إبراهبم محمد نور... إنسانية المناضل
بقلم الأستاذ: أحمد داير - كاتب وناشط سياسي إرتري
سيكون مفاجئا لقدامى مناضلى الثورة الأرترية الذين أضطرتهم الظروف ألى الهجرة بعيدا عن الوطن...
من أستراليا ألى أقصى الغرب الأمريكى مرورا بأوروبا... سيكون مفاجئا لهم العلم بوجود المناضل إبراهيم محمد نور أحد أركان الجهاز الصحى للجبهة فى موقع من أهم المواقع التى يقدم فيها الجهاز خدماته وهو مستشفى كسلا الذى أضيفت إليه كلمة التعليمى حاليا فى حى الثورة فى كسلا بكامل المعنويات رغم أن البصر قد كف لمشاكل فى الشبكية.
كنت قد أشرت أليه فى معرض الحديث عن الجهاز الصحى فى التوثيق للشهيد حسن باشميل. مناضل يستحق كل التقدير وشاهد على الفترة الذهبية لجبهة التحرير الأرترية وتعاون السلطات اللامحدود فى كسلا خاصة وفى السودان عامة.
كنت اسمع من بعض المناضلين عن علاقته الأسرية بالزعيم إدريس محمد آدم وحين سعدت مساء الجمعة المباركة أمس بالأتصال به بعد عقود علمت بعلاقته أيضا بأحدى الشخصيات الكسلاوية المعروفة اللواء معاش عمر محقر إبن حى الختمية ومدير مكتب الرئيس الأسبق جعفر نميرى.
فى العام ١٩٧٠ عرض على أحد أبناء الحى الذى كان يدير بوفيه مستشفى كسلا أن أعمل معه فى فترة الإجازة المدرسية محاسبا أسجل له فى دفتر؛ طلبات الأطباء والممرضين والممرضات وبقية موظفى المستشفى الآجلة وأخبرنى أن الشخص الذى كان يعمل معه قد أتجه للدراسة فى الخارج... وجدت خط من سبقنى جميلا جدا.. وعلمت أن الشخص الذى إلتقيته فى بغداد بعد سنوات هو الأخ محمود خالد فك الله أسره. يوميا وعند حضورى ألى المستشفى صباحا كنت ألتقى الأخ أبراهيم.. شخص فى غاية النظافة وعجلة رالى (دراجة) تلمع هى الأخرى كأنه أختير بعناية لهذه المهمة.
إلتحق إبراهيم بالميدان فى العام ١٩٦٥ ضمن مجموعة تتكون من مائة وخمسين شابا تقريبا خرجوا من كسلا للأنضمام إلى الثوار. فى العام ١٩٦٧ تم ترشيحه للمشاركة فى دورة كان يفترض أن يتلقاها مع رفاقه فى سورية. بعد وصولهم إلى بورتسودان وتهيؤهم للسفر حدث عدوان يونيو على مصر وسورية فاضطرت المجموعة للعودة.
مع أزدياد الحاجة لخبرات صحية تم توجيهه مع الشهيد محمود حسب والمناضل صالح قلبوب للألتحاق بدورة فى مستشفى أروما. أستقبلهم أبراهيم ليمان... الشخصية التى لعبت أدوارا رائعة فى دعم الجبهة فى تلك الفترة من خلال عمله فى المستشفى... وتكفى أشارة المناضل محمود طاهر ألى أن إبراهيم ليمان حين علم بنية بعض الممرضين الخروج يوم الفاتح من سبتمبر ١٩٦١ من مستشفى كسلا للحاق بمفجر الثورة حاملين معهم أدوية ومعينات طبية.. أنضم إليهم بالرغم من أنه كان قادما من أروما... يضاف ألى ذلك مساهمته الرائعة بالأغنية الوطنية... ردأو.. ردأو.. أباى هلا ديب عدنا... التى كانت تردد فى كسلا وكان صداها يصل إلى الداخل حاثا الشباب على الإلتحاق بالثورة.
استطاع إبراهيم ليمان بما لديه من علاقات فى مستشفى أروما أن يوفر لهم فرصة تدريب شاملة لمدة ثلاثة أشهر وتم التعامل معهم كممرضين عاملين فى المستشفى وتنقلوا فى أقسامها المختلفة. حسب ما سمعت من مناضلين آخرين قبل سنوات أن هذه الدورة لم تكن الوحيدة.
