بناء السلام - الحلقة الأولى

بقلم الأستاذ: عمر صالح عبدالله شوم حسب الله - عضو لجنة السلام الإرترية

كَثُرَ الحديث عن السلام بين الأنظمة وانتقلت العدوى الآن بين الشعوب وهو حديث ينقصه فهم الآتي:

بناء السلام

لايمكن لنا كمجتمع إنساني النظر الى السلام كبناء منفصل عن البناء الشامل الذي يعكسه بناء الشعب، فلا سلام يمكن أن ينعقد أو يتحقق إن كان البناء الذي يحمله ويعبر عنه لا أساس ولا إعتبار قانوني له، ذلك أن الشعوب عموماً والشعب الإرتري على وجه الخصوص أصبح لا وجود له ولا إعتبار ولا موقع له في بناء السلطة التنظيمية.

والسؤال هنا يطرح نفسه: ماذا نعني ببناء السلطة التنظيمية ؟؟؟ لعلنا نظن حسب حدود علمنا أن الدولة والحكومة هي صاحبة بناء السلطة التنظيمية ونتساءل هل هناك جهة أخرى.

والجواب: أن بناء السلطة ليس بناء مخصص لجهة محددة بل هو عبارة عن بناء مجازي عام له مسارات تنظم السير في مراحلها الثلاثة:-
• الشعور أو العاطفة
• التأمل أو التفكير
• المظهر أو السلوك

ومن هنا فإن عملية التنظيم يجب أن تشمل الثلاثة عناصر السابقة، لأن المزاج العام هو الذي تتشكل منه العاطفة، كما أن الفكرة لاتظهر من فراغ بل هي مولود العاطفة الشرعي، والسلوك هو كذلك المولود الشرعي للفكرة. وبالتالي فإن الوجود الإنساني بحاجة الى تسلسل هذه الخطوات الثلاثة ليبدأ السير الطبيعي نحو السلام.

وبما أن كل تلك الخطوات الأساسية لا تتشكل من فراغ بل من المزاج العام للمجتمع فإن الواجب التنظيمي الذي يفرضه المنطق السليم الآن يدعونا لمعرفة الجهة صاحبة الإستحقاق أو التي تملك حق وضع الخلفية التنظيمية للمزاج العام والذي بدوره سيساهم وبطريقة آلية في تشكيل العاطفة والفكرة والسلوك الإجتماعي العام.

إن هذه الجهة هي بالتأكيد الشعب !!! لكن فاقد الشيئ لا يعطيه، ونظراً للوضعية التنظيمية المهترئة والمفككة التي يمر بها أو التي تم تحجيره وتجميده بداخلها أصبح وبحكم العادة والعرف السائد بعد مكوثه في هذه الوضعية، أن تنتقل الأنظار منه الى جهات أخرى أكثر فاعلية، ومن هنا أصبح الهدف التنظيمي الأساسي لهذه الجهة هو ملئ فراغ الشعب والقيام بأدواره التنظيمية التي يظنون أنه يعجز عن القيام بها، ونحن بدورنا أصبحنا مساهمين لأننا دون مراجعة أو مسائلة ومحاسبة قبلنا هذا الطرح التنظيمي كأساس لمعادلة السلطة التنظيمية الجديدة التي يتم تفعيلها في ظل غياب الكيان التنظيمي الأساسي لهذا البناء وهو الشعب، وهكذا أصبح من المسلمات أن يغيب الشعب وتُنْتَزع كل أدواره وصلاحياته وحقوقه التنظيمية.

وعليه في ظل هذا الوضع التنظيمي البائس هل نملك نحن كأفراد حق التحدث عن السلام أو عن آليات بناءه التنظيمية ؟؟؟

الإجابة بالتأكيد: لا... لانملك ذلك الحق، لماذا...؟؟؟ لأننا لانملك حق التحدث بإسم الشعب بل علينا أن نتظاهر وكأنه غائب ولا حضور له على وجه الإطلاق، بينما لاننكر أننا نمثل خلاياه الأساسية وعروقه النابضة (سبحان الله).

كيف يحق لأحد أن يهمش هذا البناء التنظيمي الكبير والإدعاء بعد ذلك أن هناك بناء تنظيمي آخر قام أو سيقوم بأدواره ويتمتع بصلاحياته وحقوقه بدلاً منه...؟؟؟

إن هذه الخطوة التنظيمية تمثل بكل صراحة سرقة علنية وإحتيال تنظيمي صارخ وإحتلال إستعماري بغيض تم وضع المزاج العام له بحكمة ودهاء ليتشكل البناء العاطفي لشعوب العالم بعد ذلك بصورة ببغائية أو تلقينية داعمة لفكرة هذا الإحتلال في عقولنا الموشحة بثوب العلم الأكاديمي الحديث والمعبرة عنه بسلوك وفعل حضاري جديد يخفي الوجه القبيح للعملية التنظيمية برمتها.

