حركة تحرير ارتريا بقيادة المناضل محمد سعيد ناود من اول الحركات الثورية السلمية ضد الإحتلال الإثيوبي - الجزء الأول

حاوره الأستاذ: محمد نور يحي

أستاذ محمد سعيد ناود، أولاً أهنئك بمرور خمسون عاما على تأسيس حركة تحرير إرتريا واحتفالكم بهذا اليوم.

شكراً جزيلاً لهذه الفرصة الجميلة التي أتيحت لي بمناسبة ذكرى مرور نصف قرن على تأسيس حركة تحرير إرتريا التي تجد في نفسي الكثير من الهوى والذكريات، لكن طبعا مسك الختام هنا هو انتصار القضية التي نذرت نفسي من أجلها بتأسيس حركة تحرير إرتريا هو انتصار الثورة واستقلال إرتريا.

أستاذ محمد سعيد ناود وأنتم تحتفلون بمرور خمسين عاما على تأسيس حركة تحرير إرتريا كيف تقيم أداء "الحركة"، مالها وعليها ؟
الحقيقة أنني أفضل غيري أن يقوم بالتقييم لأنني مهما حاولت ستظل نفسي مشدودة لهذه التجربة.

أما عن ماقامت به هذه الحركة أستطيع أن أقول كل الخطوات التي حددتها ورسمت لها الطريق كانت صحيحة. إلا أن الحركة لم تجد الفرصة، لأنها وبمجرد أن بدأت في وقت وجيز واجهت حملات كثيرة من قبيل أن الحركة إسرائيلية، أو شيوعية، أثيوبية، وهي كما ترى اتهامات لايجمع بينها جامع. وتأتي في أطار صراع في السلطة ليس في وقته ولا في مكانه. وهذه مسألة تقود إلى تجربة لابد أن نستفيد منها. الخلاف شيء طبيعي، ولكننا يجب أن نتعلم انه توجد أخلاقيات، نختلف في الرأي، لكن كما يقولون الخلاف في الرأي لايفسد للود قضية، لكن يجب أن تكون هناك أخلاقيات في الخلاف، يجب أن يكون النقد في حدود الخلاف وبما يسمح به.
وليس رجم الناس، أقول ذلك لأننا حتى الآن نعاني من هذه المشكلة، ولم نستفد من تلك التجربة الطويلة لنضالنا. ولذلك أقول علينا أن نؤسس لعمل سياسي صحي، نلتزم به وتسير عليه الأجيال القادمة من بعدنا، لأن الحملة التي واجهتها الحركة في الخلاف لم تكن موضوعية، كان فيها الكثير من التجريح وهجمات واتهامات وإرسال تهم وغيره. وهذه لم تعط للحركة فرصة حتى تتمكن في وقت وجيز من قيامها أن تواصل طريقها.

إذ أن الحركة إذا ماوجدت فرصة لربما كانت أبدعت واختصرت الطريق.

ولذلك مانستفيد منه بعد مرور خمسين عاما على تأسيس الحركة أن تعلم سواء كنا ممن يعيشون الآن أو الذين سيأتون من بعدنا أن يتعلموا أخلاقيات التعامل حول الخلاف في الرأي.

تقولون في كتابكم أن الحركة ولدت في ظروف سياسية كان من أهم أسلحتها الانتماءات القبلية والطائفية والدينية والإقليمية حتى في أطار الحزب الواحد ناهيك من انتماء العامة من الأحزاب الأخرى، وكان لذلك تأثيره السلبي على الوحدة الوطنية هلا شرحت لنا أستاذ ناود ظروف نشوء الحركة في ظل تلك المفاهيم، وكيف نجحت في طرح شعار الوحدة الوطنية في ظل واقع متخلف كهذا ؟.

الحقيقة في هذه النقطة أريد أن أقول أن وجود القبائل والطوائف الدينية وغيره هذا شيء قديم في تطور الشعوب في كل أنحاء القارة وفي الكرة الأرضية فسوف تجدها وسط الهنود الحمر وسط آسيا وتجدها في كل مكان. لكن الخلل جاء من استغلال هذه في تحقيق أهداف محدودة وشخصية. بل بالعكس وجود هذه القضايا التي نسخت في سوق الصراعات الحزبية وغيره أول من أستعملها كان الأثيوبيون، جاءوا بهذا الصراع سواء كان طائفيا أو قبليا أو غيره للأسف الاستعمار حركه في إرتريا ووقعت في حبائله قيادات سياسية والدليل على ذلك بأن هذه قشرة وليس شيئا جديدا في مجتمعنا.

وقامت حركة تحرير أرتريا على أسس وطنية بحتة لم تستغل الدين ولم تستغل قبيلة وبالتالي وجدت تجاوبا سريعا وفي زمن قياسي من كل الشعب الإرتري.

