عيد القديس يوحنا في صنعفي

بقلم الأستاذ: صالح كرار

بسم الله الرحمن الرحيم

لا ينكر أحد بأن المسيحية سادت في إرتريا قبل الإسلام ولها آثار وإن قلت في مناطق مختلفة من إرتريا، ولكن هناك مناطق عرفت

بسكانها المسلمين مثل صنعفي، وكانت مناطق المسيحيين محدودة ومعروفة للجميع قبل سيطرة نظام الشعبية، فما الذي جد حتى تتحول مدن المسلمين مسارح للمناسبات المسيحية الصرفة ؟.

ثم ما الذي يجعل المؤسسة العسكرية "جيش الدفاع" من الراعين الأساسيين لمثل هذه المناسبة ؟.

التنصير الإستراتيجيفقد نقلت جريدة إرتريا الحديثة الخبر التالي: (شهدت مدينة صنعفي حا ضرة مديرية صنعفي فعاليات الإحتفال الرسمي بعيد القديس يوهنا بحضور حاكم الاقليم الجنوبي السيد/ افريم قبركرستوس وقائد هيئة اركان المنطقة الوسطى العميد/ سمئون عقب وعدد كبير من مسؤولي الحكومة والجبهة والإتحادات والجيش ورجال الدين والأعيان وجمهور غفير من مدينة صنعفي حيث تقاطر الحضور منذ الساعات الأولى من يوم الإثنين الموافق 2017/9/11 وبإكتمال الحضور عند الثالثة بعد الظهر انطلقت فعاليات ا لإحتفال). جريدة إرتريا الحديثة 2017/9/12

يستنتج من بعض تصرفات نظام الشعبية الطائفي أن له من وراء ذلك أهداف طائفية مدروسة، فلماذا لم يكن الإحتفال في مدينة مندفرا مثلا، أو مدينة عدي قيّح، حيث كثافة المسيحيين في المدن والقرى، لماذا صنعفي بالذات ؟.

قبل أن أسترسل في حديثي هذا، تعالو نقف على مناسبة أخرى مماثلة حدثت منذو سنين في قرية " دلك " في إقليم القاش بركا، حيث أقاموا قداسا كبيرا وذبحوا ثورا أسودا، وكانت مناسبة ملفتة، وتسائل الناس هناك عن سبب هذا الإستعراض الطائفي في منطقة لم يكن فيها مسيحي قبل مجيئهم، حيث أوجدوا معسكرات للجيش وكنائس بحجة ذلك الوجود، لكنها لم تكن بحجم يبرر أن يقوموا بذلك الإستعراض والإحتفال.

ولكن زال العجب عندما عرف السبب وهو أن الشيخ "صالاح" في القرون الماضية، وهو جد عد "صالاح" سكان دلك، كان في حرب مع الحبش وانتصر عليهم، ووقعوا معه معاهدة في عدم التعرض لكل ما يخصه ويليه من أهل ومال وأرض، وهذه المعاهدة حسب عرف الكنسية تتلى عند كل عمل ذوا شأن، في كل زواج، وفي المعاهدات، وفي المناسبات، ولذلك كانت مناسبة "دلك " تعنى إعلان النصر والتحلل من ذلك العهد حسب ما أخبر العارفون؛ أنظر كيف يسير هؤلاء على نفس نسق الإندنت فى خمسينيات القرن الماضي وما تلاها حتى زوال الكيان الإرتري؛ هاهم كسابقيهم يتعاملون بإسلوب منتصر ومهزوم مع المجتمع المسلم.

أما صنعفي فلها شأن آخر؛ فهي مدينة للمسلمين الساهو، لكنها تحمل أقدم الآثار التاريخية ربما في منطقة القرن الإفريقي كله، فيها السدود القديمة والمسللات وغير ذلك من آثار لا توجد في سواها خلال حقبة تاريخية تقدر فوق الثلاث آلاف من السنين، وهذا تعريف عام للمدينة من نفس المصدر: (تعد مديرية صنعفي إحدى المواقع التاريخية المهمة في البلاد، حيث يذكر بأن الموقع المعروف حالياً بإسم بلو كلو هو ذات المواقع الذي أنشأت فيه قبل ثلاثة آلاف عام مملكة بلو كلو التي كانت تضم شعباً ذو حضارة وتاريخ وبالإ ضافة إلى ذلك فإن المديرية تحتضن العديد من المواقع الأ ثرية والأ ديرة كآثار كسكسى، مطرا، ديرأبوني ليبانوس، وباركنها وعندامسقل، كما أن أعلى جبل في إرتريا إمباسويرا يوجد بمديرية صنعفي).

