أسياس أفورقي هل يصمد الرجل القوي أمام العاصفة؟

بقلم الأستاذ: طلال إسماعيل - الخرطوم  المصدر: المجهر

(المجهر) تفتح الملف الإريتري بقراءات تحليلية من داخل الحكومة ومن الباحثين:

في اليوم الثاني من شهر فبراير 1946 أطلق الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي" من مدينة أسمرا في إمبراطورية إثيوبيا - آنذاك - صرخة الميلاد، قبل أن يصبح الرئيس الأول والأوحد لربع قرن للشقيقة إريتريا منذ استقلالها عن إثيوبيا في اليوم الرابع والعشرين من شهر مايو 1993.

انضم "أفورقي" إلى جبهة تحرير إريتريا في العام 1966 بعد خمسة أعوام من انطلاقها في العام 1961 بقيادة "حامد عواتي".. تلقى تدريباً عسكرياً في الصين، وفي العام 1970 ساهم في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا قبل أن تنشق في العام 1972 لينضم "أفورقي" إلى قوات التحرير الشعبية الإريترية بقيادة "عثمان صالح سبي"، ولم تستمر طويلاً بعد أن أسس "أفورقي" الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا في العام 1977 مع أصدقائه والمقربين منه ليصبح "رمضان محمد نور" الأمين العام و"أفورقي" نائباً له.. بعد عام صار "أفورقي" أميناً عاماً، وأحكم قبضته على مقاليد الحكم في خضم تحولات إقليمية ودولية.. لم يزعزع عرشه انقلاب عسكري من ذوي القربى أواخر شهر يناير من العام 2013، وكانت المفاجأة هي اعتقال اثنين من أقرب القيادات للرئيس "أفورقي" وهما "عبد الله جابر" الذي يعدّ الرجل الثاني بالنظام الإريتري بعد الرئيس "أفورقي"، ويعدّ من القيادات التاريخية بالجبهة الشعبية الحاكمة.

ولقد لعب دوراً كبيراً في مساندة الرئيس في المحاولة الانقلابية التي جرت ضده عام 2001 التي عرفت بمحاولة الـ(15)، بالإضافة إلى القيادي بالجبهة الحاكمة "مصطفى نور حسين" حاكم الإقليم الجنوبي.. كذلك العقيد "صالح عثمان" نائب قائد المنطقة الجنوبية ومعه (40) من الضباط الإريتريين من بينهم العميد "إمانئيل هندما" نائب قائد المنطقة الوسطى، وتشمل هذه المنطقة العاصمة أسمرا.

"أفورقي" الذي شغل موقع الأمين العام للمؤتمر التنظيمي الثاني للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا عام 1997، يتمتع بصفات عديدة، مكنته من إحكام سيطرته على مقاليد الأمور الداخلية، على الرغم من تقلبات دول الجوار بين الحين والآخر.. لكن هل بدأت الرمال تتحرك في أسمرا التي لم يرتفع صوتها يوماً ما بالاحتجاج والغضب ؟

وزير الإعلام "يماني ميسقيل" قلل من حجم التظاهرة التي خرجت من مدرسة (الضياء) بالعاصمة أسمرا ونفى حدوث أي وفيات، وغرد قائلاً: (انفضت تظاهرة صغيرة نظمتها إحدى المدارس في أسمرة بدون أي إصابات تتصدر عناوين الأخبار).

لأول مرة، تتصدر أسمرا نشرات الأخبار، من خلال المحاولة بربطها بربيع قادم، غير أن هنالك بعض المحللين يرون أن سقوط حكم "أفورقي" أمر بعيد المنال، في ظل بُعد المعارضة الإريترية عن الفعل السياسي الداخلي، ومع تحالفات "أفورقي" بدول الجوار.

"قبراب": لا مجال للتعددية السياسية في إريتريا في حلقة تلفزيونية لقناة روسيا اليوم - على موقع يوتيوب - يكشف مستشار الرئيس الإريتري "يماني قبراب" عن ملامح إريتريا الدولة الحديثة وعن سياستها ومستقبلها، وطريقة إدارتها.