هناك دورة يربطها بعض المناضلين بنكتة وهى أنه حين حضر مندوب الجبهة إلى (بيت الجنود) ليبلغ مجموعة من الموجودين بالإستعداد للسفر فى اليوم التالى إلى أروما لتلقى دورة فى التمريض بدأوا يتبادلون التهانى بعد مغادرة المندوب بعد أن إختلط عليهم الأمر وسمعوا إسم المدينة بدون الحرف الأول... لم يتأخر الأمر كثيرا... بعد سنوات أستطاع الشباب فى إيطاليا توثيق علاقاتهم مع كثير من الجهات وكانت هناك دورات متنوعة ومساهمة فى علاج بعض جرحى حرب التحرير.
فى الفترة التى قضاها فى الميدان وبعد التدريب والمشاركة فى بعض المعارك أختاره الشهيد طاهر سالم ليكون معه فى هيئة التدريب ممرضا ومساعدا. قبل فترة قصيرة من أستشهاد الشهيد طاهر كان قد أمره ومعه مجموعة بالتوجه إلى المقر وكانوا وقتها فى منطقة فى الساحل (أعتقد أن اسمها هقر) على أن يبقى الشهيد هناك لتجنيد مجموعة من أبناء المنطقة.
بعد أستشهاد الشهيد طاهر سالم تولى مسؤولية هيئة التدريب الشهيد عمر دامر. صحبه مرة إلى كسلا وهناك تمسك به الشهيد ورائد الخدمات الصحية محمد آدم أدريس أرى (قصير) وطالب باستبقائه فى كسلا وقد كان . يحرص إبراهيم بالمناسبة على عدم ذكر لقب أستاذه فى المجال ورفيق دربه تأدبا فى الغالب وأنما يكتفى بأسمه الثلاثى محمد آدم أدريس. من الواضح أن الشهيد محمد آدم آدريس أرى قد توسم فيه الخير من ملاحظاته لنشاطه ولأهتمامه الزائد بالنظافة.
حين رشحه للعمل فى قسم مستشفى كسلا قبل إبراهيم بشرط أن يعيره محمد آدم دراجته الهوائية للتنقل بها بين حى الترعة (أبو خمسة) والمستشفى. أحتج بعض العاملين فى العيادة الذين كان يرفض السماح لهم بقيادة دراجته فكان رد محمد آدم وهو من لا يعجزه الرد الطريف والظريف (إن هذا يختلف فهو أى كسح.. على الأقل يحافظ على نظافة الدراجة). أى كسح... كما يبدو للضليعين فى التقراييت تعنى شديد النظافة.. والظاهر أنها لا تستخدم إلا فى المناطق التى تحافظ على أصول اللغة.. كمناطق منسع.
أستمر كذلك إلى أن وصله مبلغ من المال ليشترى عجلة الرالى الشهيرة وقتها والتى كانت تكلف 15 جنيها كاملة وكانت وسيلة المواصلات الرئيسية فى المدينة. لم تكن هناك على سبيل المثال مواصلات للترعة والثورة وأنما كانت فقط فى ذلك الأتجاه للختمية القديمة.
بعد دورة أروما وتوجيهه إلى مستشفى كسلا؛ وجه رفيقه الشهيد محمود حسب إلى بورتسودان لفترة قصيرة ثم ألحق كما هو معلوم إلى دورة عسكرية فى كوبا وتغير مساره ليصبح أحد أهم قادة جيش التحرير واستمر فى العطاء إلى حين إستشهاده غدرا فى كسلا سبتمبر ١٩٨٩ وليلقى أبراهيم مع مجموعة من الخدمات الصحية النظرة الأخيرة عليه معترضين على تشريحه لأن القاتل معروف أصلا والمجرم كان قد تم القبض عليه.
بالمناسبة كنت فى كسلا فى تلك الفترة وكنت فى حى الترعة نفسه فى الشارع العام جالسا مع مجموعة ومر علينا الأطفال يرددون... حرامى دون أن يدروا الجريمة البشعة التي أرتكبها المجرم الذى كان سائق سيارة الأجرة (التاكسى) الذى كان قد أوصل الشهيد يطارده. هرعنا إلى المستشفى لكن كان هناك قرار من الأجهزة الأمنية بعدم السماح لأحد بالدخول.
أمام البوابة ونحن متجمعون كان هناك شخص مصر على الدخول حتى أنه كاد أن يشتبك مع البواب.. سألت أحد الأخوة عنه فقال لى أنه المناضل آدم صالح شيدلى... رجونا الرجل أن يسمح له وسننفض.. سمح له. كانت تلك فترة خصومة واختلاف بين الرجلين... غير أن أخلاق الفرسان تترفع عن ذلك.. يرحمهما الله.