إذن.. علينا أن ندرك بأن المسألة برمتها لعبة تنظيمية لا نملك حق المشاركة فيها كرؤؤس مشاركة في اللعبة لها نصيب من المكاسب، بل نحن مجرد فئران تجارب يطبق علينا ماشاءوا وليس علينا إظهار سوى السمع والطاعة والخضوع...!!!

هذا هو حالنا وحال شعبنا وشعوب العالم أجمع.. وفي ظل هذا الإنعكاس الحضاري لقيمنا الأخلاقية بتنا نعمل كأدوات لتحقيق مصالح الغير والتعبير عن سيادة الغير.. أما نحن فلا يجب علينا التفكير في وجودنا أو حتى حقوقنا.. لماذا ؟؟؟

لأننا ببساطة شديدة غائبين عن الحضور وعن الفعل التنظيمي وأنه لا أساس لبناءنا التنظيمي وعليه لا إعتبار لسيادتنا كبشر... وهو المدخل الذي جعل بناء الشعب بناء خيالي نستشعر وجوده كروح أو كشبح ولا نسمح له بالتواجد القانوني ككيان تنظيمي له إعتبار مثل غيره من الكيانات التنظيمية الأخرى التي نعقد لها مؤتمر تأسيس كي يصبح لها وجود وإعتبار أمام القانون، بينما الشعب يظل مهمش بلا خطوة تأسيسية لكيانه العريض..!!!

والسؤال لماذا ؟؟؟ لماذا أجمع الفرقاء على تغييب الشعب وإبقاءه في حدود العاطفة والتفكير وعدم السماح له للإنتقال الى مربع الفعل كسلوك حضاري حقيقي معبر عن عدالة التوزيع لمستحقات السيادة والسلطة والبناء ؟؟؟

الجواب (1): أن المسالة برمتها مرتبطة بمرحلة تأسيس الإنسان كوجود وبرفض الشيطان لمبدأ هذا التأسيس، وبما ان الشيطان (قادر على التسلل الى عاطفتنا وفكرنا وسلوكنا) أصبح يشاركنا كل تفاصيل هذه الحياة التي نعيشها اليوم، وخطته تتمثل هنا في إفشال مساعيينا كي لا نحقق السلام في حياتنا الفردية كأساس لحياتنا، وكي لا نطبق مبدأ العدالة التنظيمية التي ننشدها (وهي الخلافة الإنسانية)، ذلك أنه أقسم بأن يحطم ذرية آدم ويزيل عن كيانهم كل الإستحقاقات التي منحها الله إياهم، وإنطلاقاً من هذا الهدف الإستراتيجي (بعيد المدى) بدأت حركة الإرتداد الى الخلف كعودة تأريخية الى مرحلة ماقبل العصور الوسطى (الجاهلية)، ومن هنا توجب علينا أن نميز بين التطور والتخلف، وبين السير الى الأمام والسير للوراء.

الجواب (2): فرقاء السياسة بالأمس واليوم نفذوا أو لازالوا ينفذون هذه الأجندة الإستراتيجية بعيداً عن الوعي الحقيقي بالخلفية المزاجية التي شكلت هذه العاطفة وجعلتها فكرة تنظيمية تسعى لإثبات وجودها ونفي وجود الشعب كبناء تنظيمي (في نفس الوقت) كي لا يتأسس من جديد كما حدث قبل الميلاد في المجتمع اليوناني، ولعل الصورة البسيطة التي نشأ في ظلها هذا الكيان قد أدت الى خلق الدافع أو البيئة المناسبة لبروز كيانات بديلة تمثل أجندة الشيطان وتسعى للإنقلاب على بناء الشعب (المجتمع الإنساني) وإحتلال مساحته التنظيمية كي لا ينعم هذا المجتمع الإنساني بالقيم الديمقراطية الأصيلة التي تكرس مبدأ العدالة والتحرر والمساواة في قيم السيادة والسلطة والبناء التنظيمي.

الجواب (3): تكمن الإجابة في السطور التي شكلت عاطفة وتفكير حكماء صهيون والتي جعلت من اليهود حملة مشعل هذه الأجندة والساعون لتفعيلها منذ المراحل الأولى لتأريخ الإنسان ولهذا كانوا يقتلون الأنبياء ويكفرون بهم، وعليه فإن خطة الإنقلاب على كيان الشعب هي صادره عن هذه الجهة التنظيمية الخبيثة التي منحها الشيطان أسباب الغواية وأساليب ملتوية لتحقيق مآربها التنظيمية، والتي نجحت بالفعل في أقناع الشعب الأثيني للتنازل عن سيادته لنخبة سياسية موبوئة بهذا الفهم الخبيث لبناء السلطة التنظيمية، وإنطلاقاً من هذه الرؤية التنظيمية المنقلبة بدأ تعظيم الخاص والتقليل من الشأن العام حتى فقدت الشعوب بصورة تدريجية كرامتها وتلاشت صورة أدميتها .. وما نشاهده اليوم من تظاهرات جماهيرية تتعرض لعمليات القمع وتكميم الأفواه دليل صارخ على النجاح منقطع النظير الذي حققته تلك الأجندة السياسية للشيطان.

