حَوْل جَدِّلية فَصْل الديِّن عن السياسة والبحث عن مخرج

بقلم الأستاذ: إبراهيم إدريس - كاتب إرتيري وناشط حقوقي (لوزان، سويسرا)

إن الدين الإسلامي ثقافة غالبة وحضارة تحمل في طيِّاتها جِيّنات البقاء وهي حِراك مُجْتمعي شامل وتيار يصعُب مقاومته ومحاربته،

ومنهج أخلاقي متكامل يُعنى بكافة مناحي الحياة، من أَدب الخروج إلي الخلاء إلي إدارة الشأن العام في الدولة، بكل مافيها من تناقضات وتنوع ثقافي وإثني وديني ومذهبي...

وإن الدين بهذا المفهوم يعتبر صمام أمان الشعوب في العيش بسلام والتحرر من شقاء وبؤس و ضبابية الرؤية وفقدان البوصلة والتيه والضلال بين تيارات فكرية واجتهادات بشرية يأتيها الباطل من كل حدب وصوب.

إن تيار الإسلام الحقيقي قادم بقوة، ويرى فيه الآخر مهدداً لقيمه الأوروبية والغربية و أصبح يعتنقه الناس أفواجاً وجماعات، ولن يصمد أمامه في الظروف الطبيعية أي تيار ديني آخر.

وما عادت فرِّية الإرهاب المزعوم بما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية ومن يعتنق الأفكار التكفيرية، وكذلك من غُلاة اليمين المتطرف المسيحي الذي يتمآهى معهم ويقوم بذات الأدوار المشبوهة، لأجندات سياسية تخص الداعمون لهم، حيث ما عادت كل هذه الخزعبلات تنطلي علي من له بصر وبصيرة.

وهولاء وأولئك لا يمثلون الإسلام ولا الديانة النصرانية ولا اليهودية في شئ..

إذن الحل المطلوب في دولة إرتيريا المستقبل، يَتمثَّل فقط في إشاعة مناخ الحريات لممارسة كل هذه الديانات والثقافات والأفكارالبشرية بما فيها الأفكار اليسارية والليبرالية والعلمانية والشيوعية.

دعوا كل تلك الفسيفساء الفكرية تتحاور وتتصارع وتتلاقح وتتجادل وتتجاذب،فيما بينها في غير مصادرة لحرية طرحها أو الحَجْر علي أياً منها أو الوصاية الدينية والمذهبية عليها، والفيصل دائماً هو أن ما ينفع الناس يَمكُث في الأرضِ والزبدُ يذهب جفاءاً، ولا يمكن محاسبة المنهج الديني بإسقاطات تجارب وتطبيقات البشر التي يَعْترِّيها الزلل وهوى النفس الأمارة بالسؤ، للحكم بفشل الدين في الحياة العامة، ولا يمكن مقارنة مجتمعنا المحلي في إرتيريا بالغرب النصراني في علمانيته الصارخة وبُؤس تَديِّنه لظروفه التأريخية التي تخُصه وحده من خلال تجربة الكنيسة ورجال الدين المسيِّحي وممارساتهم اليومية وتَدخّلهمْ في إدارة الشأن العام في الدولة وفقاً لأهوائهم ومصالحهم الشخصية ولأغراضهم الخاصة.

إن ما يسمى بالمسيحيين في إريتريا مجتمع محافظ ومتماسك الي حدٍ ما وأكثر تَديُّناً من الغرب المسيحيِّ، ولا أعتقد أن المسيحيين يَرغْبون بزَجِهم في هكذا جدل ومعركة في غير معترك بالمزآيدة علي تديُنهم وهدْيِّهم وسمتهم العام وأزعم أنهم شعب مسالم ومتعايش مع إخوته المسلمين دون الحاجة إلي النص علي دين الدولة إبتداءاً.

وحتى أن مقولة: (ما لقيصر لقيصر والدين لله والوطن للجميع) هذه المقولة لا تَعْصِّمنا من الصراعات والإختلافات الدينية إذا كانت هذه العبارة الوافدة والدخيلة علي ثقافاتنا معياراً لعلاقاتنا الإجتماعية البينية.

الخُلاصة عندي دعوا الشُعوب تتواصل فيما بينها وتَنْصهِر في بوتقة الوطن الجامع بسلام وحرية تتعايش كما كانت بكل مكوناتها الدينية والثقافية، دون الوصاية عليها أو فرض أي مشروع فكري مُعيَّن عليها.

وعَلُوا من قًِيّم التسامحُ والمحبة والتعاون والتعاضضُ فيما بينها بالحق والعدل وبنصرة الضعيف وإغاثة الملهوف وكفالة اليتِّيم.

واجعلوا من دولة المدينة المنورة نموذجاً للتعايش بين الأديان في معاملاتها التجارية وجُوارها الإنساني، وأنشروا قِيِّمْ الأخلاق كالصدق والأمانة والإحترام وحسن المعاملة وتوقِيّرالكبير والرحمة بالصغير أجعلوها رآيات تسمو في علياء الوطن.

في إطار دولة المواطنة وسيادة حكم القانون والعدالة بتجربة إريترية وطنية خالصة من واقعنا المحلي المُعاصِّر مُستلمهين من التراث الإجتماعي للأجداد والأباء قيِّم التسامح ومتانة العلائق التي كانت تَجْمعهُم، وذلك إحتراماً للتباين الديني والإثني والعرقي والثقافي حيثُ أن هذا التنوع يعتبر مصدر قوة للدولة الوليدة ويُؤدي إلي تماسك نسيجها الإجتماعي ويَعْصِّمها من الفتن والصراعات المذهبية والدينية.

فالشعب في دولة إريتريا ليس مسيِّحياً بالكامل كما أنه ليس إسلامياً خالصاً فضلاً علي وجود ديانات ومعتقدات أخرى.

* لأجل ذلك حوجتنا للحِكْمَةِ والتعامل بالحُسْنى بهذا الخصوص مُهماً جداً لإدارة شأننا الاجتماعي ومعاشنا وسلامنا الأهلي وأمننا السلمي في إطار الجغرافية الواحدة التي تجمعنا.

* وبصفة عامة ينبغي علينا عدم المزآيدة علي الأديان وإقحامها في اللعبة السياسية القذرة لتحقيق مكاسب سياسية آنية، لأن قيمة الأديان وبعثة الأنبياء والرسل جميعهم، جاءت لتَهذِّيب النفوس وتحقيق غايات العبودية في أسمى مراتبها ومعانيها الإنسانية وإن غاية الرسالات السماوية كلها لأجل: (إتمام مكارم الأخلاق).

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click