رفيقه الآخر صالح قلبوب أستمر فى النضال فى نفس المجال وتم أبتعاثه إلى دورة طبية فى بغداد.. متعه الله بالصحة والعافية.
بدأت التجربة فى حياة المناضل إبراهيم بتمثيل الجبهة فى مستشفى كسلا فى ظل تعاطف وتعاون كاملين لا من إدارة المستشفى فحسب وإنما كان الجو العام فى السودان وقتها فى الديموقراطية الثانية التى أعقبت ثورة أكتوبر الشعبية المجيدة فى العام ١٩٦٤ فى قمة التعاون. كانت الأوضاع قبل ثورة أكتوبر قاسية جدا على الثورة خاصة مع توقيع الحكم العسكرى إتفاقية تبادل المجرمين المشؤومة مع أثيوبيا.
شهد العام ١٩٦٦ تصاعدا فى عمليات الثوار الأمر الذى دفع أثيوبيا إلى ممارسة سياسة الأرض المحروقة بقصف كثير من القرى بغرض تجفيف النهر ليموت السمك كما أعتقد غير أن الأرادة كانت قوية واستمرت الثورة وبنتيجة القصف وصل حوالى ثلاثين ألف لاجئ فى مثل هذا الشهر من العام ١٩٦٧ إلى مشارف كسلا.
وصل التعاون الرسمى للسودان حينها حسب بعض الوثائق أنه تم السماح للجبهة بحرية التحرك فى مديرية كسلا؛ ومع تصاعد المعارك ووجود كثير من الجرحى وعدم وجود مستشفى مركزى فى الأراضى المحررة فقد كان التعاون فى مجال الخدمات الصحية مهما وملحا.
خصصت إدارة المستشفى جزءا كبيرا من عنبر الجراحة للجبهة (كامل البرندة للعنبر وبسعة 30 سريرا تقريبا) وتم توجيه العاملين بعدم إستخدام هذه الأسرة حتى لو كان بعضها خاليا...ربما أحتمال أى طارئ. فى العام ١٩٦٨ كان عدد الجرحى قد فاض عن عدد الأسرة خاصة بعد معركة حلحل.
من الذاكرة أتذكر أن قريبتنا وجارتنا العزيزة الحاجة جوهرة سالم الحاج يرحمها الله كانت تستضيف فى منزلها بعض جرحى المعركة... منهم الشهيد أبوبكر طلوق الذى رحل قبل عامين تقريبا والمناضل إبراهيم أرى.. بالمناسبة فهى عمة الرائعة أرهيت حكيم التى أستطاعت أن تحافظ على يوميات زوجها الشهيد أدريس هنقلا وصدرت فى كتاب يتم تداوله هذه الأيام.
بعد معركة حلحل بفترة أنضم إلى إبراهيم مناضل مساعد له كان قد أصيب فى إحدى عينيه فى المعركة نفسها هو الشهيد يس هاكين. تجدر الإشارة هنا إلى أنه وبعد الإنقسام الذى حدث فى الثورة أن إبراهيم أستمر بتوجيه أو بدون توجيه بتقديم خدماته لجميع المناضلين... كان المقاتلون يتقاتلون فى الميدان ثم يأتون ويتوحدون فى تلقى العلاج... نفس الأمر حدث كما حكى لى أحد الأصدقاء فى مستشفى طوكر... وهى فترة الحرب الأهلية التى بدأت فى فبراير ١٩٧٢.
قدم مستشفى كسلا الكثير للثورة الأرترية ومع أن التعاون كان عاما وشاملا من جميع العاملين إلا أن هناك أدوار للبعض تظل متميزة ويجب تخصيص مساحة لها.
يعرف جيل تلك الفترة من أبناء كسلا الدكتور محمد عثمان جريتلى كأديب وعضو فى مجموعة تولوس الأدبية... وكان لقبه فى المستشفى الطبيب الأنسان.. ومع أن اللقب الأخير يعتبر كافيا إلا أنه يمكن أن يضاف إليه لقب الطبيب الثائر أو الثورى.. لا فرق. ربما كانت علاقته بالأستاذ كجراى عليه الرحمة ونشاطهما المشترك فى مجموعة تولوس سببا لزيادة الأهتمام والدعم لجرحى حرب التحرير وربما كان ذلك دافعا ليعين أبن الشاعر الأخ بدر الدين كجراى مسؤولا عن القسم نفسه والذى أصبح يطلق عليه أسم عنبر الجبهة.