الجواب (4): إذا إستطعنا أن نفهم من كل ماتقدم لماذا أجمع الفرقاء على تغييب الشعب وإبقاءه في حدود العاطفة والتفكير وعدم السماح له للإنتقال الى مربع الفعل كسلوك حضاري، حينها لا يتبقى سوى أن نفهم: لماذا صمتنا على هذا الأمر ولم نحرك ساكن ؟؟؟ لماذا أصبحنا أدوات لتنفيذ هذه الأجندة ونحارب أنفسنا بأنفسنا ؟؟؟

من البديهي أن ندرك هنا أن هذه الخطة تم تنفيذها قبل حقب تنظيمية بعيدة ولم تنشأ في عصرنا هذا، ولهذا من أين لنا أن ندرك هذه الأبعاد حتى نملك القدرة على رفضها أو صنع البديل لها بما يتوافق مع قيمنا الحضارية المنطلقة من بعدها الأخلاقي الفاضل، وبما أن البعض حتى اليوم كانوا يجهلون هذه التفاصيل ولا يدرون كيف السبيل لحل هذه الإشكالية، فضلنا تأطير هذه المقالة تحت عنوان بناء السلام، ذلك أن هدف هذا المسعى التثقيفي حول قيم بناءنا التنظيمي وأبعاد الأزمة التي نعيشها ماهو إلا هدف أخلاقي مجرد من أي غرض أو مصلحة (فردية أو فئوية أو مناطقية أو طائفية).

إنما نهدف من هذا السير لتحقيق بيئة مناسبة للتعايش في سلام ووئام بلا أحقاد وكراهية ودماء محتقنة متبادلة بين الأطرف التي يتشكل منها بناء الشعب الإرتري اليوم، ولعل أولى خطوات سيرنا لبناء السلام هو فهم الأرضية التي نسير عليها ونحن ننادي لإحداث هذا التغيير في الخلفية المزاجية العامة للمجتمع لتستوعب قيم السلام وتدرك السبل التي بها نحقق السلام.. فلا سلام يمكنه أن يتحقق بين أطراف لا تحترم وجود بعضها البعض ولا تمنح غيرها الإعتبار الذي يستحقه، فوجودنا كفئات مجتمعية له إعتبار ولهذا يجب أن يتأسس له وجود تنظيمي، وللشعب أيضاً إعتبار ولهذا نقول يجب أن يتأسس له وجود تنظيمي، حتى تكتمل صورة البناء التنظيمي وتتدرج من الخاص حتى نبلغ مرحلة البناء العام الململم لمجموع أطراف وفئات المجتمع والمعبر عن وجوده التنظيمي العام، وبهذا لن يشعر فرد أو فئة بالغبن طالما أن وجوده الفردي والفئوي والعام أصبح له إعتبار تنظيمي أمام القانون وله مساحة تحرك مخصصة له لا ينازعه عليها أحد.

هكذا يتأسس للسلام صرحه الآمن من خلال منح الإعتبار لكل فرد وفئة داخل الإطار العام أمام حق تشريع الوجود الذي يستحقه ويعبر عن كرامته.

وبالتالي بدون هذا التأسيس سينتفي السلام في ظل هذا التغييب المتعمد لوجود الآخر المشارك لنا في رقعة وطننا الإرتري الصغير أو رقعة الوطن الإنساني الكبير.

في الحلقة القادمة:
كيف يتأطر هذا السلام..؟؟؟ هل سيصبح له شرعية بعيداً عن السياسة..؟؟؟

وكيف يمكننا أن نحدد أبعاده التنظيمية..؟؟؟

وهل يمكننا رسم خارطة للثمار المتوقعة منه ؟؟؟

ملحوظة:
هذه الأفكار قراءة شخصية أؤمن بها وبالتالي لا تمثل سوى الوعي الذي بلغته بصفة شخصية.. وأعضاء اللجنة الآخرين هم لا يختلفون معي في هذا المبدأ ولا يقلون مسئولية ورغبة في وضع حد لكل الأزمات التي نتقلب في جحيمها اليوم.

في الختام أمد يد الدعم والمناصرة لكل الجهود الجماهيرية التي تفجرت في أخريا صيانةً للكرامة الإنسانية وحماية لمقدسات الشعب الدينية من تجاوزات الحكومة الديكتاتورية. كما أحيي المواقف الشجاعة والبسالة الشخصية النادرة التي تميز بها راعي مدرسة ضياء الأهلية.. الحاج موسى محمد نور وكل المناصرين لموقفه النبيل والتحية موصولة لطلاب المدرسة وعضوية الجالية وسكان أخريا الذين تصدوا للعدوان ورفعوا رآية التمرد والعصيان في وجه الهيمنة التنظيمية التي تسعى بكل عنجهية لإستعمار المجتمع الإرتري ومحاولة تركيعه وتفريغه من قيمه الأخلاقية الفاضلة.

إعلان: يوم الأربعاء القادم ستعقد تظاهرة بأديس أبابا مناصرة للأحرار في أخريا بإذن الله.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click