وسوف أقول لكم مثلا فأنني من إقليم الساحل ولم أفكر يوما أن أذهب إلى إقليم الساحل الشمالي والى أهلي، بالعكس أول فرع للحركة داخل إرتريا تأسس في أسمرا ودنكاليا. وبالتالي أستطيع القول أن استخدام تلك المفاهيم كان سلاحا فاسداً وأستغل لتجذير الخلافات وخلقها في محيطنا الإرتري بدأه العدو، ثم وقعت فيه قيادات سياسية حتى من القوى الوطنية.

وكيف تجاوزتم كل هذه الصعاب والمفاهيم القبلية وتأثيرها ولكي تظهر فجأة حركة تتبرأ من كل هذا وكيف تغلبتم على الصعاب والمشاكل حتى تحققوا ذاك الانتشار في المجتمع في وقت وجيز ؟

فعلا درسنا التجربة الإرترية في فترة تقرير المصير، ماذا فعل العدو وماذا فعلته الأحداث، وبالتالي عندما شرعنا في عملنا وبدأنا نشرح للإرتريين بأننا ناس ليس لدينا مشاكل قبلية وليس لدينا فقط مشكلة استعمار يريد أن يبتلعنا مستغلا هذه الأسلحة الفاسدة ولمواجهة هذه الأسلحة الفاسدة التي يستخدمها العدو وإبطال مفعولها لابد من أن نلتقي حول أهداف وطنية.

أذن مشكلتنا لم تكن مشكلة أمريكا أو أثيوبيا فقط، نريد أن نحرر بلدنا من الاستعمار الأثيوبي من القوة الدافعة له من خلفه المتمثلة في الاستعمار العالمي وهي أمريكا.

هذه المسائل بدأنا نشرحها وبالتالي وجدنا قبولا كبيرا في وقت سريع جدا، بالتالي الحركة وجدت تجاوبا من المسلمين والمسيحيين، في المنخفضات والمرتفعات وغيره.

أستاذنا أنت مثلا تنتمي إلى أسرة كان زعيمها كنتيباي عثمان، الذي كان من رموز الاتحاديين، هل مورست عليك ضغوط لتثنيك عن الاستمرار في هذا العمل الوطني باعتبار انه يقوض أهدافهم ؟.

لاتنسى أنني كانت لي خلفية سياسية قبل تأسيس الحركة، متشبع بأفكار تحرر وطني وبالتالي كنت أتجاوز حكاية القبيلة وحكاية كنتيباي، صحيح أنتمي إلى كنتيباي ولكن في نفس الوقت كنت أتجاوز هذا التفكير، كنت أفكر بشكل قومي في ذلك الحين وبالتالي لم تؤثر علي هذه الأشياء. وحاربني الكثيرون في هذا الإطار لأنني أنتمي إلى كنتيباي والى قبيلة معينة الخ.... ولكنني كنت أتجاوز هذا ووجدت نفسي في المحيط الوطني الإرتري.

بمناسبة الخلفية السياسية التي ذكرتها، تقولون لمواجهة القمع الأثيوبي ابتكرت الحركة العمل السري، من أين جاء هذا الابتكار خاصة أن التجربة كانت للمرة الأولى في ساحة تتعاطى القبلية والطائفية بشكل متخلف، هل هناك دراسة اهتديتم بها أم أنه استخلاص لتجارب سياسية سابقة أم ماذا ؟.

من المعروف تماما أن الأسلوب السري كان ناجحا تماما، وكان موجودا تقريبا في كل أنحاء العالم. لأي قوى تعمل على التغيير، ونحن كنا نتابع هذه الأشياء، وكنا نقرأ عن تجارب المقاومة في أمريكا اللاتينية حتى في مقاومة النظام القيصري في روسيا وبهذه المناسبة أنني أتذكر كل هذه التجارب كنا نطلع عليها وبالتالي مجرد أن درسنا وفكرنا وجدنا أننا يجب أن نلجأ للأسلوب السري في مواجهة هذا النظام القمعي الأثيوبي الغازي لبلادنا. وأنا أذكر قبل تأسيس الحركة زارنا فريق عدوليس الرياضي في مدينة بور تسودان في عام 1954ـ 1955م وكان من ضمنهم الشهيد تكو يحدقو في ذلك الحين، كنا نذهب ونقابلهم، وكنا نحاول أن نقترب منهم. وأنا أهديت له كتاب "الأم" لـ "مكسيم جوركي"، كان الكتاب يحكي عن التجربة السرية في الكفاح ضد القيصرية، أخذ تكو هذا الكتاب معه إلى أسمرا وكان باللغة الإنجليزية، وبمجرد تكوين الحركة أتصلنا بتكو وغيره كان فعلا متشبعا بالأسلوب، لجأنا إليه كتجربة عالمية ضد مقاومة الاستعمار وبالتالي نحن لجأنا إلى هذا الأسلوب.

