع أو القارئ وتبتعد به عن جوهر القضية محل النقاش أو تجعله ينصرف عن قناعته بقضية ما دون براهين أو أدلة حقيقية، كما أنها تجعل المناقشات عقيمة وغير مجدية ومجهضة منذ البداية وغالبا ما تذهب بالنقاشات إلى طرق مسدودة، وعادة لا يتم كشفها إلا بمعرفتها سلفا، لهذا الطريق الوحيد لتجنب الوقوع فيها هو الإلمام الجيد بها وبأشكالها المتعددة وبذلك نضمن نتائج لنقاشاتنا و حواراتنا، كما أنه من خلال معرفتنا بها نتجنب الطرق المسدودة في الحوار وكذلك نمنع الآخرين من دفعنا إليها.

علما أنها من الكثرة بحيث يتعذر حصرها لكن معرفة جزء منها سيجعلك تتجنبها بشكل كبير فحتى لو لم تعرف مسمى تلك المغالطة التي لم تمر عليك لكنك ستعلم أن محاولة حرف للنقاش قد تمت من المحاور الآخر لهذا ستعيده لموضوع النقاش وتفشل محاولته تلك.

وأنا هنا سأورد أمثلة بسيطة لأشهر المغالطات المنطقية حتى تتضح الصورة وعلى القارئ البحث في جوجل بإدخال عبارة "مغالطات منطقية" وسيجد ما يذهله:-

مغالطة الدرب الزلق:

هي من أشهر المغالطات وتعتمد على اختيار احدي سلبيات الموضوع وتضخيمها حتى تتحول هي لموضوع النقاش بدل مناقشة الموضوع من كل نواحيه.

مثال:

بالأمس تواصل معي أحد الإخوة في الخاص لمناقشة موضوع الفيدرالية الذي كنت طرحته في بوست سابق في صفحتي (قد استأذنته في اتخاذه مثالا وعرضت عليه ما كتبت فأجازه قبل نشره).

تواصل معي وأخذ يعدد لي ما اعتقده أنه مساوئ للفيدرالية ولم يكتف به بل أطلق لخياله العنان... أنها تقسيم للمقسم، إنها إعادة لتجربة المناطق التي لازلنا نعاني من آثارها... الخ وما فعله هو مثال حي لاختيار مغالطة الدرب الزلق وقد حشد كل حججه الغير صحيحة لإحباطي ومنعي من مجرد التفكير بطريقة سوية في الفيدرالية.

نبهته أنه يحشد كل تفكيره بطريقة سلبية لإسقاط تبني الفكرة وليس لمناقشتها وهكذا نقاش لا يوصل لنتيجة لهذا إذا أردت النقاش فلنأخذ الموضوع خطوة خطوة فوافقني.. وبدأت أرد على أهم نقطتين وردتا في الدرب الزلق الذي سلكه.. فقلت له نحن منقسمون على كل المستويات الاجتماعية والسياسية واستعصى علينا التجمع تحت أي راية كانت ألا تتفق معي.. قال: أتفق معك، قلت له: ونحن عندما نوزع الدوائر الانتخابية بشكل موجه وواعي للمكونات ألا نقسم الحقوق ونفسح المجال لمشاركة الجميع.. قال: نعم نحن نفعل ذلك و بهذا الفهم أنا متفق معك.. قلت له نحن حتى الآن متفقون لكن تبقى المشكلة الأساسية لازالت معلقة وهي إلى أين ستؤدي بنا هذه العملية؟ قال سترسل رسالة ايجابية للجميع وبالتالي ستخف المشكلات البينية.

قلت له ثانياً هل تتفق معي أن تجربة المناطق بنيت على فكرة توزيع وانتشار الثورة بعد أن كانت محصورة في بركة والقاش وهي تجربة منقولة من الثورة الجزائرية وقد نجحت هناك.. رد عليّ نعم معلوماتك صحيحة في هذا الجانب.. قلت له هذا أيضا يجعلنا نتفق على أنها لم تبن على فكرة الفيدرالية...كذلك اتفق معي في ذلك.. سألته أتتفق معي في أن تجربة المناطق نجحت في الهدف الذي من أجله قامت وهو انتشار الثورة فقد أصبح الثوار يتحركون في كل بقاع أرتريا لكنها أفرزت سلبيات لم يضعها المنفذون في الاعتبار فكانت كارثة لأنها نقلت بأسلوب النسخ واللصق دون مراعاة لخصوصية المجتمع الأرتري فأتفق معي في ذلك أيضاً، ثم بدأنا في مناقشة الفكرة الفيدرالية وايجابياتها وسلبياتها المتوقعة في مجتمعنا التي يجب الانتباه لها وقد تفاجأت أنه أكثر تبحرا وفهما مني للفيدرالية لهذا سألته لماذا وأنت تملك كل هذه المعلومات سلكت الدرب الزلق فقال لي لأني أكره كل فكر مستورد وأراه دائما مقدمة لكوارث ستلحق بنا وعدد لي الكثير من تلك الأفكار التي بالفعل كانت مضرة جدا بنا (أتحفظ عن ذكرها) فبعضها لازال قائم.