يقول "قبراب" إن إريتريا ليست منعزلة ولها وجود ودور فعال وأساسي في حوض النيل والقرن الأفريقي، ولديها علاقات وطيدة مع دول الجوار أهمها مع السودان ومصر بالإضافة إلى دول الخليج ودول في آسيا وأوروبا. ونفى "قبراب" أن تكون لإيران أو إسرائيل أية قواعد عسكرية على أراضي إريتريا، مؤكداً أن كل هذا الكلام هو مجرد شائعات. وأشار إلى أن ظاهرة الهجرة في إريتريا مسيّسة، متهماً أمريكا بالوقوف وراء ذلك كونها تكن عداء لإريتريا، وأضاف إن إريتريا تقدمت بطلب إلى الأمم المتحدة لإجراء تحقيق مستقل ونزيه بشأن هذا المطلب في مجلس الأمن.

وفي مجال السياسة الداخلية قال "قبراب" إنه لا مجال في بلاده للتعددية الحزبية حالياً، ذلك أن الدولة حديثة والتعددية تحتاج إلى دراسة وبحث معمق.

"شريفو".. أين ؟

لا يكاد المثقفون والمعارضون الإريتريون يملون ذكر اسم "محمود أحمد شريفو"، من مواليد 1948 ولد في إريتريا، معروف اختصاراً باسم (شريفو)، وكان لفترة وجيزة رئيساً لدولة إريتريا وبعد ذلك وضع في السجن.

انضم "شريفو" إلى جبهة التحرير الإريترية في عام 1967، وكان ناشطاً مستقلاً خلال حرب استقلال إريتريا عن إثيوبيا.. بعد الاستقلال، عمل في العديد من المواقع الحكومية وكان وزيراً للشؤون الخارجية ووزيراً الحكم المحلي.

في سبتمبر 2001 اعتقل إلى أجل غير مسمى جنباً إلى جنب مع غيره من السياسيين الذين كانوا معروفين باسم (G-15) التي عارضت حكم الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي"، ومعه "داويت إسحق".. ويشار إلى أنه تم اعتقاله لحملته على إجراء إصلاحات ديمقراطية.. وتم اعتقاله مع (15) وزيراً آخرين من قبل الجبهة الحاكمة واحتجزت مجموعته في مكان مجهول منذ ذلك الحين.

المجهر تفتح ملف مستقبل إريتريا السياسي:

في إطار بحثها عن مستقبل إريتريا السياسي، التقت (المجهر) بمجموعة من الناشطين والباحثين الإريتريين، محاولة تلمس ملامح الإستراتيجية الشاملة للسودان تجاه إريتريا من الثورة إلى الدولة، بعد أن أوقفت الخرطوم كل أنشطة المعارضة الإريترية وخيّرت عناصرها بين البقاء كلاجئين أو مغادرة البلاد. لكن البعض يلتزم الصمت لحساسية الملف، وتخوفه من انعكاس التأثيرات على السودان في ظل تحوّل جديد في منطقة القرن الأفريقي.

يقول الناشط سياسي والحقوقي الإريتري "جعفر إبراهيم وسكة" لـ(المجهر): (أعتقد أن تظاهرة مدرسة الضياء كانت شرارة للانتفاضة وما حدث في أسمرا حرك الغبن الذي يكمن في قلوب الإريتريين). ويدافع "وسكة" عن اتهام صحيفة (المجهر) بأن التظاهرة محدودة ولا أثر سياسي لها على أرض الواقع، وقال: (لا يستطيع أحد في الدنيا أن يدوس على الإريتريين بعد أن قالوا لا.. أي تغيير يحدث هو تغيير إيجابي بالنسبة للعالم كله، الشعب الإريتري يستطيع بما يملكه من خبرة أن يأتي بسلطة يختارها الشعب).

وحول التأثيرات السالبة للتغيير السياسي في إريتريا، يضيف بالقول: (هذا شيء متوقع وطبيعي أن يحدث لكن نحن كإريتريين نستطيع أن نتجاوز ذلك.. هنالك معارضة لا يعلمها الآخرون ربما تعمل تحت الأرض وهنالك من هو منظم وقادر أن يغير كل ما يضر بالوطن واستقراره وأمن ومصالح الدول المجاورة والصديقة.. المعارضة الإريترية هي اسم كبير وهنالك تنظيمات كثيرة في المعارضة الإريترية: (جبهة التحرير الإريترية، الحزب الإسلامي وجبهة الإنقاذ، وتنظيمات سياسية تعمل في السر ولم تعلن عن نفسها، وهنالك مثقفون ونخب تستطيع أن تشكل حكومة تكنوقراط وتخرج بإريتريا إلى بر الأمان).