فالمدينة معروفة عبر تاريخها أنها مركز أساسي ورئيسي من مراكز قومية الساهو المسلمة وهي قومية حتى وإن كانت أصولها عربية إلا أن المؤرخين يعتبرونها من أقدم الموجدين في المنطقة وتعرف بعراقتها الحضارية وإمتدادها التاريخي البعيد كما تعرف بصلاتها القديمة جدا مع اليمن؛ على العكس من الحبش الذين تؤكد الحقائق التاريخية أنهم نزحوا من هضبة تجراي مع أن هذا ليس قدح في إنتمائهم للوطن؛ ومع ذلك يعتبرالمسلمون في إرتريا دخلاء حسب زعم الجبهة الشعبية أعلنوها صراحة أو تورية في مناسبات وأحوال كثيرة يعرفها الجميع، يعتبرونهم عرب هاجروا من الجزيرة العربية، وصادروا أرض الحبش واستوطنوا فيها فالأصالة بالإنتماء لهذا البلد تاريخيا عندهم هي أن تكون مسيحيا مع علمهم أن عددا كبيرا من الإرتريين أسلم قبل دخول الإسلام الى المدينة المنورة؛ وأن سكان هذه المنطقة هم سكانها عبر التاريخ؛ ومع علمهم ويقينهم أنهم أنفسهم من أصول عربية، منهم البلو والبني عامر وأعراق شامية وأعراق يمنية ومصرية، يحدثونك عن إنتمائهم لها إذا ذكرت الأنساب؛ وينكرونها ويتأفرقوا إذا ذكر الدين وكأن الإنتماء إلى الإفريقية أيضا يكون بالإنتماء إلي المسيحية؛ يعني العروبة والإسلام غير مرغوب فيهما هذه أيضا يعرفها الجميع .

فلك أن تلاحظ بأن الإسم العربي للمدينة "صنعا فين" كيف أخرجت له رواية تجعل منه جديدا من عهد الإسلام، غريبا في مجتمع غريب، لا أدري كيف تهضم أن المجتمع كله يساق ليأخذ إسم بلده من ضيف حسب زعمهم،

إقرأ إن شئت في المصدر السابق نفسه : (ومن المعروف أن مدينة صنعفي كانت تعرف في الماضي بإسم حاكير والتي تعني بلغة الساهو السوق، وتشير الروايات الشفوية بإن إسم صنعفي يعود إلى شخص يدعي عبدالله قدم مع حاشيته من مدينة صنعاء باليمن إلى منطقة تعرف أوليع وهي إحدى ضوحي منطقة حاكير، والذي إندفع مع السكان المحليين وبعد مدة ولكي يتعرف على وجهة موطنه الأ صلي تساءل قائلاً صنعاء فين؟ أي أين صنعاء ولهذا فإن الروايات تشير بأن إسم صنعفي الحالي مأخوذ من هذه العبارة العربية. ).

ترى كيف سيفسرون أسماء عربية كثيرة تضج بها إرتريا في طول البلاد وعرضها، مرب، عين سبأ، جبل قدم، عسلاية ...أمثلة لا نهاية لها .

لا تحتاج الى كثير عناء بأن المناسبة هنا دلل بها وكأنها إسترجاع أرض وتاريخ كانا مسلوبين من قبل العرب المسلمين؛ مع علمهم التام بأن آثار صنعفي أقدم بكثير من المسيحية نفسها وأن سكانها توارثوها عبر الأحقاب مهما كانت مرجعية أصولهم؛ ومع ذلك الإحتفال هنا يقصد منه أن صنعافي إسترجعت كتراث تاريخي للحبش المسيحيين كان مسلوبا؛ صنعفي يجب أن تكون الآن وساما تأريخيا على صدر المسيحية الإرترية ولذلك يجب تطهيرها من الأرجاس الإسلامية، يجب أن يكتب لها تأريخا جديدا يؤلفه ويدلسه النظام الكنسي الحاكم؛ فالإحتفال بالمناسبة هنا هو إستعادة حسب ما يستدل لإحتفالات بالمناسبات المسيحية التى كانت تقام هنا قبل المسلمين؛ ليس هذا فحسب أضف أن حضور الجيش شريكا أساسيا في إقامة المناسبة يعني إثبات وطنية المناسبة ورفع الحرج من المسلمين المتجنبين للطقوس المسيحية، وربما إرغامهم على الإحتفال بها، وعرف أن المدرسة العسكرية تتشدد فيها حكومة الشعبية، لأنها تستخدم في ترويض المسلمين على هجر الدين الإسلامي والتقرب الى المسيحية، ولذلك بالإضافة إلى منع الصلاة ومظاهر الدين يشجع العساكر المسلمين الى أكل الميتة والدم وشرب الخمور وتعليق الصليب وغير ذلك، ومع أن المسلمين يشكلون من 70-80% من المجندين إلا أن الكنائس تبنى بإسم الجيش، ومثل هذه المناسبات الدينية الخالصة تكون برعاية الجيش يحتفل بها كأنها مناسبة عسكرية أو وطنية شاملة مثل عيد الإستقلال؛ فالجيش هنا أداة كنسية وليس مؤسسة عسكرية وطنية حسب ما هو موظف ومكلف من قبل النظام.

يجب أن لا يفهم إنني أعادي المسيحية ومناسباتها، فهو دين وطني له الحق في حدود النشاط الطبيعي ولأهله الإحترام والتقدير كشريك وطني؛ لكن ما ننكره هو أن يكون وسيلة النظام السياسي الحاكم في مصادرة أرض وتاريخ وتراث الشعب الإرتري أويكون وسيلة النظام الطائفي العنصري في التنصير ومحو الهوية؛ والعمل على إختزال وإختصار التنوع الحضاري الإرتري في قومية ودين الحاكم.

ولا نملك إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click