فور توليه مسؤوليته فى المستشفى أستدعى الدكتور جريتلى المناضل إبراهيم وأوضح له أنه ستكون معاملة الجبهة نفس معاملة المراكز الصحية وأنه سيكون له ملف وسيستلم أدوية ومعينات ليقوم بتسليمها لعيادة الجبهة فى حى الترعة العريق (أبو خمسة).
كان موقع الأمدادات الصحية فى حى دردق مقابل وشمال البطرى. ذهب المناضل إبراهيم مرة واستلم نصيبه كرتونة من الأدوية. فى الطريق قرر أن يفطر فى السوق قبل التوجه إلى العيادة. توجه إلى أحد معارفه فى سوق الخضار.. آدم أدريس عرفة من أقارب الشهيد حليب ستى.
عند عودته من المطعم علم أن رجل مباحث كان يتابعه على ما يبدو أعتقل آدم ومعه الكرتونة وذهب به إلى مركز الشرطة القريب. سارع بالذهاب وأنقذ الرجل وأقر بأن الكرتونة تخص جبهة التحرير الأرترية. لم يكن الأمر مقنعا بالنسبة للمسؤول فأودع فى الحراسة (المعتقل) وقضى ليلته هناك. فى اليوم التالى حضر عمنا فكى على يرحمه الله وتم إطلاق سراحه بضمانة. توجه إبراهيم إلى المستشفى وأعلم دكتور جريتلى. توجه الدكتور إلى المركز وأوضح للمسؤول أن هذا دعم من المستشفى للجبهة. سوى الموضوع وأعتذر المباحث الذى كان يعتقد أن ذلك تعدى على المال العام.
لم يكن الأمر فى تلك الفترة يحتاج إلى لجنة إزالة تمكين. تحية للدكتور الأديب الإنسان الثورى محمد عثمان جريتلى ورحمه الله حيا أو ميتا.
هناك أسماء فى مستشفى كسلا ساهمت وقدمت ما يمليه عليها الواجب تستحق أن تذكر... ومع طول الفترة فإن من الصعوبة حصر كل الأسماء... أطباء وممرضين.
يتذكر المناضل إبراهيم مديرا سبق دكتور جريتلى هو دكتور على ضو البيت.. ويتذكر فى الإدارة أيضا عبدالقادر شلبى.. من الأطباء يتذكر أثنين من أبناء كسلا ومن الأسر العريقة المعروفة.. دكتور عبدالعزيز حسين بابكر و دكتور أحمد قاسم الزبير (بروف أحمد قاسم حاليا) وأتذكر أن دكتور قسم البارى مصطفى وهو أيضا من الأسر العريقة فى كسلا كان فى مكالمة معى من الإمارات أثناء فترة المنتديات الكسلاوية يذكر تلك الفترة؛ و قد كان كما ذكر الأخ بدر الدين كجراى فى نفس القسم... أى قسم الجراحة.
من الممرضين يتذكر الراحل هاشم حاج آغا (قبل تحويله إلى قسم الأسنان)... الأخ محمد إدريس حامد.. والأخ محمد خير.
أخصائي الجراحة كما أتذكر كان فى تلك الفترة ولسنوات دكتور عبدالله الحاج موسى.. يتذكر إبراهيم إخصائيا آخر متميز هو دكتور أحمد نجيب. قام دكتور أحمد بمبادرة طيبة... كانت هناك سحابة صيف على ما يبدو فى العلاقات بين الجبهة والحكومة وكانت هناك مجموعة من الجرحى على الحدود فذهب برفقته لمعاينتهم و أمر بضرورة إدخالهم إلى المستشفى وتم ذلك ليلا وانضموا إلى رفاقهم.
كانت هناك حالات تستعصى على العلاج فى كسلا ربما لعدم وجود إخصائى عظام أو لتزايد عدد الجرحى وكان هناك بديل جاهز وهو مستشفى مدنى. أحد أركان الجهاز الصحى المتميزين والذى كان قد تلقى دورة تدريبية فى سورية وعمل لفترة فى المنطقة الثانية ثم فى عيادة كسلا تم توجيهه ليعمل ممثلا للجهاز هناك... المناضل الحاج حامد تماريام.
يمكن القول بالفعل أنه كان يتم إنتقاء العاملين فى الجهاز خاصة فى هكذا مواقع. قبل أن ألتقى المناضل الحاج سمعت حوارا بين مناضلين يتحدثون عن نظافته إلى حد التطرف وحين ألتقيته لاحظت ذلك فعلا... باختصار يمكنك القول أنه سبق عصره... قبل أكثر من نصف قرن كان يقوم بالأحترازات الصحية التى ينصح بها الآن مع الجائحة. قام الرجل بدوره كاملا فى مدنى وكان يصحب بعض الحالات آلى مستشفى الخرطوم.
