الزين ياسين... العبقرية الضائعة - الجزء الاول

بقلم الأستاذ: أحمد داير - كاتب وناشط سياسي إرتري

ارتبطت بلدة على قدر ومدينة تسنى ارتباطا وثيقا بمدينة كسلا فى الجانب الآخر من الحدود بشكل عام

عبدالقادر رمضان و ازين ياسين شيخ الدين و احمد علي عيسي و محمود محمد صالح و محمد نور احمد

وبشكل خاص فى فترة الأربعينات والخمسينات.

ازدهرت بلدة على قدر بعد قيام مشروع زراعى ضخم انعش اهل البلدة وكان ربما من دوافع أهلها إلى التنافس فى طلب العلم للابناء.

لاحظت أمس وانا أقرأ فى لقاء أجراه الاعلامى النشيط الأخ جمال همد مع الأستاذ محمد نور أحمد إشارة من الأستاذ وهو يتحدث عن مدرسة على قدر الأولية أن المهندس الزراعى فى المشروع وقتها والشخصية المثيرة للجدل فى وقت لاحق فى السودان... محمود محمد طه يرحمه الله كان من المساهمين فى تأسيس المدرسة.

بعض تلاميذ المدرسة فى نهاية الأربعينات أو مطلع الخمسينات كالمناضل ياسين على جامع ابو جهاد ما يزال يتذكر ناظر المدرسة القادم من كسلا ومن الأسر العريقة فيها... الاستاذ عبدالرحيم السيد مسعود يرحمه الله حيا أو ميتا الذى ترك بصمات واضحة على المدرسة... بعد مغادرة الأستاذ عبدالرحيم السيد مسعود قدم إليها عبدالرحيم آخر مع معلمين أثنين من إخوته... الاستاذ عبدالرحيم محمد صالح (كجراى) ابو خالد والأستاذ الحسن محمد صالح والأستاذ عثمان محمد صالح (الثلاثة أخوة للاستاذ والشاعر محمد عثمان محمد صالح كجراى) رحم الله من رحل منهم.

كان ذلك الحال فى الفترة ١٩٤٢-١٩٥٢ حين كانت ارتريا تحت إلادارة البريطانية ولم يكن الأمر مقصورا على المدن القريبة من الحدود وإنما امتد إلى الداخل كمدينة كرن وغيرها... المعلمون من السودان والمنهج منهج بخت الرضا.

حسب ما أورد أحد مؤرخى كسلا الأستاذ الطيب محمود النور متعه الله بالصحة والعافية أن أبناء على قدر كانوا يجلسون لامتحان الشهادة الأولية للمنافسة على الإلتحاق بمدرستى كسلا الأهلية والاميرية المتوسطتين ولا أدرى اذا كان ذلك قد توقف بعد العام ٥٢ ١٩م ام استمر فى فترة تقرير المصير.

ومع أن بعض أبنائها كان لديهم الخيار فى دراسة المرحلة الوسطى فى كرن أو كسلا الا أنه كانت هناك حالات قليلة من أبنائها درسوا المرحلة الأولية فى كسلا كالشهيد جعفر جابر عمر يرحمه الذى درس فى مدرستى السابقة.. الحامية الأولية فى الخمسينات عاد بعدها الى تسنى لدراسة المرحلة الوسطى واتجه بعدها إلى مصر ليدرس ثانوية زراعية ولبى من هناك نداء الوطن والتحق بدورة ضباط عسكرية فى سورية ومنها إلى الميدان لينتخب عضوا فى القيادة العامة... ليستشهد مطلع ١٩٧٠ وهو فى الثانية والعشرين من عمره قبل أشهر من استشهاد أخيه دكتور يحى جابر... رحمهما الله.

كان للمعلمين السودانيين تأثيرهم فى إذكاء الروح الوطنية للتلاميذ فى على قدر والبلدات المجاورة... فى كتاب الأستاذ طاهر فداب القيادى المعروف فى حركة تحرير ارتريا يرحمه الله إشارة إلى تأثره بمعلمه فى ام حجر كما أذكر الذى كان يحفظهم الأناشيد الوطنية وساعده كما ذكر فى التوجه الى القضارف بتوصية منه لأحد معارفه ليواصل تعليمه... على قدر كانت بنفس الوضع ويذكر أن الأستاذ عبدالرحيم محمد صالح كجراى كانت لديه محاولات للتعديل فى بعض الأناشيد كاستبدال النيل بالقاش باعتبار أن المنطقة هى من مناطق القاش.