كيف كان تأسيس هذه الحركة، مثلا أنت قلت فريق "عدوليس" جاء إلى هناك وتعرفتم عليهم هل كان لهذه الروابط دور في تأسيس الحركة أم كانت توجد علاقات أخرى قبلها ؟.

أبدا قبل هذه الفكرة جئت إلى أسمرا عدة مرات قبل تأسيس الحركة، ففي عام 1955م جئت في أجازة إلى إرتريا، وكنت أجري اتصالات، وكان في ذهني أنه يجب القيام بعمل ما، رغم أن الفكرة لم تكن واضحة كثيرا لكن كنت أتصل وأقابل أناس كثيرين وأناقش معهم وكنت أقول لهم أن بلدنا هذه معرضة إلى الابتلاع، وهذه كانت أهم الأشياء التي كنت أناقشها إلى أن وصلت إلى القناعة سنة 1957م وقلت يجب الآن أن نبدأ سياسيا وإلا أبتلعتنا أثيوبيا.

من كان يناقش معك الأمر في فترة ماقبل 1955م حتى 1957م ؟

كان معي المرحوم زميلي إدريس محمد حسن قنشرة ولأننا كنا أثنين فقط نتناقش مع بعضنا، لأنه هو أيضا كان يذهب في طريق في أجازة وأنا كنت أذهب في طريق آخر، أيضا وبعد ذلك كنا عندما نرجع من الأجازة كنا نناقش ملاحظاتنا مع بعضنا، وكنا نسجل فيها ماذا فعلنا وماذا ناقشنا والى آخره، كنا نريد فقط أن نوصل أفكارنا إلى الأحزاب وتتبناها هذه الأحزاب والقوى السياسية التي كانت موجودة في ذلك الحين.

وشرحنا لها كل شيء وحذرناهم مما يحصل، لكننا لم نجد للأسف أي قبول بل وجدنا زجرا وقالوا لنا أتركوا السياسة لأهلها.

هل هناك أفراد التقيت بهم واقترحت عليهم رأيك ؟.

التقيت بالكثيرين. أقصد من السياسيين المعروفين ؟

منهم مثلا المرحوم إبراهيم سلطان في كرن، والأخ المرحوم إدريس محمد حسن التقى بالسيد إدريس محمد آدم في أغردات. وأنا التقيت بالكثيرين هنا في أسمرا وكرن.

وكنت أقول إننا كيان مستقل ولسنا جزءا من إثيوبيا، وأن أثيوبيا لم ترغب في اتحاد فيدرالي معنا، بل ترغب في أبتلاعننا، لكن حدثت مساومة والتقت مع الإمبريالية الأمريكية، وكانت الفيدرالية وهي صيغة لابتلاع إرتريا من قبل أثيوبيا، لذلك لابد من أن تقاوم ذلك قبل أن تبتلعنا. وبما أن الأحزاب ممنوعة من العمل لابد من اللجوء إلى العمل السري لذا عليكم بالقيام بواجباتكم في الداخل وتكلفونا نحن بما نعمله في الخارج.حدثنا بعد ذلك كيف توسعت الفكرة ؟.

بعد أن عجزنا عن استقطاب الناس، وعدم قبولهم فكرة العمل السري، شرعنا فورا في بور تسودان بتجنيد بعض الأفراد، وفعلا نجحنا في ذلك إذ تكونت الخلية الأولى للحركة من كل من المرحوم صالح أياي، إدريس محمد حسن قنشرة، محمد الحسن عثمان "عر كيفر" موجود الآن بمصوع، والمرحوم حبيب عمر قعص، ويسين عقدة أطال الله في عمره موجود الآن في السعودية، وحسن حاج إدريس أطال الله في عمره موجود الآن في بور تسودان، وهم من مختلف القوميات بينهم حتى من قومية التجرينية السيد/ تسفاي الذي ترجم لائحة الحركة من العربية إلى التجرينية، وعندما تكامل عددهم أي أصبح سبعة أشخاص دعيناهم للاجتماع، وكانوا كلهم مهيئين لأننا ناقشناهم بشكل فردي، وهكذا تشكلت الخلية الأولى التي اعتبرناها قيادة للحركة، وتم تكليف كل فرد بتشكيل خلية.

متى كان أول اجتماع للخلية ؟.

كان ذلك في يوم 1958/11/2م، وفي منزلي في بور تسودان بحي الترانسيت.

ثم ماذا فعلتم بعد ذلك ؟.

بعد تشكيل الخلايا في بور تسودان، قررنا الاندفاع إلى داخل إرتريا، وفرغنا البعض وكلفناه بالذهاب إلى منطقته وتأسيس خلية للحركة. فأرسلنا يسين عقدة إلى أسمرا باعتباره من سكان أسمرا، وصالح أياي أرسلناه إلى كرن باعتباره من أبناء كرن، ومحمد حسن بدنكاليا وهكذا تم تفريغهم للعمل.

Top
X

Right Click

No Right Click