بعد أن حدث للجبهة ماحدث فى العام ١٩٨١ وتشتت الكثير من المناضلين فى أصقاع الأرض لم تفتر همة المناضل إبراهيم واستمر فى نفس الدرب الذى أحبه وهو خدمة الجماهير فى جانب حيوى هو الخدمات الصحية. سمعت معلومة من شخص آخر وهى أن اللواء عمر محقر كان فى تلك الفترة وما قبلها قد عرض عليه القدوم إلى الخرطوم بأسرته لكنه أعتذر وتمسك بالبقاء فى كسلا لمواصلة تقديم خدماته للأهل.. بره وجوه كما يصطلح الناس فى كسلا.
أنتقلت الخدمات إلى بعض أحياء كسلا وتم فتح عيادات جماهيرية.. الترعة.. الشعبية.. وبدأت فى تقديم خدماتها لكن المرحلة الأهم كانت قيام قوات التحرير الشعبية بالتعاقد مع أطباء مصريين من تخصصات مختلفة. كانت تلك فترة تقارب بين ثلاثة تنظيمات كان يفترض أن تكون تنظيما واحدا يطلق عليه التنظيم الموحد.
لعبت عيادة المصريين والتى كانت شبه مستشفى دورا كبيرا وهاما فى تقديم خدماتها المجانية لجميع مواطنى كسلا دون أستثناء. ومع أننى لم أتشرف بزيارتها وكنت ألاحظ مرور سيارة مدير المستشفى غالبا أمام المنزل فى أتجاهه للسوق لقضاء حاجاته؛ إلا أننى كنت واثقا من تقديم خدماتها المجانية. أحد أبناء الحى... عبدالله خالد (الكيك) يرحمه الله كان قد طلب منى أن أتوسط له ليتم علاجه هناك.. فاستغربت وكان ردى عليه أن يذهب مباشرة إلى هناك فالخدمة للجميع. كان المناضل إبراهيم هو المنسق.. يبدأ بعد الفجر فى تسجيل وفرز الحالات للجماهير التى تحتشد لتلقى الخدمة الصحية... وكان ضمن التخصصات.. الباطنية.. الجراحة.. النساء والولادة.
واحدة من الحالات كانت من أهلنا فى السواقى... سيدة كانت حالتها مستعصية ونصحها طبيبها بالسفر إلى مصر. حين علم أهلها بوجود أطباء مصريين فى كسلا فكروا أن تكون المحاولة الأخيرة معهم. تم علاجها بنجاح... يتذكر المناضل إبراهيم أنه أضافة إلى تمتع العاملين فى العيادة بأنواع الفواكه طيلة أيام وجود السيدة فى العيادة فقد بادرت الأسرة بدعم العيادة بأسرة ومراتب وملايات.
شئ طبيعى ما ذكره المناضل إبراهيم من أن بعض الأهل وراء الحدود فى القرى القريبة كانوا يفدون لتلقى العلاج المجانى فى العيادات المختلفة التى عمل فيها. كان هذا يحدث فى ثمانينات القرن الماضى والحال أفضل بعض الشئ؛ أما وقد وصل الحال من شظف العيش ما وصل إليه فأن الواجب يحتم على أطبائنا الشباب فى كسلا القيام بمبادرة للتطوع بيوم عمل مجانى ودعوة جميع الأطباء للتعاون ولتكن البداية من كسلا ثم تعميمها على الشرق ليصبح ذلك نموذجا يحتذى.
أدعو من هنا بعض الأخوة الذين أعلم بوجودهم فى كسلا دكتور محمود قلبوب، دكتور حامد شيخ عثمان، دكتور حسن محمد على - مختبرات، الأخ عمر هيابو.. أتمنى أن يكونوا روادا فى هذا المجال بالتعاون مع بعض الجمعيات الخيرية العاملة وهى فكرة ستجد تعاونا كبيرا بلا شك من كثير من الأخوة المغتربين خاصة.
أخيرا تمنياتى للمناضل إبراهيم الذى ينوى التوجه إلى مصر للعلاج بعد أن ضعف النظر إلى حد كبير منذ حوالى عشرة سنوات بالشفاء. أتمنى أن يصل إلى القاهرة قريبا طالما أن هناك أملا.