لكن للباحث الإريتري د. "عبد القادر محمد علي" المقيم في إسطنبول رأياً آخر حول مآلات الأوضاع، يقول لـ(المجهر): (سؤال التغيير سؤال كبير والواقع مفتوح على كل الاحتمالات، فمصادر متعددة أكدت وصول الاحتقان الشعبي إلى درجة كبيرة وخطيرة قبل الحراك الأخير بفترة طويلة، والتغيير مرتبط بعوامل متعددة وكثيرة منها موقف المؤسسة العسكرية والأمنية، وموقف القوى الإقليمية والدولية من تغيير النظام، وقدرة الحراك في الداخل على إحياء احتجاجاته وتنظيمها بشكل أكثر فاعلية. وفي المقابل فإن هناك تخوفاً من جانب كثيرين نتيجة ما شهده العالم من ثورات الربيع العربي، وخريطة الطريق للخروج من هذه المخاطر التوصل إلى تغيير سلمي في إريتريا، وأن يدعم المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي الحراك الوطني الديمقراطي داخل البلاد وخارجها، وممارسة الضغوط الجدية على النظام الإريتري بشكل يجبره على التخلي، ولو بشكل تدريجي لكنه ثابت، عن المنهج المتبع في إدارة البلاد).

وحول إمكانية أن تبادر الحكومة الإريترية بتقديم حلول سياسية، يضيف الباحث الإريتري بالقول: (ليس هناك مؤشرات على نية النظام تقديم حلول سياسية، وخطاب النظام يعمل على تقزيم الحراك الأخير بتوصيفه حراكاً مطلبياً محدوداً يتعلق بموضوع تعليمي، والعارف لـ"أسياس أفورقي" يدرك أنه من الصعوبة بمكان أن يقدم حلاً سياسياً لأنه يعدّه تنازلاً وسيقدم عليه الحل الأمني)، وأضاف: (يمكن دفع النظام إلى تقديم حلول سياسية من خلال تعامل المجتمع الدولي مع الملف في إريتريا بشكل جدي ودعم المعارضة الوطنية الديمقراطية وممارسة الضغوط على النظام لإجراء تغيير سياسي وفتح المجال العام لجميع القوى الإريترية للعمل من الداخل).

المعارضة الإريترية بعيدة عن الواقع الداخلي:

الناشط الحقوقي الإريتري "رمضان أحمد رمضان" يرى أن تظاهرة مدرسة (الضياء) لم تكن تظاهرة عفوية ولكن نتيجة لتراكم إحن ويضيف: (الشعوب لا تنتفض لأمر بسيط ولكن تراكمت عليها المصائب وانفجرت في لحظة وتكون القشة التي قصمت ظهر البعير)، زاد: (في إريتريا ليست هنالك أي منظومة اجتماعية أو سياسية حتى تحرك الشعب الإريتري، والمعارضة الإريترية تعيش وضعاً مغايراً لأنها نشأت في الخارج أصلاً، وعندما دخلت الجبهة الإريترية رفض قبولها كهيئات منظمة ووافقت على دخولهم كأفراد).

وحول مواقف دول الجوار بخصوص الوضع في إريتريا يزيد "رمضان": (إثيوبيا لديها مصالحها التي تتقاطع مع مصالح المعارضة الإريترية ولديها أجندتها، أناً شخصياً لا أعول كثيراً على دول الجوار.. السودان حالة خاصة وكثير من اللاجئين موجودين في السودان والقوى المثقفة موجودة في السودان، وهو يستطيع أن يلعب دوراً إذا أراد، ودوراً مهماً، ولولا السودان ما كانت الدولة الإريترية.. السودان له وضعه الخاص ونراعي مصالحه في إدارة علاقاته مع الآخرين، لكن حق الجيرة ومصير الشعبين يحتم على الحكومة السودانية أن تعيد قراءة المشهد الإريتري من جديد).

ويواصل قراءته التحليلية بالقول: (المشهد السوداني أنت تعرفه جيداً، كثيرون يعتقدون أن النظام مستقر في إريتريا ويمثل صمام أمام لشرق السودان.. المعارضة موجودة في إثيوبيا ولديها مؤتمر قريب، لكن كثيراً من الإشكاليات الموجودة فيها تنعكس على مصالح الدول وتقاطعاتها وحفاظها على أمنها واستقرارها، بالتالي الظروف الموضوعية ليست في صالحها).

Top
X

Right Click

No Right Click