هذه الروح وخطب عبدالناصر فى الخمسينات دفعت أكثر من ١٥ شابا من البلدة للتطوع أثناء حرب السويس... بعد العدوان الثلاثى على مصر وبالفعل وصل الشباب إلى الحدود السودانية - المصرية وقامت السلطات بإعادة بعضهم وتمكن البعض من مواصلة طريقه.

الأستاذ الأنصاري من بون قدم مشكورا شرحا وافيا لمشروع على قدر الزراعى ومعلومات عن المنطقة كنت اجهلها وقد تلقيت اتصالات من بعض أبناء البلدة الذين يتذكرون والده جيدا ويبعثون له بالتحية عبر الأستاذة ام علاء... يتذكر الشباب ايضا شخصية سودانية فريدة فى تسنى هو الحاج رحمة وهو جد الناشط الكسلاوى المعروف صديق رحمة... ارجو ان يكون بخير... مع ما أورده الأستاذ الأنصاري حول الفائدة التى جناها أبناء السودان فى الشرق من المشروع وقبلها استفادة أبناء الريف الارترى من العمل فى مشروع الجزيرة تجعلنا نرفع الأكف بالتضرع إلى الله بأن تتوقف طبول الحرب فى المنطقة وتعود المنطقة إلى سابق عهدها رخاءا ووعدا وتمنى لأبناء الشعبين الشقيقين.

انتهى عهد (انا التاريخ يصنعه رجال خلف ماسورة) للشاعر المبدع مدنى... نحن الآن مع المبدع حميد (أرضا سلاح) يرحمه الله.

كانت العلاقات بين كسلا وعلى قدر وثيقة جدا وكان هناك تبادل منافع بين بعض التجار والأعيان فى الجانبين خاصة فى فترة الانتداب البريطانى لارتريا وفترة تقرير المصير.. من مظاهرها أنه كان بعض التجار فى كسلا يدخلون فى شراكة مع نظرائهم فى الجانب الآخر فى الزراعة على سبيل المثال... من الأمثلة أن العم بلاتا جابر عمر يرحمه الله كان يمتلك اسهما فى السينما الوطنية بكسلا.

تمثلت العلاقات فى الجانب التعليمى فى أن بعض أبناء البلدة الذين كان لديهم الخيار لدراسة المرحلة الوسطى بين كسلا وكرن أن اختاروا أو أختار لهم الأهل كسلا.

بالنسبة للزين فقد حكى لى فى جدة عن الكيفية والطريقة التى التحق بها بالمرحلة الوسطى. ذكر ان مفتش انجليزى كان قادما من كسلا لعمل ما فى على قدر وقام بتسجيل زيارة لوالده بلاتا يس يرحمه الله... اثناء دردشة المفتش مع الوالد لاحظه فسأل الوالد عنه وسر وجوده والعام الدراسى قد بدأ أو يكاد فرد عليه الوالد بأنه لم يحسم بعد الوجهة التى سيبعثه إليها... رد المفتش وأقترح عليه أن يبعثه إلى كسلا وزاد أنه سيتوجه إليها بعد قليل ومستعد لتوصيله إليها... يقول الزين أن الوالد حسم أمره بسرعة وطلب منه توضيب حقيبته بسرعة... ودخل كسلا فى نفس اليوم فى لاندروفر المفتش الانجليزى.

طيلة زياراتى له فى منزله فى جدة فى مناسبة أو مغتنما فرصة اى زائر يطلب منى مرافقته كان هناك موضوع أود أن اسأله عنه... وما أن أصل إليه أجد نفسى مستمتعا بحكاياته وذكرياته فيفوت على أن أسأل. الموضوع هو اننى فى العام ١٩٨٦ تقريبا كنت فى زيارة لوزارة الإعلام فرع كسلا وتم تزويدى بنشرة صادرة فى تلك الفترة كان ضمن المقالات مقالة تتحدث عن تعليم البنات فى كسلا واليوبيل الذهبى له لفتنى اسم وارد فى المقالة لم أتأكد منه. اتجهت إلى سوق كسلا وصادفت أحد أبناء على قدر فسألته عن اسم أم الزين فأجابني... الست حواء آدم وسألنى.. ما الحكاية وسر سؤالى.

