في رحلات مروعة.. لماذا يفر آلاف القصر الإريتريين من بلادهم سنوياً؟

بقلم الأستاذ: عبدالقادر محمد علي - كاتب وباحث إرتري المصدر: TRT عربي

لوحة حزينة ترسمها خطوات القصر الإريتريين وهم يبتعدون عن حماية العائلة،

حادثة غرق

ويخوضون رحلة هجرة غير شرعية تحفها المخاطر ويقودها المهربون رويداً رويداً نحو عالم مجهول.

شهد العقد الأخير ازدياداً مطرداً في أعداد القصر المهاجرين احتل الإريتريون في قوائمها مرتبة متقدمة، ووفقاً للتقرير الأممي حول الاتجاهات العالمية للنزوح القسري لعامي 2017 و2018 فقد طلب 4800 من الأطفال الإرتريين غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم اللجوء رسمياً عام 2017، وفي 2018 كان الرقم 3500، في كلا العامين احتلوا المرتبة الثانية بعد الأطفال من أفغانستان.

ووفقاً للتقريرين ذاتيهما فقد جرى تسجيل ما مجموعه 8700 من الأطفال الإريتريين غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم لدى مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين اعتباراً من عام 2017 بما يمثل ثامن أكبر مجموعة أطفال في العالم، ويعتقد أن العدد أكبر من ذلك بكثير لأنه لا يتضمن الأطفال غير المسجلين في المفوضية الأممية.

لماذا يهربون؟

ذكرت المقررة الخاصة السابقة بمراقبة حقوق الإنسان في إريتريا شيلا كيتاروث في تقريرها بمارس/آذار 2016 أن القُصر الإريتريين يتعرضون لخطر التجنيد القسري في الخدمة الوطنية في السنة الأخيرة من المدرسة في الثانوية، وأن بعضاً منهم أيضا تذوق وحشية سجون النظام بعد نقلهم إليها انتقاماً من الأشقاء الأكبر سناً الذين فروا من الجيش على سبيل المثال.

وهو ما تؤكده باحثة أوروبية مختصة في ملف "هروب القاصرين من إريتريا: قائلة "تظهر الأبحاث أن معظم القاصرين الإريتريين يفرون من الخدمة الوطنية، أو خوفاً من التجنيد في الخدمة الوطنية".

وتوضح الخبيرة، التي رفضت التصريح باسمها لأسباب تتعلق بطبيعة عملها، في إفادتها لـTRT عربي، أن السياسات الحكومية، بما في ذلك الإفقار المتعمد، تضطر السكان إلى الخروج من البلاد.

وتكشف العديد من الدراسات التي تناولت هذه الظاهرة أن هذا الإفقار المتعمد يعد جزئياً أحد "الأضرار الجانبية" للخدمة الوطنية، حيث ينشأ الأطفال في أسر مجزّأة نتيجة غياب الأب في الخدمة الوطنية مفتوحة المدة، وهو ما يترك أعمق الأثر اقتصادياً ونفسياً على الأطفال والقصر الذين يعمدون إلى الفرار لمساعدة عائلاتهم على الاستمرار في الحياة.

ووفقاً لهذه الدراسات فضغط الأقران عامل مؤثر في اختيار طريق الهجرة، حيث يندفع الكثير من القصر في مرافقة زملائهم الذين يقنعونهم أو يسبقونهم في ارتياد الطريق نفسه، ويساهم في ذلك السهولة النسبية لعبور الحدود في المناطق الحدودية الغربية والجنوبية المحاددة للسودان وإثيوبيا.

الهروب من جديد:

غير أن رحلة هؤلاء القُصر لا تنتهي بالوصول إلى إثيوبيا أو السودان، فثمة رحلة أخرى يخوضونها نحو شواطئ المتوسط وما بعده، ووفقاً لغودفاي شاكاي في دراسته لهروب اللاجئين من إثيوبيا فإن الافتقار إلى فرص كسب الرزق يأتي على رأس العوامل الكامنة وراء هذه الحركة بجانب نقص المرافق والخدمات الأساسية، ووجود خطة مسبقة لفعل ذلك، وهو ما يؤدي إلى النزيف البشري المستمر من معسكرات اللجوء في إثيوبيا.

وهو ما يؤكده عبد الفتاح محمد، منسق فريق الصليب والهلال الأحمر لدى سفن الإنقاذ البحري، في إفادته لـTRT عربي مضيفاً: "من الصعب الفرار من فكرة الهجرة من جديد حين تعيش في جو كل من حولك يرحلون منه، وهكذا يكبر هؤلاء الأطفال مع السنين وأمام أعينهم تحيّن الفرصة المناسبة للرحيل".

وكل ما سبق ينطبق على معسكرات السودان مع وجود خطر أمني يتعلق بإمكانية الترحيل إلى إريتريا، الذي تكرر وقوعه من السلطات السودانية، كما أن شهادات العديد من اللاجئين تؤكد وجود تواطؤ أمني بين القوات الأمنية وعصابات التهريب التي تستهدف اللاجئين.

وفقاً لRick Schoenmaeckers في دراستها المعنونة بJourneys of Youth in Digital Africa: Pulled by Connectivity فلوسائل التواصل الاجتماعي دور مهم في تحفيز الأطفال والشباب، لأنهم في هذه المنصات يتعرضون لصور الحياة خارج البلاد. هذا التعرض، جنباً إلى جنب مع التحفيز المباشر وغير المباشر عبر المكالمات الهاتفية أو الرسائل الأخرى من الأقارب في أوروبا أو في أماكن أخرى، يجعل الناس يرغبون في المغادرة إلى أوروبا.