مغالطة الدور:

هي من أشهر المغالطات المنطقية تكرارا وهي المغالطة التي يتبادل فيها المسألة وحجتها الأدوار بحيث يجعلهما المحاور تصلحان كلتاهما لإثبات الأخرى.

مثال:

لنفترض أن موضوع النقاش وحدة المعارضة الأرترية، يقول لك هؤلاء لا يتوحدون لأنهم قبليون وعنصريون تسأله لماذا هم عنصريون وقبليون يقول لك لأنهم غير متوحدون، فتسأله إذن لماذا هم غير متوحدون يجيبك نفس الإجابة السابقة لأنهم قبليون وعنصريون !!!

مغالطة التوسل بالقديم والحديث والعظمة والشهرة:

وهي تحصل عند مناقشة موضوع ما، فبدلا من البحث عن صحة البراهين والأدلة التي تقوي الحجة وتثبت صحة الموضوع أو تنفيها، يتم الاستدلال بالقدم فيقول هذا ما قال به الأقدمون، على طريقة هذا ما وجدنا عليه أبائنا أو كقوله أنه أحدث قول في الساحة أو أن هذا قال به الإمام فلان أو المفكر فلان وهنا يجب التفريق بين أن نورد البراهين والأدلة التي ساقها الإمام أو المفكر لإثبات صحة الفرضية وبين الزج باسمه لمجرد أنه قال بهذا القول، فمجرد الزج باسمه رغم أنه لا يعني شيء ذو قيمة لكن الأمر يخلق التباس لدي القارئ أو المستمع لهذا سميت مغالطة منطقية، وفي هذه الأيام أيضا ظهرت موضة أحدث دراسة في أمريكا أو أي دولة أخرى متقدمة، وأثبت علميا ...الخ.

مغالطة مصادرة المطلوب:

وهي تبدو مغالطة سهلة شكلا لكنها صعبة الاكتشاف.

مثال:

لنفترض أن موضوع النقاش أهمية المؤتمرات والاجتماعات للمعارضة الأرترية.
يقول محاورك: يجب على المعارضة التوقف عن الممارسات غير المفيدة، فالصرف على المؤتمرات والاجتماعات أمر غير مجدي وهو شيء لا يقره أحد.

لاحظ هنا أن الحجة لم تثبت لنا أن المؤتمرات والاجتماعات غير مفيدة وهي (لب المسألة) وهي المقدمة التي بدأ بها نقاشه، إنما تمت مصادرة المقدمة التي بنيت عليها الحجة تلقائيا بمجرد التأكيد على حقيقة أساسا هي مؤكدة وهي "الصرف غير المجدي لا يقره أحد" فينجرف المحاورون ويتمسكون بالصرف الغير مجدي وأنهم لا يقرونه.

مغالطة الشخصنة:

وهي ترك موضوع النقاش والاهتمام بالذي طرح الموضوع أو تبناه فتتم مناقشة مواقفه السابقة أو التزامه السياسي أو عدم خبرته... الخ وبالتالي النقاش ينحرف للشخص الذي طرح النقاش أو كانت فكرته محل نقاش ويترك الموضوع الأساسي.

كما أن الشخصنة تشمل المعلومات التي ترد أثناء النقاش وهذه الأخيرة تسمى شخصنة خفية فهي الأخرى مضرة بالنقاش وغالبا ما تحرف مساره، فمثلا نحن نناقش تجربة الثورة الأرترية فبدأنا بالمرحلة التي كان الجميع مع بعضهم في جبهة التحرير الأرترية ووصلنا لمرحلة الانشقاقات، فذكر أحد المحاورين "عامة" فهو قد شخصن الموضوع فأطلق على الجبهة اسم أطلقه عليها خصومها وواحد آخر قال "مضادة" يقصد قوات التحرير الشعبية فمن شأن هذه الشخصنة أن تحرف النقاش لأن الطرف الآخر سيتلقفها ويرد عليها وبالتالي يخرج النقاش من مساره.

هذا ما استطعت تذكره من المغالطات المنطقية والبوست طال لدرجة أن قراءته ستكون مملة لهذا أكتفي بهذا القدر، وعلى الجميع إثراء البوست بما يعرف من حالات تعطيل النقاشات.

ولكم مني كل الود والتقدير والاحترام
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Top
X

Right Click

No Right Click