أجبته أن هناك معلومة قرأتها فى النشرة تتحدث بمناسبة اليوبيل الذهبى لتعليم البنات فى كسلا وتذكر أن أول معلمة فى مديرية كسلا هى الست حواء آدم وأنها من بلدة على قدر... تهلل وجه المناضل ابراهيم على نور.. ورغم أنه امى فقد طلب منى إعطاءه النشرة وهو يقول (عاوز الف سوق كسلا عشان اورى الناس أهمية القرية) كما يحلو لبعض أبنائها إطلاق هذا اللقب عليها.

اذن مع اهتمام اهل البلدة بأبنائهم فأن حظ الزين كان مضاعفا بأن يكون بكر الوالدة وربما كان ذلك سر التفوق الأكاديمي الذى كان بلا حدود.

لا أدرى اذا كان قد تم تكريم للست حواء يرحمها الله فى اليوبيل الذهبى أو الماسى لكن أذكر أنه كان هناك تكريم لمجموعة من المعلمين ضمنهم الأستاذ كجراى يرحمه الله فى مسرح تاجوج... ولا أدرى حين تمت الإشارة الى على قدر هل كان معد التقرير يعرف أن كانت بره ام جوة كما يصطلح اهل كسلا. على كل وكما أن رفاعة تعتز بعمادة تعليم البنات فى ١٩٠٧ يمكن لأهل كسلا أن يعتزوا بأنهم بدأوا تعليم البنات فى الثلاثينات من القرن السابق ويتذكروا الرائدة حواء آدم... يرحمها الله.

أكمل الزين دراسة المرحلة الوسطى فى كسلا التى كان فيها مدرستان هما الأهلية الوسطى والأميرية الوسطى وكان التنافس على أشده لمواصلة دراسة المرحلة الثانوية ولم تكن مدرسة كسلا الثانوية قد افتتحت بعد فى تلك الفترة من منتصف الخمسينات. درس معه من ابناء على قدر بعض اقاربه من آل قلايدوس وآل جابر ...الأخ محمد عثمان داير يتذكر حين درس فى الأهلية الوسطى أحد أبناء البلدة الذى كان زميله فيها وهو الراحل عثمان على أحمد والذى كان لفترة ممثلا لجبهة التحرير الأرترية فى الجزائر ثم أستاذا فى أحدى جامعاتها... وأخبرنى الراحل الكبير الأستاذ سيد أحمد محمد هاشم أنه درس فى الأهلية فى نفس الفترة الأرجح أن بقية الشباب درسوا فى الأميرية.

كان من الواضح أن هناك تنافسا بين الزين وابن عمته يحى جابر عمر عليهما الرحمة... فقد استطاعا منفردين أن ينجحا فى الألتحاق بحنتوب الثانوية التى كانت واحدة من أهم وأعرق المدارس الثانوية وخرجت كثيرا من قادة المجتمع... نميرى... نقد... الترابى.. وآخرين. من حنتوب أستطاع الزين بجدارة الألتحاق بجامعة الخرطوم ليدرس ويتخرج من قسم الكيمياء فى كلية العلوم بينما وجد يحى جابر وقتها فرصة للتوجه الى روما ودراسة الطب فيها ونجاحه فى ذلك ثم استشهاده فى يوليو ١٩٧٠ فى الميدان.

انهى الزين دراسته الجامعية فى العام الدراسى ٦٤-٦٥ كما يبدو... المناضل الأستاذ محمد نور أحمد ذكر فى لقاء مع الأعلامى النشط جمال همد أنه كان قد كلف بالذهاب الى الخرطوم للتعاون مع المكتب هناك بعد نجاح ثورة اكتوبر الشعبية وأنه هناك أستعان بالطالب الزين يس فى جامعة الخرطوم الذى أعانه فى التواصل مع مختلف القوى فى الجامعة التى كان يسعى للتواصل معها.

نواصل... في الجزء القادم

Top
X

Right Click

No Right Click