رحلة الأهوال:

ولأن الهدف النهائي للرحلة هو الوصول إلى البحر المتوسط فإن الهاربين إلى معسكرات إثيوبيا يتوجهون إلى السودان ومنها إلى مصر، ثم تفترق طريقهم إما إلى سيناء فإسرائيل أو إلى الشاطئ المصري الشمالي أو إلى ليبيا، وقد يذهبون إلى الأخيرة من السودان مباشرة.

وعلى تعدد هذه الطرق فإن ما يجمعها هو المعاملة المروعة التي يتعرض لها المهاجرون غير الشرعيين، بمن فيهم القصر، من قبل مهربي البشر أو الخاطفين، إذ من الشائع أن يختطف المهربون، بالتعاون مع الشرطة المحلية، أشخاصاً من معسكرات اللاجئين في السودان، ثم يطالبون أهالي المختطفين بافتدائهم بمبالغ كبيرة تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات.

ويضيف عبد الفتاح، الوسيط الثقافي لدى منظمة الصليب الأحمر، أن من الشائع أن يعمد المهربون أيضاً إلى إغراء القصر بالسفر بمبلغ متفق عليه أو بالمجان، "وما إن يصبح القاصر في قبضتهم في الصحراء حتى يشرع المهربون في الاتصال بأهله وتبدأ عملية الابتزاز الطويلة".

وفي حال لم تستطع العائلة دفع الفدية المطلوبة فالسخرة حتى سداد المقدار المطلوب أو حتى بيعهم لتجار البشر من الاحتمالات الممكنة دوماً.

يندرج ضمن هذا أساليب وحشية أخرى كبيع أعضائهم أو حتى القتل من أجل الأعضاء، و الاعتداءات الجنسية ولا سيما على الإناث، تقول إحدى المهاجرات: "عندما جئت من إريتريا ، اختُطفت لمدة أسبوعين. لم أكن أعرف المكان الذي كنت فيه، وقد تعرضت للاغتصاب عدة مرات. لذا ، لن يحدث لي شيء أسوأ."

يضاف إلى ذلك التعذيب بالإحراق بالبلاستيك المذاب وبالكيروسين، والربط بالسلاسل التي تؤدي إلى الجروح العميقة، وعصب الأعين لفترات طويلة ممّا قد يؤدي إلى العمى بعد إلى ذلك.

لم تنته الرحلة في إيطاليا:

الوصول إلى البر الإيطالي بعد عبور أهوال المتوسط لا يعني نهاية المطاف للكثير من القاصرين، ووفقاً لأرقام أممية فقد زاد عدد الأطفال المهاجرين من الإريتريين الواصلين إلى إيطاليا، على سبيل المثال، بين عامي 2015 و2016 من 3000 إلى 3800، لكن هذه الزيادة لم تترجم بوجود فعلي ضمن نظام اللجوء هناك، ومن 3335 قاصراً إريترياً طلبوا اللجوء في 28 دولة أوروبية عام 2016 تم تقديم 60 طلباً فقط في إيطاليا.

وهو ما يؤكده عبد الفتاح المقيم في إيطاليا قائلاً إن مِن القصر مَن لا يشعر باكتمال مشروعه بالوصول إلى إيطاليا، مضيفاً: "يعمد هؤلاء إلى سلوك طريق هجرة جديد، وتكمن خطورة هذه الطريق في أنها رحلة منفردة وسرية ممّا يجعل القاصر تحت رحمة رجال العصابات، وأذكر في آخر حادثة أن اثنين من القصر تعرضا لمحاولة اغتصاب لكنهما هربا بعد كسر الباب".

الآثار النفسية.. ندوب لا تُشفى:

تؤكد الباحثة المختصة في ملف "القصر المهاجرين من إريتريا" أن الفتية المهاجرين "وجميع اللاجئين الذين يواجهون مثل هذه الظروف، يتعرضون لأحداث مؤلمة للغاية، تسبب مستويات عالية من الصدمة، ليس فقط للاجئين ولكن للمجتمع ككل كذلك؛ الآباء والأمهات والعائلات الذين يعانون خلال الرحلة المروعة لأحبائهم الصغار".

ووفقاً لإحدى الدراسات عن القصر الإريتريين الذين وصلوا إلى هولندا بشكل غير شرعي فإنهم يعانون من العبء النفسي الناجم عن الرحلات القاسية بشكل خاص، والاضطرابات المستمرة التي يواجهها أقاربهم في إريتريا.

وبحسب الدراسة فإن قدرة القاصرين على الوثوق بالكبار تتزعزع غالباً نتيجة تجاربهم السابقة، سواء في إريتريا أو في رحلتهم التي قد تستمر لسنوات، ما قد ينتج عنه أزمة نفسية اجتماعية تظهر أعراضها في الشعور بعدم الثقة بالنفس وبالشك الذاتي والدونية.

كما أن انتقال القاصر في رحلته الطويلة بين بيئات مختلفة انتهاء بمؤسسات الرعاية الهولندية حيث يواجه قواعد وهرميات جديدة وأنماط سلوك تختلف عمّا اعتاده يؤدي إلى إرباكه نفسياً، ممّا يؤثر سلبياً على علاقته بالاختصاصيين الاجتماعيين، وبالتالي على اندماج القاصر ومشاركته في المجتمع المضيف.

Top
X

Right Click

No Right Click